ثاني أكسيد الكربون تحذيرات جديدة.. أحمد الشربيني

ثاني أكسيد الكربون تحذيرات جديدة.. أحمد الشربيني
        

          دراسة جديدة للبنك الدولي تحذر من أن  انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وهي السبب الأساسي من صنع الإنسان وراء ظاهرة الاحترار العالمي، لا تزال في ازدياد، حيث يزيد ما يصدره العالم حاليا من هذا الغاز 16 في المائة عما كان يصدره في العام 1990.

          فقد أكدت بيانات عدد العام الحالي من  كتيب البيانات الأخضر 2007، الذي أصدره البنك الدولي بمناسبة انعقاد الجلسة الخامسة عشرة للجنة الأمم المتحدة المعنية بالتنمية المستدامة، والتي ركزت في مناقشاتها على قضايا الطاقة وتغيّر المناخ، أن الانبعاثات الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري وصناعة الأسمنت حاليًا (أحدث بيانات شاملة عن العام 2003)، قد صدرت بكميات متساوية من مجموعتي البلدان الصناعية والبلدان النامية. وفي العام 1960، لم تكن الانبعاثات الصادرة عن البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تشكل سوى ثلث الانبعاثات على مستوى العالم.

          والعدد السنوي الثامن لمطبوعة البنك الدولي «كتيب البيانات الأخضر 2007» هو مرجع سريع بحجم الجيب للبيانات البيئية والإنمائية الرئيسية في نحو 200  بلد، وذلك استنادًا إلى مؤشرات التنمية في العالم 2007. ويوفر نبذة عن مجموعات البلدان والمناطق والدخل مستوى أساسيًا للمقارنة بين حالة البيئة وصلتها بالاقتصاد والناس.

          ويوضح هذا التقرير أن الانبعاثات تزيد بوتيرة أسرع في البلدان الفقيرة، ولاسيما في شرق وجنوب آسيا. لكن هذا الاتجاه التصاعدي هو سمة أيضًا من سمات البلدان العالية الدخل. وتسجل الولايات المتحدة واليابان زيادات كبيرة للغاية في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون: 20 و15 في المائة على التوالي بين العامين 1990 و2003. أما بلدان الاتحاد الأوربي، فقد زادت 3 في المائة. وتتخلف البلدان الغنية، في مجموعها، كثيرًا عن الالتزام بتعهداتها في إطار بروتوكول كيوتو، الذي حدد نسبة خفض تصل في المتوسط إلى 5.2 في المائة بحلول العام 2012 عن مستويات الانبعاثات في العام 1990. وكان الاستثناء الوحيد هو بلدان أوربا الشرقية وآسيا الوسطى، حيث انخفضت الانبعاثات نتيجة للكساد الذي شهدته هذه البلدان في التسعينيات.

          وأظهر الكتيب أنه من بين مجموعة البلدان النامية، فإن الصين والهند هما أكبر بلدين من حيث الانبعاثات. فقد زاد انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في الصين بمقدار 1700 مليون طن بين العامين 1990 و2003 (بنسبة زيادة 73 في المائة)، كما زاد في الهند بمقدار 700 مليون طن (بنسبة زيادة 88 في المائة). وفي حين أن هذه الانبعاثات الصادرة عن الصين والهند تسهم بشدة في إجمالي الانبعاثات على مستوى العالم، فهي تمثل نسبة ضئيلة للغاية من حيث نصيب الفرد. إذ يمثل نصيب الفرد في المتوسط من هذه الانبعاثات في الصين والهند 16 في المائة و6 في المائة على التوالي من نصيب الفرد في الولايات المتحدة في المتوسط.

          و تصدر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أساسا من حرق الوقود الأحفوري وصناعة الأسمنت. ويوضح كتيب البيانات الأخضر 2007 أن هذا ينطبق بشكل خاص على البلدان الصناعية وعلى مجموعة من البلدان النامية السريعة النمو مثل الصين والهند. ويذكر التقرير أن الوقود الأحفوري (مثل النفط والغاز الطبيعي والفحم) يستخدم في توليد 66 في المائة من الكهرباء على مستوى العالم. وفي الشرق الأوسط، يرتفع نصيب الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء إلى 93 في المائة، وفي شرق آسيا والمحيط الهادئ وجنوب آسيا يصل إلى 82 في المائة. وعلى الناحية الأخرى تقف بلدان أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي حيث لا يستخدم الوقود الأحفوري إلا في توليد 38 في المائة من الكهرباء.

          ويقول ذكروارن إيفانز، مدير إدارة البيئة في البنك الدولي: «إن سياسة الطاقة ستلعب دورًا حيويًا في تحديد مستقبل الانبعاثات،  كما أن التكنولوجيا متوافرة بالفعل للحدّ من هذه الانبعاثات في قطاع الطاقة. وهي تشمل استخدام المحطات التي تدار بالفحم العالي الكفاءة واستخدام الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة المتقدمة».

          وفي بلدان العالم النامي، تنبعث غازات الدفيئة في الأساس من الأنشطة الزراعية وتغير استخدام الأراضي مثل إزالة الغابات. فعلى سبيل المثال، أوضح تقرير صدر أخيرًا عن البنك الدولي والحكومة البريطانية بعنوان «إندونيسيا وتغيّر المناخ»، أن إزالة الغابات تضع إندونيسيا في المركز الثالث على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة والصين كأكبر بلد من حيث انبعاث غازات الدفيئة. (وزارة التنمية الدولية البريطانية والبنك الدولي، «Indonesia and Climate Change»، ورقة عمل عن الوضع الحالي والسياسات، مارس 2007).

          ويقول إيفانز: «في المتوسط، ينجم عن تغير استخدام الأراضي والحراجة والزراعة انبعاث أكثر من نصف غازات الاحتباس الحراري في البلدان النامية مقابل 10 في المائة في البلدان الصناعية. ولكي يتسنى إنجاح أي اتفاق بشأن تغير المناخ بعد كيوتو، ينبغي على البلدان المتقدمة والنامية أن تأخذ في الاعتبار المنافع التي تنشأ عن وقف إزالة الغابات وأن تضع الآليات المالية اللازمة لنقل الموارد إلى البلدان التي تقوم فعليا بحماية غاباتها».وفي كلمة خلال حفل إصدار الكتيب، قال مارك رادكا، رئيس قسم الطاقة في برنامج الأمم المتحدة للبيئة: «يبرز كتيب البيانات الأخضر ضرورة تغيير الاتجاه المخيف لاستمرار زيادة انبعاث غازات الدفيئة. ولحسن الحظ، نحن نشهد فيما يبدو إدراكًا متناميًا للمشكلة واستعداًدا متزايدًا للتحرك. وعن طريق توفير هذا الكم الكبير من المعلومات، لا يمكن لكتيب البيانات الأخضر إلا أن يثير هذا الاهتمام».

          وتحدثت جاكلين كوت، كبيرة الاستشاريين للدعوة وعلاقات الشراكة في مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة، أيضا في حفل الإصدار قائلة: «كتيب البيانات الأخضر 2007 يؤكد ضرورة التغيير السريع والجذري لنظام الطاقة العالمي. فمثل هذه البيانات لا تشجع فحسب التفاهم المشترك بين أصحاب المصلحة الحقيقية من دائرة الأعمال ومن خارجها، لكنها تساند أيضًا التزام دوائر الأعمال المتنامي بمشاركة الحكومات المعنية في وضع إجراءات ذات صلة بقضايا الطاقة وتنفيذها على أن تقاس على أساس الأهداف الثلاثة المنافسة وأمن الطاقة والبيئة».

          ويظهركتيب البيانات الأخضر 2007 أن إزالة الغابات أصبحت من سمات البلدان الفقيرة. ففي الفترة بين العامين 1990 و2005،  فُقد نحو 45 ألف كيلومتر مربع من الغابات في البلدان المنخفضة الدخل (بمعدل إزالة يصل إلى 0.5 في المائة سنويا) و38 ألف كيلومتر مربع في الشريحة الدنيا من البلدان المتوسطة الدخل (بمعدل إزالة يصل إلى 0.16 في المائة سنويا).

          وكما يذكر كيرك هاميلتون، الخبير البيئي الأول في البنك الدولي وكبير مؤلفي هذا الكتيب، فإن: «إزالة الغابات ليست سببًا لتزايد انبعاث ثاني أكسيد الكربون فحسب، لكنها في حد ذاتها من تبعات الفقر. فالغابات المدارية المطيرة تتقلص بمعدل مخيف بسبب حاجة البشر إلى الطعام والطلب على الأخشاب والطاقة والمعادن وغيرها من الموارد. وتضم الغابات ما لا يقل عن نصف أشكال الحياة على وجه الأرض، ومع استمرار إزالة الغابات يتأثر التنوع البيولوجي على الأرض تأثرا شديدا».  وخلص هاميلتون إلى أنه: «يوجد إدراك متنامٍ بأن إدارة الغابات بصورة تتسم بالحكمة هو أمر بالغ الأهمية للتنمية المستدامة، ولا سيما حيث يعتمد الاقتصاد المحلي أو الوطني اعتمادًا مباشرًا على استخدام موارد الغابات. وعلاوة على ذلك، للنظم الإيكولوجية للغابات آثار ضخمة على التربة والمياه والإنتاجية البحرية الساحلية في مناطق شاسعة. ولها تأثير ضخم أيضًا على دورة الكربون في العالم والتي تلعب دورًا حاسم الأهمية في تنظيم الأحوال المناخية محليًا وعالميًا». ويستلزم الحد من إزالة الغابات توفير الكهرباء للمجتمعات المحلية. ففي إفريقيا جنوب الصحراء، يبلغ نصيب الفرد من استهلاك الكهرباء 550 كيلووات/ساعة، وهو ما يقل سبع مرات عن المتوسط في البلدان المرتفعة الدخل حيث يصل نصيب الفرد من استهلاك الكهرباء إلى 3454 كيلووات/ساعة.  إن زيادة القدرة على الحصول على الكهرباء يعني بدوره تقليل الاعتماد على الوقود التقليدي. وفي الوقت الراهن، لا يزال خشب الوقود يمثل المصدر الرئيسي للطاقة لنحو بليوني شخص في البلدان الفقيرة. وترتبط الكتلة الحيوية الصلبة بمشاكل في التنفس بسبب الدخان المتصاعد في الأماكن المغلقة. ومعظم الضحايا هم من الرضع والأطفال والنساء في الأسر الريفية الفقيرة. وتنتشر بين الأطفال التهابات الجهاز التنفسي الحادة وبين النساء أمراض الشعب الهوائية المزمنة. ويفيد الكتيب بأن 56 في المائة من إجمالي استخدامات الطاقة في إفريقيا جنوب الصحراء يأتي من الكتلةالحيوية التقليدية. وإذا تم ترتيب بلدان العالم، فستكون البلدان العشرون الأولى بلدانًا إفريقية، باستثناء نيبال (الرابعة على القائمة) وهايتي (الحادية عشرة) وميانمار (الثانية عشرة).

 

أحمد الشربيني   





انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تزيد 16 في المائة عما كانت عليه عام 1990





لا يزال خشب الوقود يمثل المصدر الرئيسي للطاقة لنحو بليوني شخص في البلدان الفقيرة





الانبعاثات الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري وصناعة الإسمنت حاليا تصدر بكميات متساوية من مجموعتي البلدان الصناعية والبلدان النامية





إزالة الغابات وتغيّر استخدام الأراضي من أهم أسباب الظاهرة في العالم النامي





ازالة الغابات سنويا (1990 - 2005)





الوقود الأحفوري هو المصدر الرئيسي لتلك الانبعاثات في البلدان الغنية والاقتصادات الناشئة