البرمجيات: البعد الاقتصادي نبيل علي

البرمجيات: البعد الاقتصادي

لقد أفرزت تكنولوجيا المعلومات مجتمعا جديدا مغايرا لكل ما سبقه, مجتمعا قائما على اقتصاد المعرفة الذي تلعب فيه البرمجيات دورا أساسيا, وتنفرد البرمجيات من المنظور الاقتصادي بكونها, من جانب, أصلا وسلعة وخدمة, ومن جانب آخر بكونها صناعة قائمة بذاتها أو صناعة مكملة ومدعمة لصناعات أخرى.

إن استيعاب ظاهرة اقتصاد المعرفة يتطلب - أول ما يتطلب - معرفة اقتصادية جديدة تتجاوز ما خلفه لنا منظرو الاقتصاد الصناعي والسياسي من أمثال آدم سميث وكارل ماركس وفردريش فون هايك, وما رسخته الكينزية والتيلورية وما بعد الكينزية وما بعد التيلورية, وما تولد عن التوجه الاقتصادي لليبرالية الجديدة من (تاتشرية وريجانية), وما يطرحه كذلك خطاب العولمة المضادة من مفاهيم اقتصادية بديلا عن رأسمالية التكنولوجيا المتقدمة التي يتبناها خطاب العولمة الراهن, لقد بات الفكر الإنساني في أمسّ الحاجة لمعرفة اقتصادية جسورة تتصدى للركائز الأساسية التي تقوم عليها المنظومة الاقتصادية, وتعيد النظر في الأسس التي انطلق منها الفكر الاقتصادي الكلاسيكي.

إن مصير البشرية بات معلقا - ولأول مرة - بعناصر غير محسوسة من بيانات ومعلومات ونظم ونماذج وأفكار, واتسعت كشوف حساب الإنجاز البشري لتشمل عناصر عائد وكلفة لامادية من قبيل عائد الاستثمار في التعليم والتدريب, عائد المحافظة على البيئة الزراعية, كلفة الأمية وفقد الهوية القومية, كلفة تدمير البيئة والعبث بالتقاليد المحلية كما يحدث في بعض القرى السياحية, ومن البديهي أن التعامل مع هذه العناصر الاقتصادية اللامادية غير المحسوسة أكثر صعوبة حيث يصعب حسابها ومحاصرتها وتحديد مواضع تداخلها وتأثيرها.

سيتناول حديثنا الراهن العلاقة المتبادلة للبعد الاقتصادي للبرمجيات ونقصد بها اقتصاد البرمجيات وبرمجيات الاقتصاد.

أولا: اقتصاد البرمجيات

سنتناول هنا عدة جوانب وتوجهات أساسية لاقتصاد البرمجيات هي:

  • التوجه نحو المكونات البرمجية.
  • التوحيد القياسي بحكم الأمر الواقع.
  • البرمجيات كسلعة.
  • البرمجيات كخدمة.
  • إدماج البرمجيات في العتاد.
  • من صنعة الهواة إلى المؤسسات العملاقة.
  • نزعة العولمة لصناعة البرمجيات.

(أ) التوجه نحو المكونات البرمجية: بدلا من أن تصوغ البرمجيات نموذجها الاقتصادي الخاص بها, صارت تتبع حاليا ذات النموذج الذي أفرزته الصناعة التقليدية, حيث تنتقل صناعة البرمجيات حاليا من إنتاج البرامج الكاملة إلى تجميع هذه البرامج من مكونات برمجية قياسية, تماما كما يتم تجميع نظم العتاد من مكونات قياسية كالمقاومات والمكثفات والشرائح الإلكترونية. لقد دخلت البرمجيات عالم إعادة التدوير, أو إعادة الاستخدام, لتدخل بذلك عالم اقتصاديات الحجم من أوسع أبوابه, وتسعى المؤسسات العملاقة حاليا إلى احتكار صناعة البرمجيات, وذلك من خلال تحويل عملية إنتاج المكونات البرمجية هذه إلى صناعة كثيفة التكنولوجيا وكثيفة رأس المال.

ولاشك أن هذا التوجه نحو إنتاج المكونات البرمجية سيسرع من عملية تطوير برامج التطبيقات النهائية, وسيخفض من كلفة هذا التطوير بالتالي, علاوة على احتياجه إلى مهارات أقل. وهذه الميزة الأخيرة هي أخطر ما ينطوي عليه التوجه صوب المكونات البرمجية, والذي يعني - في جوهره - تفتيت مهارات البرمجة, وبالتالي إبعاد مخططي برامج التطبيقات تدريجيا عن التفاصيل الفنية الداخلية, لتستحيل بذلك البرمجيات هي الأخرى إلى صناديق سوداء, ليتكرر نفس المشهد الذي عانته البشرية كثيرا فيما يخص الإنتاج الصناعي التقليدي الذي استبعد الكثيرين وأعاق عملية نقل التكنولوجيا من العالم المتقدم إلى العالم النامي.

(ب) التوحيد القياسي بحكم الأمر الواقع: يرتبط مع التوجه صوب المكونات البرمجية, ويتوازى معه, توجه آخر صوب مزيد من التوحيد القياسي للمنتجات البرمجية, وتكويد البيانات والبروتوكولات التي يتم من خلالها تبادل المعلومات عبر شبكات الاتصالات, بل ويغزو تيار التقييس حاليا منهجيات تصميم النظم وواجهات التعامل التي يتفاعل من خلالها المستخدم مع برامج تطبيقاته.

لقد أصبح معدل التطور التكنولوجي من السرعة بحيث لا يسمح بوقت كاف لوضع القياسيات الجديدة واستقرارها. ويشهد الحاضر الراهن على أن القياسيات لم تعد من صنع المنظمات الحكومية والدولية بل عادة ما يتم فرضها على أساس قياسيات الأمر الواقع والتي تكون عادة من نصيب صاحب المنتج الأكثر شيوعا. وينطوي ذلك هو الآخر على خطورة استبعاد الدول النامية من حلبة السباق التكنولوجي حيث يصعب على منتجاتها تحقيق مدى الشيوع المطلوب لتصبح قياسية على المستوى العالمي, ناهيك عن أن مجال التوحيد القياسي يتطلب كوادر فنية عالية ذات إلمام عميق بالتفاصيل الفنية, علاوة على مهارات التفاوض التكنولوجي.

(ج) البرمجيات كسلعة: بعد أن نضجت تكنولوجيا البرمجيات, كان لابد أن تدخل في مجال )التسليع) وإنتاج الجملة, وقد أظهرت البرمجيات قابلية شديدة لهذا النوع من الإنتاج, وذلك نظرا لسهولة طبع أعداد كبيرة من نسخ البرنامج باستخدام وسائل تكنولوجية سهلة, ولا ننسى هنا أن مفهوم إنتاج الجملة في مجالات الصناعة قد نشأ أصلا بعد ظهور الطباعة, التي تعتبر فاتحة صناعات إنتاج الجملة بلا منازع.

وقد حقق توجه تسليح البرمجيات نجاحا هائلا في مجال نظم التشغيل, وتلا ذلك توسعه ليمتد إلى برامج زيادة إنتاجية عمالة المكاتب, كتنسيق الكلمات ونظم قواعد البيانات والبرمجة الجدولية وبرامج تصميم الأشكال والعروض وما شابه, علاوة على ما سبق فقد أدى انتشار التطبيقات الإدارية والتجارية وسجلات الأفراد ونظم المحاسبة وما شابه, إلى ظهور ما يعرف بالبرامج الجاهزة في مجالات عدة من أشهر أمثلتها: نظم المرتبات ومراقبة المخزون, وإدارة المشروعات وما شابه, يتم تصميم هذه البرامج الجاهزة بحيث يمكن تطويعها لبيئة الاستخدام المعينة لمن يقومون باقتنائها, وعادة ما تسمح هذه البرامج بإدخال تعديلات طفيفة عليها, شريطة ألا تمس الإطار الأساسي للبرنامج.

(د) البرمجيات كخدمة: مع انتشار استخدام الإنترنت, تزايد التوجه نحو تسويق البرمجيات بصفتها خدمة لا سلعة, ويعني ذلك أن تكون البرامج الجاري تسويقها متوافرة في موقع الإنترنت للشركة القائمة بتوزيعها, بحيث يتم استدعاؤها من الموقع حسب الطلب مثلما تطلب المعلومات الأخرى من مواقع الشبكة. وتفكر شركة ميكروسوفت حاليا في اتباع هذا الأسلوب, وربما تخصص عما قريب موقعا لكل من برامجها الشائعة (كمثال: لبرنامج تنسيق الكلمات المعروف باسم WORD يمكن أن يكون له موقع تحت اسم: www.word.com) يدّعي المنادون بتسويق البرامج كخدمة عبر الإنترنت, أن هذا سوف يؤدي إلى انخفاض الكلفة بالنسبة إلى المستخدم النهائي, خاصة بالنسبة إلى مَن يستخدم البرنامج لعدد محدود من المرات, ويضيفون أيضا أن هذا النظام سيتيح للمستخدم آخر النسخ المعدلة من البرنامج, برغم ما لهذه الأسباب من وجاهة, فإنه لا يمكن تجاهل الدافع الحقيقي وراء تسويق البرامج كخدمة, ونقصد به أن يتوافر لدى صاحب البرنامج من خلال الإنترنت نوع من الرقابة المركزية تمكنه من اقتفاء أثر مستخدمي برامجه أينما كانوا, وملاحقة من تسول له نفسه قرصنتها.

(هـ) إدماج البرمجيات في العتاد: حلت العناصر الميكروإلكترونية محل العناصر الميكانيكية والكهربية والإلكترونية في كثير من النظم والمعدات والأدوات, وقد أدى ذلك إلى تقليل عدد المكونات وتقليل الكلفة وتحسين الأداء بالتالي. إن نظرة سريعة داخل جهاز التلفزيون الحالي مقارنة بما كانت عليه الحال في الماضي, تدل بوضوح على البساطة التي أدت إليها الإلكترونيات الميكروية في اختزالها كثيراً من المكونات. إن رحلة الإحلال هذه قد قامت على أساس قيام البرمجيات بكثير من المهام التي كانت توكل إلى العتاد سابقا.

بعد فترة من استخدام البرمجيات, والتأكد من سلامتها واستقرارها, يتم تحويلها أحيانا إلى ما يعرف بمصطلح (البرمجيات الميكروية) أو (اللدائنيات) (أطلق عليها هذا المصطلح لاعتبارها وسطا بين ليونة البرمجيات وصلادة العتاد), بعد ذلك يتم (دمغ) هذه البرمجيات الميكروية في الشرائح الإلكترونية لتصبح جزءا مندمجا من العتاد, وهي العملية المعروفة باسم (معدنة البرمجيات) يحقق ذلك سرعة أعلى للأداء, وانخفاضا في الكلفة. وهكذا تتحقق السيولة التكنولوجية العالية خلال هذه الدورة لانتقال تنفيذ المهام الآلية من العتاد إلى البرمجيات لترتد إلى العتاد مرة أخرى.

ومرة أخرى, لاشك أن وراء هذا التوجه أيضا دافع حماية البرمجيات ضد القرصنة, وجعل أمر هندستها العكسية من الصعوبة بمكان, بحيث لا يقدر عليها إلا أصحاب الخبرات الفنية المتعمقة, وهكذا تنضم البرمجيات تدريجيا - كما سبق أن أشرنا - إلى قائمة الصناديق السوداء.

(و) من صنعة الهواة إلى المؤسسات العملاقة: لقد بدأت صناعة البرامج بمجموعة من الهواة يعملون من البدروم أو الجراج (من منازلهم) والآن أصبحت لها مؤسساتها العملاقة التي يقدر عائدها السنوي بمليارات الدولارات, وتعمل إدارة هذه الشركات بأسلوب لا يختلف في جوهره عن إدارة المؤسسات الصناعية من حيث المبادئ التنظيمية العامة لأنشطة التصميم والإنتاج والتوزيع والتسويق, وتطل علينا حاليا ملامح الوجه القبيح نفسه الذي عهدناه في الماضي, ونحن نشاهد توجه صناعة البرمجيات نحو تكثيف رءوس الأموال واحتكار السوق, إن البرمجيات تتحول تدريجيا من كونها فنا إلى كونها نشاطا هندسيا يخضع للضبط الإداري والنهج الهندسي, وتفرع الحرفة في صورة تخصصات متعددة تحكم أداءها معايير دقيقة وقاسية لتقييم الأداء.

تمثل صناعة البرمجيات أحد المجالات الساخنة للتنافس الدولي وتسعى أمريكا حاليا لاحتكار سوق البرمجيات العالمي كمدخل أساسي للسيطرة على سوق المعلومات بأكمله. إن العالم المتقدم يريد أن يجعل من البرمجة صنعة للأغنياء, ولا عجب فقد خرجت هذه الصنعة إلى حيز الوجود, كما يرى بعض المؤرخين, على يد الكونتيسة (آدا) بنت اللورد بيرون الشاعر الإنجليزي الشهير.

بتحول البرمجيات إلى صناعة ضخمة تبرز أهمية القضايا المتعلقة بالأصول الذهنية الممثلة في البرامج, حيث أصبحت قيمة هذه المؤسسات رهنا بابتكارية المصممين والمبرمجين, ومدى قدرة هذه المؤسسات على حماية هذه الأصول ضد محاولات السرقة أو التقليد.

(ز) نزعة العولمة لصناعة البرمجيات: مثلها مثل المنتجات المعرفية الأخرى, تنزع صناعة البرمجيات إلى العولمة, وخير شاهد على ذلك سعي معظم شركات تطوير البرمجيات إلى تجاوز أسواقها المحلية للتعامل مع العالم على اتساعه, وهو ما يفسر انتشار تكنولوجيا تطويع البرمجيات لتلبية مطالب الأسواق المختلفة, وتتركز عملية التطويع هذه حاليا على ترجمة اللغة التي يتعامل معها البرنامج على مستوى إدخال البيانات المغذاة إليه وإظهار المستخرجات المتولدة عنه, بمعنى آخر أن عملية التطويع تتم بعيدا عن محتوى البرنامج دون المساس بتفاصيله الداخلية. من المتوقع أن تصبح عملية تطويع البرامج لمطالب الأسواق المحلية أكثر صعوبة مع تنامي التوجه الاجتماعي للبرمجيات خاصة في مجال البرمجيات الثقافية والتعليمية.

(ح) سرعة إهلاك البرمجيات: تتسم قيمة الأصول المادية من أراض وعقارات ومنقولات وما شابه بالثبات النسبي, وتحتفظ بقيمتها مع مرور الزمن حتى وإن لم تستخدم, على النقيض من ذلك تفقد الأصول المعرفية قيمتها إن لم تستخدم, وقيمتها عرضة للضياع ما إن تظهر معرفة أو تكنولوجيا جديدة تقوم بإزاحتها.

يتطلب تسارع إنتاج المعرفة وتقادمها وتلاشي قيمتها مؤسسات وتنظيمات وأساليب عمل تتسم - هي الأخرى - بالسرعة والدينامية والقدرة على اقتناص الفرص من أجل سرعة تحويل هذه المعرفة المتجددة إلى منتج معرفي قبل أن يصيبها التقادم وتلحقها يد الإهلاك الفني, يؤدي هذا الوضع إلى لهفة المنتج على تحقيق أقصى عائد استثماري في أقصر وقت ممكن خشية ظهور منتج منافس قائم على معرفة أفضل أو تكنولوجيا أرخص تنعدم معه قيمة منتجه, وهو الاندفاع الذي يدفع بمنتجي سلع المعرفة وخدماتها إلى المغالاة في أسعارها في بداية ظهورها (مثال: سعر دواء مرض الإيدز), ويزخر تاريخ تكنولوجيا المعلومات بحالات صارخة انسحقت فيها برمجيات رائدة سادت السوق, وذلك نتيجة ظهور برمجيات أفضل وأسرع وأرخص, (مثال: انسحاق برنامج تنسيق الكلمات المعروف, word perfect بظهور برنامج words).

من جانب آخر, تتسم منتجات المعرفة بصعوبة تحديد قيمتها الحقيقية, الراهنة والمرتقبة, مما يتيح فرصا للانتهازيين في تضخيم قيمتها بهدف اجتذاب المستثمرين الذين يقعون ضحية الخداع الذي تنطوي عليه هذه (الفقاعات التكنولوجية), ودراسات الجدوى الاقتصادية لها الزاخرة بالتوقعات المسرفة في الوعود. وخير مثال على ذلك الكمّ الهائل من الفقاعات التكنولوجية الذي شهدته ساحة الإنترنت والذي أدى إلى ما يعرف بنكسة (الدوت كوم .com).

الملكية الفكرية للبرمجيات: تتصدر الأمور المتعلقة بحماية الملكية الفكرية قائمة الشروط اللازمة لإقامة صناعة برمجيات تتسم بالاستدامة وسرعة النمو, ويوقن الجميع بأن ميثاق (بيرن) الخاص بالملكية الفكرية لم يعد كافيا, حيث طرحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بصفة عامة, والإنترنت بصفة خاصة, قضايا مستجدة تحتاج إلى رؤية أكثر شمولا لأمور الملكية الفكرية, تسعى إلى إقامة توازن بين أطراف ثلاثة هم: صاحب العمل الفكري المتمتع بالحماية, ومقدم الخدمة المعلوماتية, والمستفيد, ولاشك أن بين هؤلاء الأطراف الثلاثة تعارضاً في المصالح لا يستهان به.

يرجع مصدر الإشكالية الأساسي إلى أن تكنولوجيا المعلومات قد وفرت, وستوفر إمكانات هائلة للنسخ وإعادة الإرسال والتحويل والتحوير, والمشكلة الأساسية لا تتركز في حماية الوسيط الإلكتروني كالأقراص المدمجة والمرنة, فهناك وسائل عملية لحمايتها بقدر معقول من النجاح, لكنها تكمن أساسا في استخدام الإنترنت كأداة التوزيع الأساسية لسلع وخدمات صناعة المحتوى.

هناك عدة مصاعب أساسية تواجه حماية الملكية الفكرية, على رأسها:

  • وجود تناقض جوهري مرجعه أن حماية الملكية الفكرية يتطلب نوعا من الرقابة على نفاذ الأفراد إلى مصادر المعلومات وعلى استخدامهم لها, وهي الرقابة التي تنطوي على تهديدات حقيقية للخصوصية الفردية وأمن مواقع المعلومات.
  • النواحي القانونية لفض المنازعات في حالات المخالفة, والآليات العملية لتطبيق القوانين الملزمة, ومن أيسرها: أي قانون يطبق? هل هو قانون بلد المستخدم, أم قانون بلد مقدم الخدمة, أم قانون بلد صاحب العمل الفكري المتمتع بالحماية?
  • الأعباء الإضافية التي ستضيفها رسوم الملكية الفكرية على فاتورة نقل التكنولوجيا إلى الدول النامية, خاصة أن الاتفاقات الراهنة لحماية الملكية الفكرية قد انحازت في كثير من الأحيان إلى مالكي المحتوى على حساب المستهلك, علاوة على ذلك هناك توجه لتوسيع نطاق الملكية الفكرية بحيث تكفل الحماية لكثير من الأمور التي ظلت إلى يومنا هذا خارج نطاق الحماية, نذكر منها, على سبيل المثال, بعض الاكتشافات العلمية, ويأتي على رأسها أبحاث الميكروبيولوجي ذات الأهمية القصوى: تكنولوجيا واقتصاديا وأخلاقيا.

ثانيا: برمجيات الاقتصاد

تشمل برمجيات الاقتصاد:

  • برمجيات زيادة الإنتاجية.
  • برمجيات تحسين الخدمات.
  • برمجيات دعم الإدارة الاقتصادية.

وسنتناول فيما يلي كلا من هذه التطبيقات البرمجية بإيجاز

(أ) برمجيات زيادة الإنتاجية: ويقصد بها تنمية إنتاجية الموارد البشرية والمادية والطبيعية كمّا وكيفا, من أمثلتها:

- برمجيات زيادة إنتاجية المصانع.

- برمجيات زيادة إنتاجية عمال المكاتب.

- برمجيات زيادة إنتاجية نظم التعليم.

- برمجيات زيادة إنتاجية الموارد الطبيعية (كالأراضي الزراعية وموارد المياه والثروة الحيوانية).

  • برمجيات زيادة إنتاجية المصانع: لقد أثبتت تكنولوجيا المعلومات قدرة فائقة على زيادة إنتاجية المصانع وهي المهام التي تقوم بها حاليا نظم أتمتة المصانع وضبط جودة الإنتاج ومراقبة إنتاج العاملين والآلات وتخفيض كلفة الإنتاج من خلال تقليل العمالة وتوفير المواد الخام والمواد الوسيطة وتقليل الفاقد في استغلال الطاقة, من جانب آخر, فإن نظم المعلومات هي حلقة الوصل التي تربط بين مطالب السوق وأنشطة التصميم والإنتاج والتوزيع في منظومة متكاملة.
  • برمجيات زيادة إنتاجية عمال المكاتب: مع تزايد الشق الذهني والمكتبي في مؤسسات الإنتاج والخدمات, أصبحت إنتاجية عمالة (الياقات البيضاء) عاملا حاسما يتوقف عليه أداء المؤسسة ككل, وظهرت نظم أتمتة المكاتب, وذلك بهدف زيادة فاعلية التواصل بين موظفي المكاتب ومراكز الإدارة والفروع, وكذلك سرعة إنتاج الوثائق وتبادلها, وتسهيل وضبط عمليات حفظ السجلات واستخراج الكشوف وعمل التقارير.
  • برمجيات زيادة إنتاجية نظام التعليم: وهو أمر أصبح في غاية الأهمية بعد أن ثبت عجز الوسائل التقليدية لمواجهة التضخم الهائل في المادة التعليمية وزيادة تعقدها, وتهدف برمجيات التعليم إلى زيادة إنتاجية المعلم والمتعلم والإدارة المدرسية وكذلك إنتاجية القائمين على تصميم المناهج وتطويرها.
  • برمجيات زيادة إنتاجية الموارد الطبيعية: لا يقتصر دور تكنولوجيا المعلومات على زيادة إنتاجية الموارد البشرية والمادية, بل امتد أيضا ليشمل إنتاجية الموارد الطبيعية بترشيد استغلال الأراضي الزراعية والإسهام في تطبيق أساليب الهندسة الوراثية وأساليب بحوث العمليات لزيادة غلة الفدان ومعدلات الإنتاج الحيواني.

(ب) برمجيات تحسين الخدمات: لعبت تكنولوجيا المعلومات دورا حاسما في تحسين الخدمات القائمة, واستحداث خدمات جديدة لم تكن متوافرة من قبل, وذلك في مجالات عدة من أبرزها: خدمات المصارف والمواصلات والاتصالات والصحة, ولم يكن الدافع وراء ذلك هو زيادة رفاهية طالب الخدمات وتسهيل عمل مقدمها, بقدر ما هو قصور الوسائل التقليدية في الوفاء بالمطالب المتزايدة نتيجة لتسارع إيقاع الحياة وتشابك علاقاتها, ويكفي مثالا هنا ما أدت إليه أتمتة المصارف ونظم الحجز الآلي وإدارة المستشفيات في تقديم الخدمات المطلوبة بشكل أسرع وبصورة أفضل, وذلك في مواجهة ازدياد حركة المسافرين وضخامة حجم المعاملات المالية وتعقد الخدمات الطبية.

(ج) برمجيات دعم الإدارة الاقتصادية: لا يوجد أمضى من تكنولوجيا المعلومات سلاحا تشهره البشرية في مواجهة ظاهرة التعقد الشديد الذي يعتري جميع مظاهر الحياة الحديثة, من أقصى نطاق ماكروي إلى أدنى عنصر ميكروي, ومن أبرز الظواهر المعقدة في عالم اليوم أداء النظم الاقتصادية التي تتعامل مع العديد من المحددات والقيود والمتغيرات الدينامية, وهو التعقد الذي أحال كثيرا من ظواهر هذا الأداء إلى ألغاز تتقاذفها أيادي الاقتصاد الخفية. أمام كل هذه الظواهر المعقدة, لم يعد كافيا أن يستعين المخطط والمحلل والمقيم والمصمم بنظم المعلومات التقليدية من أجل البحث عن الأمثل والأصلح والأصدق في ظل العديد من القيود والمحددات, ودراسة أداء هذه النظم المعقدة الذي يستعصي على القواعد البسيطة للعلة والأثر, بل أحيانا ما يأتي هذا الأداء دون المتوقع, ومتناقضا مع الحس الطبيعي والمنطق المباشر.

لقد وفرت تكنولوجيا البرمجيات وسائل عملية لبناء نماذج المحاكاة التي تتيح لنا السيطرة على الظواهر المعقدة, وذلك من خلال قدرة هذه النماذج على محاصرة الجوانب المختلفة, وإبراز العوامل الحاكمة في تفسيرها. إن نظم المحاكاة تتيح ما يعرف بـ (أسلوب السيناريوهات), بحيث يمكن للمحلل أو المخطط الاقتصادي تصور ماذا يحدث في ظل تقلبات الأسواق والتغيرات الاقتصادية الأخرى وذلك بتوجيه أسئلة لنموذج المحاكاة من قبيل: ماذا يحدث لو ارتفع سعر برميل النفط? ما أثر انخفاض سعر الدولار على الصادرات? ما النتائج الاقتصادية لرفع الحواجز الجمركية?

 

نبيل علي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات