صوت الكويت للعالم.. كونا طموح وتميز


تصوير: حسين لاري

كلما قرعت طبول الأحداث وتسارعت أنباؤها, تصارعت وسائل الإعلام على تغطية الوقائع وتلبية مطالب جمهورها, وكل يدعي المصداقية وقربه من قلب الأحداث, تلك الأحداث بمنزلة اختبارات صعبة يفوز فيها القوي الصادق ويخسر الضعيف الملفق, وكل وسيلة إعلامية قديمة أو حديثة تحلم بذلك اليوم الذي يعتبرها الناس فيه مصدرهم الأمين للأخبار والفيصل الحاسم لكل جدل ونقاش.

ودولة الكويت منذ عام 1978 خاضت معركتها الإعلامية على صعيد وكالات الأنباء سعيا منها نحو تقديم خدماتها الإخبارية للمؤسسات الإعلامية والأفراد و إبراز قضايا الكويت العادلة في المحيطين الإقليمي والدولي.

وتنبع أهمية وكالات الأنباء وخاصة تلك التي تعمل على نطاق دولي من كثافة المواد الإعلامية التي تنتجها واعتماد أغلب وسائل الإعلام الأخرى عليها كالقنوات التلفزيونية والإذاعات والصحف اليومية في استقاء تلك المواد التي من دونها يصبح عمل تلك المؤسسات صعبا للغاية.

ووكالات الأنباء التي تعمل عادة على مدار الساعة تقوم بمهمة جمع الأخبار وتوزيعها ونقلها إلى المشتركين بخدماتها والذين هم غالبا عاجزون رغم إمكانات البعض منهم عن الوجود في جميع أنحاء العالم في حين تستطيع وكالة الأنباء بالتعاون مع وكالات زميلة النهوض بأعباء تلك المهمة الشاقة والمكلفة بكل سهولة ويسر, ويمكن تقسيم وكالات الأنباء من حيث الخدمات التي تقدمها إلى وكالات برقية ووكالات مصورة بشقيها الجامد والحي, واليوم أصبحت بعض وكالات الأنباء المصورة تمتلك قنوات فضائية خاصة تستطيع المحطات التلفزيونية الأخرى التقاط ما تحتاج إليه منها من مواضيع وإعادة بثه مرة أخرى في نشراتها وبرامجها, ويمكن تقسيم وكالات الأنباء أيضا على أساس نطاق عملها حيث توجد هناك وكالات عالمية وأخرى إقليمية وأخيرا محلية أو وطنية.

وكالة الأنباء الكويتية واختصارها - كونا - وكالة وطنية وإقليمية في آن واحد فهي رسالة الكويت للعالم الخارجي ومصدر للكثير من الأخبار العربية والإقليمية, تمكنت خلال فترة وجيزة من تحقيق مكانة مرموقة ورصيد مهني معتبر بفضل هامش الحرية الذي تتمتع به والتسهيلات التي منحتها الدولة لها, والاثنان معا هما الوصفة المضمونة لكل وكالة أنباء تريد تلمس طريق النجاح, وتهدف إلى تقديم المواد الصحفية كالأخبار والصور للمؤسسات الإعلامية داخل وخارج الكويت وهي عضو في الاتحاد العربي لوكالات الأنباء العربية (فانا) منذ يناير 1977 ويضم هذا الاتحاد حاليا 18 وكالة أنباء عربية.

وبدأت كونا بتاريخ 11/3/1978 أولى مراحل عملها ببث الأخبار باللغة العربية محليا بصورة تجريبية, وخارجيا بدأت ببث الأخبار بتاريخ 15/2/1979, وفي 16/11/1979 بدأ البث الرسمي للوكالة, وفي 25/11/1980 بدأت بثها الرسمي باللغة الإنجليزية.

والى جانب خدماتها الإخبارية تصدر كونا بصورة مستمرة سلسلة من الكتب باللغتين العربية والإنجليزية وأحيانا بالفرنسية تتضمن أبحاثا متنوعة في شتى المجالات وبعضها يصدر متزامنا مع بعض الأحداث المحلية والعربية والدولية وهي مصدر جيد للطلاب والباحثين.

الحرية من أسباب النجاح

رئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء الكويتية الأستاذ محمد أحمد العجيري أكد لـ(العربي) أن كونا (لها رسالة وواجبات إعلامية كثيرة ويجب أن نطمئن إلى أن العاملين فيها يدركون ذلك الأمر جيدا حتى يتحقق المطلوب من إنشاء هذه المؤسسة الإعلامية, وبخصوص المنافسة مع الآخرين من المهم هنا أن نكتب أخبارنا بالقالب العالمي لوكالات الأنباء الدولية حتى يكون لها قبول لديهم, فمثلا يجب نقل الحدث بتفاصيله المطلوبة في الوقت المناسب إضافة إلى مسبباته وردود الأفعال عليه ومتى ما توافرت أجواء الحرية والتأهيل المهني الجيد للعاملين ناهيك عن التكنولوجيا المناسبة التي توصل ذلك الإنتاج فبالتأكيد سنكون في وضع متقدم).

ويضيف العجيري: (بعض الدول العربية تعاني مشكلة الإمكانات الفنية والمادية وطريقة عمل وكالاتها مصبوغة بالصفة الرسمية التي تعبر عن وجهة نظر أحادية والقيود المفروضة على جميع موادها الإخبارية تعيق انسيابيتها وسهولة تدفقها, والعاملون في تلك الوكالات مبرمجون على تلقي الأوامر ويفتقرون إلى روح المبادرة), وعن مدى ارتباط السلبيات بالمؤسسات التي تملكها وتديرها الدولة بين العجيري أن ملكية الدولة لمؤسسة إعلامية كوكالة ليست أمرا معيبا فمن حق كل دولة أن تؤسس وتمتلك أدواتها الإعلامية المختلفة ولكن المحك هو في بيئة العمل الصحفي التي لا تستطيع التمتع بصفة المصداقية دون أن تتضمن كل وجهات النظر الأخرى الرسمية والشعبية في أخبارها وهذا الأمر (غير متوافر كثيرا في بيئتنا العربية).

كونا والعالم الثالث

أن تكون المرجع في كل خبر ومعلومة هو الحلم الذي تسعى لتحقيقه كل وكالة في العالم, وكونا ليست بعيدة عن هذا الحلم ولكن كم عدد الأخبار التي تنقل عن كونا وما نوعية تلك الأخبار? يجيب العجيري (نحن نرصد بصورة دائمة الأخبار التي تنقل عنا وكل وكالة أنباء تنظر إلينا بمنظار معين فنحن نعتبر مرجعا مهما بالنسبة لأخبار الكويت ودول الخليج وبالتالي فإن العين مسلطة دائما علينا كوكالة إقليمية, وبحكم كوننا وكالة رسمية فإن ذلك الأمر يضعنا ضمن كادر معين, والوكالات العالمية تتابع أخبارنا لفترة من الزمن لتختبر مدى مصداقيتنا, وأستطيع أن أقول لك بغرور مهني لقد تجاوزنا وكالات العالم الثالث بحكم إمكاناتنا وسهولة حركتنا مهنيا وفنيا وبعض الوكالات الأوربية وجدت لدينا تكنولوجيا أفضل من الموجودة لديهم). ويشرح العجيري طبيعة الأخبار التي تبثها كونا على صعيد اللغة المستخدمة فالوكالة في نشرتها الإنجليزية لا تترجم الخبر المكتوب باللغة العربية إلى الإنجليزية بل يتم تحرير الخبر وصياغته باللغة الإنجليزية من خلال طاقم كامل متخصص في هذا المجال نظرا لطبيعة المتلقين وتوجد في الكويت تعاميم خاصة تصدر للأجانب باللغة الإنجليزية تعتبر بالنسبة لهم في غاية الأهمية, أما بالنسبة للأخبار العربية فيضاف المزيد من التفاصيل على الخبر.

ويحدث بالنسبة لبعض الوكالات أن تقوم ببث خبر ما ثم تعيد بثه مرة أخرى مصححا عن الخبر السابق وأحيانا تضاف إليه بعض التفاصيل, وحول هذه الملاحظة يقول العجيري: (كلما كانت المعلومة دقيقة كانت مريحة للجميع ولكن بعض الوكالات تستعجل في بث أخبارها دون تمحيص من باب الثقة بكفاءة المراسل الذي كتب الخبر ولم يتأكد من صحته كأن يراجع مصادر محايدة, والوكالات الكبرى في هذه الحالة تنسى أخطاءها والعكس يحدث مع الوكالات الحديثة النشأة, ويحدث ذلك الخلل أيضا بصورة مقصودة كأن يعمد المصدر إلى تسريب بعض المعلومات غير الصحيحة لأي سبب من الأسباب, ونحن في كونا نترك المراسل يستكمل جميع أركان الخبر الصحفي حتى لو كان عاجلا ثم نبثه لأن الارتباك في نقل المعلومة يربك المتلقي ويسيء إلى سمعة المؤسسة, وأذكر أن خبر وفاة الرئيس بريجينيف لم تجرؤ أي وكالة أنباء عالمية على نشره لأنه خبر يمس رئيس دولة عظمى هي الاتحاد السوفييتي وكونا كانت متأكدة من صحة خبرها وبثت خبر الوفاة على ذلك الأساس وعندما تأكدت صحة الخبر على لسان وزير خارجية فرنسا بث الخبر مع الإشارة إلى أسبقية  كونا في نشره) ويضيف العجيري (الخطأ المتكرر من الوكالات الحديثة يقصم ظهرها ويجعل الوكالات الأخرى في حذر منها).

من يبقى? ومن يرحل?

وعند الحديث عن وكالات الأنباء وأهمية وجودها في ظل بروز وسائل إعلام أكثر سرعة وأمتع في المتابعة, يثور الجدل التقليدي; هل تبقى وكالات الأنباء أم تختفي? وهنا يعلق العجيري قائلا: (لقد ساد مثل هذا الحديث مع الصحافة المكتوبة عندما ظهر الراديو ومع الراديو نفسه عندما ظهر التلفزيون. والحقيقة أن لكل وسيلة إعلامية دورا محددا لا تستطيع لعب هذا الدور وسيلة أخرى فالتلفزيون مثلا له مكانته المميزة عند الناس ولكننا لا نستطيع أخذه معنا إلى السيارة ولذلك نستمع إلى الراديو والصحف لا تجد أحدا اليوم يستغني عنها ولكن أحداثها المكتوبة تتوقف لحظة صدورها ولحين صدور العدد التالي وميزتها أننا نقرأ الخبر فيها بالسرعة المناسبة لنا وفي أي وقت أما التلفزيون فأخباره تفوتنا إذا تأخرنا عنها لأي سبب من الأسباب, وهناك نقطة مهمة بخصوص هذا الجدل وهي أن العلاقة بين تلك الوسائل الإعلامية علاقة تكاملية وكل  واحدة منها تعتمد على الأخرى, وأستطيع هنا أن أؤكد لك أنها جميعا لاتستطيع الاستغناء عن وكالات الأنباء نظرا لإمكاناتها البشرية والمادية التي تفوق عادة إمكانات أي صحيفة أو محطة وهي تسمى عادة في لغة الإعلام (بياع الجملة) أي الممول الأساسي والرئيسي للصحافة المكتوبة). وعن إمكان صمود كونا من الناحية الاقتصادية أوضح العجيري قائلا: (كونا مؤسسة رسمية تمول من الدولة ولا تهدف للربح وبالتالي هي وسيلة لإيصال صوت الكويت للعالم الخارجي ولكل من يريد التعرف على أخبارها وواجبنا هو ألا نخذلهم).

وعن أهمية إعداد وتأهيل العناصر الجيدة للعمل في مجال صحافة الوكالات استبعد العجيري إمكان صناعة صحفي جيد ارتجالا دون إعداد مهني صحيح مبني على أسس صحيحة وقوية وقال: (من أجل ذلك قامت الوكالة بإنشاء مركز كونا لتطوير القدرات الإعلامية للمبتدئين والمتقدمين في المهنة ويتم عبر هذا المركز تنظيم برامج سنوية وورش عمل يقوم عليها نخبة من خيرة المدربين العرب والأجانب, ويتعلم المتدرب لدينا أسلوب الكتابة الصحفية من وصف للحدث أيا كان وكيفية إجراء المقابلات والنقل من الصحف واستخدام التكنولوجيا في الحصول على المعلومات, وتجدر الإشارة هنا إلى أن  خدمات مركز كونا لتطوير القدرات الإعلامية خرجت عن النطاق المحلي لتشمل صحفيين من دول الخليج وبعض الدول العربية).

التسعينيات مرحلة تحدي الذات

وعن بدايات كونا وكيفية وصولها إلى مرحلة الاعتماد الكلي على الكوادر الوطنية لخص العجيري هذه المراحل قائلا (بدأنا على صعيد القدرات البشرية بالاعتماد على الاخوة العرب الذين لا ننسى دورهم الفعال في تلك المرحلة الصعبة التي كانت فيها العناصر الوطنية شحيحة والإقبال على المهنة الصحفية غير كاف فيما عدا بعض العناصر القليلة, وبقينا على هذا الوضع إلى أن جاء الغزو العراقي لدولة الكويت واضطر معه الكثير من العرب المقيمين إلى الهجرة, وبعد التحرير وجدت كونا نفسها أمام تحد كبير إما التوقف أو الانطلاق مستعينين بالكوادر الوطنية وقد وفقنا في ذلك المسعى, ونجحت كونا في تجاوز تلك المحنة, واليوم هي تعمل بكادر وطني في شتى المجالات وأصبح الخبر الذي تبثه كونا له علامة مميزة بين الأخبار الأخرى, بحيث يمكن معرفته من دون قراءة مصدره, واستطعنا أيضا إضافة خدمات جديدة مثل خدمة الاستعلام الصوتي عن الأخبار عبر الاتصال هاتفيا بالرقم 120, وإنشاء موقع للوكالة على شبكة الإنترنت يحتوي على الكثير من المواد الإعلامية عن الكويت وقريبا سوف يضاف شريط الأخبار العاجلة على ذلك الموقع).

المكاتب الخارجية

إن الوجود في مراكز صنع الأحداث بالنسبة لوكالات الأنباء أمر مهم وحيوي لجلب الأخبار, وتعتبر العواصم والمدن العالمية مثل واشنطن ونيويورك ولندن وباريس وموسكو خير دليل على ذلك, وتأتي بالدرجة الثانية اهتمامات كل وكالة وطنية بمنطقة من مناطق العالم حسب ارتباطاتها القومية والتاريخية ومصالحها الاقتصادية والسياسية, ومن هنا يمكن تفسير الوجود القوي لبعض الوكالات الإقليمية بالمناطق المحيطة بها أكثر من غيرها وأهمية وجود الاتفاقات الثنائية مع وكالات إقليمية بعيدة لتعويض ضعف الوجود فيها, فمثلا ما يحدث في أمريكا الجنوبية لا يشكل حدثا مهما لشعوب منطقة جنوب شرق آسيا, ولكن ذلك الأمر لا يعني إطلاقا عدم وجود اتفاقية تبادل أخبار بين الهند والأرجنتين.

ويوجد لدى وكالة الأنباء الكويتية 22 مكتبا إعلاميا حول العالم, ففي الوطن العربي يوجد لدى الوكالة مكاتب في القاهرة وبيروت والرياض وتونس والدوحة وأبو ظبي ودمشق, وفي الدول الآسيوية نيودلهي وطوكيو وإسلام أباد, وفي الدول الأوربية لندن وباريس وروما وجنيف ومدريد وبون وموسكو وسراييفو وأخيرا في الولايات المتحدة الأمريكية في واشنطن ونيويورك.

ويؤكد السيد محمد العجيري على أن طبيعة انتشار مكاتب كونا تتماشى بصورة متوافقة مع السياسة الخارجية لدولة الكويت, وعلاقاتها الاقتصادية ووجود بعض المكاتب وجودا تاريخيا في بعض العواصم ومنذ نشأة كونا, نظرا لأهميتها وثقلها الدولي. ولابد من الإشارة إلى أن الوجود على مستوى مراسل لابد أن يقابل ذلك وجود ثلاثة محررين يعملون على مدار الساعة وتوافر مجموعة من الاعتبارات مثل كمية الأخبار المتوقعة والتي سوف تبث وذلك لتحديد أهمية الوجود في ذلك المكان وإلا تصبح العملية خاسرة فمثلا يوجد في النمسا مقر منظمة الأوبك ورغم أهمية تلك المنظمة عالميا فإن نسبة التبادل التجاري بين الكويت والنمسا لا تتجاوز ثلاثة ملايين دولار فقط.

وفي الختام حدثنا السيد محمد العجيري مدير وكالة الأنباء الكويتية عن طموحات الوكالة في المرحلة القادمة وقال: (اولا لدينا هدف دائم وهو توسيع الرقعة الجغرافية لتغطياتنا. وثانيا نسعى باستمرار إلى تكويت مكاتبنا الخارجية عبر خلق جيل  مهني داخل الكويت من حقه توسيع مجال خبراته الصحفية في خارجها. وثالثا نطمح إلى نكون المرجع سواء في الأخبار أو في المعلومات في منطقتنا, وأخيرا التصدي لكل القضايا العربية بالتغطيات النشيطة لكل حدث ومؤتمر ونشاط). ويضيف (ننوي افتتاح مكتب لنا في ماليزيا بحكم موقعها الجغرافي في منطقة جنوب شرق آسيا ومكانتها الاقتصادية المتنامية في تلك المنطقة).