اعذراني يا صاحبيّ إذا ما |
نضب الشعر من ضلوعي وطارا |
عاش في الصدر كامناً نصف قرنٍ |
ثم من بعد ذا أراد الفرارا |
مثل طير رأى البواشق تقفوه |
فخلّى لها السماك مدارا |
غير أني هدأت لما مضى عني |
وقد كان في الجوانح نارا |
سكنت حالتي وراق فؤادي |
وتركت النجوم والأسحارا |
كان في الليل يطرد النوم عني |
فأنا منه من كبار السهارى |
من رآني يظن في كل ليلٍ |
أنني ساهر أعب العقارا |
والقوافي لها عذاب لذيذ |
فهي في الحالتين زاد
الحيارى |
صعبت حالتي على كل فهمٍ |
لم يدع لي هم القوافي
قرارا! |
فأنا سابح بفكري وروحي |
في سماءٍ خيالها لا يجارى |
(عبقر) يحمل القياسر عني |
كلما قمت أنشد الأشعارا |
وهو من ساقني إلى كل وادٍ |
فيه تشدو للملهمين العذارى! |
موحيات القريض شاطرن عقلي |
راكبات خيالي المستطارا |
كم رأينا من شاعر جُن حتى |
فقد الرشد في الحياة وحارا |
فتراه في ملتقى الناس يهذي |
بكلامٍ يحيّر الأفكارا! |
يضحك الجاهلون منه إذا ما |
شاء يوماً أن يوضح
الأسرارا! |
قذفوه بالصخر في كل دربٍ |
وعن الدرب يبعد الأحجارا |
تقتفيه الرياح والآل يضنيه |
وهل يطفئ السراب الأوارا |
هكذا صاحب النبوغ مضاع |
لم يجد في مناكب الأرض
دارا! |
كلما ظل هادئاً حسبوه |
خائفاً من الحياة يخشى
الضرارا |
وهو لو شاء سلّط النقمة |
الكبرى عليهم وفجّر
الإعصارا! |
طالما في معازف الشعر غنّى |
لهم والطيور منه سكارى! |
وهم منه لم يحسوا للحنٍ |
وهو يشجي بشدوه الأطيارا |
هل رأيتم عبر القرون نبيّاً |
لم يشاهد من قومه الإنكارا |
كلما فاض حبّه لهم ساقوا |
إليه في دربه الأشرارا |
يندر العدل أن يحل بأرضٍ |
صار فيها الصغير يؤذي
الكبارا |
لا تلوموا شاعراً هام يوماً |
حتى لاقى من دهره الأكدارا |
عاف من قسوة الزمان ذويه |
وغدا في اليباب يطوي
القفارا! |
عند حر الهجير يلجأ للدوح |
فتلقي له الغصون الثمارا |
عرفته الخمائل الخضر إذ |
كان من الشعر يسقي
الأشجارا! |
حيث تروى جذورها وهي عطشى |
من قواف تزيدها الاخضرارا |
وإذا زاد همّه عزف الناي |
إذا الظل في الخميل استدارا |
ذات فجرٍ أتى الرعاة إليه |
قصدهم منه قربه والجوارا |
وجدوه ميّتاً بقرب غديرٍ |
ممسكاً في يمينه مزمارا |
كفّنوه الرعاة بالورد حتى |
نثروا فوق قبره الأزهارا! |
بقي الناي كلما الريح هبّت |
زاد منه الصفير ليلاً نهارا |
وترى الطير حائمات عليه |
في سكون المساء تبكي
الهزارا! |
وجموع الرعاة تأتي إليه |
خيث أمسى ذاك المكان
مزارا! |