قبل الوداع أحمد محمد آل خليفة

قبل الوداع

شعر

هتف الشاعر بهذه الخواطر المحبوسة في نفسه الهائمة لمريديه ومضى في بحر الحيرة والتيه...

اعذراني يا صاحبيّ إذا ما نضب الشعر من ضلوعي وطارا
عاش في الصدر كامناً نصف قرنٍ ثم من بعد ذا أراد الفرارا
مثل طير رأى البواشق تقفوه فخلّى لها السماك مدارا
غير أني هدأت لما مضى عني وقد كان في الجوانح نارا
سكنت حالتي وراق فؤادي وتركت النجوم والأسحارا
كان في الليل يطرد النوم عني فأنا منه من كبار السهارى
من رآني يظن في كل ليلٍ أنني ساهر أعب العقارا
والقوافي لها عذاب لذيذ فهي في الحالتين زاد الحيارى
صعبت حالتي على كل فهمٍ لم يدع لي هم القوافي قرارا!
فأنا سابح بفكري وروحي في سماءٍ خيالها لا يجارى
(عبقر) يحمل القياسر عني كلما قمت أنشد الأشعارا
وهو من ساقني إلى كل وادٍ فيه تشدو للملهمين العذارى!
موحيات القريض شاطرن عقلي راكبات خيالي المستطارا
كم رأينا من شاعر جُن حتى فقد الرشد في الحياة وحارا
فتراه في ملتقى الناس يهذي بكلامٍ يحيّر الأفكارا!
يضحك الجاهلون منه إذا ما شاء يوماً أن يوضح الأسرارا!
قذفوه بالصخر في كل دربٍ وعن الدرب يبعد الأحجارا
تقتفيه الرياح والآل يضنيه وهل يطفئ السراب الأوارا
هكذا صاحب النبوغ مضاع لم يجد في مناكب الأرض دارا!
كلما ظل هادئاً حسبوه خائفاً من الحياة يخشى الضرارا
وهو لو شاء سلّط النقمة الكبرى عليهم وفجّر الإعصارا!
طالما في معازف الشعر غنّى لهم والطيور منه سكارى!
وهم منه لم يحسوا للحنٍ وهو يشجي بشدوه الأطيارا
هل رأيتم عبر القرون نبيّاً لم يشاهد من قومه الإنكارا
كلما فاض حبّه لهم ساقوا إليه في دربه الأشرارا
يندر العدل أن يحل بأرضٍ صار فيها الصغير يؤذي الكبارا
لا تلوموا شاعراً هام يوماً حتى لاقى من دهره الأكدارا
عاف من قسوة الزمان ذويه وغدا في اليباب يطوي القفارا!
عند حر الهجير يلجأ للدوح فتلقي له الغصون الثمارا
عرفته الخمائل الخضر إذ كان من الشعر يسقي الأشجارا!
حيث تروى جذورها وهي عطشى من قواف تزيدها الاخضرارا
وإذا زاد همّه عزف الناي إذا الظل في الخميل استدارا
ذات فجرٍ أتى الرعاة إليه قصدهم منه قربه والجوارا
وجدوه ميّتاً بقرب غديرٍ ممسكاً في يمينه مزمارا
كفّنوه الرعاة بالورد حتى نثروا فوق قبره الأزهارا!
بقي الناي كلما الريح هبّت زاد منه الصفير ليلاً نهارا
وترى الطير حائمات عليه في سكون المساء تبكي الهزارا!
وجموع الرعاة تأتي إليه خيث أمسى ذاك المكان مزارا!

 

أحمد محمد آل خليفة

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات