صبحي الشاروني ومشواره التشكيلي

صبحي الشاروني ومشواره التشكيلي
        

واحد من روّاد الفن التشكيلي، ناقدًا ومصوّرًا وفنانًا، يتصف بالمثابرة والجدية، ونحن هنا نقدم شهادة أخوية رائعة من أديبنا الكبير يوسف الشاروني.

          منذ شبابه الباكر - وفي مرحلة التعليم الثانوي - كان أخي صبحي الشاروني شديد الطموح، بينما مواهبه المبكرة تتفتح، ولا أدل على طموحه من أنه كان معجبًا بالممثلة الأمريكية الشهيرة، والشابة وقتئذ مارجريت أوبراين - في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي - ولم يكن إعجابه سلبيًا، بل عبّر عنه من خلال موهبته، التي كانت تكشف طريقها أو تتضح رويدًا، والتي أصبحت في ما بعد تخصصه، وهو فن النحت فالتصوير - أذكر أنه شكّل لها رأسًا من الجص، اتضحت فيه بدايات موهبته المبكرة، والتي ستتبلور في ما بعد، وحين التحق بكلية الفنون الجميلة.

          وأذكر أنه بعد تخرجه أحضر فرنًا كهربائيًا صغيرًا لتسوية الفخار والخزف، وذلك في غرفة ببدروم منزلنا الذي كان يملكه والدنا بمصر القديمة، واستغرقت تلك المرحلة حوالي ثلاث سنوات. ثم أنشأ دار نشر - فلم تكن الكتابة بعيدة عن موهبته، كما اتضح في ما بعد - كان عنوانها «كتابات معاصرة» نشر فيها 42 عنوانًا على مدى خمس سنوات بين عامي 68 و 73، اشترك فيها معظم أدباء ذلك العصر، بعضهم كان معروفًا، وبعضهم قدمتهم سلسلته لأول مرة، منهم: ألفريد فرج، وثروت أباظة، وعبدالحميد جودة السحار، ومحمود البدوي، ونجيب محفوظ، ونعيم عطية، ويحيى حقي، وغالي شكري، وأبو المعاطي أبوالنجا، وإدوارد الخراط، وجمال الغيطاني، وجميل عطية إبراهيم، وحسن محسب، ورأفت سليم، وعبدالعال الحماصي، وعبدالغفار مكاوي، ولطفي الخولي، ومحفوظ عبدالرحمن، ومحمد عبدالحليم عبدالله، ويوسف إدريس، وجلال العشري، وإقبال بركة. كما نشر أول كتاب نقدي عني بعنوان «الخوف والشجاعة» افتتحه بقصتين من قصصي. 

مرحلة التصوير

          بعدها انتقل صبحي الشاروني إلى مرحلة التصوير للوحات بالمتاحف والمعارض لأن المصور الصحفي الذي كان يصوّر اللوحات التي يكتب عنها لم يكن دقيقًا. ثم حصل على تصريح في السبعينيات لتصوير أهم معروضات متاحف الفن الإسلامي بباب الخلق، والقبطي بمصر القديمة والفن الحديث (حاليًا بالأوبرا) ومحمد محمود خليل وحرمه، واليوناني الروماني بالإسكندرية، والرسوم الأثرية على جدران أديرة الصحراوات المصرية. كما صوّر مقابر «الْهُو» بجوار نجع حمادي، التي يتميز معمارها بأنه يشبه الجمل البارك، حيث إن لها رقبة وسنمًا، وعليها رسوم شعبية فطرية متميزة. وأقام لما صوّره معارض في مصر وعالمية في الخارج. مثال ذلك معروضاته في معرض ثقافات العالم بباريس المخصص لعرض الفنون الشعبية لبلاد العالم الثالث. وقد أثارت رسومات «الْهُو» اهتمام الفرنسيين الشديد لندرة هذه الظاهرة في الفنون الشعبية مجسّمة أو مرسومة.

          وفي مرحلة تالية، اهتم صبحي الشاروني بتصوير المباني الطينية في معظم أنحاء الصعيد والوجه البحري، متعاملاً معها باعتبارها أعمالاً نحتية يتغير شكلها، وتتكشّف تضاريسها وجمالياتها بتغير مصدر سقوط الضوء عليها. لهذا أقام أكثر من معرض عن البناء بالطين والتبن أو الطين والملح، كما في مباني الواحات مثل سيوه، التي يختلط فيها الطين بالملح، ويكون متماسكًا كالحديد، لكنه لا يصمد أمام المطر وهو نادر في الواحات.

          وقد وُلد صبحي الشاروني عام 1933، ويعمل صحفيًا بدار الجمهورية للصحافة، متخصص في نقد الفنون الجميلة، ومؤرخ للحركة الفنية في مصر، وحصل على درجة الماجستير في الفنون الجميلة (تخصص نحت) من جامعة حلوان عام 1971، ثم درجة دكتوراه الفلسفة في الفنون الجميلة من جامعة حلوان أيضًا عام 1994. 

أكبر مرجع للفن

          ولصبحي الشاروني أرشيف منظم بالكلمة والصورة للفنانين المصريين ومعظم الفنانين العرب والعالميين، ويعتبر أكبر مرجع متكامل للحركة الفنية في مصر منذ نشأتها حتى اليوم. وهو أستاذ منتدب لتاريخ الحضارة وتاريخ الفن والتذوّق بكليات الفنون الجميلة والتربية بجامعات عدة. وقد أقام معارض عدة داخل مصر وخارجها، من بينها: روائع الفن القبطي بأكاديمية الفنون الجميلة المصرية في روما من 30 مارس حتى 15 أبريل 1987، ثم اننتقل إلى المركز الثقافي المصري بباريس في السنة نفسها من 16 حتى 26 يوليو. كما أقام معرضه الرابع عن البناء بالطين في واحة سيوه القديمة في مقهى ومطعم «لي فيربلاي» ضمن مهرجان الفن الشعبي المصري الذي نظمه بيت ثقافات العالم بباريس طوال فبراير 1988. ومن بين معارضه المهمة معرضه السادس عن مقابر «الهو» بقاعة أتيلييه القاهرة عام 1990.

          وقد تجاوزت مؤلفاته خمسة وعشرين كتابًا عن الفنانين التشكيليين والحركة التشكيلية في مصر، من بينها مؤلفاته عن الفنانين التشكيليين: عبدالهادي الجزار، رمسيس يونان، صلاح عبدالكريم، صلاح طاهر، الأخوين سيف وأدهم وانلي، حسين بيكار، تحية حليم، مصطفى أحمد، السيد القماش. بجانب مؤلفاته في التأريخ في الفنون التشكيلية مثل: الفنون التشكيلية - 1981، الفن التأثري - 1982 ، 77 عامًا مع الفنون الجميلة في مصر - 1985، هؤلاء الفنانون العظماء ولوحاتهم الرائعة - 1986 ، 80 سنة من الفن بالاشتراك مع رشدي إسكندر وكمال الملاخ - 1991، موسوعة «الفنانون الشباب في مصر من خلال معارض الصالون السنوي الخمسة الأولى»، المركز القومي للفنون التشكيلية - 1994، فنون الحضارات الكبرى - 1995، متحف في كتاب 1998، النحت في  مائة عام مع آخرين - 2005.

          لهذا، فلا عجب أن يشهد له كوكبة من نقاد الفن التشكيلي وعاشقيه، وفي مقدمتهم الدكتور ثروت عكاشة الذي أعلن في مقدمته لكتاب صبحي الشاروني «فن النحت في مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين». «أن صبحي الشاروني نجم ساطع من وجوه النقد الفني القلائل الذين يتصفون بالجدية والموضوعية، فهو في ما يتناول لا يني جهدًا في سبيل الإتقان سواء في ما يصدر عنه من أعمال فنية، أو في ما يجود به قلمه من بحوث وتحليل ونقد وتأريخ وتوثيق، فضلاً عن أنه أكبر مرجع متكامل للحركة الفنية في مصر منذ نشأتها حتى الآن».

          فإذا نحينا جانبًا ما لقيه صبحي الشاروني من عقبات كان يذللها واحدة بعد الأخرى، أدركنا أن فوزه اليوم بجائزة التفوق من المجلس الأعلى للثقافة، ليس إلا اعترافًا متواضعًا بمشواره الثري الدءوب المتواصل.

 

يوسف الشاروني   





 





شواهد مدافن «الهو» بزخارف شعبية





شواهد مدافن «الهو» بزخارف شعبية





عدسة الشاروني والحمامة البيضاء





 





 





البناء بالطين





حائط من أحجار الصوان المتراصة