إليزابيث تايلور: الإبداع في السينما

إليزابيث تايلور: الإبداع في السينما

توفيت إليزابيث تايلور يوم 23 مارس 2011، بعد أن عمرت 79 عامًا.. وقد تألقت ليز تايلور في السينما الأمريكية منذ أن بدأت مشوارها في عام 1942 وهي في العاشرة من عمرها في فيلم «هناك واحد يولد في كل دقيقة» There is one born every minute.. وقد استمرت في التمثيل السينمائي حتى عام 2001، عندما مثلت في فيلم «These old broads» «تلك النساء العجائز» الفيلم الأخير كان من الأفلام التلفزيونية، كما أنها قامت بالتمثيل في المسلسلات التلفزيونية، وأهمها مسلسل «الله والشيطان وبوب»، «God the Devil and Bob»، وكان عام 2001.. ويمكن أن تحدد الأفلام والأعمال التلفزيونية التي مثلتها خلال رحلتها في السينما بـ 71 فيلمًا سينمائيًا وعدد من الأعمال التلفزيونية.. عملت إليزابيث تايلور على المشاركة في تلك الأعمال وبما يتناسب مع المرحلة العمرية، حيث إن الأدوار كانت تتناسب مع العمر الذي يتم فيه تصوير الأفلام.. كذلك فإن العديد من الأفلام كانت ذات طابع اجتماعي، وأحيانًا كوميدي اجتماعي، ناهيك عن الأفلام التاريخية مثل فيلم «كيلوباترا».. وكما هو معلوم أن الراحلة قد شاركت في التمثيل في أفلام مهمة مع ممثلين كبار، منهم ريتشارد برتون والذي أصبح لها زوجًا على مرحلتين... وهناك آخرون مثلوا معها مثل روك هدسون وجيمس دين وبول نيومان.. وهو ما زاد من تألق ليز تايلور في فترة مهمة من تاريخ هوليود، وعززت مكانتها في زمن ذهبي للسينما الأمريكية.

ولدت إليزابيث روزمري تايلور في ضاحية حدائق هامبستيد، وهي من ضواحي لندن بإنجلترا، شمال لندن، وهي الطفلة الثانية لكل من فرانسيس لين تايلور وسارة فايولا وارمبا رودت، وهما أمريكيان عاشا في بريطانيا، وكان لديها أخ هو هوارد تايلور وقد ولد قبلها بثلاث سنوات أي عام 1929 وقد عمل والدها تاجرًا للأعمال الفنية، أما أمها فقد كانت فنانة سابقة تقاعدت عام 1926 بعد أن هجرت المسرح.. يذكر أن فيكتور كازاليت، وهو من أصدقاء والديها في لندن، كان ذا تأثير مهم عليها وشجعها على التمثيل مبكرًا، ويعد من المهتمين بالفن والمسرح.. كازاليت هذا من أتباع جماعة الـ «Christian Science» وهي كنيسة مسيحية بروتستانتية تعتني بالقيم العصرية وتحاول تكييف المفاهيم الدينية بما يتوافق مع متطلبات الحياة العصرية.. لكن هذا الكازاليت كان من المهتمين بإقامة وطن قومي لليهود، وعمل على تشجيع الساسة البريطانيين لدعم الجهود الصهيونية لإنشاء دولة الاحتلال الصهيوني، خصوصًا وهو قريب من أقطاب حزب المحافظين وعلى رأسهم الزعيم المحافظ الراحل ونستون تشرشل.. ويذكر عدد من المتابعين لتطورات حياة إليزابيث تايلور أن تحولها إلى الديانة اليهودية وهي في السابعة والعشرين من عمرها، في عام 1959، أي بعد قيام دولة إسرائيل بأكثر من عشر سنوات، ربما كان من تأثيرات فيكتور كازاليت الأولية وتشبعها بأفكاره المتحمسة لقيام دولة الاحتلال الصهيوني على الأراضي الفلسطينية.

يمكن أن نعتبر فيلم «National Velvet» هو بداية النجاح لليز تايلور، وهذا الفيلم أنتج عام 1944.. تدور القصة حول رجل هيئت له فرص النجاح وكان مولعًا بالسفر والترحال، وكانت لديه بنت باسم فيلفت «Velvet» والتي ولعت بركوب الخيل.. وهي قصة عادية ولكن الأحداث العائلية التي رويت في الفيلم والتمثيل الجيد والإخراج والتصوير للمناظر الطبيعية عزز من فرص نجاح الفيلم في ذلك الوقت، وفي مرحلة مهمة من التاريخ المعاصر، أي نهاية الحرب العالمية الثانية.. وقد شارك في التمثيل ميكي روني «Mickey Rooney» وهو ممثل كوميدي مشهور، والممثلة البريطانية المشهورة أنجيلا لانسبري «Angela Lansbury»، كما قام بإخراج الفيلم كليرنس بروان «Clarence Brown» وقامت ليز تايلور وهي في الثانية عشرة من عمرها بتمثيل دور «Velvet» الابنة.. ويبدو أن الممثلات الكبار يبدأن صغارًا مثل ما حدث لفاتن حمامة التي بدأت في فيلم «يوم سعيد» في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي.. وكما هو معلوم أن فاتن حمامة تقارب ليز تايلور في العمر، حيث إنها ولدت عام 1931.. وغني عن البيان أن البدايات المبكرة تؤكد إمكانات الاحتراف بشكل جاد وتطوير الأداء في التمثيل إلى درجة الإتقان، ولا بد أن إليزابيث تايلور استفادت، أيضًا، من اهتمام والديها بالفن والمسرح، وكذلك اهتمام أصدقائهما ودعمهم لانخراطها في التمثيل مبكرًا.

قطة على صفيح ساخن

خلال عقد الخمسينيات مثلت ليز تايلور ما يقارب فيلمين في العام الواحد، لكن من أهم أفلام هذه الفترة كان فيلم «قطة على صفيح ساخن» Cat on a Hot Tin Roof. وقد قام معها بدور البطولة الممثل القدير بول نيومان «Paul Newman»، وقد رشح هذا الفيلم لست جوائز أوسكار في سنة العرض 1958، لكنه لم يفز بأي من الجوائز المرشحة، وهي أحسن ممثل وأحسن ممثلة بدور البطولة، وأحسن مخرج وأحسن تصوير وأحسن الألوان وأحسن سيناريو.. والفيلم مأخوذ عن مسرحية تينسي وليامز «Tennesse Williams» الكاتب المسرحي المشهور.. ويمكن اختصار الرواية لهذا الفيلم بأنها تدور حول رجل ثري يملك مزرعة كبيرة في ولاية ميسيبي.. لم يكن هذا المزارع الغني بولت يعلم بوضعه الصحي، وهو يقارب الخامسة والستين، حيث كان مصابًا بالسرطان، نظرًا لأنه كان مهمومًا بوضع ابنه بريك الذي كان مدمنا على الكحوليات.. بريك والذي مثل دوره بول نيومان، تزوج في الفيلم ماغي، إليزابيث تايلور، والتي كانت تجاهد من أجل دفعه للإقلاع عن هذا الإدمان دون جدوى.. ونظرًا لذلك الإدمان فإن بريك يفقد اهتمامه بزوجته الجميلة التي تحاول أن تجذبه نحوها دون جدوى بما يجعلها تعيش الحرمان.. وفي نهاية المطاف يتمكن الأب أن يتصالح مع الابن، لاعب كرة القدم الأمريكية السابق، ويحتفل بعيد ميلاده بعد أن يتيقن من مرضه بالسرطان واستسلم لقدره، وقد قام بإخراج الفيلم ريتشارد بروكز «Richard Brooks».. وقدرت تكاليف الفيلم بثلاثة ملايين دولار، وتمكن من جني إيرادات قدرها17.5 مليون دولار، وهو رقم مهم في ذلك الوقت.

أما عقد الستينيات فقد شهد إنتاج أفلام عديدة لإليزابيث تايلور، كان من أهمها فيلم «بتر فيلد 8» Butterfield 8، وفيلم «كليوباترا» Cleopatra.. وقد أنتج الأول في عام 1960 أما الثاني فقد أنتج عام 1963.. قامت بإنتاج الفيلم «بتر فيلد 8» شركة ميتروغولدن ماير وصور في مانهاتن في مدينة نيويورك، وقدرت تكاليفه بـ 2.5 مليون دولار.. قامت إليزابيث تايلور بدور غلوريا واندروز، ومثل معها لورنس هارفي وإيدي فيشر، وقد قام بالإخراج دانيال مان.. تدور قصة الفيلم حول غلوريا التي عملت كمانيكان أو «Model»، عارضة أزياء، والتي تتورط بعلاقة خاصة مع شخصية مشهورة، ويستون ليغت، والذي قام بدوره في الفيلم الممثل لورنس هارفي.. ونتيجة لشعورها بالرغبة في الحصول على الاحترام الاجتماعي فإنها تعمل على تغيير نمط حياتها وأسلوب عيشها.. ولكن هذه المحاولة تقودها إلى مشاكل مع ويستون، الذي كان متزوجًا من إيملي، وتقوم بالدور ديانا ميرل.. وبعد صراعات مريرة مع ويستون تقرر الهروب في سيارتها بما يقودها إلى الموت.. حصلت ليز تايلور على جائزة الأوسكار كأحسن ممثلة بدور البطولة في ذلك العام 1961.. ورشح الفيلم للعديد من الجوائز الأخرى. ويمكن أن يكون هذا الفيلم من الأفلام التي تلعب فيه تايلور أدوار إغراء واضحة المعالم.

هناك جوانب إنسانية في حياة إليزابيث تايلور.. لقد عاشت حياة صاخبة، فكما سبق ذكره، فقد بدأت التمثيل وهي في عمر العاشرة، وهو عمر صغير مكنها من التميز وتراكم الخبرة في التمثيل لدرجة الإتقان المبدع.. خلال سنوات شبابها تعرضت للكثير من التأثيرات السياسية والقيمية، مما دفعها لاعتناق الديانة اليهودية وهي في السابعة والعشرين، عام 1959، وأكثر من ذلك اتخذت اسمًا جديدًا هو إليزابيث راشيل، وهو اسم عبري.. وخلال سنوات عمرها اختبرت العديد من المعتقدات الدينية والسياسية ومرت بها.. لكن من أبرز ما اتسمت به حياتها هو زواجها المتكرر. لقد تزوجت ثماني مرات من سبعة أزواج، وبدأت رحلة الزيجات في عام 1950، وهي في الثامنة عشرة من عمرها، وكان الزوج الأول هو كوفراد هيلتون من ورثة عائلة هيلتون أصحاب شبكة الفنادق الشهيرة.. لم يدم ذلك الزواج سوى ثمانية أشهر.. ثم عادت في عام 1952 لتتزوج من مايكل وايلدنع، الذي كان يكبرها بعشرين عاما، وانتهى الزواج في عام 1957.. تزوجت بعد ذلك مايكل تود، ولم يعمر ذلك الزواج إلا ما يزيد قليلًا عن السنة، حيث توفي تود في عام 1958. جاء بعد ذلك أيدي فيشر، الذي كان زوجًا لصديقتها وزميلتها ديبي ريندولز، مما أثار ضجة فضائحية في هوليود، لكن هذا الزواج طالت مدته، نسبيا، ولم ينته إلا عام 1964، بعد خمس سنوات من بدايته.

بعد ذلك جاء ريتشارد برتون في عام 1964 ودام الزواج عشرة أعوام، حدث بعدها الطلاق... ثم عادا وتزوجا في عام 1975 لفترة تسعة شهور أخرى.. كما تزوجت تايلور من جون وارنر، وهو عضو في مجلس الشيوخ آنذاك خلال الفترة 1976 حتى 1982.. وأخيرًا كان لاري فورتينسكي، وقد تعرفت عليه أثناء إقامتها بمصحة لمدمني الكحوليات في كاليفورنيا.. وهذا الزواج استمر من 1991 حتى 1996، بعد ذلك انتهت رحلة الزيجات غير المستقرة. من هذه الزيجات أصبح لديها 4 أبناء، ولدان وابنتان، واحدة منهما بالتبني.. وعندما توفيت كان لديها بالإضافة إلى الأبناء الأربعة عشرة أحفاد.

ومن أهم ما اتسمت بها حياتها اهتمامها بمرضى الإيدز، حيث خصصت وقتًا مهمًا لهذه المهمة الإنسانية وبذلت أموالًا طائلة للمساعدة في البحوث والدراسات والعلاج.. ويذكر أن من أهم المحفزات لها لمتابعة هذا المرض هو وفاة صديقها الممثل روك هدسون في عام 1985 بمرض الإيدز، وعند وفاتها ذكر الرئيس السابق بيل كلينتون أن كثيرين سوف يتذكرون أن حياتهم قد أنقذت نتيجة لاهتمامات إليزابيث تايلور ودورها في دعم الجهود لمكافحة مرض الإيدز، وتحفيزها المؤسسات والمسئولين للقيام بجهود مهمة من أجل وضع حد لانتشار هذا المرض الخطير وعلاج مرضاه.

لم تكن علاقة ليز تايلور بالعرب جيدة، خصوصًا بعد تحولها إلى الديانة اليهودية ومشاركاتها الواسعة في أعمال دعم إسرائيل وتوافقها مع المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة حول الأهداف والأعمال المعادية للجهود العربية لدعم القضية الفلسطينية، سواء في الولايات المتحدة أو على صعيد الأمم المتحدة وغيرها من محافل دولية.. كما أنها لعبت دورًا مهمًا في دعم هجرة اليهود من الاتحاد السوفييتي السابق إلى دولة الاحتلال الصهيوني.. ولذلك فقد جوبهت بالمقاطعة من عدد من الدول العربية، حيث حرمت من دخول مصر بهدف تصوير مناظر لفيلم «كيلوباترا» في عام 1962.

مهما يكن من أمر لابد أن نؤكد أن إليزابيث تايلور كانت ممثلة متميزة وعملت على تحسين أدائها وأدت أدوارًا صعبة في رحلتها مع السينما الأمريكية... يضاف إلى ذلك أن صخب حياتها منحها قدرًا مهماً من الشهرة ودفع الكثير من الناس لمتابعة أخبارها... ولا شك أن عددًا من الأفلام التي لعبت فيها أدوارًا اتسمت بالدراما المعقدة، ومنها فيلم «من يخاف من فرجينا وولف» Who is Afraid of Virgina Wolf لم يكن بالإمكان لعب تلك الأدوار الصعبة دون إتقان تمثيلي تميزت به ليز تايلور.. وقد تكون لظروف حياتها المعقدة والعجيبة تأثيرات على قدرتها على الأداء في السينما، كما أن هذه الأدوار مثل المدمنة على الكحول أو الزوجة المضطهدة أو الشخصية المعقدة قد تكون انعكاسات لحياتها الواقعية.. يضاف إلى ذلك أن الفترة الزمنية التي عاشتها وأدت فيها أدوارها السينمائية كانت فترة حية في التاريخ الأمريكي المعاصر واتسمت بتحولات اجتماعية وسلوكية مهمة في المجتمع الأمريكي.. كما أن توافر العديد من المخرجين والممثلين المتميزين ممن عاصروها ربما منحها الزخم وعزز من إمكانياتها في تقديم أفضل إبداعاتها في السينما.
---------------------------------
* كاتب من الكويت.

 

عامر ذياب التميمي*