الطفولة وإبداعاتها في الطابع البريدي العربي

الطفولة وإبداعاتها في الطابع البريدي العربي
        

قد لا يعرف البعض أهمية طابع البريد، فهو ليس رقعة صغيرة من الورق، وليس موردًا ماليًا للدولة فقط، ولكنه جزء من الثقافة الرسمية لأي مجتمع.

          مما لا شك فيه أن الطابع العربي، أينما ومتى صدر، خصّ الطفولة بمعناها العريض بأجمل وأصدق الإصدارات، وعلى فترات تمتد من خمسينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا. هذه الإصدارات أصبحت أكثر تمثيلاً وحضورًا منذ العقد الأخير منه. وإذا كانت الدول العربية بمجملها لم تواكب موضوع الطفولة منذ ذاك الحين، فحري بنا تذكير القارئ بأن بعضها لم يكن قد نال استقلاله بعد. ولا تقلل ندرة الإصدارات لدول أخرى من أهميتها، أو من رغبتها في تناول مناسبة ما دون غيرها لاعتبارات تقررها الدولة نفسها، وتكون متسقة ومتزامنة مع مجمل إصداراتها المتعلقة بمختلف المواضيع.

          هنالك مواضيع حاضرة بقوة في الطوابع العربية وتتقاطع مع مجال «الطفولة»، وتشكل الفضاء الواسع للأطر التي تصب في مصلحة الطفولة في العالم إن على الصعيد الأسري أو التعليمي أو الاجتماعي أو الصحي أو الثقافي، وأهمها ما يندرج في عناوين البيئة والطبيعة والصحة والسلام والحركة الكشفية والرياضة والأمم المتحدة ومنظماتها، وخصوصًا منظمة   الصحة العالمية ومنظمة حقوق الإنسان  واليونيسكو.

          أما السنين الدولية، فما يجب استذكاره منها هو: «التربية» (1970)، و«الكتاب» (1972)، و«الشباب» (1985)، و«السلام» (1986)، و«محو الأمية» (1990)، و«الأسرة» (1994)، و«المتطوعون» (2001)، وكلها تذكارات تموضعت في أغلب الإصدارات العربية أسوة بإصدارات دول العالم.

مجموعات من الرسوم

          أما معالجتنا فستتناول تحديدًا موضوع رسوم الأطفال في الطوابع العربية. ويسجل لإدارات البريد والجهات المسئولة عن إصدارها مدى الالتزام والتخطيط والعمل على تضمين الطابع العربي مواضيع تضعه في مصاف طوابع أرقى دول العالم. وضمن هذا التوجه صدرت هذه الطوابع في كل من الجزائر (1974) ويسجل لها ريادتها في هذا الموضوع، ودولة الكويت (1977 و1979 و1980 ) ويسجل لها أنها أصدرت مجموعة جميلة جدًا من رسومات الأطفال في عام 1980 بعنوان «كويت المستقبل بعيون أطفالها».

          أما تونس التي تولي موضوع الفنون التشكيلية اهتماماً ملحوظاً في طوابعها، فقد أصدرت في العام 1990 طوابع تحمل رسومات الأطفال إلى جانب رسومات لكبار رساميها. وضمن هذا العنوان تجدر الإشارة إلى الإصدار المتميز في مسيرة الطوابع في مملكة البحرين في العام 1992. وبدورها أصدرت دولة قطر طوابع حملت رسومات الأطفال  في العام  1992 ، وألعاب الأطفال في العام الذي تلاه.

          حكاية رسوم الأطفال مع الطابع الإماراتي بدأت في العام 1988. كانت المناسبة مهرجان الطفولة، فصدرت أربعة طوابع حملت رسومات : «الصياد والشبكة» «امرأة وورود»، «فتيات بشكل أزهار»، «فتيات يلعبن».

          ومنذ العام 1991 حلّت رسوم الأطفال باعتبارها مناسبة متواترة وجذابة فأصدرت دولة الإمارات عشرات الإصدارات كان آخرها في العام 2006 بمناسبة العيد الوطني.

          وفي العام 1991 قدمت أربع فتيات رسماتهن المعبرة والمتداخلة بمواضيعها حول الألعاب والرقص الشعبي فتميز الإصدار بريشة وتشكيل أنثوي، وكان أبرزه طابعًا حمل تصوير كل إمارة من الإمارات السبع بفتاة ملتحفة العلم كما رسمتها  ياسمين محمد الرحيم. وفي بادرة تعبيرية صريحة عن حب الوطن والمعيوش، طغت الأزياء الشعبية في طوابع هذه المجموعة في لغة تشكيلية واضحة وبسيطة . فعبّرت الرسامات اليانعات بهذه الخطوط والتلوين عن أفكارهن ومشاعرهن وأحاسيسهن كانعكاسات مميزة لطفولتهن.

          وفق تقليد سنوي، صدرت رسوم الأطفال في الفترة 1992 و 2002. أبرزت هذه المجموعات مواضيع متعددة عكست ميول الأطفال الفطرية ومهاراتهم الفنية وحريتهم التعبيرية والأصالة التي لازمتهم والتي تدفعهم لتصوير ما يصبون إليه من عالم جميل يعمه السلام والطمأنينة. ومن هذه المواضيع: لعب الأطفال (1992)، العيد الوطني في عيون الأطفال (1993 و1995)، مهرجان الطفولة (1994)؛ وغير ذلك ... ويعتبر إصدار عام 1998 المعنون «إبداعات» اسمًا على مسمى.

ألوان معبرة

          تميزت رسومات الأطفال التي قدمها الطابع العربي (مصر وسورية وتونس وليبيا والبحرين والكويت وقطر والأردن ) بـ التسطيح ومن مظاهر هذه الطريقة أن الأطفال رسموا مواضيعهم  بحيث انبسطت مولدةً خطوطًا في بعدين اثنين في المجمل. أما ألألوان فأنيقة ومعبرة ودومًا مشرقة وقوية. وحلّ الطفل ومحيطه وعائلته على خلفية الطبيعة الجميلة بسمائها أو بحرها أو أزهارها. ويلون الفرح رسومات الأطفال أينما حلت في الطابع العربي وتزهو بشخوصها الفتية التي أبدعتها  والتي تبشر بمستقبل واعد.

          إن الحيز الذي تتخذه الطوابع في المنظومة المعرفية جدير بالاهتمام. فبالإضافة إلى جملة مهامه ووظائفه، يعتبر الطابع خير ناقل للأيديولوجيات السائدة، وأفضل معبِّر عن حِراك المجتمع ومشروعية الأنظمة وانتظام الشئون التدبيرية للدولة وتمثّل ارتقابات الأمة وطروحاتها بغد أفضل لأولادنا وللأجيال الصاعدة. واليوم، تتربع في مشهدنا الثقافي منظومة طوابع، ومنها ما نحن بصدد استذكاره هنا، أدى اختيارها كمحطة للحظ التطور التعبيري منوطًا بتطور التقنيات من صورة ولون ورمز ومقاربة دلالية للذهنية العربية.

          ونختم على أمل أن يتزايد مع الوقت الحيز المخصص لموضوع رسوم الأطفال في طوابعنا العربية، وعلى رجاء أن تتآزر الجهود العربية الرسمية والأهلية في مجال رعاية الطفولة لبناء ثقافة رحبة تؤهل أطفالنا لغد أفضل؛ وصولاً لإيجاد حلول أنجع  لقضايانا التنموية. ونتمنى أخيرًا أن تتابع الطوابع العربية مسارها المطرد فترصد معالم نهضتنا وعمراننا ورؤيتنا لأنفسنا وللآخر، وتبقى ذخراً للأجيال الفتية وخير مؤشر لإعلام تنويري وثقافة مجتمعيّة يتطوران أبدًا.

يبكي ويضحكُ لاحزناً ولا فرحًـا كعاشقٍ خطَّ سطراً في الهوى ومحا
من بسمةِ النجمِ همس في قصائده ومن مخالسةِ  الظبي الذي سنحا
قلبٌ تمرسَ باللـذاتِ وهـو فتـًى كبرعمٍ لمستـه الريـحُ فانفتحا
ماللأقاحيةِ السمرا قـد صرفت عنّا هواها؟ أرق الحسن ما سمحا
لو كنتِ تدرين ما ألقاه من شجنٍ لكنت أرفقَ من آسى ومن صفحا


الأخطل الصغير

 

هدى طالب سراج   




 





نماذج من دولة الكويت والامارات والجزائر، لابداعات الأطفال مصورة على طوابع البريد المتداولة





الألعاب الشعبية والرسوم ذات البعدين، من أهم ملامح رسوم الأطفال