عَمَّان مدينة عصرية تفوح بالأصالة

 عَمَّان مدينة عصرية تفوح بالأصالة
        

          في الصباح الباكر نظرت من نافذتي وقعت عيناي على فتاة جميلة تدعى فيلاديلفيا، كانت لا تزال مستلقية وتتمطى على بساط أخضر قبل نهضتها الأخيرة.

          دعتني متبسمة وهي تمشط شعرها بمشط من نور السماء كي أكتشفها واطلع على أسرارها وأخبارها. كان بالقرب منها تنتصب كأس بلورية نصف ممتلئة بماء جلب من ينبوع الشباب الدائم.

          رددت التحية بأحسن منها وهتفت إني قادم لك قبل أن تبادريني بالسؤال، جئتك يا عمان فرحا متهللا حاثًا الخطى لأصل الماضي بالحاضر وأشهد على جمالك التصاعدي. 

عمانُ ...
درجٌ صاعدٌ نحو حد السماء
وفْتِنة قلبي
عكازتي حلمي
وجنوني لأحضن أشواقها

          الجميع هنا في عمان أسير الحديث عن موجة الحر التي قيل إنها لم تجتح الأردن منذ خمسة وستين عاما، وأخبارها تتسلل إلى أحاديث الناس مثل حبات الغبار، حتى في برامج الإذاعة والرسائل الهاتفية القصيرة، كما خصصت وسائل الإعلام المحلية جزءا من وقتها لتنبيه الناس بعدم التعرض مباشرة للشمس في ذروة توهجها. وعلى الصفحة الأخيرة من صحيفة الغد الفتية نشرت صورة طريفة لرجل بدوي يسقي أحد خرافه الماء من قنينة بلاستيكية وكتب في التعليق راع يطفئ ظمأ أحد خرافه بسقيه ماء من زجاجة بلاستيكية.

          وكانت المرة الأخيرة التي تعرضت فيها الأردن لموجة حارة في عام 1942 حيث بلغت درجة الحرارة العظمى 42.8. لقد هبط هذا الضيف الثقيل نتيجة اندفاع كتلة هوائية موسمية حارة قادمة من شبه الجزيرة العربية والتي يتشكل في وسطها منخفض حراري.

          ونلت أنا وزميلي المصور نصيبنا الوافر من أحاديث الموجة الحارة على اعتبار أننا قادمان من منطقة حارة جدا، ومازلت أتذكر الزملاء في هيئة تنشيط السياحة وهم ينصحونني بالذهاب باكرًا للبتراء والبحر الميت وجرش تجنبا لما لا تحمد عقباه.

          كنت أسأل نفسي ما هي درجات الحرارة التي يخشاها الناس هنا؟ خمسون درجة؟ أكثر؟ وعندما علمت أنها لم تبلغ الأربعين درجة ضحكت كثيرا داخل نفسي لأن ذلك المستوى هو السائد لدينا خلال الفترة المسائية في الكويت، وتخيلت لو أني استقبلت ضيفًا من الاسكيمو في شهر يناير وأبديت له امتعاضي من شدة البرودة القارسة عندنا في الكويت.

عمان.. تتسع وتتجمل

          لم تكن تتمتع مدينة عمان مثل باقي عواصم العالم بزيادة طبيعية تدريجية في كثافتها السكانية والعمرانية، فقد فرضت الجغرافيا والأحداث السياسية نفسها على هذا الواقع، فمنذ النكبة في 48 وحتى الحرب الأخيرة في العراق استقبلت عمان الآلاف من النازحين والمهاجرين، وفتحت أراضيها لتستوعب كل من استجار بها بالرغم من الضغط المتزايد على بنيتها التحتية.

          وبينما كنا نقطع شوارع عمان متجهين لمقر إقامتنا، لاحظت مدى التشابه النسبي بين العاصمة عمان ومسقط والجزائر فجميعها تفتقر للأرض المنبسطة - على الأقل في الأماكن التي رأيتها - والحركة بين المناطق تتسم بالمراوحة بين الارتقاء والهبوط، وهو ما دفعني لابتكار سؤال يختصر عليّ مشقة البحث وهو أين توجد ملاعب كرة القدم لديكم؟

          وجعل المقدسي صاحب كتاب «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» من عمان واحدة من ضمن ثلاث مدن تشبه مكة : «رأيت لها ثلاثة نظائر.. عمان بالشام، واصطخر بفارس، وقرية الحمراء بخراسان».

          وقد أدت هذه الظروف الاستثنائية التي مرت بها عمان طوال العقود الأربعة الماضية إلى نشوء أبنية لا تخضع لأية قواعد معمارية، سبقت الرؤية الحديثة لمدينة عمان ومع تزايد عدد السكان وعدد الأبنية عشرات المرات خلال فترة وجيزة، فكان لا بد من لململة هذه الفوضى العمرانية التي غيرت طابع عمان والتي وصل عدد سكانها الى 2.2 مليون نسمة لغاية عام 2004، مما يعني أنها كانت بحاجة إلى مضاعفة الخدمات في مختلف الحقول بعد كل زيادة في السكان والمباني وتحتضن المملكة الأردنية الهاشمية أكثر من 40% من اللاجئين الفلسطينيين حول العالم.

          ويؤكد أمين عمان المهندس عمر المعاني: «أن العاصمة عمان سيتضاعف عدد سكانها من 2.2 مليون نسمة الى 6.4 في عام 2025 وهو ما يتطلب وضع خطط استراتيجة لتوجيه النمو بشكل منظم». ومن بين تلك الخطط هي سياسة التكثيف على المحاور الرئيسية في العاصمة مع مراعاة الطابع الحضري المميز للمدينة. وكلمة كثافة تعرفها أمانة عمان بأكبر قدر من التطور المسموح به على قطعة أرض بموجب قانون التنظيم.

          وأفرز التوسع العشوائي ظواهر سلبية مثل أزمة الاختناقات المرورية والتوسع على حساب المناطق الزراعية والأراضي الحرجية التي تعتبر رئة مدينة عمان. وتشجع استراتيجية التكثيف العمراني إقامة مبان بارتفاعات مختلفة ضمن معايير واضحة تكفل توفير شبكة مواصلات وتصميم عمراني مميز بالإضافة إلى توفير مناطق للمشاة وزيادة الرقعة الخضراء.

          ويؤكد عمر المعاني: «إن هذه الإستراتيجية تعمل بشكل كبير على تحويل بعض المحاور الرئيسية في العاصمة الى شوارع ذات طابع مميز، فمثلا شارع زهران يجب أن يكون معلمًا بارزًا في مدينة عمان وهو الآن مهدد بخطر التوسع العشوائي».

          وبحسب سياسة التكثيف يعتبر شارع زهران من الدوار الأول وحتى الخامس منطقة تتمتع بطابع عمراني تراثي حيث تم تحديد ارتفاعات المباني في هذه المنطقة بأربعة طوابق كحد أعلى مع إيجاد برامج وتعليمات خاصة فيما يتعلق بالمباني ذات الطابع التراثي للمحافظة.

          وتعتبر أمانة عمان الكبرى شريكا أساسيا في عملية تطوير السياحة في الأردن وتحقيق التوقعات لنمو اقتصاد الأردن السياحي، فعمان هي بوابة الأردن الكبرى ولها من المعطيات السياحية ما يؤهلها لكي تلعب الدور الأكبر في نجاح هذه الصناعة الوطنية، وقد قامت الأمانة بصياغة إستراتيجية محددة لتطوير السياحة وجعلتها أولوية في دورها التخطيطي والتطويري كما ضمنها مخطط عمان الشمولي. بحيث تصبح عمان تجمعًا مكتفيًا ذاتيًا وقادرًا على تلبية المتطلبات السياحية والترفيهية والاقتصادية، مع تشجيع التنافس في الرحلات الجوية وتكرارها مع عواصم ومراكز دولية مهمة. وتقع أمانة عمان الكبرى من حيث التسمية في منزلة البلدية، إلا أنها جهاز ضخم واسع الصلاحيات والمسئوليات، تقوم بدعم الجانب الترفيهي والثقافي بإقامة العديد من النشاطات والمهرجانات، وقد قمنا بزيارة مبنى الأمانة الرئيسي للتعرف على صورة مدينة عمان المستقبلية، كما زرنا أهم المواقع الواقعة تحت الإشراف المباشر لأمانة عمان الكبرى.

مدينة الحب الأخوي

          عمان مدينة تقلبت عليها صروف الدهر وحضارات الماضي العريق، قدم إليها الرعاة الهكسوس ونقلوا معهم بذور حضارة مصر ثم تعاقبت عليها قبائل العمالقة الأقدمين تلتهم قبائل بني عمون (العمونيين) الذين أعطوا المدينة اسمهم فأطلقوا عليها في البداية اسم ربة عمون والربة تعني العاصمة أو دار الملك ثم سقطت مع مرور الزمن كلمة ربة وبقيت عمون التي حورتها الشعوب المتعاقبة فيما بعد إلى عمّان.

          احتل عمان الأشوريون ثم البابليون ووقعت تحت السيطرة اليونانية خلال القرن الرابع قبل الميلاد واحتلها البطالسة سنة (284) قبل الميلاد بقيادة بطليموس فيلادلفوس الذي بنى مدينة جديدة على أنقاض المدينة القديمة وأعطاها اسمًا جديدًا مشتقًا من إسمه هو (فيلادلفيا) وتعني مدينة الحب الأخوي.

          وفتحت الأردن أمام الإسلام في خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - سنة 633م على يد القائد يزيد بن أبي سفيان، وتثبت الآثار التي وجدت في عمان حجم اهتمام الأمويين بعمان، ومن ضمنها مدينة أموية متكاملة احتوت على المسجد والسوق ودار الإمارة والقصر والبيوت والشوارع التي تربط هذه المباني.

          وفي أواخر القرن التاسع عشر وصل عمان أول فوج من الشراكسة المسلمين من قبيلة الشابسوغ المهاجرين من القفقاس الذين أقاموا في موقع على سفح جبل القلعة أصبح يعرف باسم حي الشابسوغ، وقد ساهمت هذ الهجرة في نهضة عمان لطبيعة الشركس الزراعية وإتقانهم للعديد من الصناعات، وظل الطابع الشركسي غالبا على عمان حتى الحرب العالمية الأولى، وقيل إنها سميت بالقرية الشركسية.

          وأنشئ أول مجلس بلدي في المدينة عام 1909 وغدت مركزا لمديرية ناحية عام 1914 وكان سكانها ما بين 1500-2000 نسمة يمثلون 300 أسرة إلا أن النشاط التجاري فيها اجتذب التجار إليها من السلط ودمشق ونابلس ويافا والقدس وأماكن أخرى. وقد زادت أهمية عمان أيام الحرب العالمية الأولى إذ غدت مركزا للحشد العثماني نظرا لوجود محطة سكة الحديد بالقرب منها، ومع قدوم الأمير عبدالله لعمان في آذار 1921 واختياره لها عاصمة لإمارة شرقي الأردن، لم تكن عمان تحفل بالكثير من مؤهلات العاصمة وحتى أن الأمير عبدالله الذي غدى الملك عبدالله الأول، ظل مقيما في خيمة على رابية «ماركا» إلى أن تم الانتهاء من بناء قصر رغدان، ويسجل محمود العابدي في كتابه «عمان ماضيها وحاضرها» أن اتساع المدينة وعمرانها سار سيرا وئيدا خلال العشرين الأولى من تأسيس الإمارة، وقد ظهرت خلال تلك الفترة فكرة انتقال العاصمة إلى السلط لافتقار عمان للمباني التي تصلح لاستخدامها كدوائر حكومية ومساكن للموظفين الذين جاء أكثرهم من خارج عمان. إلا أن كفة عمان رجحت بالنهاية لوفرة المياه بها، ولأهمية موقعها الجغرافي الذي يربط بين البادية الأردنية شرقا والمناطق الحضرية غربا.

          وغدت عمان إبان حكم الملك فيصل لسورية مركزا للواء العسكري المرابط في الأردن، «وبعد الاعتداء الفرنسي على الحكومة السورية المستقلة عام 1920، لجأ إلى عمان عدد من أحرار السوريين خاصة بعد إذاعة خبر وصول الأمير عبدالله الى معان، ولم تلبث أن أصبحت قطب الرحى لحركة وطنية مباركة بزعامة رئيس بلديتها حين ذاك المرحوم سعيد خير الذي كان يستند إلى الشراكسة من جهة وإلى عشار بني صخر من جهة أخرى».

أصحاب الكهف

          يقول الله تعالى أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا  صدق الله العظيم.

          بداية لا بد من الإشارة إلى أن موقع أصحاب الكهف الذي قمنا بزيارته لم يثبت قطعا صحته التاريخية، ولم يخبرنا به الرسول الذي سرد قصة أهل الكهف على اليهود الذين أرادوا امتحان نبوءته. ويقول ابن كثير في تفسيره : « لو كان لنا فيه مصلحة دينية لأرشدنا الله تعالى إليه، مصداقا لقوله عليه السلام ما تركت شيئا مما يقربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلا أعلمتكم به. واتخذ أصحاب الكهف من هذا المكان ملاذا لهم بعد هروبهم بدينهم من جبروت الملك ديقيانوس.

          وقد تمكن من اكتشاف هذا الموقع جنوب شرق عمان عالم الآثار الأردني رفيق وفا الدجاني عام 1963، وهو يقع في قرية الرجيب وكان الاسم القديم لهذه القرية هو الرقيم انسجاما، وفي منطقة صغيرة حشرت جميع الهياكل العظمية لأصحاب الكهف ويمكن رؤيتها من خلال فتحة صغيرة سدت بقطعة زجاجية مستديرة، وقد تمكن زميلي المصور من التقاط صورة واضحة لما في جوف الحفرة بفضل ضوء الكاميرا المشع.

جرش الباقية

          توجهنا إلى الشمال من عمان قاصدين مدينة جرش الأثرية، لم تستغرق رحلتنا أكثر من ساعة من الزمن بواسطة السيارة، توقفنا عند بوابتها ذات الأقواس الثلاثة والتي بنيت على شرف الإمبراطور الروماني هدريان عند زيارته لها سنة 129 ميلادية، وكان في استقبالنا جنود روما الأشداء الذين كانوا يتجهزون للعرض العسكري الذي يبدأ يوميا في الحادية عشرة صباحا.

          ظلت مدينة جرش مطمورة تحت التراب لقرون عديدة قبل أن يتم التنقيب عنها وإظهارها للوجود منذ سبعين سنة تقريبا، ويعتبر موقع جرش من أفضل المدن الأثرية الرومانية التي بقيت بحالة جيدة من ضمن مدن الديكابوليس، وهو الاتحاد الذي ضم عشر مدن رومانية جميعها اندثرت ما عدا جرش حافظت على أبهتها القديمة.

          وتم منذ زمن استثمار مسرح جرش الروماني وتحويله لنقطة جذب سياحي وثقافي من خلال إقامة مهرجان جرش في شهر يوليو من كل عام، والذي أضفى الحيوية والنشاط على هذا الموقع بسبب العروض الفلكلورية والأوبرالية والغنائية من مختلف شعوب وثقافات العالم.

          ومن أبرز معالم مدينة جرش سبيل الحوريات وهو عبارة عن نوافير للمياه، وشارع الأعمدة الذي يعد الطريق الرئيسي في جرش ويبلغ طوله 800م، وعلى مضمار نادي سباق الخيول الروماني الأثري حضرنا عرضا قدمته فرقة جرش لإحياء التراث القديم مثلت فيه دور الفرقة السادسة الحديدية في الجيش الروماني بكامل عدتها وتجهيزاتها القتالية، ليعود بنا الزمان إلى حقب ما قبل الميلاد، لنرى بأعيننا العربات التي تجرها الخيول والسيوف المتوسطة الأطوال والدروع الحديدية المحمولة على الأذرع المفتولة العضلات، ولنسمع صليل السيوف وصرخات المقاتلين المدوية في جنبات المكان.

مرحبا بك في فلسطين

          نزولا شيئا فشيئا بالسيارة إلى أكثر بقعة خفيضة عن سطح الأرض (410) تملكتني رهبة شديدة فأنا أوشك أن أكون أكثر اقترابا من القدس وعندما بانت زرقة البحر قلت الله اكبر ها هي القدس على مرمى البصر، ولو أني اجتزت البحر بقارب فلن يستغرق الأمر سوى ساعة، ولكن كيف أدرك القدس والعدو رابض أمامي؟

          على هاتفي النقال حدث ما لم أتوقعه كثيرا فقد استقبلت رسالة ترحيبية من إحدى شركات الهاتف العاملة في فلسطين المحتلة تتمنى لي طيب الإقامة في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، وكأنني فعلا عبرت البحر الميت ولكن هذا الشيء لم يحدث، وبدلا من أن تظل مكالماتي داخل الأردن محلية، تحولت إلى اتصالات دولية.

          ويجتذب البحر الميت زواره لعدة أسباب، فمياهه الساخنة مشبعة بأملاح الصوديوم والبوتاسيوم وكلوريد المغنيسيوم وغيرها، وهو أملح من مياه البحر العادية بأربع مرات، وتتفجر بجانبه ينابيع المياه العذبة والمعدنية فضلا عن الطين الأسود المليء بالمعادن والتي يعتقد بقدرتها على الشفاء من الأمراض الجلدية وأخيرا أشعة شمس رائعة وهواء نقي صاف.

          وحظي البحر الميت باهتمام شديد من قبل الأردن ليكون في مصاف أرقى المواقع السياحية في العالم، وقدمت الكثير من التسهيلات للمستثمرين لتحقيق ذلك الهدف، واليوم قامت أشهر الفنادق العالمية بالتموقع على أجمل سواحل البحر الميت.

          وافتتح بالقرب من البحر الميت، قبل عام متحف البحر الميت الذي يقدم وسائل تعليمية وتثقيفية حول قصة الجنة وشجرتها وطريقة إجراء التجارب العلمية لكيفية معرفة نسبة الأملاح في البحر الميت، وطريقة استخراجها، ويحوي المتحف أربعة أقسام رئيسية تختص بجيولوجيا البحر الميت ومراحل تشكلها، وتاريخ البحر الميت وتعرضه لخطر الجفاف وأخيرا معلومات حول الحيوانات التي تواجه خطر الانقراض.

          وفي سبيل مواجهة خطر الجفاف الذي يواجه البحر الميت، قدمت مقترحات بمد أنابيب من البحر الأحمر لتصب في البحر الميت، إلا أن أراء معارضة حذرت من وقوع خلل بيئي إذا ما تم ذلك. ويعتبر نهر الأردن هو الشريان الرئيسي الذي يغذي البحر الميت بالمياه، ولكنه هو الآخر يعاني من استنزاف لسد العديد من الحاجات الضرورية والمشاريع الزراعية التي تحتاج إلى كميات مضاعفة من المياه.

متحف السيارات الملكي

          يؤرخ المتحف لجزء مهم من تاريخ الأردن السياسي بطريقة مميزة، وتعكس المعروضات كذلك تاريخ المملكة ابتداء من عهد الملك عبدالله الأول وحتى جلالة الملك عبدالله الثاني بإبراز الأحداث المهمة من خلال السيارات، ولكي يعيش الزائر في أجواء تاريخ أهم السيارات التي عاصرت التاريخ الأردني تم تزويد بعض مواقع السيارات المعروضة بأفلام فيديو ومقاطع صورية مكررة وصور أرشيفية موضح عليها قصة كل سيارة وفي أي مناسبة استخدمت. وكانت البداية مع استخدامات الملك عبدالله الأول للسيارات في انجاز أعماله اليومية وزياراته المنتظمة لمختلف القبائل ولاسيما إلى القدس الشريف، وتستخدم السيارات المعروضة لإلقاء الضوء على حياة الملك الراحل الحسين بن طلال وإبراز جوانب من سيرته. ومن مقتنيات المتحف سيارة لينكولن كابري مكشوفة موديل 1952 استخدمها الملك حسين أثناء دراسته في إنجلترا كما استخدمت في حفل تتويجه في مايو 1953.

الثوب الأردني الأصيل

          مسيرة عمرها أكثر من عشرين عاما من التحديات خاضتها مصممة الأزياء التراثية السيدة مريم مراد مهاني، في مجال تصميم الأزياء التراثية المطرزة يدويا، بعد الانتقال من مجال التدريس في الكويت ورئاسة قسم الرياضيات وتدريسها في دار المعلمين التابعة لوكالة الغوث (اونروا) إلى هذا الفن الأصيل الذي حققت فيه نجاحا باهرا. وقد التقينا بالسيدة مريم في منزلها بعد أن وعدتنا بترتيب عرض خاص لمجلة العربي لباقة جديدة من تصميماتها قدمتها لنا المذيعة الرشيقة نسرين أبو صالحة.

          كانت مهاني للتو عائدة من الجزائر بعد أن شاركت بتصميماتها في تمثيل الأردن ضمن احتفال الجزائر عاصمة للثقافة العربية 2007، حيث تم عرض الأزياء الأردنية التي تمثل مناطق مختلفة فيها كالكرك ومعان وإربد وجرش وعجلون والرمثا والثوب السلطي وثوب القدس وبيت لحم ويافا والزي الشركسي كجزء من مكونات الشعب الأردني. بدأت مهاني هوايتها باقتناء الأثواب المطرزة القديمة من مختلف المناطق، كما دأبت على جمع القطع النقدية النادرة والبسط وأغطية الرأس مثل الشاش والغدفة والوقاة وتابعت مسيرتها لتتحول في النهاية من لغة الأرقام إلى لغة الإبرة والمطرزات.

          وتقول مهاني: «يعبر الثوب عن هوية المرأة التي ترتديه والمناسبة التي ستشارك فيها، كما يميز موقعها الاجتماعي إن كانت متزوجة أو عزباء فلكل منطقة طريقة في تفصيل الثوب وألوان العروق وأسمائها» وتوضح مهاني: «ومع أن غالبية هذه الأثواب تتسم بكونها فضفاضة ومحتشمة فإن ألوان المناطق الجنوبية غالبا ما تتسم بالقماش الداكن أما الشمالية فتختار الألوان الفاتحة».

          وتحرص المصممة مريم مراد مهاني على تدريب فتيات من مختلف الأعمار والفئات على مهنة الخياطة وفنون التصميم، في أوقات فراغهن كما تقوم بتزويدهن بكل ما يلزم من أقمشة وحرير لإنتاج قطع تعود عليهن بالمردود المادي وتساعدهن على تطوير دورهن في المجتمع.

حروب العطش

          من بين جميع جيرانها في المنطقة تتبدى أزمة نقص الموارد المائية في الأردن كمشهد قاتم في ظل طغيان الطلب على ما هو متوافر، فالأردن بلد صحراوي يعاني من قلة سقوط الأمطار ومواسم الجفاف التي عصرت مكامن المياه، وهذا مؤشر خطير يلمح إلى أن الصراعات القادمة في منطقة الشرق الأوسط لن تقع لنفس الأسباب القديمة ولكن بسبب العطش.

          واحتاج سد الوحدة الذي تعتبر سعته التخزينية كبيرة جدًا ويقع على الحدود الشمالية بين الأردن وسورية، وهو يحتاج إلى ثلاثة أشهر وأسبوع كي يخزن 7,5 مليون م3 فقط ما يعني أنه يحتاج الى خمس سنوات حتى يمتلئ، بشرط بقاء المعدل الحالي على ما هو عليه من المياه المتدفقة من نهر اليرموك وهو 700 لتر في الثانية. وكان الأردن يعقد آمالا كبيرة على هذا المشروع آملا في ري آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية وتوليد الطاقة الكهربائية.

صوت للبتراء

          كانت زيارتنا للبتراء وهي تقع على مسافة 262 كيلو مترا إلى الجنوب من عمان استثنائية، فقد تزامنت مع اقتراب موعد التصويت على عجائب الدنيا السبع الجديدة والذي انتهى بدخول البتراء ضمن القائمة الجديدة، كما سجلت توقعات الأرصاد الجوية أن يوم زيارتنا للبتراء سيكون هو اليوم الذي تبلغ فيه موجة الحر ذروتها وكان يوم جمعة.

          مع شروق الشمس تحركنا نحو البتراء ووصلنا هناك بزمن قياسي ومع توقف سيارتنا بدأت رحلتنا سيرًا على الأقدام، وقبل عبورنا البوابة الأخيرة التي تفضي إلى منطقة تأجير العربات والأحصنة، جلسنا لدقائق في خيمة جهزت للتصويت للبتراء عبر شبكة الانترنت كواحدة من العجائب السبع الجديدة.

          عبرنا الشق المؤدي للبتراء ويسمى (السيق) وهي لفظة قد تكون سيريانية وقد تكون عربية مشتقة من الشق أو الدهليز، وطوله ألف متر وأكثر، وهو يضيق وينفرج وأقصى انفراجة تصل لمترين تقريبا، وفي آخره ينحرف بنا الطريق ليزيد من تشوقنا قبل أن نصبح في مواجهة أعجوبة البتراء الوردية المنقوشة على الجبل.

          الخزنة وهي أشهر ما بناه العرب الأنباط في هذا المكان، لها قصة طريفة، فعندما اكتشفها البدو القاطنون بالمناطق المحيطة بالبتراء اعتقدوا أن الجرة الحجرية الموجودة في الطابق الثاني عبارة عن كنز وأسموها خزنة فرعون الذي خبأ كنوزه فيها، ووجهوا فوهات بنادقهم صوب الجرة وأطلقوا الرصاص عدة مرات دون جدوى، ولا تزال آثار القصف موجودة.

          وتوجد في البتراء آثار أخرى مثل المدرج الروماني والقبور المنحوتة في الصخر وقصر البنت والدير والمذبح.

مخيم البقعة وصمود الهوية

          ما أقسى الخروج بقصد العودة، ثم اكتشاف لاحقا أن تلك الرحلة كانت باتجاه واحد دون رجعة فهذا يخلف مرارة في النفس وحالة من الاكتئاب ولعل أغرب أنواعه هو عندما تلتقي بفرد من أسرتك أو جيرانك في المنفى، ففي حين أن الوقت هو وقت الفرح بلم الشمل ووصل ما انقطع من أخبار إلا حقيقة إفراغ القرية من سكانها تطرق الرأس بعنف تعني أنها ستئول الى مستعمرين يتكاثرون عليها وتخرج منهم أجيال سترتبط بهذه الأرض وستمد جذورها لتتبدل المواقع وتقلب الصورة فأبناء الغزاة أصبحوا أهل الأرض وأبناء المشردين تحولوا إلى غزاة طامعين. واليوم اختفى سكان ما يقارب 400 قرية فلسطينية بسبب التهجير والهجرة، ووجدت أجيال متلاحقة لا تعرف مواقع قرى الأجداد إلا من خلال المحكيات والخرائط.

          في طريقنا نحو أحد المناحل في منطقة الداعور الجبلية المحاطة بحقول متنوعة من المزروعات، واجهتنا بعض الطرق المسدودة لدواعي التجديد والترميم، ومع قليل من المحاولات من مرافقنا دخلنا بالصدمة بمخيم البقعة الفلسطيني، وأمضينا فيه بعض الوقت.

          كان هذا المخيم أشبه بقطعة من المدن والقرى التي لم أرها إلا في التلفزيون فجميع أسماء قرى فلسطين المحتلة عام 1948 مكتوبة على واجهات المحلات والمطاعم والشوارع الرئيسية والفرعية، وكذلك أسماء الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن أرض الوطن. كان الواقع يفوح بالمشاعر ويعطل لغة الكلام، فلسطين وطن يعيش فينا نحن اللاجئين مستعدون للعودة والبدء من جديد ولو تبقى بأعمارنا يوم واحد ولن يعوضهم مال الأرض عن حقهم بالعودة لوطنهم، ولن يعوضهم مال عن الشعور بالغربة القسرية، نترك كل شيء خلف ظهورنا.

عنوان الكرم

          تحاشينا كل الدعوات الكريمة التي وجهت لنا لتناول المنسف الأردني، واختلقنا في كل مرة عذرًا جديدًا حتى كادت تنفد منا، والمنسف هو وجبة دسمة جدا غارقة بالسمن البلدي مكونة من لحم الخروف أو الجدي ويؤكل مع الرز المصري والجميد الذي هو عبارة عن كرات كبيرة من اللبن المجفف بحجم البرتقالة، وتعد هذه الوجبة التي لا يحمل ماعونها رجل واحد، عنوان الكرم الأردني للضيف، ونحن في الخليج عموما لا نأكل المناسف ولكننا نتعامل مع الأخ الأصغر له وهو الكبسة، وعليه فنحن أعلم بالنتائج وتأثيرها السلبي على واجباتنا الصحفية.

المركز الأردني للإعلام.. وريث وزارة الإعلام

          في مبنى يحمل طابعا تاريخيا ورمزيا للعاصمة عمان، وهو مبنى البرلمان الأردني القديم، الذي أدى فيه ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال اليمين الدستورية كملك للمملكة الأردنية الهاشمية، وذلك في عام 1953، يقع المركز الأردني للإعلام الذي يعتبر هو الوريث الرسمي لوزارة الإعلام الأردنية التي ألغيت قبل 4 سنوات تقريبا وكانت تخضع لها بوصفها الهيئة السياسية والمرجعية العليا المسئولة عن قضايا بث رسالة التوجيه الوطني الخاصة بالدولة والحكومة، إدارات محورية هي مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الأردنية ودائرة المطبوعات والنشر.

          ونشأت أوضاع جديدة لسد الفراغ الذي أحدثه غياب وزارة الإعلام فمثلا أصبح لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون قانون خاص منحها استقلالا كبيرا وآلية عمل تأخذ بعين الاعتبار العمل على أسس تجارية تضمن لها الاستمرار والمنافسة، كما أصبح لها مجلس إدارة يشكل من قبل مجلس الوزراء، يضم في عضويته أعضاء من قطاعات شتى مثل القطاع الخاص وأكاديميين وإعلاميين وكتاب صحف، يختارون من بينهم مدير عام مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وتبقى هذه المؤسسة ملتزمة بالمحافظة على هوية الدولة وعاداتها العربية والإسلامية وبث الرسالة السياسية للدولة والحكومة.

          وبنفس هذه الآلية فقد تم تطبيقها مع المؤسسات الأخرى التي كانت تابعة لوزارة الإعلام.

          ويؤكد الدكتور الشاب بشر الخصاونة الذي تولى قبل عدة أشهر مسئولية إدارة المركز الأردني للإعلام: «إن المركز ورث الدور التنفيذي لوزارة الإعلام فيما يتعلق بصياغة رسالة التوجيه الوطني التي تعبر عن سياسات ورؤى الحكومة ولكن دون أدوات كالرقابة المسبقة التي ألغيت منذ زمن» ويضيف: «نحن نروج لرسالتنا الحكومية في الوسط الإعلامي والصحفي وندافع عنها بالحكمة والمنطق».

          ويشير الخصاونة إلى حالة التوسع التي يشهدها القطاع الصحفي في الأردن وبخاصة في مجال الصحافة الأسبوعية وصحافة المعارضة التي وصفها بالظاهرة، إضافة إلى الصحف اليومية الأربعة وهي الدستور والرأي والغد والعرب اليوم وجميعها تجتذب شرائح واسعة من القراء وهو ما يضمن استمرارها لأن المادة الإعلامية تخضع لقانون العرض والطلب.

          وفيما يتعلق بنمط الرقابة المفروض على الصحافة في الأردن أكد الخصاونة أنه لا توجد رقابة مسبقة على الصحافة، والرقابة الموجودة تمارس بصورة ذاتية من قبل رؤساء التحرير، وضمن ضوابط قانون المطبوعات والنشر وضمن ضوابط البنية التشريعية المتعلقة بقضايا حرية التعبير، مضيفا: «لقد قدمت الحكومة إلى البرلمان باقتراح على قانون المطبوعات والنشر يلغي توقيف أي صحفي أو إعلامي بسبب قضايا مرتبطة بالمطبوعات والنشر، وقد رفض هذا الاقتراح من قبل النواب لأنهم وجدوا أن إطلاق الأمور على عواهنها قد يسبب إشكالية داخلية في القضايا المتعلقة مثلا في النيل من كرامة الأديان وأرباب الشرائع السماوية، وتمت الموافقة على إلغاء عقوبة التوقيف لحين موعد المحاكمة وصدور الحكم النهائي».

          وفي ختام حديثه مع مجلة العربي قال الدكتور بشر الخصاونة: «نحن في الأردن نسير باتجاه التأسيس لحريات وهوامش أوسع تحت ضابط المهنية، ونتمنى أن نصل لمرحلة توقيع ميثاق شرف إعلامي بين القائمين على هذا المجال».

 

إبراهيم المليفي   





صورة الغلاف





صورة بانورامية للمدرج الروماني الكبير وهو يعد أحد أبرز معالم مدينة عمان وشاهدا على حضارات سادت ثم بادت كما توضح الصورة كثافة التوسع العمراني المتعدد على سفوح جبال عمان





الجسر المعلق في منطقة بعبدون وقد تم بناؤه حديثا ليتماشى مع التطور العمراني والسكني في مدينة عمان





صورة من الأعلى لمدينة عمان الحديثة العامرة بالحركة والناس





صورة قديمة لمدينة عمان في بدايات القرن الماضي





صورة قديمة لمدينة عمان في بدايات القرن الماضي





صور مُركبة تخيلية لمدينة عمان المستقبلية كما تطمح وتخطط لها أمانة عمان كبرى





سيتضاعف عدد سكان المدينة من 2.2 مليون نسمة الى 6.4 مليون نسمة في 2025 ولمواجهة هذه الزيادة السكانية الهائلة تم البدء بتطبيق خطة استراتيجية لتوجيه النمو بشكل منظم





د. بشر الخصاونة مدير المركز الاردني للاعلام متحدثا لمجلة العربي





منطقة آثار أصحاب الكهف وقد تم اكتشافها عام 1963 وتحظى هذه المنطقة اليوم بعناية كبيرة تم بناء مسجد بالقرب منها، والكهف مفتوح لاستقبال الزوار وتم تكليف مرشد ليقدم موجزا تاريخيا عن قصة أهل الكهف





ظلت مدينة جرش مطمورة تحت التراب لقرون عديدة قبل ان يتم التنقيب عنها وإظهارها للوجود منذ سبعين سنة تقريبا





معركة حامية الوطيس تستذكر مآثر جنود الامبراطورية الرومانية ويقدم هذا العرض الحي في جرش مرتين في اليوم وهو يلاقي إقبالا جيدا من قبل السياح





آثار رومانية تقع على سفح أحد الجبال المطلة على مدينة عمان، وقد أنشئ متحف صغير يقع بالقرب من هذه الآثار ويضم مجموعة من القطع الآثرية النادرة





يؤرخ متحف السيارات الملكي لجزء مهم من تاريخ الاردن السياسي، من خلال عرض السيارات التي استخدمها ملوك الاردن الراحلون





يؤرخ متحف السيارات الملكي لجزء مهم من تاريخ الاردن السياسي، من خلال عرض السيارات التي استخدمها ملوك الاردن الراحلون





يؤرخ متحف السيارات الملكي لجزء مهم من تاريخ الاردن السياسي، من خلال عرض السيارات التي استخدمها ملوك الاردن الراحلون





يؤرخ متحف السيارات الملكي لجزء مهم من تاريخ الاردن السياسي، من خلال عرض السيارات التي استخدمها ملوك الاردن الراحلون





مصممة الأزياء الأردنية مريم مراد





ثوب تراثي من عمان ووجه مشرق متفائل بالحياة





زي تراثي من منطقة إربد





زي حديث





الخزنة وهي أعجوبة مدينة البتراء الوردية المنقوشة على الجبل وهي أشهر مابناه العرب الانباط في هذا الموقع





تحفل البتراء بآثار كثيرة غير الخزنة مثل القبور المنحوته في الصخر وقصر البنت والدير والمذبح





في البتراء وعند نقطة معينة تصبح الأقدام أو الدواب هي الوسيلة الوحيدة للحركة المسموح بها هناك حفاظا على سلامة المنطقة الأثرية المهمة