طفلي لا ينام!

طفلي لا ينام!
        

الأطفال الصغار قد يكونون مصدرًا للأرق، وقد يكون عدم نومهم أثناء الليل مشكلة لكثير من الآباء.. فكيف يمكن حل هذه المشكلة بهدوء، دون إثارة الأعصاب ودون زجر الطفل ؟!

          في الرحم، تتعاقب على الجنين أوقات سكون وأوقات حركة، تستشعرها الحامل وتحس بها.

          في وقت السكون يكون الجنين «نائمًا» فتهدأ حركته تمامًا. بينما فى وقت الحركة يكون الجنين «مستيقظًا». وفي أغلب الوقت يكون الجنين نائمًا فى الرحم. (الكلام عن نوم الجنين ويقظته مجازي. إذْ لا تستخدم هذه التعبيرات إلا عند الكلام عن الأحياء خارج الرحم).

          بعد أن يخرج الجنين من ظلمة الرحم إلى نور الحياة، فإنه يقضي أكثر يومه نائمًا.

          ولا يرتبط نوم المواليد في أول عهدهم بالحياة خارج الرحم بأي علاقة من تلك التى يرتبط بها نوم الكبار. إذْ ينام الوليد في أي ساعة من ليل أو نهار، وفي أي ظرف محيط به، فينام في فراشة أو على كتف أمه، وينام في جو صاخب أو في هدوء حالم، وحتى في عربته الصغيرة حين تخرج به أمه لشئونها خارج البيت.

          وليس من الحكمة والعقل، ولا هو من العدل والانصاف، أن يتوقع الآباء والأمهات من وليدهم في الشهور الأولى من العمر أن يكون «منظمًا» في نومه، فينام وقت نومهم ويصحو وقت استيقاظهم!  فهذا المطلب ضد طبيعة الأشياء.

          على أي حال، سرعان ما يتغير نمط نوم الوليد ليقع تحت المؤثرات التي يخضع لها نوم الكبار.

          ومع حلول الشهر الثالث من العمر يكون أكثر نوم الوليد أثناء الليل، وأكثر يقظته أثناء النهار. وبحلول الشهر الرابع من العمر تتراوح ساعات يقظة الوليد بين أربع إلى خمس ساعات أثناء النهار، وساعة إلى ساعتين أثناء الليل.

          ويكون استيقاظه أثناء الليل لتناول الطعام.

          تطور نوم الوليد على هذا النحو ينطبق على الغالبية العظمى من المواليد. لكنه لا يعني بالضرورة أن كل طفل لا يمضي على النهج  نفسه يكون طفلاً غير سوي.

          فالظاهر من الأبحاث التي تجرى لدراسة نوم المواليد أن ظاهرة النوم تختلف من مولود إلى آخر، تمامًا كما تختلف عند البالغين!  والظاهر كذلك من الأبحاث أن هناك عوامل متعددة تلعب دورها فى نوم المواليد.

          من ذلك - مثلا - أن الأطفال الذين يتغذون على الرضاعة الطبيعية يكون نومهم أهدأ وأعمق ولساعات أطول من أولئك المواليد الذين يتغذون على الرضاعة الصناعية.

مراجعة الشكوى

          بعض المواليد مزعج إلى الحد الذى يدفع أمه إلى الشكوى منه إلى طبيبها! وتشكو الأم من أن طفلها لا ينام!  وهذا تعبير يخلو من الصحة ويفتقر إلى الدقة, إذْ لا يوجد طفل لا ينام.

          وإنما مقصود الأم من الشكوى أن نوم طفلها غير منتظم، وأنه يزعجها باستيقاظه المتكرر سواء أثناء الليل أو في النهار .

          هذه مشكلة صعبة، لأن أم مثل هذا الوليد تكون في حالة يرثى لها من الإجهاد وتوتر الأعصاب، وما يترتب على ذلك من إساءة معاملة الوليد والتأخر في أعمال البيت. وهذه أمور قد تؤدي بدورها إلى خلق مشاكل مع الزوج. وفى أحيان نادرة يتطاول الأمر إلى حد تهديد عرى الزواج بالانفصام .

          من جهة أخرى، فإن الوليد لا يمكن لومه على سلوكه في أي حال، وكذا لا يمكن إرغامه على النوم!  فما هو الحل؟!

          أول خطوة في طريق حل هذه المشكلة أن تدرك الأم أن وليدها لا يفعل ذلك متعمدًا. وليس مقصود الوليد حين يستيقظ فى ليل أو نهار أن يزعج أمه أو أن يصرفها عن أعمال بيتها وشئون معاشها! وقد يكون غريبًا التنبيه إلى ذلك كخطوة أولى لحل مشكلة نوم المولود .

          ولكن واقع الأمور يشير إلى أن كثيرًا من الأمهات يتعاملن مع المواليد كما يتعاملن مع إنسان بالغ، ويتوقعن من الوليد ما يتوقعنه من إنسان راجح العقل حكيم التصرف!

          لذلك يتعين على الأم أن تتحلى بالصبر والهدوء وثبات الأعصاب، في كل مرة يستيقظ فيها الوليد. وقد يكون مفيدًا أن تذكر الأم نفسها فى كل مرة تثور فيها أعصابها، أن وليدها قضى في جوفها تسعة أشهر احتملته خلالها، واشتاقت أثناءها إلى اللحظة التي تضمه فيها إلى صدرها. فالآن وقد تحقق ذلك، فليس هناك ما يستوجب الثورة والغضب. ثم إن الوليد كائن ضعيف مفتقر إلى أمه محتاج إلى عنايتها. وليس من كرم الخلق ولا من حسن المعاملة أن يثور إنسان على مخلوق ضعيف يحتاج إليه.

تنظيم النوم

          المعروف من دراسة ظاهرة النوم أنها تخضع لما تخضع له عادات الإنسان المكتسبة. وما دام الأمر كذلك، فقد يكون من الحكمة، ومن سبل الراحة للوالدين، تنظيم عادة النوم عند الوليد، وتوجيهها الوجهة الصحيحة منذ البداية. ويمكن تحقيق ذلك باتباع الإرشادات التالية:

موعد النوم

          يمكن تهيئة الوليد للنوم بوسائل عدة أهمها محاولة تحديد وقت للنوم. ويتحقق ذلك بربط الموعد المراد لنوم الطفل بسلوك أو نشاط معين. مثال ذلك، الاستحمام قبل النوم مباشرة، أو الانفراد بالمولود في غرفة هادئة مع بعض لعبه، أو إطفاء الأنوار، أو غير ذلك.

          المهم هنا أن تحرص الأم (أو الأب) على تكرار السلوك أو النشاط الدال على اقتراب موعد النوم بصورة منتظمة كل يوم.

          إذْ هكذا ينمو عند الطفل الإحساس بموعد النوم، إلى أن تنتظم عادة النوم عنده وفقا لذلك الموعد.

          إلا أنه يجب عدم التقيد بنظام معين إلى حد الجمود. فالوليد ليس جنديًا يُعَوَّد على النظام، وإنما كائن رقيق ينبغي معاملته برفق.

          ومن الأخطاء الشائعة فيما يتعلق بتعويد المولود على موعد للنوم، ربط موعد النوم بتناول رضعة. إذْ يصعب تغيير هذه العادة إذا شب الوليد عليها، وتبقى الرضاعة سلوكًا لازمًا قبل النوم. لذلك فمن الأفضل ألا تكون الرضاعة هي السلوك أو النشاط أو العمل السابق للنوم مباشرة. ومرة أخرى، يجب عدم التقيد بذلك إلى حد الجمود.

الهدهدة

          هدهدة الوليد (أرجحته أو تحريكه برفق) من الوسائل التقليدية لتنويمه. وهي وسيلة مجربة ومفيدة إذا أحسن استخدامها. فمثلاً عندما يكون الطفل عصبًيا أو كثير البكاء، فإن الهدهدة سوف تهدئ أعصابه وتيسر له أن ينام. إلا أن الخطورة مع هذه الطريقة هي أن الوليد إذا تعود عليها، فلن ينام إلا بها. لذلك فللأم أن تختار ذلك في أوقات مناسبة، أو أن تعود طفلها على الهدهدة فتلزم نفسها بذلك.

          عند هدهدة الطفل يجب مراعاة أن تكون الحركة هادئة رفيقة وبإيقاع منتظم. لأن الحركة القوية، وغير المنتظمة سوف تنبه الطفل وتطرد النوم من عينيه. ويمكن هدهدة الطفل وهو محمول على كتف أمه أو في حجرها، وكذا وهو في مهد متحرك.

الأصوات

          كما تحول الضوضاء العالية دون نوم الكبار، كذا تحول دون نوم الصغار.

          والمؤكد أن الهدوء يعين على النوم. لكن بعض الناس يتعود على النوم على أصوات معينة، فينام على صوت ترتيل دينى أو عزف موسيقى أو غير ذلك. والشيء نفسه يقال عن الأطفال, إذْ يمكن تعويدهم على النوم على أصوات معينة.

          بصفة عامة يرتاح المواليد والأطفال صغار السن إلى النوم على صوت رتيب أكثر من راحتهم إلى سكون مُطْبِق . فمثلا صوت عقرب الدقائق في ساعة الحائط ، أو صوت حركة عقارب الساعات القديمة، من الأصوات المنتظمة المريحة للأطفال. ويمكن الاستفادة من ذلك في محاولة تنويم الوليد عند استيقاظه فى جوف الليل.

          وإذا كانت الأم حريصة على أداء أعمال بيتها أثناء النهار دون إزعاج من طفلها، فيجب أن تحرص على أن ينام الطفل فى غرفة هادئة منعزلة فى البيت  (بشرط أن تكون قادرة على سماع ندائه أو بكائه إذا استيقظ), ذلك أن الضوضاء الناشئة عن أعمال البيت سوف تؤدى حتمًا إلى إيقاظ الصغير.

المص والرضاعة

          بغض النظر عن القيمة الغذائية العالية للرضاعة الطبيعية، فإن مَصّ الثدى في حد ذاته يريح الوليد ويزيل عنه أي توتر. لذلك فمن المفيد عندما يثور الطفل أو يبكي بغير انقطاع أن تلقمه أمه ثديها . إذ ْ سرعان ما يهدأ الطفل بذلك وتسكن نفسه. ويمكن تجريب الحيلة نفسها عندما يستيقظ الطفل فى الليل، حتى وإن كان يتغذى بالرضاعة الصناعية.

التدليك

          بعض الأطفال يجد راحة وسرورًا في تدليك جسمه الصغير. وعلى الرغم من أنه صعب على أم تستيقظ في جوف الليل أن تقوم بهذا العمل المحبب لطفلها وهي نصف نائمة، فإن التدليك من الوسائل التي يمكن اللجوء إليها عندما تكون هناك صعوبة في تنويم الطفل بعد استيقاظه فى الليل.

الملابس

          قد تكون الملابس سببًا في الاستيقاظ المتكرر للصغير. فبعض الأمهات تكبل طفلها في كومة من الملابس، بغض النظر عن درجة حرارة الجو. وطبيعي أن يكون ارتفاع درجة حرارة جسم الوليد سببًا في توتره وبكائه وعدم استطاعته النوم. لذلك يجب تخفيف ملابس المواليد في الجو الحار. مع مراعاة أن الشعور بالبرد له أثر مشابه للشعور بالحر, الأمر الذي يقتضي التصرف في ملابس الصغير بما يوافق الحال: أي تدفئته في البرد، وتخفيف ملابسه في الحر. 

          هذه بعض الوسائل المفيدة في مساعدة الطفل لكي ينام. وقد تتفق وسيلة منها مع مزاج وليد معين ، بينما تتفق أخرى مع مزاج وليد ثان . وفي كل الأحوال، فإن الطفل يكتسب في شهور قليلة عادات نومه الخاصة به.

          ومع تقدمه في العمر، فلن يعود يزعج والديه باستيقاظه المتكرر أثناء الليل.

 

عبد الرحمن عبد اللطيف النمر