صنع في فلسطين مطالعة سياسية وشكلية.. فاطمة الحاج

صنع في فلسطين مطالعة سياسية وشكلية.. فاطمة الحاج
        

جيمس هاريثاس James Harithas شخصية نادرة تعمل منذ 15 عامًا في مجال الفنون التشكيلية. فالمعارض التي يعمل على إقامتها، هي بحد ذاتها حدث، لما تشكّله من سير عكس التيار، وأي تيار جارف هذا، كانت حصيلة هذا الكتاب «صنع في فلسطين».

          هذا السير المعاكس يعني الكثير لمتتبعي الحركة التشكيلية هناك، لأن الكثيرين يحجمون عن إقامة مثل هذه المعارض.

          القصة بدأت مع اهتمامات مدير متحف هيوستن جيمس هاريثاس James Harithas، لرسوم السجناء السياسيين في الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة السود منهم والمكسيكيين. هذا البحث الدائم عن المعاناة الإنسانية لتسليط الضوء عليها، قاده للبحث في المعاناة الفلسطينية، وما لهذا الشعب من مآس يطاول الأساطير، فيمخر عباب النفس البشرية الحرة، هذه النفس التي لم تسيّج نفسها بشريط شائك من الحقد، وبحائط يعلو ويمتد كلما تجذّرت العنصرية، إنها مثال الحالة الطليقة النادرة، التي تمثلت في إصرار جيمس هاريثاس James Harithas على المضي في بحثه الجاد والحقيقي عن المعاناة البشرية أنّى وجدت. الفكرة بدأت عنده بإقامة معرض من أجل فلسطين، فيدعو لذلك فنانين عالميين.

          على الإنترنت وجد اسم الفنانة سامية الحلبي، تم الاتصال بها، وبدأ العمل معها، ولكن ضمن تغيير في الخطة، وهي دعوة الفنانين الفلسطينيين للعرض في هيوستن بدل الفنانين العالميين. وضمن شرط من قبل الفنانة الفلسطينية: هو عدم إقامة معرض إسرائيلي بالتوازي مع المعرض الفلسطيني، وكان الاتفاق.

بداية الرحلة

          بدأ المشوار بالذهاب إلى فلسطين، والاتصال بالفنانين مباشرة: مدير المتحف صحفي مع منسقين اثنين، بالإضافة إلى الفنانة سامية الحلبي، وقادهم التفتيش عن الفن الفلسطيني إلى خارج الأراضي الفلسطينية، فذهبوا إلى دمشق للبحث عن أعمال الفنان التشكيلي مصطفى الحلاج. كما التقوا أيضًا بزهدي العدوي ومحمد الركوي، اللذين كانا من سجناء عسقلان. اختاروا الأعمال، وذلك بغض النظر عن كلفة الشحن الباهظة لهذه الأعمال إلى هيوستن، وعن أحجام الأعمال الكبيرة. وتم الحدث في متحف هيوستن بتكساس The Station Museum Houston Texas سنة 2003 بكلفة تزيد على نصف مليون دولار.

          وكان ما هو متوقع: قاطعت الصحف الأمريكية المعرض في البداية، ودارت نقاشات حادة مع مدير المتحف.

          وبعد مرور شهر على المعرض، بدأت الصحافة الكتابة بمقالة اعتبرت المعرض إرهابيًا، ربما مدافعة عن أرييل شارون لما للوحة الفنان عدنان يحيى من دلالات. هذه المقالة جعلت الناس تتوافد لرؤية المعرض «شكرًا للكاتب» تقول سامية الحلبي، لأنه أعطى المعرض شهرة دون قصد منه.

          وقع المعرض كان متفاوتًا لحد أن البعض من زواره تأثر حتى البكاء.

          ولكن بعض الصهاينة ممن جالوا في المعرض، امتعضوا واستنكروا معتبرين أن ذلك يعمل على تشويه صورة إسرائيل.

          ثم بدأ العمل على الخطوة التالية، ألا وهي تجوال المعرض في بعض الولايات الأخرى، فتمت دعوة عدد كبير من المتاحف هناك لاستضافة المعرض، فأرسل09 مغلفًا متضمنًا لصور المعرض. الرفض الكلي من الجميع: «نخسر تمويل متاحفنا»، جواب واحد كان هو السبب.

          وكان لابد من التحرك والعمل بشكل فردي لدعم متابعة التجوال، هذا ما تشرحه سامية الحلبي. فبدأت بالعمل مع بعض الأمريكيين القلائل المؤيدين للقضية الفلسطينية، والقضايا العالمية المحقة، بالإضافة إلى بعض الأشخاص في الجالية العربية. جمعوا بعض التبرعات من إقامة حفلات ومآدب يعود ريعها لاستمرارية تنقل المعرض. فحاولوا جمع مائة ألف دولار أمريكي. وتم العرض على التوالي:

          في سنة 2005 تم المعرض في سومارتس بسان فرانسيسكو Somarts, San francisco.

          في سنة 2005 أيضًا كان المعرض في  T.W. Wood Gallery, Montpelier Vermont.

          في سنة 2006 كان المعرض في Bridge Gallery, New York، حيث كان في المعرض افتتاح رائع شاهده حوالي خمسة آلاف شخص، وبدأ النقد البنّاء للمعرض بأنه جاء نتيجة حتمية لمعاناة الشعب الفلسطيني، الذي أسّس لفن تفاعلي، بغض النظر عن المكان والزمان. من ضمن هذه المقالات في أشهر مجلة أمريكية متخصصة في الفن التشكيلي: Art in America.

          والآن تريد السفارة الفنزويلية في تكساس إقامة المعرض في حرمها. 

          ماذا فعلنا؟

          بعد كل هذه الظروف الصعبة، التي مرت بها هذه المجموعة، وهذه المكابدة والسعي من خلال هؤلاء الأشخاص المصممين على العمل عكس التيار السائد، هنا يتكشف لنا مدى تقصيرنا بحق أنفسنا وبحق أجيالنا الحالية والقادمة.

          فماذا نجيبهم عندما نُسأل: «ماذا فعلتم، ولماذا اكتفيتم بكونكم مفعولاً به، دون الارتقاء إلى مصاف الفاعل؟». ولماذ تبقى الحالة الفردية هي سمة العمل عندنا، وأين دور الجماعة والمؤسسات، ولم لا تعمل متعاونة؟

          مقتني اللوحات يعيش في الولايات المتحدة، من أصل لبناني، يُدعى السيد نعيم فرحات، اشترى نسبة حوالي 80 % من مجموع الأعمال وضمها إلى مجموعة الخيام، ومجموعة الخيام هذه تضم أعمالاً لفنانين عرب وأجانب، أنجزت في الخيام سنة 2001 وبالذات في المعتقل الذي أقامته إسرائيل للتعذيب إبان احتلالها للبنان، وقد احتوى على أماكن لكل أنواع التعذيب.

          وأصبح هذا المكان مزارًا للناس من كل أنحاء العالم، وشاهدًا على حضارة إسرائيل القائمة على الوحشية. وكان من المفترض أن يتحول هذا المكان إلى متحف يضم أعمال السنبوزيوم الذي أقيم هناك في الذكرى الأولى لاندحار إسرائيل عن لبنان. ولكن إسرائيل قامت بتدميره بالكامل في حرب يوليو2006، لتمحو بذلك آثار ثقافتها. ولكن السيد نعيم فرحات مقتني هذه اللوحات الفنية كان قد أخرجها من المعتقل ووضعها في مكان آمن، قبل العدوان، متعهدًا بإقامة متحف لها في جنوب لبنان، وسوف يضم إليها ما اقتناه من مجموعة «صنع في فلسطين» Made in Palestine.

          وفي اتصال هاتفي مع صاحب هذه المجموعة، عن سبب رفض هيئات المتاحف في الولايات المتحدة عرض هذه المجموعة، كان ردّه هو خوفهم من خسارة دعم وتمويل المتاحف الأمريكية من قبل الأشخاص والمؤسسات على السواء لأنه يشوّه صورة إسرائيل.

          كما أخبرني بأن الضجة التي حصل المعرض المذكور عليها  «Made in Palestine» أدّت إلى الطلب إليه السماح بعرض هذه المجموعة خارج الولايات المتحدة الأمريكية في إيطاليا وبريطانيا وفنزويلا.

          ماذا أخافهم يا ترى كي يحجموا عن عرض مثل هذه الأعمال؟! أهي علبة الذخيرة المملوءة بالحجارة (صفحة 33)، بعد أن أُفرغت محتوياتها من الذخيرة الحية في رءوس وصدور أطفال فلسطين. فنستنتج بأن الحجر أشد إيذاء من الرصاص.

          أم فساتين الحداد والامتداد الأسود المتدلي منها مشكّلاً ما يشبه النهر المتموج، ربما خافوا أن يجرفهم نهر الحداد الأسود (صفحة 43).

          أم عيون مصطفى الحلاج المليئة غيظًا، التي ربما ستلاحقهم طالما بقي للفن دور في التفاعل (صفة 64).

          أم أحلام سامية الحلبي في ألوان زيتونها وبرتقالها، راسمة حدود وطنها عندما أرغمت على تركه سنة 1948 إلى لبنان، وفي سنة 1951 إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ولها من العمر 51ربيعًا، (صفحة 60 - 61).

          أم تذكيرهم بأسماء المجازر والقرى المدمرة المطبوعة على خيمة: رمز تهجيرهم (صفحة 24) أم حكاية انتفاضة جنين (صفحة 39)، بعد أن ثقل حملها لأشلاء بيوتها المدمرة، والتي تحولت بدورها إلى حجارة الانتفاضة.

          أم خوفهم من قيامة «إسماعيل» من خلال تشققات الطين (صفحة 34 - 35).

          أم من تطاول وتتابع الحائط المزدان بالشهداء، مقابل حائطهم المفرّغ من كل داعٍ ومعنى، إلا من عزلة الصهيونية، والتفرّد بتعصبهم وحقدهم المتطاول (صفحة 14).

          سؤال برسم الإجابة: هل سيجول المعرض في الدول العربية؟

          صاحب المجموعة السيد نعيم فرحات يجيب: على الأكيد في بيروت مع مجموعة الخيام وقد تمّ الاتصال بأصحاب الشأن لذلك.

          ولكنه يفضل أن تكون بيروت محطته الأخيرة، ومستعدّ لعرض المجموعة في أي دولة عربية ترغب في ذلك.

 

فاطمة الحاج   





غلاف كتاب «صنع في فلسطين»





عبد الحي مسلم «صبرا وشاتيلا»- 1975 اكريليك على خشب شاهد من الرعب والقتل في المذبحة الشهيرة





محمد عبده سال «أجسام غريبة » -2002، اكريليك على ورق. هذا ما يتبقى من الذاكرة من كل الدبابات والألات الحربية التي تدمر الارض





عدنان يحيى «الولايات المتحدة الأمريكية» - 1998، اللوحة التي أثارت ضجة في المعرض عن شارون وهو يتسلى بقتل الاطفال الفلسطينيين





لوحة من أعمال الفنان عبد الرحمن المزين «حبر على ورق». فلسطين بكل ما فيها من بيوت ونخيل وذكريات وأسى





فيرا وتمادي «حكاية الشجرة » - 1999م، خزف ورسوم على الزجاج. اشجار فلسطين العتيقة لن تموت