القيم المطلقة خالدة على مر الأزمان

القيم المطلقة خالدة على مر الأزمان
        

          يطالعنا د. أحمد أبو زيد في مجلة العربي العدد (580) مارس 2007 بمقال مفيد ومثير في الوقت نفسه تحت عنوان «قيم جديدة لعصر جديد»، وذلك في سلسلة مقالاته في «العربي» «مستقبليات».

          ود. أحمد أبو زيد مولّع بالكتابة عن المستقبل طريقًا للتغيير والتحديث، وقد نشرت له مجلة العربي ضمن سلسلة «كتاب العربي» برقم 61 كتابًا بعنوان «المعرفة وصناعة المستقبل» في يونيو عام 2005.

          إن التفكير في المستقبل أمر ضروري ومطلوب على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول، ولكن ذلك ليس كله سهلاً، والمقال المشار إليه يقرّ بذلك، وإن لم يتوصل إلى رأي واضح في مستقبل «القيم الجديدة»، فالقيم مطلقة وخالدة، وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله .

          وقد خُلّدت هذه القيم في الديانات السماوية، وإنك لتجد بعضها عند جميع الشعوب الأخرى بصور مختلفة، وذلك كقيم الصدق، والأمانة، والتعاون، والإنصاف، والمحبة وسواها.

          ولئن أصدر المسئولون في بعض الدول الغربية قوانين باعتبار «الزواج المثلي»، شرعيًا، فإن معظم شعوب هذه الدول لا تقرّه بل وتستنكره، ولقد فرضت هذه القوانين لأغراض انتخابية دعائية. وقد اعتبر المقال المشار إليه هذا القرار مؤشرًا كبيرًا على ظهور «قيم جديدة لعصر جديد»، ولم يأت على ذكر أدلة أخرى.

          وعندما يذكر أن ممثلي «برلمان أديان العالم» اتفقوا على تلك القيم المطلقة الخالدة، فإنه يذكر أن بعض الأجيال الشابة المتمرّدة تختلف في قيمها عن هذه القيم التقليدية، فأين هذه الأجيال؟

          لم يذكر أمكنتها، إنها في معظمها في أوربا، وقليل منها في ديار الشرق، وقلق المقال الشديد في مكانه، إن قيّدناه بالأجيال الغربية، أما عندنا، فالغرب نفسه وآخرون يتحدثون عن «صحوة» تؤيد القيم القديمة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، كيف نفسّر ظهور «المحافظين الجدد»، وعودتهم إلى قيمهم القديمة؟ وفي إسرائيل ما الذي ظهر بقوة عندهم، قيمهم القديمة أم الجديدة؟

          لكن هذه المحافظة على القيم التقليدية لاتمنع من ظهور اختلافات بسيطة في النظر إليها أو في التطبيق على مرّ الأزمان، ولقد ظهر على مرّ التاريخ أفراد متمرّدون على هذه القيم، ولكن سريعًا ما تخبو نارهم ويطمس ذكرهم، أين القرامطة الذين ظهروا في جنوب العراق وجعلوا الناس كـ«المزدكية في فارس»، شركاء في الأموال والنساء، وقتلوا الأبرياء، ودمّروا مدينة «البصرة»، ولكن أولي الأمر تصدّوا لهم وهزموهم، وعمّروا البصرة بعد «خرابها»؟

          وقيم القرامطة هذه، يربط بعض المؤرخين الروس بينها وبين «الثورة العمالية الفلاحية»، التي قامت في أوائل القرن العشرين في روسيا، وقد تشابهت قيمها وأفعالها في الأموال والنساء، وزادت عليها في سلب حرية الأفراد، بحيث جعلت الفرد عبدًا في يد الدولة، واتخذت كل الوسائل لإنجاح نظامها في الترغيب والترهيب، ولكن بعد  عقود عدّة انهار «الاتحاد السوفييتي» من الداخل وعاد الناس إلى قيمهم القديمة.

          ولئن ظهر عجز الغرب في علاج مشكلات شبابه المتمرّد - كما يذكر المقال - فذلك بسبب فراغه الروحي وليس عليه إلا أن يبحث عن البديل و«البديل هو الإسلام»، كما جعل السفير الألماني المسلم د. مراد هوفمان عنوان كتابه الشهير. كما قال صنوه الأوربي برنارد شو: «يستطيع محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يحل مشكلات العالم خلال شرب فنجان من القهوة».

          ويأمل المقال من «التكنولوجيا» أن تغيّر أساليب التفكير والطرق التي يتعرّف بها المرء على ذاته، ولكن التكنولوجيا «هذا الصنم الجديد»، الذي يعبده بعض شعوب الغرب، لم تستطع أن تغير القيم الخالدة في نفوس مستخدمي هذه التكنولوجيا.

          وعليه فإن القيم المطلقة خالدة على مرّ  الأزمان بالرغم من ظهور بعض التمرّد المؤقت عليها، وأحرى بنا أن نعلن عن «عودة كبرى لهذه القيم» لا عن ظهور «قيم جديدة لعصر جديد».

عثمان الحاج حسون
حلب - سورية