كيف نحمي الثقافة في هذا العصر؟

كيف نحمي الثقافة في هذا العصر؟
        

          كتبت الدكتورة الفاضلة عواطف عبدالرحمن مقالاً تحت عنوان: «الإعلام العربي هل يقدر على حماية الثقافة؟»، في العدد (577) ديسمبر 2006 من مجلة «العربي»، وتعقيبًا على هذا المقال، أرى أن الانقطاع المبكر عن حركة التاريخ، وحال الجمود العظيم قرونًا طوالاً، وعدم مواكبة النهضة الأوربية منذ بدايتها بسبب حوادث الأزمان، وحال إدمان التخلف المريع الذي ترسّب فوق عقل المجتمع العربي، شكلت حتمية تاريخية، دفعت المجتمع إلى التحول إلى بدائيته الأولى، والانتهاء بدورته التاريخية، التي انقضت فيها الأقوام الهمجية منذ سقوط بغداد 656هـ، وما تلاها، من خلال تشرذم إقليمي وطائفي وأمور أخرى. عندما انقضت هذه الحقب، ثم استيقظ العقل العربي من رقاد أهل الكهف، فنهض مفلسًا ليجد أن الأمم القريبة عليه جغرافيًا، والأوربية تحديدًا، قد سبقته بقرنين إلى ثلاثة على الأقل، فأصبح في حال عجز وعقم عن اللحاق بها. وجد أن الأمية قد تفشّت به لدرجة مهولة.

          ومن الطبيعي عندما ظهرت كوكبة المصلحين في نهاية القرن التاسع عشر، والقرن العشرين أن تصوّب أنظارها إلى الحضارة الأوربية الجديدة، التي رفعت رايات الحرية، العدالة والمساواة، والفكر الليبرالي المتمثل بالديمقراطية الحديثة.

          من هنا كان عليهم أن يأخذوا بالمشروع الثقافي الأوربي الاستعماري الوافد بسبب الإحباط، وفقدان مشروعهم الحضاري الذي أصبح بينه وبينهم بون شاسع وتغيير في الأزمان، وبزوغ حضارة أوربية حديثة تتلاءم مع العصر الحديث، لقد أصبحت هذه الحضارة هي الملاذ والمخلص.

          والآن ظهر هناك مَن يدعو بعد كل هذا التخبّط إلى نهوض عربي في مواجهة ثقافة تلتزم بالثوابت العربية عبر برامج مشتركة تلتزم الدولة العربية بتنفيذها.

          فما هي الاستراتيجية الثقافية البديلة في عصر توغلت فيه العلوم والتكنولوجيا الرقمية؟ وهل نستطيع أن نتخطى هذا الكمّ الهائل من المعلوماتية؟ إن هناك أممًا سبقت العرب في النهوض الحضاري واجتازتهم كاليابان والصين والهند، وبالرغم من خصوصيتهم، لم يستطيعوا أن يجلبوا شيئًا يذكر، بل اندمجوا في النمط الأوربي والأمريكي، ولنسأل هنا النخب العربية المثقفة، من أين جاءت بثقافتها؟ ومنهاجها في العلوم والأدب والفنون - رسام، ونحات، ومسرحي - دون أن يتأثر بالفنون الإيطالية والألمانية، وأيّ شاعر فحل لم يتأثر بالشعر الإنجليزي والفرنسي؟

محمود الحلي
مدينة الحلة / العراق