كان نمط الحياة لهتلر فيه خصال خاصة مستغربة، فقد حاول أن يصبح
رسامًا، وسافر إلى فيينا لدراسة الفن، لكنه أخفق في امتحان القبول بأكاديمية الفنون
الجميلة، وعاش هناك حياة بوهيمية، في كسل وتسكع ما بين سنوات 1907 - 1912. أزرى
حياة النظام والمواظبة الذاتية، انغمس بملء نشاطه بالهندسة المعمارية، وآمن بحقيقة
براجماتية، وحاز براعة تامة في هذا الأمر حتى حصل على نتج صنائعه التي يعلم عنها
مالا يعلمه الآخرون.
شدّد على الالتزام الألماني لأهدافه الاستراتيجية، لاشيء كان يُعادل
بأن يُرى كتجسيد للرايخ الثالث، لأنه رأى بأم عينيه اجتياز بلده لأزمات سياسية
واقتصادية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918، وعانت بلاده التضخم
والبطالة، وبدّل كثير من الألمان ولاءاتهم من حكومة جديدة حلت محل الحكومة الملكية،
التي هيمنت على ألمانيا فترة طويلة (1871 - 1918) إلى مجموعات سياسية تنادي
بتغييرات راديكالية، ومن هذه المجموعة (حزب العمال الألماني)، سرعان ما انضم هتلر
إليها، حيث وصل سريعاً إلى رئاسة الحزب، وغيّر اسمه إلى حزب العمال الألماني
الاشتراكي القومي عام 1920.
اقتطع المؤلف وقتًا طويلاً من مهنته الأكاديمية ليقف كشاهد وخبير
أساسي، ليقارع ندًا له دافيد إرفينج David Irving، عندما شهّر في عام 2000
بالهولوكست، وفي كتابه الأخير، وهو الكتاب الثاني لثلاثيته المشهورة حول النازية،
يعرض لنتائج أحكامه قبيل سنوات من نشوب الحرب العالمية الثانية بأسلوب رصين، بجدل
مؤثر وفصول منظمة بموضوعات مختلفة.
ألقى المؤلف المزيد من الضوء على ترتيب الحوادث تاريخيًا، وقد زوّدنا
بالقليل من التفصيلات القائمة على التجربة دون النظريات.
وكان الجيستابو (الشرطة السرية) يطارد الأعداء والمعارضين
للحكومة.
وسّلم المؤلف بصحة مقدار المشاركة في الأفعال الإجرامية، وعلى مستوى
قومي، لكنه رفض أي ادّعاء شامل بأن الألمان بجملتهم جلادون، وعلى أهبة الاستعداد
لتنفيذ أوامر هتلر. ويحكي لنا المؤلف كيف سحقت حركة تمرّد في التو، قام بها
الشيوعيون والديمقراطيون الاشتراكيون، بعضهم أودعوا إلى السجون، والآخرون زجّ بهم
إلى غياهب المعسكرات. المعاملة السيئة كانت نظامًا ممنهجًا، القضاة والمحامون الذين
يلتزمون بأصول المحاكمات كما يجب - قانونيًا - تم إبعادهم بطريقة خشنة، حذرت إحدى
الصحف الناطقة باسم النازي أي إنسان أن يلقي نظرة على سور معسكرات
الاعتقال.
ألمانيا تستعد للحرب
الإلحاح من هتلر هو وسواس يتملّكه على الدوام، يتمثل في إعادة
التسليح، الاستقلال الاقتصادي ومن ثم الغزو، حيث أرسل قواته عام 1936 إلى منطقة
الراين، وفي مارس 1938 اجتاحت قواته النمسا، وأصبحت جزءًا من ألمانيا، وأعقبها
تشيكوسلوفاكيا، ثم بولندا في الأول من سبتمبر 1939، وفي ربيع 1940 دخل بسهولة
الدانمرك، هولندا، بلجيكا، لوكسمبورج، وفرنسا، وأصبح على مشارف الاتحاد السوفييتي.
لم يتسع وقته للاستماع للمثقفين (حتى أن وزير دعايته، جوبلز، كان يردد: «كلما سمعت
كلمة مثقف أتحسس مسدسي»)، وتم دفع الطلبة للخدمة التطوعية في مجالي الصناعة
والزراعة حتى يشتد عودهم ويصلب بنيانهم، وبالنسبة للإنسانيات وحتى العلوم، فلم يكن
هناك تمويل لهم، بينما كان الرايخ الثالث في حاجة ماسة إلى التقنية المتقدمة للقوات
المسلحة والاقتصاد، فقد فضّل التدعيم المالي لمؤسسات صناعية عملاقة.
في الوقت نفسه، كان قادة النازي منصرفين كليًا نحو التعبئة المعنوية،
وبالنسبة للسيدات رغب القادة في أن يبقين في مساكنهن والاهتمام فقط بأطفالهن
وأسرهن، أما الرجال فرغبوا عن طيب خاطر في حمل السلاح، وبخصوص الأطفال، فقد تم
إرسالهم إلى منظمات الشباب ينصهرون في بوتقتها حتى يكونوا في خدمة الــ«الفوهرر»
وهو لقب هتلر.
زادت التوترات الداخلية للرايخ الثالث من تمرّسه، دون حرب، حيث أصبح
من العسير التحكم فيها، لم ير هتلر أي مشكلة في هذه الحرب التي زج نفسه إليها، كان
شديد التسلط، قوى الشهوة نحوها. أسكرته سنوات النصر الجغرافي، بعد أن ظن في نفسه
أنه معصوم من الخطأ، اعتقد بحماقة أن الآخرين في أوربا يفتقرون إلى الإرادة التي
تقاوم، وقاوموا بصورة ناجعة، وقاوم هو الآخر، وبدأت المقاومة الألمانية تخور...
وتذبل إلى أن وصلت لتلقى حتفها مع من أجج نيرانها، إلى أن استسلمت عام 1945، وفي
الثلاثين من أبريل 1945، انتحر هذا الرجل مع زوجته، ثم كان الاستسلام النهائي بعد
ذلك بسبعة أيام.