الأخطل الصغير (شاعر العدد)

الأخطل الصغير (شاعر العدد)
        

أمير الشعراء .. شاعر الهوى والشباب

          الأخطل الصغير، شاعر الهوى والشباب، أمير الشعراء، ثلاثة ألقاب فاخرة لشاعر واحد، استحقها عن جدارة تليق بشعريته البرزخية الواصلة ما بين ذائقتين شعريتين، الأولى باتجاه الأمام والأخرى باتجاه الوراء، تنازعتا ديوان الشعر العربي في النصف الأول من القرن العشرين تقريبًا.

          إنه بشارة الخوري الذي اختار لنفسه منذ بداياته الشعرية لقب الأخطل الصغير تيمنا بالشاعر الأخطل الذي عاش في صدر الدولة الأموية، فقد كان كما الأخطل الكبير عربيًا مسيحيًا ، وكان مثله مولعا بالهوى والشباب والجمال والخمر ، وقبل هذا وذاك كان الاثنان شاعرين متميزين في محيطيهما. على أن بعض النقاد والمؤرخين أرجعوا أسباب اختياره لهذا الاسم لقبا إلى أنه لم يجد تحت وطأة القهر السياسي الذي عانى منه كثيرًا في ظل الدولة العثمانية التي كانت تستعمر معظم الدول العربية بهوية إسلامية آنذاك ، إلا استخدام اسم الشاعر التغلبي القديم تأكيدا لعروبته التي ربما شكك بها البعض.

          أما ثاني ألقاب بشارة الخوري فقد اختاره له قراء ديوانه الشعري الأول «الهوى والشباب» إعجابا بقصائده الغزلية الأنيقة والتي ما أن نشرت حتى تسابق ملحنو ومطربو ذلك العصر ومطرباته على تلحينها وغنائها فشاعت، وضاعفت شهرته، التي رسخها لقبه الثالث أميرًا للشعراء العرب. ففي حدث لعله الأهم في حياته - خاصة أنه حدث لم يتكرر بعد ذلك - نصب أميرًا خليفة لأمير الشعراء الأول الشاعر الكبير أحمد شوقي.

          وقـد حظي الأخطل الصغير بهذا التنصيب في حفل كبير أقيم في بيروت عام 1961 شارك فيه كبار الشعراء العرب الذين اعترفوا له بالإمارة في قصائدهم التكريمية له والتي ألقوها في المناسبة، ومنهم  أمين نخلة الذي قال:

أيقولون أخطل وصغير؟ أنت في دولة القوافي أمير


          ولد بشارة عبدالله الخوري في مدينة بيروت عام 1885م، وتلقى تعليمه الأولي في الكتَّاب ثم أكمله في مدرستي الحكمة والفرير وغيرهما من مدارس ذلك العهد. وفي عام 1908 أنشأ جريدة البرق التي استمرت في الصدور حتى بداية عام 1933، عندما أغلقتها السلطات الفرنسية وألغت امتيازها نهائيًا. ولعل إيقاف جريدته تلك كان بداية لسلسلة  من المعارك الأدبية والسياسية نذر خلالها قلمه وشعره للدفاع عن أمته وإيقاظ هممها ضد الاستعمار والصهيونية، ولم يكتف بالقلم للتعبير عن مبادئه والدفاع عنها، فقد بادر لتسلم مسئولية نقابة الصحافة عام 1928 مناديًا بإطلاق الحريات الصحفية  حيث كان يقول: «من العار أن تنظر الحكومة إلى الصحافة كما ينظر الخصم إلى خصمه»، كما أنشأ حزبًا سياسيًا، عرف باسم الشبيبة اللبنانية، وانتخب رئيسًا لبلدية برج حمود عام 1930. وظل الخوري في كل ممارساته الصحفية والسياسية ذلك العربي المنضوي تحت لواء العروبة، المنادي بالوحدة والحرية والاستقلال لكل أقطار الوطن الكبير،  وقد حفل ديوانه بالكثير من القصائد التي  يؤكد فيها مدى اعتزازه بعروبته وعربيته، وانتمائه إليهما، وفخره بمعطياتهما .. وقد ظل ذلك الاعتزاز يتملكه حتى وفاته عام 1968.

          وبالرغم من رقة عبارته الغزلية وعفويتها، التي اقتربت من ينابيع العامية في حيويتها وبساطتها، وبالرغم من اشتهار الشاعر بغزلياته الغنائية، التي نبع معظمها من حكايات طريفة تناقلتها مجالس الأنس ومحافل الطرب، وجمع فيها الشاعر ما بين عذرية العذريين وإباحية الإباحيين في نموذج فريد من نوعه صور من خلاله المرأة تصويرًا أنيقًا جمع فيه أسباب التكامل من طرفيه، حيث الجسد الجميل والروح النبيل، إلا أن الغزل لم يكن يمثل إلا نسبة صغيرة من مجموع شعره، فقد توزعت قوافي الشاعر على أغراض مختلفة.

          وبالرغم من جزالة أسلوب الأخطل الصغير الشـــعري، وقوة سبكه وديباجته، أجمع كثير من النقاد العرب على أنه أحد أهم المجددين في القصيدة العربية مضمونا مع الحرص الكبير على شكلها المتوارث وزنًا خليليًا وقافية تترى.

          صدر له ديوان «الهوى والشباب» عام 1953، وديوان «شعر الأخطل الصغير» عام 1961، وفي عام 1996 طبعت مؤسسة جائزة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري أعماله الكاملة ومجموعة من الدراسات عنه في  كتب عدة.. ومن أعماله الكاملة نختار بعضا من أبياته ختامًا مسكيًا لبعض صفحات هذا العدد من «العربي».

 

سعدية مفرح