البحر

 البحر
        

زرقة البحر صفحةُ عمريَ..
فيها البداية والمنتهى!
لا أحب الصحارى.. ولا التربة الحجرية..
يبعثني الماءُ إمّا ترقرق..
والنورُ إمّا هَمَى
فوقَهُ.. فزَها..
انظروا كيف هَلَّلَ سربُ النوارِسِ،
لمَّا رآني..
وكيف احتفى بي فوق الزَّبَدْ..
فأنا مثله صاحبُ الموج..
أعرف أسراره الأزليّةَ..
.. لا أكتبُ السّرَّ في الماء..
بل أنقش الآن ما لا يزولُ على الصخْرِ..
إني - كأصحابي الشعراء - فتى
أرسلته الرياحُ العتيَّةُ للموجِ..
وائتمنته على صفحات الأبدْ

***

وأنا القَطْرُ.. ومع السُّحُبْ..
وأنا دمع كل الصحاب الذين مضوا

ذات يوم، مع الريح..
في زورق الحُلْمِ..
أو في حنايا المنونِ..
أنا طيف هذا الغريب
الذي يسكنُ البحرَ..
(بردته فوق رملِ الشواطئ عاطرةٌ..
وعلى أسقف المدن الأزلية راياتُهُ..
وبكهف من الصخر
ينشد أنشودة تبعث الروحَ فيَّ..
ويبرق إصحاحهُ في لياليَّ..)
طفل الشطوط الحزينُ أنا..
لا تفارقني دهشتي
وأنا ألج الموج كل صباحٍ..
ومن دون جدوى أغوصُ.. أغوصُ..
وتمضي السنون ولا أجد اللؤلؤة..
لا أكفُّ عن الحُلم..
أمضي لأوقظَ في الكون دهشتَهُ المنبئةْ
طفل هذي الشطوط الحزينُ أنا..
شطرت في الصِّبا القلبَ فاتنةٌ
من زمان الصِّبا تنتحبْ..
لاأزال أراها بعيدًا.. بعيدًا..
وراء الحُجُبْ!

***

المنارات تعويذتي الواعدَةْ..
واخضرار الصخور على مطلع البحرِ
يوقظ قلبيَ..
يشعل جذوتي الخامدَةْ..
عزف المدّ والجزرُ
تحت نوافذ بيتي القديم..
ففاض الحنينُ..
وَهمَّت بي الربَّةُ الخالدةْ..
مغرومٌ أنا بالماء، والرملِ،
والصدفِ المتناثر في شاطئ البدءِ،
وامرأةٍ كالبروق تمرُّ على الغيمة الشاردةْ..
جئتُ من موجةٍ
لأطارحَ محبوبتي الحبَّ ليلاً..
وأنجب منها بحارًا من النورِ..
ثم أُلقّنها السِّرَّ!
أمنحها في سرير الغرام اعترافيَ واسميَ..
ثم أغيبُ مع الموجِ في ليلةٍ راعدًةْ!.

 

فؤاد طمان