الدمخي... وأنعيم

 الدمخي... وأنعيم
        

          منح خمسمائة وخمسة وثمانون عددًا من مجلة العربي الملايين من قرّائها العرب المزيد من المعرفة، التي يتوقون إليها، كل في ميدانه على مدار عمرها المديد، وتظل «العربي» هي الهدية الأبدع والأروع من وطني الكويت إلى قرّاء العربية، ولعل الثقة والأمانة والدقة هي الرسالة التي تحملها هذه المجلة الراقية، ومن هذا المنطلق، قادني قلمي إلى التعليق على مقالة «محمد الدمخي.. الواقع الكويتي بألوان زاهية» بقلم الفنان التشكيلي الأردني غازي أنعيم.

          ليس لأن المقال الجيد في العدد (585)، ولكنه الأقرب إلى فهمي  - على الأقل - ضمن السياق الاجتماعي، فبالرغم من ضآلة ما تفرده «العربي» من مساحات جادة عن الكويت، يأتي هذا المقال اليتيم عن الفنان بصورة منقوصة ومشوشة عن عطاء المرحوم محمد الدمخي، فالمعلومات خالية من النكهة الكويتية، التي حرص الفنان على تضمينها جميع لوحاته.

          فعندما يشير الكاتب إلى لوحتين هما حسب النص «الطاحونة» وعمل «السمن» فإنه ينحرف عن التسمية التي أرادها الفنان، وهي «الرحى.. وخضّ اللبن»، كما ترد التسمية تحت صورة اللوحة بــ«فتاة السمن»، كما يورد كاتب المقال الإشارة إلى البقرتين في خلفية الصورة، فيشير إلى إحداهما بأنها «البقرة الجالسة»، وفي معاجم اللغة ومفرداتها اليومية مايغنينا عن هذا التعبير السريالي.

          أما «فتاة الشاطئ»، وتأثر الفنان بقدماء المصريين بالكتلة والتجسيم، باعتبار جلوسها - بالطبع الفتاة لا البقرة - جلسة «نحتية»، فذلك ما لم يرد في ذهن الفنان، إذ إن هذه الكتلة السوداء ليست سوى عباءة الفتاة، وهي الطريقة المعتادة لأهلنا عندما يفترشن رمال الشاطئ، فتتحرر النساء من العباءة في غياب أعين الرجال، وليت الكاتب الفاضل استعار تشبيه الفتاة بتمثال حورية البحر Mermaid المنصوب أمام المدخل البحري للعاصمة الدنماركية كوبنهاجن، لكان أكثر إقناعًا من تماثيل قدماء المصريين. أما الخلفية، فهي لبحّار ينقل الخشب الذي تورده السفن الكويتية، فينقله الحمّالون من الشاطئ إلى «العماير»، ونعني أماكن جمعه وبيعه، وهو مشهد يعرفه الكويتيون عند كل «نقعة» واختلط عليه السور الحجري للنقعة فسماه جسرًا.

          واللوحة المسمّاة في المقال «راعي الغنم»، وتسميتها الأصلية عربية وهي «الشاوي»، وكأني بالكاتب الفنان أراد أن يقرّب الصورة التي تشرح نفسها بتغيير تسميتها، على أن الفنان الراحل أراد أن يسجل التحوّل الحضري في حياة الكويت بالخلفية الخاصة بأبراج حفر آبار النفط وصهاريج حفظه، ولا أظن بأن ريشته في هذا الحال تحركت لرسم المعالم الحضارية للكويت من مبان ومآذن وغيرها.

          ويقول الكاتب الفاضل عن بائعة «الباجلا - الباقلاء»، إنها تبيع «المأكولات الشعبية»، ويعرف الكويتيون الذين عاصروا تلك الحقبة بأنها تقتصر على بيع الفول فقط.

          ولعل المرحوم الفنان ما كان ليرضى باستبدال «الخباز» أو «التنور» بالفرن Enferno الإيطالية!

          وتأتي اللوحة التي أسماها بالمقال «حافر المنهول»، وتسميتها الأصلية «المطر» أو «الهدامة»، وحافر المنهول تسمية طريفة، إذ إن سنة الهدامة هي 9821 هجرية، وحتى قرن بعدها لم تعرف الكويت نظام المجاري الحديث، ومن أجزائه Manholes. كما لا يفوت على القارئ الكويتي تعبير «ثانوية الشويخ» ودائرة المعارف تصحيحًا «للشويخ الثانوية»، ووزارة التربية والتعليم المشار إليهما في المقال.

          وأخيرًا لنا أمل في أهمية مراجعة عشرات المراجع الرصينة عن الحركة التشكيلية في الكويت، ومن بينها مرجع «الفن التشكيلي في الكويت» الذي يتضمن تفاصيل الحركة الفنية بأقلام كويتية، متشرّبة بروح الكويت مساهمة بمسار الحركة، وعندها فقط نكتب بصدق عن الراحلين.

          ورحم الله الفنان الراحل محمد الدمخي.

أبو عبدالله - الكويت