جعفر إصلاح.. البصر والبصيرة أشرف أبو اليزيد

جعفر إصلاح.. البصر والبصيرة

لا يَعرفُ الفنانُ جعفر إصلاح الحدودَ الجغرافية التي نعرفها, ولا يؤمن بوجودها مثلما نؤمن نحن. لذا تراه يبتسم كلما حل مكانًا فيسأله أهل المكان عن خطاه ورحلاته بين المدن والأمصار, لأنه يدرك أن الأماكن تقيم داخله, بقدر إقامته بها. ابتسامة تمررها بصيرته إلى أبصارنا. فتحاول العين أن تسع سعادته, وينطلق العقل فيتتبع جذورها, مثلما يتمنى القلب أن يشاركه إياها.

قبل ثلاث سنوات, يرسم الفنان جعفر إصلاح - ضمن مجموعة مستوحاة من مصر, بألوان الأكليرك على القماش, وبحجم كبير (125سم × 195سم) - عملا يحمل اسم (إيزيس, روح النيل), حيث يتمدد خلف خمس نخلات سامقات جسدٌ أنثوي رشيق أزرق لباعثةِ الحياةِ في الأسطورة المصرية القديمة. يتماهى لون الجسد وقوامه مع كيان النيل وحركته. يتحدان في البصر لأن البصيرة أدركت أن روح إيزيس تروي النخلات ولا تقطع المسافة بينها. السماء نجومها الفضية مثل لون التمر في النخل المستضيء بالقمر. إنها أولى القراءات لأعمال الفنان جعفر إصلاح, البصر مرآة البصيرة, ومن لا يتأمل لن يدرك, ومن لا يدرك لن يشعر, ومن لا يشعر فسيجد نفسه خارج المكان الذي أخذه الفنان جعفر إصلاح إليه. عليك أن تكون مثله لتتذوق لوحاته. عليك أن تؤمن بأن أصل الأماكن واحد: القلب, حيث (نعمة الوعي الصافي( على حد تعبيره.

الكَمَالُ هو الجَمَالُ

في تعريفه الفني يطابق الفنان جعفر إصلاح بين الكمال والجمال, فهما في نظره وجهان لعملة واحدة هي قيمة الحياة. ولأن القلق بنا يستبد, حول التافه من الأمور, والعابر من الأحداث, نعجز عن إدراك حدود الطرفين, رغم أنهما في كل مكان حولنا. ولكن من أين له بفرادة هذه التجربة? أهو المكان الذي ولد فيه, أم المحيط الذي عبر إليه, أم البشر الذين مروا بحياته مثلما تمر النوارس في مواسم هجراتها? الواقع أن كل ذلك يتغير: الأماكن, البشر, وحتى الفنان نفسه. لكن ما يبقى هو الكمال/ الجمال. لذا علينا أن ندرك من خلال فناء المتحول خلود الثابت, وأن نغترف رشفات الجمال من نهر الكمال, حيث السعادة هي في محاولة الوصول إليهما معًا.

وسنكتشف - من خلال كلمته التي ترادف هذا المقال - أن جمال الفن وكماله معني باستبصار مكامن الجماليات في الحياة. وكلما كانت هناك أنفاس يكون هناك سعي. وإذ يسعى الفنان جعفر إصلاح فإن رسالته هي العثور على المدينة الفاضلة. ولعل ذلك سبب أساسي في تلك الرحلة التي لا تهدأ. وسنعلم حين يصبر على مكان بعينه, أنه وجد شارعا في خريطة تلك المدينة أو أنه عثر على زاوية بها. وهكذا تدعوه المدن إليها, فيغادرها وهو يحمل أنفس ما بها. لأنه يأخذ منها ما يعتقد أنه ينتمي إليه! وهو لديه الشجاعة الكافية والقدرة اللازمة للغوص في الأعماق وتأملها واختزالها - أو التعبير عنها - في أعماله.

لكن المصادر التي أتته كبيرًا - وجعلته يمتلك هذه الشجاعة وتلك القدرة - لا تنسينا المصادر التي خبرها صغيرًا. الصبي الكويتي بدأ يكوِّن عالمه من مفردات السوق المليء بالأحداث. وهي تجربة حولت مركز المدينة الصغيرة آنذاك إلى مسرح يومي غني أذكى حواسه بشكل ممتع. فالسوق هو المكتبات, والناس, والأفكار, ومكتب البريد. وهنا نصل إلى المصدر الثاني الذي جعل صبينا يعرف العالم الخارجي مثلما تعرف إلى العالم الداخلي. ففي غياب متحف قومي أو مركز ثقافي عثر الصبي جعفر على بوابة متسعة رغم صغر حجمها المادي, وأقصد (طابع البريد) الذي يسميه (كبسولة من المعرفة والثقافة والفن في آن واحد).

مدن الفن الفاضلة والشوارع المتقاطعة بها كونت عالم جعفر إصلاح. وإذا كان المكان حاضرًا من خلال موتيفات وظلال مستقاة من المكان فإن الإنسان - مع اختلاف الأماكن - واحد. فلتكن الوسادة في روما, أو لتهتز الستائر في باريس, لكنها ستحتفظ بالشخصية التي تجعل الأحلام شرقية. ننظر إلى التطريز الذي يحمل ألوان الأكليريك الزاهية. إنه يرسم (هناك) لكن فرشاته يغمسها (هنا). في لوحة تحمل اسم (شجرة العطاء) رسمها في باريس سنة 1979 (180 * 240 سم) لا نرى السماء الفرنسية. لقد تحولت زرقة سماء باريس إلى إناء ملأه الفنان برمال الصحراء التي جاء منها. بينما النخلة تقف وحيدة تحول لون رأسها الأخضر إلى ذلك اللون الوردي الذي غمر ببهجته مرحلته الفرنسية. أليس جعفر إصلاح هو تلك الشجرة (الوحيدة)?, أليس الرأس الوردي أحلامه التي جاء بها أو أتت به إلى باريس?

غَرامٌ مع الشرق

لم يحمل جعفر إصلاح على بساطه الذي حمله حول العالم رمال الصحراء وحسب, بل وأصر على أن يحمل أيضا مياه الخليج العربية التي لا تعرف الكويت إلا بها. ويحاول الفنان أن يضع في اللوحة كل أيقونات البحر في إطار واحد: النجوم التي تهدي البحارة, مساحة زرقاء تمثل بحر الرزق, ومداعبات باللون الأبيض ربما هي الأمواج أو الصفحات التي يحاول أن يسجل عليها سيرة بلده. لم يحاول جعفر إصلاح أن ينشئ في تلك اللوحات ملامح النهضة الجديدة: آبار النفط, الأبراج, الصهاريج, الطرق الإسفلتية, البيوت, القصور, فهو لا يرى - ولا يحمل في قلبه ولوحاته - سوى المدينة الأولى, التي لم تتلوث. إنه يتعرف على طفولته أو يستعيدها من خلال طفولة مدينته.

أما البيت القديم الذي يرسمه جعفر إصلاح في لوحة (غرام مع الشرق) فيحكي غرامًا أصيلا مع الجذور التي جعلته يقدم (البيت الكويتي) بباب مفتوح نحو القلب. إنه قلب جعفر. أو قلب الوطن الذي يرحب بالزائرين. ووجه البيت يشبه وجه الإنسان لو تأملنا خطوطه: عينان وأنف وفم. وربما لحية ملوّنة وشعر للرأس أيضًا. ربما يشبه بيتا من جنوب مصر, أو من مدينة ساحلية تونسية, أو تشبه نوافذه زخارف هندية. أو أنه يشبه كل ذلك. فالرسام له جناحان طاف بهما كل هذه البلاد, وهو يعرف أن عمارة البيوت مثل البشر تتأثر بالجيران.

ثم لأحدثكم عن مجموعة من أعماله التي نفذها في مدينة بالي ووضع فيها صورة قديس بجلسة اليوجا التي توحي بسكينة النفس وصفائها معًا. هاهو القديس ينظر إلى الإسكندر الأكبر الذي لا أراه سوى جعفر إصلاح نفسه المترحل دائمًا. ونحن نعرف حكاية الإسكندر الأكبر أبي الفتوحات الذي التقى حكيمًا, فسأله عن آماله. وكانت خطط الإسكندر أن يمضي في فتوحاته بلدًا بعد آخر, وغزوة بعد أخرى, يتعاقب عليه الليل والنهار - رسَمَه في اللوحة يعتلي حصانا ونصفهما في الليل والنصف الآخر في النهار - حتى يرتاح. ففاجأه الحكيم: ولم لا ترتاح الآن? فهل كانت تلك رسالة القديس/الحكيم إلى جعفر/الماضي في رحلاته? وفي اللوحة نفسها, لقاء الإسكندر الأكبر والقديس, نرى العالم الفسيح الذي ينتمي إليه المتأمل. عالم كامل بفطرته وأشجاره المكتملة وسمائه المنيرة. بينما ينتمي المحارب إلى الليل.

وأعود لأصف لكم المجموعة الناجحة التي رسم فيها جعفر إصلاح جماعة النساء على شاطئ نهر النيل. إنهن بلا شك حفيدات الفرعونيات: رشاقة الجسد, الملامح الجانبية التي تخلو من البعد الثالث, النيل الذي يسير بموازاتهن يحمل مراكب الزمن, ونخلات الخير وأزهار اللوتس وطيور المحبة. قراءة تاريخية نموذجية لمصر, قراءة تناسخت قرنا بعد آخر. وإذا أمعنا في اللون الموحَّد بين النخيل والنسوة نصل إلى المعنى الذي يريد لنا جعفر إصلاح أن ندركه, إن الحضارة المصرية هي هبة المرأة النخلة التي تناسلت منها الأجيال. ومرة أخرى يلعب الفنان باللون حين يعطي جسد المرأة لون النهر, إنها ربما إيزيس التي تبحث عن الأشلاء وهي تحمل على الرأس مخزون الحضارة الذي لا ينضب.

لكننا لن نمضي مع لوحات جعفر إصلاح لوحة فأخرى, فلن نستطيع أن نلم بعالمه حتى لو تحدثنا عن لوحاته كلها. فهو مكتمل بما سيرسمه وليس بما رسمه وحسب. ولأنه يعرف أن الأواني الفخارية تصنع من طين واحد. فلا خوف من أن الأواني توضع معا. وهكذا الإنسان الذي يجب ألا يخاف من التعامل مع الآخرين لأن أصل الإنسان واحد. لم تكن (لافتة) الجنسية تؤرقه وهو يتعامل مع البشر والأماكن, وهو الرسام الذي نبت له جناحان.

في عام 1963 كان عمر جعفر إصلاح 17 عاما, حين سافر للمرة الأولى إلى أوربا, وبالتحديد إلى لندن وكوبنهاجن. هذه الرحلة المبكرة كانت البداية للسندباد الرسام, لأن جعفر عندما أكمل دراسته الثانوية في 1966, انطلق إلى الولايات المتحدة - حيث درس لخمس سنوات - الفنون الجميلة, والعمارة, وتخرج في جامعة بيركلي بولاية كاليفورنيا, وفي العام التالي لتخرجه - أي في 1971 - عاد إلى كوبنهاجن, ولكن هذه المرة كطالب زائر للأكاديمية الملكية للفنون الجميلة, وبين الكويت, وإيطاليا, وفرنسا, ومصر, والهند, وإندونيسيا وبلاد كثيرة كان له فيها مرسم وألوان وقلب يرسم به بلاده والشرق عمومًا.

قلْ لي ماذا تجمعُ,

أقلْ لكَ مَن أنت!

ويجب ألا يغيب عنا ملمح أساسي في فن جعفر إصلاح, إنه الشمول الذي يلف إبداعه. الخط. الحفر. التصوير الفوتوغرافي. الرسم. التصميم. الكتابة. اقتناء مجموعات فنية تشغل المغلفات والبطاقات البريدية حيزا مهمًا فيها بما تمتلك من توثيق. والتوثيق هو مفتاح هذا الشمول. فهو يطمح إلى أن يعيد الزمن المتغير إلى القمقم. وأن يمنحنا مصباح الحب لنرى به أعماله. فالحب هو الماء الذي يملأ قوارير الفنون المستطرقة لديه. إنه عاشق مخلص لما يفعل.

سأتحدث عن كتاب / ألبوم قدَّمه جعفر إصلاح ولعله يلخص رؤية الفنان للكون, مثلما توجز أعماله تفسيره للعالم. في هذا الألبوم الذي قدمه بالعربية والإنجليزية (فيما عدا المقدمة المكتوبة بالفرنسية والهندية ولغتي الكتاب) في طبعة مرقمة لألف ومائتي نسخة طبعة يدوية (روما في 1398 هـ - 1978م) نمرح وسط بستان من الكلمات التي اختارها والصور التي التقطها. ورغم أهمية هذه المجموعة فإن إغفالها من قبل الذين تناولوا جعفر إصلاح لا يدركون أنه موجودٌ في كل صفحة منها. ومنها أستطيع أن أقول: قل لي ماذا تجمعُ, أقل لك من أنت!

الكتاب يلخص سيرته قبل ربع قرن: جعفر إصلاح. فنان ولد في الكويت عام 1946. درس الثانوية ثم أتم دراسته العالية في الولايات المتحدة. وفي الجامعة درس مع كبار الفنانين الأمريكيين من أمثال آر. بي. كيتاج وجيري بالين وجيم ملشرت. وبعد أن أقام في الدانمارك عامًا عاد إلى الكويت كمدير للتصميمات الفنية لشركة يوسف أحمد الغانم وأولاده. ومنذ سنة 1973 قام بجولات واسعة في عواصم الغرب أنتج خلالها أجود أعماله في البوستر, وأقام للوحاته معارض انفرادية. وفي عام 1976 التقى بأحد كبار الروحانيين الشرقيين وكان لهذا اللقاء تأثير عميق على حياته وأعماله.

هذه السيرة الموجزة تفصح عن كل شيء, وتبرر كل الأشياء التي سنراها خلال ما سيلي من ربع القرن. لكننا نقلب صفحات الألبوم لنرى ماذا يجمع جعفر إصلاح بين غلافيه, الآية القرآنية الكريمة, التي تعتبر منهاج الكتاب والفنان يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (آية13- سورة الحجرات). أليست الآية هي الشعار الذي وضعه لحياته الفنان?

لكنه في المقدمة ينفتح أكثر على خيارات الحياة عندما يقدم له الكتاب أستاذه الفكري سوامي مقتنندا: اعرف نفسك, كثيرٌ في واحد. واحد موجود في كثير. كثير من الأواني تصنع من طين واحد. من مختلف النيران يسطع نور واحد. اعرف نفسك وستعرف كل شيء. عندما تفقد نفسك, لا تستطيع معرفة أي شيء. ليس من الخير أن تسب الغير, لأنك بذلك تصبح عدو نفسك. إن السعادة كامنة في باطنك, فابحث عنها من الباطن.

ويستطرد سوامي مقتنندا في نصيحته للفنان جعفر إصلاح: إن قيمة أي فن أو أي صنعة أو أي شيء جميل تصنعه, تعتمد على مدى العمق في إحساسك بعملك. فتذكر هذا. إن لم يكن فهمك كاملا, أفلا يصبح التحدث إلى الغير كشفا عن دخيلة نفسك? أن تشرح ما ليس بكائن, وما ليس بظاهر للعيان... إلى أي مدى يكون الصدق في هذا الشرح? تكلم واكتب وعلم بطريقة توصل الإنسان إلى السلام التام. إذا تعرفت على الإنسان الكامل الذي وصل إلى الحقيقة, اتخذه صديقا.

ربما تتفقون معي أن نصائح سوامي مقتنندا ليست نصائح للفن, قدر كونها نصائح للحياة. ولكن من لا يعرف أن الفن هو الحياة يفوته الكثير.

ولذلك لن يفوتنا أن نقرأ من كلمات جعفر إصلاح في الألبوم ما يسلك بنا في هذا الدرب: إن القضايا الخطيرة تقسم عالمنا, والفنانون على التخصيص مسؤولون عن تطويع الوعي بهذه النفس التي تشمل الكل, فلكي نعمل على رأب الصدع علينا أن نتعاون في السعي للوصول إلى هذه النفس التي تتصف بالصفاء والتواضع والمحبة والإخلاص والرحمة والسمو والخلود. ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير (آية 28 - سورة لقمان).

وهكذا مع كلمات: الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه, محمد إقبال, جلال الدين الرومي, رابعة العدوية, الشاعر غالب, ألكسندر سولزنتسين, جورج شحادة, خليل جبران, ابن العربي, خوجة مير دارد. شكسبير, وليم بتلر ييتس, عزرا باوند, ت. إس. إليوت, وسواهم. وصور لعملات فضية وساعة وورد وإطارات صور وريش, شرفة وأيقونات دينية. وجه فتاة متأملة, راقصة هندية, نساء أمام شواهد تاريخية, سجاد وطنافس, عينان وراء برقع, باب خشبي وحيد وصغير ومغلق, طيور تستعد للهبوط, مقابر بيضاء تواجه البحر الأرزق, البحر من بين عمدان شرفة, نخلة وحيدة في مرج يهبط لتقبيل قدمي البحر, طاولة تواجه مشربية تطل على البحر, طائر مغرد حر, وزهور تيوليب أكثر حرية, وأوان تكاد تكون فارغة إلا من بقايا ألوان الطلاء الذي حل بها (أليست هي النفس وما بقي فيها من أفراح وأتراح خبرتها)?, مع ذلك كله نكتشف عناية الفنان بالإنسان, من خلال التفاصيل والأماكن والوجوه, ومن خلال ما اختاره معبرا عن هذه الذات القلقة التي يبحث عن مرادف لراحتها.

أعمال جعفر إصلاح من 1967 إلى 1983 يضمها كتاب توثيقي بليغ في الإخراج الفريد, والتقديم البديع للناقد الفرنسي الراحل آلان بوسكيه, والكتاب (الألبوم أيضا) صادر عن (F.M.R) وهي دار إيطالية متخصصة في نشر أعمال كبار فناني العالم. هنا سنكتشف العالم الذي قدمته ريشة جعفر إصلاح بعد أن عرفنا العالم الذي خبره قلمه وفكره وعينه, إن مهارة جعفر إصلاح التي صور بها مشاهد الحياة اليومية - الساكنة إلا في نبض اللون المشمس - تدلنا على حرفية الفنان ودقته وولعه بالتبسيط غير المخل, إنه لا يرى من تعقيد الغرف إلى الخطوط والدوائر وما بينها من مربعات أو أشكال أخرى, كما أنه لا يرى في الوجوه سوى خطوط الملامح المؤثرة.

يقول آلان بوسكيه: الرسام يعرف كيف يعيش في عزلته التي هي أقل ما يجب أن يتوصل إليه من أراد أن يختلق من العالم صورة تنبثق من ذاته. وهو أيضا يعرف فن التزيين, وهو يحافظ على صلات خاصة مع الأشياء - التي يبدعها أو يعيد تشكيلها - كما يعرف كيف يخضع نفسه لقوانين فن العمارة, فهو يريد أن يكون فنان المدينة, وفي ذلك ينجح.

وعلى عكس كثير من (فناني المدينة) المتمادين, لا يريد جعفر إصلاح أن يورط مدينته في الصور التي تدينها. لذا تراه يختار كما أسلفنا مدنا فاضلة. إنه لن يرسم التلوث, لكنه سيحاربه برسم دعوة إلى بيئة غير ملوثة تزهو بها لوحاته. وهو لن يرسم صور العلاقات الفجة, بل سيرسم تأمل الجسد تحت مرآة الوحدة, وهو لن يعنى بالمرأة الوحشية قدر عنايته بالبريئة, سواء كانت امرأة مغربية, أم إيطالية, أم سواهما, إنه يبحث عما وراء القشور في الصورة الخارجية, ويترك - في رسوم القلم الرصاص - فراغات نكملها من الذهن الذي شاركه الجمال. وفي آخر ذلك الكتاب, نقرأ لوحة من البرونز البارز لبيت من الشعر الصوفي (روما 1981 بحجم 5.40 × 5.50 × 3 سم):

شربتُ من ذكر الحبيب مُدامَة
سكرتُ به من قبل أن يُخلق الكَرْمُ

وتبقى الكلمات التي يقدمها جعفر مع لوحاته, حيث نسمع صوته ونشاهد أعماله, وندرك حاله بعد خلق الكرم!.

 

أشرف أبو اليزيد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




 





جسد إيزيس, روح النيل, يتمدد خلف خمس نخلات سامقات, جسد أنثوي رشيق أزرق لباعثة الحياة في الأسطورة المصرية القديمة, يتماهى لونه وقوامه مع كيان النيل وحركته





فلتكن الوسادة في روما, أو لتهتز الستائر في باريس, لكنها ستحتفظ بالشخصية التي تجعل الأحلام شرقية. ننظر إلى التطريز الذي يحمل ألوان الأكليريك الزاهية. إنه يرسم (هناك) لكن فرشاته يغمسها (هنا). أفسانة ومشهد بيتي, باريس 1980, أكليرك على قماش





غرام أصيل مع الشرق, ومع الجذور التي جعلته يقدم (البيت الكويتي) بباب مفتوح نحو القلب





كتاب / ألبوم قدّمه جعفر إصلاح يلخص رؤية الفنان للكون, مثلما توجز أعماله تفسيره للعالم





كتاب / ألبوم توثيقي بليغ في الإخراج الفريد, والتقديم البديع للناقد الفرنسي الراحل آلان بوسكيه, نشرته (F.M.R). ونرى آلان بوسكيه مكرما على طابع بريدي فرنسي, يقول عن جعفر: الرسام يعرف كيف يخضع نفسه لقوانين فن العمارة





القديس المتأمل أمام الإسكندر الأكبر المترحل دائمًا. العالم الفسيح ينتمي إليه المتأمل في مقابل عالم ليلي ينتمي المحارب إليه





لوحة من البرونز البارز لبيت من الشعر الصوفي: شربتُ من ذكر الحبيب مُدامَة سكرتُ به من قبل أن يُخلق الكَرْمُ