ياسينت ريغو «لويس الرابع عشر»

ياسينت ريغو «لويس الرابع عشر»

ياسينت ريغو هو الرسام الذي ساد الحياة الفنية في باريس لأكثر من نصف قرن، ويعتبر خير ممثل لما كانت عليه المدرسة الكلاسيكية الفرنسية في أواخر القرن السابع عشر وبدايات القرن التالي. وتعود هذه المكانة بالدرجة الأولى إلى الصور الشخصية التي رسمها، والتي تميزت بغزارة لا مثيل لها، وإتقان لامس حدود الكمال.

الرسام الذي ولد عام 1659 وتوفي عام 1743، وتعود أولى لوحاته الموثقة إلى عام 1681، ترك لنا كشفًا مدونًا بالشخصيات التي رسمها، والتي فاق عددها الألف، إضافة إلى إنتاج نسخ متعددة من اللوحة الواحدة في بعض الأحيان.

وبموازاة هذه الغزارة في الإنتاج، هناك ولع الرسام بالأمانة في نقل الوقائع والتفاصيل بدقة، إلى درجة أن المؤرخين يعتبرون لوحاته أفضل ما وصلنا من وثائق صادقة عما كانت عليه الموضة في عصره. ومن اللوحات التي لا يمكن الفصل بينها وبين اسم الرسام صورة الملك لويس الرابع عشر، التي رسمها في العام 1701 في رداء التتويج.

تكاد هذه الصورة أن تكون صورة للأبهة الملكية كما تتجلى في «الملك الشمس» أكثر مما هي صورة شخص. فالملك المرسوم بمقاسات تتجاوز قليلًا المقاسات الطبيعية (عرض اللوحة 194 سم وارتفاعها 277 سم) تبدو ككتلة ضخمة من قماش المخمل الكحلي المطرز بالزنابق الذهبية (شعار آل بوربون)، والمبطن بالفرو الأبيض. وهذه الكتلة المخملية التي تتسع في الأسفل لتخرج من إطار اللوحة، يعلوها وجه الملك، الذي كاد أن يكون صغيرًا على هذا اللباس الفضفاض، ولكن الرسام برع في معالجة الأمر من خلال رفع الشعر المستعار قليلًا إلى الأعلى.

أما الوضعية التي يتخذها الملك، والتي كانت مبتكرة تمامًا، فقد تحولت لاحقًا إلى نموذج يحتذى حتى عند نابوليون بونابارت، واليد على الخاصرة حتى زمن موسوليني في إيطاليا.

ومحتويات المكان الذي يقف فيه الملك (كرسي العرش، عامود من الغرانيت يحمل في أسفله نحتًا يرمز إلى العدالة، التاج، الصولجان، ستارة علوية من المخمل الأحمر) أصبحت كلها لاحقًا من مستلزمات صور ملوك أوربا وصولًا إلى الصور الرسمية لإمبراطورة روسيا كاترين الثانية.

وتتخذ صورة الأبهة في هذه اللوحة صفتها المطلقة (مثل السلطة التي منحها الملك لنفسه)، من خلال المواد الفاخرة التي لا يظهر غيرها هنا: المخمل، الفرو، الحرير، الذهب، الغرانيت، البرونز... وحتى الياقوت بلونيه الأزرق والأحمر الذي يرصع سيف الملك.

وبمناسبة الحديث عن الألوان، تجدر الإشارة إلى أن العلم الملكي الفرنسي كان مؤلفًا آنذاك من صورة الوسام العقد الذي يتقلده الملك هنا، بالألوان الثلاثة الأحمر والأزرق والذهبي على خلفية بيضاء- الأمر الذي يفسر إلى حد بعيد منطق الألوان في هذه اللوحة، التي أثارت إعجاب الملك لدرجة جعلته يأمر الرسام بإنجاز نسخة ثانية عنها لتعليقها في قصر فرساي، لأن هذه رسمت أصلًا لقصر اللوفر.
---------------------------------------
* ناقد تشكيلي من لبنان.

 

عبّود طلعت عطية*