قلب الكمبيوتر الحي رءوف وصفي

قلب الكمبيوتر الحي

كل ما صنعه الإنسان وابتكره من تقنيات دقيقة ومتقدمة, يظل قزمًا إذا ما قورن بإبداع الخالق المتمثل في الخلايا الحيّة. وأمام هذه الحقيقة يحاول العلماء دمج ماهو حي مع ماهو صناعي, ومثال ذلك ما يحدث الآن في أبحاث الرقائق الكمبيوترية.

أصبحت الرقائق الكمبيوترية إحدى السمات الأساسية التي تميز حضارتنا, فهي موجودة في كل مكان حولك, في الكمبيوترات الشخصية والهواتف الحديثة والثلاجات والمكيفات ومحركات السيارات وغيرها. إن هذه الرقائق الدقيقة (الذكية), هي التي تقود المنطق الذي يسيطر على التقنيات العلمية الحديثة.

ومن أحدث مجالات التطوير في تقنية الرقائق, استبدال الترانزستورات بجزيئات الحامض النووي الوراثي (دنا) التي تشفر المعلومات الوراثية أو بروتينات معدلة بالهندسة الوراثية, ويطلق عليها حينئذ (الرقائق الحيوية) ويكون لها استخدامات مذهلة في الوقت الحاضر والمستقبل.

ولاشك أن محبّي قصص الخيال العلمي, يألفون فكرة دمج الرقائق الكمبيوترية مع المادة الحية من جسم الإنسان, والحقيقة أن المخلوقات نصف البشرية/نصف الآلية تحمل الكثير من صفات وخصائص البشر, ويتخذ ذلك شكل بشر يعيشون حياتهم داخل روبوتات, وعقول بشرية تحفظ بحال جيدة في أوعية محكمة بها هلام طبي.

وعلى الرغم من اكتساح قصص البشر الآليين لشاشات العرض السينمائي والتلفازي, وكذلك دور نشر أدب الخيال العلمي, فإن هناك حقيقة علمية تحدث هنا على أرضنا في الوقت الحاضر, ولها آفاق مستقبلية رائعة.

فقد نجح العلماء بالفعل في الجمع بين المركبات العضوية طويلة السلسلة long chain organic compounds, والرقائق الكمبيوترية - التي تصنع من السليكون - لخلق مجال جديد تماما من علوم الكمبيوتر, يتعلق بتشغيل الكمبيوترات الحيوية Biocomputers.

ولعل فكرة دمج المادة الحية - كالبروتينات - مع الرقائق الكمبيوترية, تبدو للوهلة الأولى (مستقبلية) للغاية, ولكنها في الواقع معروفة بالفعل في مجالات الإلكترونيات. إذ إن هناك حقيقة بسيطة, هي أن كثيرًا جدًا من العمليات التي ينفذها الكمبيوتر, يفترض أنها تحل محل المجهودات البشرية, ولذلك فليس من المدهش أن علماء الكمبيوترات, ربما يرغبون في دمج بعض خصائص الإنسان (التي يمكنها بالفعل أداء هذه المهام) في تصميم الكمبيوتر (الذي ينجزها في وقت أقل أو بطريقة أكثر آلية) وكمثال على ذلك, كمبيوترات الشبكات العصبية التي تصمم لمحاولة تقليد الموصلات في الجهاز العصبي ومخ الإنسان, والشبكات العصبية الكمبيوترية, هي مجرد محاكاة لمخ الإنسان, وليس دمجا بين الأنسجة الحيّة والسليكون, ومع ذلك فهي تحقق مزايا نسخ التركيبات الحيوية. ولو تصوّرنا قدرة وإمكانات تلك الشبكات العصبية, فليس من الصعب تصوّر مزايا استخدام عدة أنسجة حيوية مباشرة في رقاقة كمبيوترية, لإنشاء (الرقاقة الحيوية) Biochip.

ولكن ما الرقاقة الحيوية?

عندما يعمل علماء البيولوجيا وعلماء الكمبيوتر معا, ويقومون بدمج جديلة Strand المادة الحية في الرقاقة الكمبيوترية, فإنهم في الواقع يصنعون رقاقة حيوية, والرقاقة الحيوية تشبه في تركيبها الرقاقة التقليدية للكمبيوتر, باستثناء تغيير الترانزستورات بجزيئات كيميائية عضوية أو بروتينات (مهندسة) بتقنية الهندسة الوراثية.

ووفق رأي الخبراء فإن للرقاقة الحيوية عدة فوائد - مقارنة بالرقاقة الكمبيوترية المستخدمة في الوقت الحاضر - منها زيادة العناصر الحسابية وإيجاد طراز جديد في معاملة المعلومات الحيوية في أعمال ذات مستوى عال مثل دراسة تتابع الجينات.

ويفضل استخدام جدائل من (الحامض النووي الديوكسي ريبوزي) واختصارًا (دنا). و(دنا) هو الجزيء الذي يوجد في نواة الخلية ويشفر المعلومات الوراثية, ويحتوي على كل التعليمات والبرمجة التي تسيطر على نمو وتطور وسلوك الخلايا الحية, ولذلك فإن اختيار (دنا) كجزيئات عضوية في الرقائق الحيوية, هو اختيار واضح المغزى.

وعلى الرغم من أن التصنيع الفريد للرقاقة الحيوية أمر معقد تمامًا, فإن الفكرة العامة للتصميم الذي وراء ذلك, بسيطة جدًا! أساسًا تبدو الرقاقة الحيوية مثل (وعاء) (شريحة من السليكون), به مكعبات ثلج بالغة الضآلة (يُطلق على كل منها (خزان)) ويحمل كل خزان عينة من المادة الحية, وتعمل الرقاقة الحيوية مثل مجموعة من أنابيب الاختبار, وكل عينة من المادة الحية تختلف عن بقية العينات الموجودة على الرقاقة, مما يعني أنها سوف تتفاعل (أو قد لا تتفاعل) مع البيئة المحيطة بها, بطريقتها الخاصة, ولاستخدام الرقاقة الحيوية, يقوم العلماء بتعريضها لبيئة معينة محيطة بها, ثم يراقبون خصائص الفلورية Fluorescence لكل عينة, وعن طريق رصد العينات الحية منها, التي تتفاعل وبأي طريقة, يمكن للعلماء تحديد مكونات تلك البيئة المحيطة.

ونظرًا لأن الرقاقة الحيوية قد تحتوي على عشرات الآلاف من العينات الحية الفريدة من نوعها - ولكل منها قدرتها على الإحساس والتفاعل - فإن الرقاقة الحيوية تعد بالفعل معالجا متوازيا Parallel Processor, وفي الوقت الذي نجد فيه أن فكرة دمج علم الكمبيوتر وعلم البيولوجيا, لإنشاء معالجات متوازية على رقاقة حيوية, هي فكرة رائعة ومثيرة في حد ذاتها, فإن السؤال المنطقي الذي يقترن باستحداث هذه التقنية المستقبلية هو: ما فائدة هذه الرقاقة الحيوية?

ثورات...حيوية

ينتظر أن تحدث الرقائق الحيوية ثورات في العديد من المجالات العلمية, لعل أهمها هو المجال الطبي, إذ إنها سوف تساعد في سبر غور الأسرار الرئيسية للحياة, وحل ألغازها بالإضافة إلى التطوير في أساليب التشخيص الطبي واكتشاف التفاعلات الكيميائية التي تؤدي إلى إنتاج أدوية جديدة أكثر فاعلية في العلاج, كما يمكن أن تعمل الرقائق الحيوية مثل كاشفات Detectors, للأخطار الحيوية والوراثية أو الجينية, فعلى سبيل المثال, قد يتم تحميل خزانات الرقاقة الحيوية بعشرات الآلاف من جدائل (دنا) المأخوذة من فيروسات وبكتيريا معروفة, وفي حال توقع أي كارثة بيولوجية (كهجوم بأسلحة بيولوجية), تقوم أطقم الطوارئ بسرعة بأخذ عينات من الهواء للتحقق من وجود أي كائنات دقيقة قد تسبب الأمراض, ويمكن اتباع أسلوب مماثل للبحث عن - والتعرف على - المبيدات الحشرية والملوثات والأمراض الوراثية أو أي مجموعة أخرى من المركبات الضارة, التي قد تتفاعل مع الجزيئات العضوية.

كذلك سوف تستخدم الرقاقة الحيوية في التعرف على دور الجينات في تخليق البروتينات, وتقوم بتحليل الأنسجة المريضة بهدف تحديد الجينات التي يختل إنتاجها من البروتينات, مما يترتب عليه الإصابة بأمراض معينة, وأيضا دراسة الأنماط الوراثية, مما يسهل من عملية تشخيص الأمراض, التي تم التحقق من حدوث طفرة وراثيةGenetic Mutation لها, كما في بعض أمراض الكبد والسرطان.

كما أن انتشار استخدام الرقائق الحيوية, سوف يبدد الشك, من بداية العلاج المبكر, لكثير من الأمراض ومن خلال تحليل قطرة واحدة من محلول الاختبار, سوف يتمكن الأطباء من التنبؤ بمدى فاعلية أي دواء ومقدار السمية المحتملة من تناوله, وهكذا تساهم الرقاقة الحيوية في التسريع بخطوات اعتماد الأدوية.

وهناك مجال مستقبلي مثير للاهتمام, هو الرقاقة الحيوية البروتينية, حيث يصف بها طبقات من البروتينات المهندسة وراثيا, التي يمكن استخدامها فيما بعد في فحص الأدوية وفي اختبارات طبية تشخيصية, وإذا تم إدماج جهاز إحساس حيوي Biosensor, بداخل تلك الرقاقة الحيوية, فربما يظهر عندئذ استخدام جديد لها في قياس درجة النشاط الحفزي Catalytic Activity لمختلف الأنزيمات.

ويمكن استخدام الرقائق الحيوية ككاشفات فائقة الحساسية للتلوث الميكروبي أو العضوي, كذلك تستطيع أن تساعد في التعرف على الجينات, التي تمكن بعض الأنزيمات الطبيعية من القضاء على سمية الكيماويات و(هضم) الملوثات, وبمجرد التعرف عليها, فإن هذه الجينات - صديقة البيئة - يمكن نقلها إلى البكتيريا العادية للمساعدة في تنظيف التربة أو المياه الملوثة.

وللرقاقة الحيوية القدرة على سرعة ودقة اكتشاف الأمراض والطفرات الوراثية الزراعية, وسرعة إجراء تجارب للتأكد من سلامة المنتجات الزراعية الجديدة. فعلى سبيل المثال, فإن الجينات التي تساعد النباتات على مقاومة فطريات العفن, يمكن التعرف عليها - بواسطة الرقائق الحيوية - وإيلاجها في النباتات التي تتعرض لهجوم العفن, ومن ثم تعتبر (سلاحا) للمقاومة.

وقريبا سوف يتمكن رجال الشرطة من تحليل (دنا) بالدم أو الشعر بمسرح الجريمة, دون الحاجة إلى إرسالها للمختبر, إذ إن الرقاقة الحيوية مصممة لإجراء تحليلات (دنا) خلال دقائق, على أي آثار أو بقايا بشرية توجد في أي مكان, ويمكن عندئذ استخدام كمبيوتر نقال للبحث عما يطابقها في قاعدة البيانات القومية لـ(دنا) الخاصة بالمجرمين والمحفوظة لدى الجهات الأمنية.

الرقاقة الحيوية... والجينوم البشري

إن أحد أهم الاستخدامات الواعدة للرقائق الحيوية, المساهمة في فك الشفرة الوراثية والتعرف على تتابع Sequence الجينات وهو ما يطلق عليه مشروع (الجينوم) البشري Ginome. فبعد توصل العلماء إلى التعرف على خريطة جميع الجينات الموجودة في كروموزومات Chromosomes الإنسان, وعن طريق تحديد مكان وجود كل جين في الكروموزوم ووظيفته, فسوف يخطو العلماء خطوة جبارة إلى الأمام لتحديد كيفية عمل أجسامنا, كما سيصبح بمقدورهم معرفة عدد كبير من الأمراض الخطيرة مثل السرطان وبعض أمراض القلب و(الزهايمر) وغيرها, في نطاق ما يسمى (الطب الجيني).

ولكي يستخدم العلماء رقاقة حيوية لتحديد تتابع (دنا), ومن ثم التعرف على تكوينها الجيني, فإنهم يستفيدون من حقيقة وجود سلسلة (نوتيدات) في جديلتين تربطهما أزواج أربع قواعد نيتروجينية, عبارة عن جزيئات صغيرة تربطها روابط ضعيفة وكأنها (مشابك كيميائية), وهذه القواعد النيتروجينية هي الأدنين (أ) والثايمين (ث), والجوانين (ج) والستوسين (س), وتوجد هذه القواعد الأربع بترتيب خاص.

وهي تشكل جدلية تقترن بجدلية أخرى متممة لها, وعندما تتلاصق الجديلتان نجد أن جزيء (أ) يقترن دائما بالجزيء (ث), وأن الجزيء (ج) يقترن دائما بالجزيء (س) وعلى ذلك فإذا وجدنا الجديلة (دنا) المكونة من (ث س ج أ أ) فسوف ترتبط دائما بجدلية تحتوي على (أ ج س ث ث) وتتابع هذه القواعد هو الذي يشفر التعليمات لإنتاج بروتينات مختلفة, حيث تكون كل ثلاثة أحرف (كودون Codon) شفرة لحامض أميني معين وترتبط هذه الأحماض الأمينية في شكل بروتينات.

وتبدو ترابطات القواعد النيتروجينية مثل درجات في سلم حلزوني, يلتف لولبيا في اتجاه حركة عقارب الساعة, ويطلق عليه (الحلزون المزدوج). وللاستفادة من تلك, يقوم العلماء بتحميل كل خزان في الرقاقة الحيوية, بجديلة معروفة من (دنا) ثم يعرّضون هذه الرقاقة لمحلول يحتوي على عينات من سلاسل طويلة مجهولة من (دنا). إن (دنا) الموجودة في خزان الرقاقة الحيوية, سوف تلتصق فقط بعينات الجدائل المحتوية على المتممة لها, وسوف تلتصق عند نقطة محددة من عينة الجديلة, حيث يتم الاقتران الصحيح بينهما.

وهكذا يمكن للعلماء تحديد الخزانات التي يحدث فيها اتصال, وكذلك معرفة مكان حدوث هذا الاتصال بجدائل العينات المختارة, ومن ثم يصبح بإمكانهم إعادة تشكيل الجدائل الطويلة للعينات, وكذلك (قراءتها) وتفسيرها.

وتوصف هذه العملية بأنها (بحث عن كلمات), لأن كل (دنا) تمثل (كلمة) معروفة, كما أن كل عينة طويلة من (دنا) تعبر عن (جملة كاملة) وبعد تحديد كل الكلمات الموجودة في الجملة, وأيضا ترتيبها داخل الجملة, يمكن للعلماء تفسير (الجملة) وفهم معناها, وهكذا يشرعون في قراءة (كتاب الحياة).

إن العلماء الذين يعكفون على دراسة تتابع الجينات في جدائل (دنا), يحتاجون إلى مساعدة كبيرة من الكمبيوترات, لتفسير وفك شفرة الرقائق الحيوية ومعرفة ما الذي تفصح عنه. فعلى سبيل المثال, يستخدم كمبيوتر مزود بمجهر للأطوال الموجية, لمعرفة خزانات الرقاقة الحيوية التي تتفاعل وكيفية حدوث هذا التفاعل, ثم يقوم كمبيوتر آخر متصل بقاعدة بيانات بيولوجية, بفهم وتفسير معنى سلوك الرقاقة الحيوية.

والواقع أن المنظومة التي تقوم بتفسير سلوك الرقاقة الحيوية - وأيضا قاعدة البيانات البيولوجية المتصلة بها - لها أهمية فائقة تعادل أهمية الرقاقة الحيوية ذاتها ونتيجة لذلك طوّر العلماء مجالاً جديدًا للدراسة أطلقوا عليه (المعلوماتية الحيوية) Bionformatics, يقومون فيه بإنشاء قواعد بيانات متطورة لمساعدة الأبحاث البيولوجية.

مراقب حيوي داخل جسمك

الرقاقة الحيوية المزروعة في الجسم, يتم تثبيتها في داخله لتحديد المكان الذي يوجد فيه الإنسان. وكذلك للتعرف على بعض البيانات الطبية الخاصة به, إذ إنها تشتمل على أجهزة إحساس تقيس درجة حرارة الجسم وضغط الدم ونسبة السكر.. إلخ.

ويقوم هوائي متصل بالرقاقة الحيوية المزروعة, بتسجيل تلك البيانات وإرسالها إلى محطات استقبال أرضية - مجهزة للاتصال بالأقمار الصناعية - بحيث يراقبها الأطباء, ولعل أهم استخدام لهذه الرقاقة, هو متابعة حالة المرضى المعرضين للخطر, فعلى سبيل المثال, يمكن مراقبة ومتابعة حالة شخص مصاب بمرض (الزهايمر) (الشلل الرعاش), من خلال منظومة تحديد الموقع العالمي بالأقمار الصناعية GPS, وإذا حدث أن المريض ابتعد كثيرًا عن منزله, فإنه يمكن للمراقبين الطبيين له متابعة حالته الطبية في جميع الأوقات (خدمة الطوارئ).

ولكن مم تتكوّن الرقاقة الحيوية المزروعة?

إنها تشتمل أساسًا على وحدة (المتلقي/ المستجيب) وهي عبارة عن منظومة تعريف تعمل بتردد لاسلكي, إذ إنها تستخدم إشارات لاسلكية منخفضة التردد, لتحقيق الاتصال بوحدة أخرى تسمى (القارئ), ولأن وحدة المتلقي/ المستجيب (سلبية) - بمعنى أنها لا تحتوي على بطارية أو أي مصدر يمدها بالطاقة - فإنها لا تعمل إلا بعد أن ينشطها (القارئ), بإرسال شحنة كهربائية ضعيفة.

ويعمل القارئ على (مسح) الرقاقة الحيوية المزروعة في الجسم, ويتلقى بيانات منها, ويتم الاتصال بين الرقاقة الحيوية والقارئ عن طريق موجات لاسلكية منخفضة التردد, ويجب أن تتراوح مسافة القراءة أو التنشيط ما بين خمسة سنتيمترات وثلاثين سنتيمترا, حتى يتم الاتصال بشكل صحيح.

رقاقة.. وملف.. ومكثف.. وكبسولة

تتكون وحدة (المتلقي/ المستجيب) من أربعة أجزاء هي:

- رقاقة كمبيوترية.

- ملف الهوائي.

- مكثف المولفة.

- كبسولة زجاجية.

الرقاقة الكمبيوترية: تقوم بتخزين رقم التعريف المميز الذي يبلغ طوله من عشرة إلى خمسة عشر رقما. وسعة تخزين الرقاقة الكمبيوترية الحالية محدودة, إذ لا يمكنها تخزين سوى رقم تعريف واحد. ويتم حفر رقم التعريف المميز هذا, أو تشفيره بواسطة أشعة الليزر على سطح الرقاقة الكمبيوترية, وبمجرد تشفير رقم التعريف يصبح من المستحيل تغييره. كما تحتوي الرقاقة على دائرة إلكترونية, وهي ضرورية لنقل رقم التعريف إلى القارئ.

ملف الهوائيAntenna coil: ملف بسيط من سلك نحاسي يلتف حول (قلب) من الحديد, ويعمل هذا الهوائي اللاسلكي على استقبال (نبضات) من القارئ, وكذلك يمكنه تلقي إشارات من أقمار صناعية قادرة على تحديد إحداثيات الموقع بأي مكان على سطح الأرض.

مكثف الموالفة Tuning Capacior: يخزن هذا المكثف الشحنة الكهربائية الضئيلة (تقل عادة عن واحد من ألف من الواط) والمرسلة من القارئ لتنشيط وحدة (المتلقي/ المستجيب), ويتيح هذا التنشيط إعادة رقم التعريف المحفور على الرقاقة الكمبيوترية, وهكذا يتم الاتصال. ونظرا لاستخدام (موجات لاسلكية) للاتصال بين وحدة (المتلقي/ المستجيب) و(القارئ), فإنه تتم (موالفة) (أي تعديل تردد) المكثف ليصبح مماثلا لتردد (القارئ).

الكبسولة الزجاجية: تتسع الكبسولة الزجاجية لكل من الرقاقة الكمبيوترية وملف الهوائي ومكثف الموالفة, وهي عبارة عن كبسولة صغيرة تبلغ أبعادها 11 ملليمترا طولا, كما يصل قطرها إلى ملليمترين فقط. وهذا الحجم يعادل تقريبا حجم حبة أرز كبيرة غير مطبوخة.

وتصنع الكبسولة الزجاجية من مادة مناسبة للمادة الحية في جسم الإنسان, مثل الزجاج الذي يدخل في تصنيعه (جير الصودا), وبعد تجميع كل الأجزاء, يتم إحكام سد الكبسولة, لكي تصبح غير منفذة لأي مادة, بحيث لا يمكن لأي سوائل بالجسم ملامسة المعدات الإلكترونية التي بداخلها. ولأن الزجاج ناعم جدا ومعرض للحركة, يفضل الخبراء استخدام (غمد) من مادة معينة مثل (بولي روبلين), يتم تثبيتها بأحد طرفي الكبسولة, ويوفر هذا (الغمد) سطحا مناسبا يسهل على ألياف أنسجة الجسم أن تتشبث به أو تترابط معه, وينتج عن ذلك ثبات الرقاقة الحيوية المزروعة بشكل دائم في الجسم.

ويتم إيلاج الرقاقة الحيوية في جسم الإنسان بواسطة حقنة, وعملية الحقن هذه بسيطة ومأمونة, إذا ما قورنت بعملية حقن الأمصال العادية المقاومة للأمراض ولا تدعو الحاجة إلى التخدير الكلي أو الموضعي.

أما بالنسبة للكلاب والقطط - التي يرغب أصحابها في تتبع خطواتها حتى لا تفقد طريقها - فإنه يتم عادة حقن الرقاقة الحيوية, خلف الرقبة فيما بين لوحي الكتف, وهناك أحد أنواع الرقائق الحيوية الذي يطلق عليه (ذات الطيّة الزمّامة), Zip Guill ما عليك إلا أن تضغط عليها لكي تثبت في جسمك, دون حاجة لاستخدام الحقنة.

أما (القارئ) فإنه يتكون من ملف (تنشيط) يولد مجالا كهرومغناطيسيا يوفر - من خلال إشارات لاسلكية - الطاقة اللازمة لتنشيط الرقاقة الحيوية المزروعة في الجسم, كذلك يشتمل القارئ على ملف استقبال يتلقى الشفرة المرسلة أو رقم التعريف الذي تبعث به الرقاقة الحيوية المزروعة التي تم تنشيطها, ويحدث كل ذلك بسرعة مذهلة لا تتجاوز واحدا على ألف من الثانية!

كما يحتوي القارئ على برامج تشغيل كمبيوترية, والأجزاء اللازمة لفك الشفرة التي يتم استقبالها, وتعرض النتائج على شاشة صغيرة تعمل بالبللورات السائلة ويمكن أن تتضمن وحدة القارئ (منفذا) port لربطه بالكمبيوتر.

حياتك الإلكترونية.. فوق سنتيمتر

يولّد القارئ مجالا كهرمغنطيسيًا منخفض القدرة, من خلال إشارات لاسلكية تعمل على تنشيط الرقاقة الحيوية المزروعة, ويمكّن هذا التنشيط الرقاقة الحيوية من الرد بإرسال شفرة رقم التعريف إلى القارئ, بواسطة إشارات لاسلكية.

ويقوم القارئ بتضخيم الشفرة المرسلة إليه, ويحولها إلى شكل رقمي ثم يفك شفرة رقم التعريف ويعرضها على شاشة البللورات السائلة, في شكل معلومات.وربما في المستقبل القريب, لن يضطر المرضى إلى الذهاب لعيادة الطبيب للعلاج أو لعمل كشف طبي عام, وأيا كان مكان المريض, فسوف يكون بمقدور الطبيب معرفة أعراض مرضه, وإدخال الأدوية اللازمة في جسمه, وذلك بإعطاء تعليماته من خلال الاتصال بالرقاقة الحيوية المزروعة في مكان ما من جسمه, مثل أنسجة القلب أو الأوعية الدموية. ويمكن لهذه الرقائق السيطرة على المواد الكيميائية التي تحفز نمو الأوعية الدموية أو الدواء الذي يراد إطلاقه في جسم المريض, وعند زراعة الرقاقة الحيوية في موضع إجراء عملية جراحية, يمكن للأطباء التأكد من وجود الدواء المخدّر لتسكين الآلام وبهذه الطريقة يخففون على المريض مشقة الإحساس بالآلام الشديدة التي تعقب إجراء العمليات الجراحية, ذلك أن الدواء المسكن يمنع نبضات الألم من الوصول إلى الأعصاب المجاورة, بحيث لا يكاد المريض يشعر بأي ألم, كما أن الرقاقة الحيوية المزروعة, تعد أداة تحذير, وتساعد على متابعة مستويات السكر في الدم لمن يعانون من مرض السكّري.

كذلك تعد الرقائق الحيوية مبشّرة جدًا في علاج السرطان, وإذا ظهر في أي وقت دواء ضد السرطان, فبوسع العلماء تصميم رقاقة حيوية بالغة الضآلة, تحتوي على هذا الدواء, ويتناولها المريض عن طريق الفم - وتسمى حينئذ (روبوتا مجهريا) - بحيث تعمل مثل كبسولة, وتطلق هذا الدواء في الجسم بالمعدل المطلوب. ويقول العلماء إن أدوات إطلاق الدواء في الجسم سوف تتمكن من بث أفضل جرعة ممكنة, مما يزيد من فعالية الدواء ويقلل - في الوقت نفسه - من (سميّته) إلى حد كبير.

ووفقًا لرأي الخبراء, فإن الرقاقة الحيوية المزروعة في الجسم, والتي يبلغ طولها نحو سنتيمتر فيما لا يتجاوز قطرها ملليمترين, يمكن أن تحمل تاريخ حالتك الصحية وما يلزمك من رعاية طبية, أي أنها تحمل (حياتك الإلكترونية).

وإذا تصورنا مجتمعًا مستقبليًا, لا يتم التعامل فيه بالنقود, وأن الاقتصاد كله يتمحور حول الرقائق الحيوية المزروعة في الجسم, فسوف تظهر (سوق سوداء) هائلة لهذه الرقائق السحرية. ونظرًا لعدم وجود نقود أو أي نظام آخر للمبادلة أو المقايضة, فإن المجرمين سوف يقطعون أيدي ورءوس الناس لسرقة رقائقهم (الثمينة),!

وهناك تحديات تقنية مهمة أمام صناعة الرقائق الحيوية, تغذي سباق التنافس الشديد في مجال البحث والتطوير بهدف السيطرة على الأسواق, وذلك صحيح بوجه خاص في تقنية (القراءة) لرصد وتفسير البيانات الخارجة من الرقائق الحيوية المزروعة في الجسم, ولعل أهم المقتنيات الحديثة في هذا المجال هو رسم خريطة بصرية لـ (دنا), وهي تتضمن إطالة وتثبيت جزيئات (دنا) على شرائح زجاجية خاصة من أجل الإبقاء على خصائصها الكيميائية الحيوية.

وقد أظهرت هذه التقنية قابليتها لإعطاء معدل خرج عال من البيانات وتحليل للتسلسل الجيني عند دمجه مع أجهزة كمبيوترات مناسبة للكشف عن البيانات وتفسيرها بدقة بالغة.

يفخر المجال العلمي للرقائق الحيوية - الذي يتقدم بخطى سريعة - بإنجازاته المذهلة, خاصة فيما يتعلق بالتطورات المستقبلية في تقنية الرقائق الحيوية, التي سوف تمكننا من صنع وسائل وأدوات (منمنمة) تساعد على إجراء تحاليل فائقة الحساسية لتفاعلات حيوية بالغة الدقة, وفي أقل وقت ممكن وبتكلفة منخفضة للغاية, إلا أنه في كل مرة تطرح فيها عملية تستخدم أو تعالج مكونات بيولوجية أو تؤثر إلى حد كبير في الكائنات الحية (وخاصة الإنسان), فإنه لا بد من مواجهة بعض القضايا الأخلاقية الشائكة والنظر فيها بإمعان. فعلى سبيل المثال, هل يصح - من الوجهة الأخلاقية - استخلاص (دنا) من الإنسان بهدف التعرف على الأمراض الوراثية التي قد يعاني منها?

وحتى بعد التعرف عليها, هل يصارح بها المريض مع ما قد يسببه هذا من تدمير نفسي له?

وهل توفر قاعدة البيانات الوراثية إمكان إساءة استعمال هذه المعلومات من قبل أولئك الذين يأملون في أن تعزز قاعدة البيانات الوراثية, وجهات نظرهم المتعصبة لفكرة معينة أو الإضرار بشعوب معينة (الفكرة الجينية المجنونة التي قالت بها إسرائيل)? وما هو مقدار الكيمياء العضوية التي يمكن وضعها في رقاقة حيوية, قبل أن تتمكن من خلق خطر بيولوجي يهدد الكائنات الحية?

وبالطبع لا يعرف أحد الإجابة عن كل هذه الأسئلة, لكن المؤكد أن الرقائق الحيوية سوف تقدم نفعًا هائلاً وخيرًا كثيرًا, وخصوصًا لصحة وسلامة كل إنسان.

ومجال هذا المقال يعجز عن بيان ما إذا كانت - أو لم تكن - الرقائق الحيوية أو قواعد البيانات الوراثية المعززة لها, معبرة عن إمكان استغلالها أو إساءة استخدامها للكائنات الحية من عدمه, بيد أن هذا موضوع مهم وخطير وتجدر مناقشته واستطلاع أبعاده وآفاقه وتداعياته, والرأي عندي أنه سيكون في بؤرة البحث العلمي المستقبلي.

مواقع للرقائق الحيوية على الشبكة:

http://www.lambda.at/e/e_bioinformatics_biochips.shtml

http://www.cfdrc.com/applications/biotechnology/biochip.html

http://www.technologyreview.com/articles

http://www.biochipnet.de

http://www.sdmagnetics.com/serv/biosensors/biochip.html

http://www.globaltechnoscan.com

http://biobenchelper.hypermart.net/tech/biochip.htm

 

رءوف وصفي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




حقنة إدخال الرقاقة الحيوية المزروعة إلى الجسم





دمج المادة الحية مع الرقائق الكمبيوترية





نموذج لـ (دنا) .. الجديلتان (السلم الحلزوني) والنوتيدات





صورة توضح مدى ضآلة الرقاقة الحيوية ويلاحظ وجود (الخزانات) فوق سطحها





الرقائق الحيوية المستخدمة في مشروع الجينوم البشري





تفسير بيانات الرقاقة الحيوية بواسطة الكمبيوتر