الغرب... بعيون عربية

الغرب... بعيون عربية

في ظل الجدل المحتدم في الشرق والغرب حول علاقة الأنا بالآخر وطبيعة هذه العلاقة, وفي الوقت الذي يذكي فيه دعاة الإقصاء على الجبهتين نيران التصادم بين الحضارات, جاءت الندوة الفكرية السنوية الموسعة لمجلة (العربي) في موعدها تماما.

إذ كان موضوع الندوة, التي نظمتها العربي برعاية سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الأحمد في الفترة من 27 إلى 29 ديسمبر الماضي, هو (الغرب بعيون عربية). هذه الندوة السنوية هي الثالثة, بعد ندوتين سابقتين تناولتا قضايا النشر الإلكتروني وثقافة الطفل العربي. ومن المقرر أن تصدر أبحاث الندوة الحالية ـ كسابقتيها ـ في سلسلة كتاب العربي.

وقد سلطت الندوة الضوء على الكيفية التي نظر بها مثقفونا إلى الغرب من خلال أدب الرحلات, خاصة في عصر النهضة العربية الأولى, وما يعنيه ذلك بالتالي من إعادة مناقشة التصورات المطروحة حول العلاقة بين شعوب المنطقة وغيرها من شعوب العالم. وهي قضية شديدة الأهمية في ظل التوتر الذي بات يخيم على العلاقة بين الشرق والغرب.

ولعل خطورة القضية التي ناقشتها الندوة تبدت في الاهتمام الرسمي الكويتي من أعلى المستويات في الدولة, حيث استقبل راعي الندوة رئيس مجلس الوزراء وفدا من الضيوف, كما شارك في افتتاح الندوة ومناقشاتها عدد من الوزراء, فضلا عن تغطية إعلامية عربية ودولية غير مسبوقة من ناحيتي الكثافة والاتساع, وحضور حاشد لرجال السلك الدبلوماسي والأكاديميين والمثقفين.

وجاءت الرسائل واضحة من حفل الافتتاح. فوزير الإعلام محمد أبو الحسن أشار إلى: (إن الموضوع الذي تطرحه هذه الندوة الثقافية, لا تنحصر آثاره بين جدران هذه القاعة, ولا يقتصر فقط على الجانب الثقافي, ولكنه يمتد ليشمل كل جوانب علاقتنا بالآخرين, وتركز هذه الندوة بوجه خاص على علاقتنا مع الغرب بمعناه الحضاري, الذي يضم أوربا وأمريكا معا. وهي علاقة طويلة امتدت من تخوم العصور الوسطى, حتى مشارف القرن الواحد والعشرين. شهدت شداً وجذباً, ومواقع ومعارك, ونقاطاً كثيرة للتلاقي, ونقاطاً أكثر للاختلاف..). وأضاف الوزير: (وحتى الآن فإن صخب الصراع يعلو على صوت الحوار, وتبادل الاتهامات لم يترك لنا مجالاً للتفاهم حول ما يهمنا من قضايا. وعلينا أن نعترف أننا حتى الآن لم نجد الصيغة التي نستطيع بها أن نتفاهم مع هذا الغرب. وهو قصور من الجانبين في اعتقادي).

أما رئيس تحرير (العربي) الدكتور سليمان العسكري فقد أكد أننا: (عندما اخترنا الغرب بعيون عربية عنوانا لهذه الندوة, تساءل البعض ما أهمية أن نعود للماضي في اللحظة التي يجب أن ننظر فيها إلى المستقبل? وما أهمية الطريقة التي نظرنا, أو ننظر بها, إلى الغرب في ظل العولمة وثورة المعلومات والاتصالات, وفي ظل مسعى غربي لفرض هيمنته الثقافية علينا, وإلغاء هويتنا الثقافية? لكن الأمر ليس بهذا التبسيط المخل. فالقضية, من وجهة نظرنا, تصب في صلب أسئلة المستقبل. إذ إن الكيفية التي نظرنا, أو ننظر بها, إلى الغرب لا تعني الماضي فقط, بل هي تجسد ما نريده من المستقبل, لأنها تنطوي على رؤيتنا, أو رؤانا المتعددة, للذات والآخر وللعالم من حولنا. ومن هنا تنبع أهمية هذه الندوة, حيث تجتمع نخبة من العقول العربية المبدعة تناقش وتقيم حصاد تفاعل الفكرين العربي والغربي).

ومن جانبه شدد الدكتور جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة في مصر على أن: (اختيار العنوان الذي أرادته العربي للندوة... هو اختيار نابع من رسالة المجلة في إخلاصها لأهدافها القومية والإنسانية, وأتصور أن هناك أكثر من دلالة في تخصيص ندوة لهذا الموضوع, خصوصا في هذا الوقت الذي تعاني فيه أمتنا العربية من تحولات جذرية على المستوى القومي, وتغيرات غير مسبوقة على المستوى العالمي.

وقد شهد حفل افتتاح الندوة تكريم مجلة العربي لعدد من الشخصيات والمؤسسات التي كان لها إسهام بارز في تواصل ثقافتنا العربية مع الثقافات الإنسانية الأخرى. وقدم وزير الإعلام محمد عبدالله أبو الحسن ورئيس تحرير العربي الدكتور سليمان العسكري شهادات التكريم ودروع التقدير للمكرمين الذين قدموا من المغرب ومصر وفلسطين والإمارات والكويت ممثلين للثقافة العربية من المحيط إلى الخليج.

والشخصيات المكرمة هي الأستاذ الدكتور عبد الهادي التازي المؤرخ العربي الكبير ومستشار جلالة ملك المغرب, تقديرا لدوره في خدمة الثقافة العربية وللجهد العلمي البارز الذي بذله في دراسة وتحقيق رحلة ابن بطوطة فأحيا فيها أدب الرحلات في الثقافة العربية الإسلامية. كما تم تكريم الأستاذ الدكتور نقولا زيادة المؤرخ العربي الكبير عرفانا بدوره الرائد في خدمة الثقافة العربية, والجهد الذي بذله لخدمة الحضارة العربية والإسلامية من خلال الرحالة العرب والمسلمين.

وكرمت مجلة (العربي) المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت, لدوره في إنشاء وإصدار سلسلة كتب عالم المعرفة التي تحتفل هذا الشهر بمرور ربع قرن على صدور أول أعدادها. وقد ساهمت السلسلة بإضافاتها الفكرية في الانفتاح على الثقافات الإنسانية الأخرى ونقل المعرفة الموسوعية. كما كرمت (العربي) المجلس الأعلى للثقافة بجمهورية مصر العربية للدور الرائد الذي قام به في إصدار سلسلة كتب (المشروع القومي للترجمة) وما حققته من إضافات فكرية ساهمت في تواصل الثقافة العربية مع الثقافات الإنسانية الأخرى. ومن الإمارات كرمت (العربي) الأستاذ الشاعر محمد أحمد السويدي الذي أنشأ مشروع ارتياد الآفاق لإحياء التراث الجغرافي العربي والإسلامي وما قدمه المشروع من إسهامات فكرية للتعريف بالثقافات الإنسانية الأخرى والتواصل مع شعوب العالم. وفي الإطار نفسه كرمت (العربي) مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري للدور الذي قامت به من أجل نهضة الشعر العربي, ومد الجسور الثقافية للحوار بين الثقافة العربية والثقافات الإنسانية الأخرى.

كما واكب فعاليات الندوة تنظيم معرض لمصوري مجلة العربي حمل عنوان (الغرب بعيون العربي), وضم مختارات من صور الاستطلاعات التي نشرتها المجلة التي احتفلت في ديسمبر الماضي بمرور 45 عاما على صدور أول أعدادها في ديسمبر 1958.

وقد ناقشت الندوة 24 ورقة بحثية وزعت على ثماني جلسات خلال يومين, بمشاركة نخبة من مؤرخي ومفكري ومبدعي الوطن العربي.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




وزير الاعلام الكويتي يسلم د. التازي جائزته التكريمية