إلى أن نلتقي

 إلى أن نلتقي
        

كان كلامنا لفظاً مفيداً كـ «استقم»!

          حيرنا الأخوة المتقاتلون في ما ننشئ من كلام، فهل بقي مكان للكلام؟

          وهل بقي مكان للفعل؟

          سيلحّ المؤمنون على الله في صلواتهم صباحًا ومساءً حين يقنتون أن يتوقف نزيف الدم، فامنحنا يا رب فرصة لنأمن سيوف إخوتنا حتى تنقضي الصلاة، وامنحنا يا رب فرصة العودة إلى البيت بسلام.

          حين يقتل الأخ أخاه لا يبقى في الحياة أمان، فلي أن ألوم أخي وأغضب عليه وأصرخ عليه وأشتمه وأكرهه، لي أشياء كثيرة يمكنني أن أفرّغ فيها من حسدي وغيرتي وجنوني وشهوتي وكل ما فيّ من مشاعر سوء، وما فيه من مشاعر أسوأ، لكن ليس لي أن أمدّ يدي عليه، لأنني سأحمل عبئًا طويلاً لن أنتهي منه طوال العمر، حيث سأظل أتذكر بحزن وألم ما صنعت. إذا كان المقتول قد رحل، فإن القاتل سيظل يرحل كل حين، سيظل يموت كل يوم كلما تذكر طلقاته المجنونة والملعونة وهي تسقط أخاه أرضًا، فيا رب ألق في قلوب الأخوة كراهية أن يموتوا وهم على قيد الحياة!

          نحن نُقتل في كل قتل مرتين، فيا رب أرحنا من مضاعفات القتل والحزن والرثاء! يا رب لقد تحملنا أن يقتل الاحتلال أبناءنا وإخوتنا، فبكينا كما يبكي الناس، لكن كيف سنستطيع ممارسة الفعل الطبيعي في الحزن والبكاء؟ وما الذي سيقوله الناس لأطفالهم حين يرون القتل يُصنع خارج دائرة الاحتلال؟

          أي كلام سيفيدنا في هذا المقام؟ وأي كلام سينفع المتقاتلين المغلقين آذانهم للكلام؟

          كان كلامنا يومًا مفيدًا، فصنعنا منه فعلاً جميلاً...

          رحم الله ابن مالك النحوي حين لخص أو اختصر تفسير الكلام، حين قال: كلامنا لفظ مفيد كـ«استقم»» قاصدًا تحليل الكلام إلى اسم وفعل وحرف، ذاكرًا أن الأنواع الثلاثة قد اجتمعت معًا في كلمة استقم: الفعل والاسم والحرف. فالفعل هو عمود الجملة، والفاعل ضمير، لكن في حالتنا فإن الفعل لم يعد يدعو للاستقامة، والفاعل ضمير لمعلوم لا لمجهول، ولا ضمير لدينا غير الاطمئنان أننا بقينا أحياء، وأن الحرف المكمل للجملة العربية بتنا نسير عليه كل يوم! فهل إذا ناديت على قومي بأن يستقيموا سيستقيمون قليلاً؟

          وهل ماداموا يقتتلون، سيتحلون على الأقل بخلق الفرسان، فلا يقبلون على قتلٍ جبانٍ، وجَرح وخَطف وتخريب للممتلكات، وسطو على الشرعية والقانون والمجتمع والشرع أيضًا؟ فيا رب امنح المتقاتلين بعضًا من الشرف والحياء، فلا يطلقون النار على المدنيين، ولا يخربون البيوت الآمنة، ولا يسطون على حرمتها، ولا يقصف فريق منهم مقارنا الأمنية كما لو كانت مقار الاحتلال أو تزيد.

          كلامنا لفظ مفيد حين نريد أن نصنعه مفيدًا!

          فكم من كلام مفيد لغويًا يمتلك قوانين اللغة بنحوها وصرفها ودلالاتها وأصواتها، لكنه لا يملك الفائدة للناس، فلا يمكث في الأرض غير ما ينفع الناس! فامنح المتقاتلين في الكلام على الفضائيات أن يكون كلامهم نافعًا للشعب الفلسطيني، بما يضمد الجراح، ويقتل الفتنة ويئدها، ويلملم الجرح ويداويه حتى لا يتسع! امنحهم أن يقولوا خيرًا أو يسكتوا إلى الأبد! لم نعد قادرين على تحمّل ألم الخجل من أنفسنا، فكل يوم اقتتال يحمل معه أثقالاً مضافة من الخجل، فامنح يا رب المتقاتلين بالسلاح والكلام أن يرحمونا!

          ارحمونا- نحن الفلسطينيين المقتولين - باقتتالكم العبثي لعل الله يرحمكم!.

 

تحسين يقين