الجامعات العربية... لماذا هي خارج الترتيب العالمي؟

 الجامعات العربية... لماذا هي خارج الترتيب العالمي؟
        

من بين 100 جامعة هي الأولى على العالم، لا توجد جامعة عربية واحدة. فهل كان هذا التصنيف موضوعيًا؟ أم أننا نستحق أن نكون خارج القائمة؟

          نشر أحد المواقع الالكترونية العربية مقالاً حول قائمة أفضل (100) جامعة في العالم، وكان المقال حصيلة استطلاعات رأي شملت (3707) أساتذة جامعيين على مستوى العالم لوضع ترتيب لأفضل (100) جامعة في مجال اختصاصهم، كما شمل (736) رب عمل تخرجوا في جامعات مرموقة، وقدموا توصيات توضح قدرة تلك الجامعات على جذب الطلبة الأجانب للدراسة فيها، إضافة إلى استقطاب كبار الأساتذة للعمل بها.

          ولخّص الاستطلاع ترتيب الجامعات في العالم تبعًا للدول وفق التالي:

الولايات المتحدة الأمريكية 33 / 100  جامعة 
بريطانيا 15 / 100 جامعة
أستراليا، هولندا 7 / 100 جامعة
فرنسا، سويسرا 5 / 100 جامعة
اليابان، ألمانيا، كندا هونغ كونغ 3 / 100 جامعة
بقية دول العالم 16 / 100 جامعة


          ليس مستغربًا خلو القائمة من أي جامعة عربية بين الجامعات المائة الأولى في العالم.

          وبغض النظر عن مصداقية الاستطلاع أو موضوعيته، فقد دفعني الفضول للرجوع إلى تصنيف شنغهاي، الذي يعده معهد التعليم العالي في جامعة شنغهاي، للتعرف إلى واقع الجامعات العربية بين الجامعات الخمسمائة الأولى في العالم حسب تصنيف عام 2005.  ويستند تصنيف جامعة شنغهاي إلى أربعة معايير علمية وموضوعية يشهد بها جميع الأكاديميين في العالم، وعدد من المؤشرات أو وحدات القياس، ويخصص لكل من تلك المؤشرات نسبًا مئوية حصيلتها 100 علامة، وتلك المعايير هي:

          1- معيار جودة التعليم: المؤشر (خريجو المؤسسة الجامعية، والحائزون على جوائز نوبل منها، أو ميداليات في مجال تخصصهم ونسبته  10%).

          2- معيار جودة الكلية أو المعهد: المؤشر (الجهاز البشري العلمي في المؤسسة، والحائزون على جوائز نوبل والميداليات في التخصص منها  ونسبته 20%)، والمؤشر (الباحثون رفيعو المستوى لديها في( 21) فئة من الموضوعات العلمية الرئيسية  ونسبته 20%).

          3- معيار مخرجات الأبحاث العلمية:  المؤشر (المقالات المنشورة من قبلها في علوم الطبيعة والعلوم الأساسية نسبته 20% )، والمؤشر (المقالات المنشورة من قبلها في الفهارس الموسعة في العلوم الاجتماعية والفنون والعلوم الإنسانية ونسبته 20%).

          4- معيار حجم المؤسسة: المؤشر (الأداء الأكاديمي من قبلها مع الأخذ في الاعتبار حجم المؤسسة  العلمية ونسبته 10% .

أول 500 جامعة

          - توزيع أول (500) جامعة في العالم: الولايات المتحدة (168)، بريطانيا (40)، ألمانيا (40)، اليابان (34)، كندا (23)، إيطاليا (23)، فرنسا (21)، أستراليا (14)، هولندا (12)، السويد (11)، سويسرا (8)، إسرائيل (7)، بلجيكا (7)، النمسا (6)، الدانمارك (5)، فنلندا (5)، النرويج (4)، روسيا (2).

          - يبين التصنيف أن الجامعات الـ (20) الأولى في العالم كانت من نصيب الولايات المتحدة ،ثم بريطانيا واليابان .

          - وبين الجامعات (100) الأولى في العالم تنضم إلى القائمة (فرنسا، ألمانيا، كندا، السويد، سويسرا، هولندا، أستراليا، إيطاليا، إسرائيل، النمسا، الدانمارك، النرويج، فنلندا، وروسيا).

          - وبين الجامعات الـ (200) الأولى في العالم يضاف إلى ما سبق كل من (بلجيكا، الصين، إسبانيا، بلجيكا، كوريا الجنوبية، البرازيل، سنغافورة، والمكسيك).

          - وبين الجامعات الـ (300) الأولى في العالم تضاف دول مثل (نيوزيلندا، جنوب إفريقيا، هنغاريا، اليونان، أيرلندا، تشيكيا، والأرجنتين).

          - وبين الجامعات الـ (400) الأولى في العالم تضاف دول مثل ( بولندا، الهند، وتشيلي ).

          وبين الجامعات الـ (500) الأولى في العالم تضاف دول مثل (تركيا والبرتغال).

          أما الجامعات العربية، فهي خارج هذا التصنيف، ويعكس وجودها خارج التصنيف المستوى المتدني لخريجيها والجهاز التدريسي والبحثي فيها، وقلة مخرجاتها البحثية والأعمال العلمية، وتخلف بناها الإدارية والتنظيمية والمؤسسية.  

الجامعات العربية: أين هي؟

          تعبر المؤشرات الكمية المبينة أعلاه عن واقع الجامعات العربية أكثر من قدرتنا على الوصف، وبالتأكيد يعكس ذلك حالة الاقتصاد العربي والواقع المجتمعي والكفاءة السياسية.

          ويستدعي ذلك التساؤل: لماذا لم تتمكن بعض الجامعات العربية العريقة على مستوى العالم العربي، التي يزيد عمرها عن (100) عام مثل جامعات القاهرة ودمشق واللبنانية وبغداد عن دخول مستوى الجامعات الأولى في العالم، ولو حتى أن تكون  في آخر قائمة الجامعات الخمسمائة الأولى؟

          إن كان التبرير ضعف الإمكانات المادية والمالية المتاحة لها - كما اعتدنا على ذلك التسويغ - لماذا لم تتمكن الجامعات التي تحت تصرفها إمكانات مادية ومالية كبيرة لا تقل عن مثيلاتها المصنفة في العالم الغني من دخول ذلك التصنيف أمثال جامعات الدول الخليجية أو الليبية أو الجزائرية وغيرها من الدول النفطية؟

          لا شك أن أسباب وجود جامعاتنا في الدرك الأسفل على المستوى العالمي ترتبط بعوامل أخرى لا تتعلق بالمال والبنية التحتية وغيرها، بل هناك عوامل أخرى تجعلها تقبع في صفوف خلفية اعتادت على الركون إليها ، ولا تريد الخروج منها . 

تخلف الجامعات

          يعرف الأكاديميون العاملون في الجامعات العربية أن إدارات الجامعات لديهم تدار بالطريقة نفسها التي تدار وفقها  مؤسسات البريد ودوائر الأحوال المدنية والطرق البرية وغيرها،

          أي أن أسلوب الإدارة البيروقراطي التوجيهي القائم في مؤسسات الخدمات المختلفة يمارس في إدارات الجامعات، حيث تحكم ممارسة العملية الإدارية اللوائح والتعليمات النافذة كما هو الحال في كل المؤسسات والإدارات الأخرى التي لها طابع عمل تقليدي خدمي بسيط ، ويتم استبعاد الأسلوب التفويضي والتشاركي في الإدارة بشكل حقيقي على الرغم من وجوده على الورق أحيانًا.

          كما يعاني الأكاديميون العرب من قيود بيئة العمل العلمية، سيما هؤلاء الذين درسوا في الجامعات المتقدمة المرموقة التي وفرت لهم جميع مستلزمات العمل العلمي والبحثي خلال وجودهم فيها كطلاب، بينما لا توفر لهم الجامعات في أوطانهم بعد عودتهم إليها وهم مدرسون وباحثون وأساتذة فيها الحد الأدنى من متطلبات العمل العلمي.

          لذلك، يفكر الطرفان (المسئولون عن التعليم العالي والجامعات من طرف، وأصحاب الكفاءات العالية من ذوي التفكير العلمي والمنهجي والاستقلالي من طرف آخر) بطريقتين مختلفتين، بل ومتعارضتين في بلداننا العربية، ولا يمكن أن تتوافق الطريقتان في التفكير في مستوى العمل الجامعي فتحصل القطيعة، وبالتالي مادام القرار والنفوذ الإداري والسلطوي بيد الفئة الأولى، فإنها هي التي تكسب المعركة وتتمكن من تهجير الفئة الثانية التي تربح نفسها وحياتها وأبناءها في المستقبل لكن الأوطان تخسر والدول تحل بها كل صنوف التخلف.

          إن بيئة العمل العلمي هي التي تجذب الأكاديميين والعلميين إلى الجامعات والمؤسسات البحثية، وهي التي تدفعهم إلى المبادرات وإعداد البحوث والدراسات العلمية، وبذل أقصى الجهود للعطاء والتميز، وغيابها ينفّر هؤلاء الأكاديميون من بلدانهم واللجوء إلى حيث يشعرون بالمكانة العلمية.

مسئولية القيادات

          تفرض الحكومات العربية توجهاتها السياسية والإدارية على واقع مؤسسات التعليم العالي، من خلال تعيين الإدارات الجامعية، وعلاقات التعاون العلمي مع الجهات الأكاديمية الخارجية، وتحديد الأطر العامة للمناهج الدراسية، وتخصيص الميزانيات وأشكال التمويل المختلفة، والضوابط التشريعية الناظمة لعمل المؤسسات الجامعية، وغير ذلك.

          إذ يندر وجود جامعات عربية تمتلك صلاحيات اختيار إداراتها العلمية بالانتخاب، وإن وجد ذلك فهو موجه وليس حرًا وموضوعيًا، ويلاحظ كل أكاديمي عربي أن تعيين الإدارات الجامعية العليا يتم وفق علاقات المصالح والانتماء العديدة مع السلطات العليا وليس مطلقًا تبعًا للإنجازات والسمعة الأكاديمية على المستوى الوطني أو العربي أو الدولي.

          وفيما يخص المناهج وطرائق التدريس فإن الكثير من الجامعات العربية مازالت تسلك الطريق الذي نشأ عليه المتعلمون العرب في النصف الأول من القرن العشرين في زوايا الكتاتيب المتمثل بمناهج الحشو والكم واستخدام طرائق التلقين والاستظهار والحفظ، وإجراء الامتحانات التي تعكس ذلك، واستبعاد طرائق التحري والاستكشاف والبحث العلمي الأمر الذي يفضي إلى خريجين بعيدين جدًا عن متطلبات سوق العمل والمهارات العلمية والتفكير المنهجي والتحليلي.

          وعلى الرغم من تفاوت واقع التمويل في الجامعات بين الدول النفطية وغير النفطية فإن الملاحظة الجلية تظهر أن ميزانيات مؤسسات التعليم العالي محدودة وما يخصص للتعليم العالي في بلداننا العربية مازال في الحدود الدنيا ولا يماثل ما تخصصه الدول السائرة في طريق النمو. ولا يخفى على كل أكاديمي عربي أشكال القيود الإدارية المعرقلة في الجامعات ومؤسسات البحث العلمي إذ يكون تنفيذ النشاطات الأكاديمية مسخرًا للتطابق مع القوانين والأنظمة والتعليمات النافذة أكثر مما هو مسخر لتحقيق الأهداف العلمية والتنافسية والأكاديمية والتطوير المستمر وتحقيق الجودة والتميز.

          لا جدوى من تقديم التوصيات التي تذخر بها المؤتمرات والندوات والدراسات والمقالات المخصصة لتطوير واقع التعليم العلمي في الدول العربية، لأن التوصيات ستضاف إلى كتل الأوراق المكدسة في أدراج أصحاب القرار.

          وسأحصر مقترحاتي في الضغط على جرس الإنذار ليسمع أصحاب الحل والعقد، الذين لهم وصاية على التعليم العالي والمؤسسات الجامعية والبحثية بأن المستقبل لن يكون في صالحهم هم، ولا في صالح أبنائهم، لأن قطار التخلف لن يصل إلى المحطة المرادة من قبلهم . وبحال استمر الواقع على ما هو عليه فإنه لا حياة لبلداننا في المستقبل.

 

محمد مرعي