المائويون قادمون

المائويون قادمون

يتمثل الإنجاز الأكبر لـ"المائويين"، ليس فقط في حقيقة أنهم بقوا على قيد الحياة حتى سن المائة، بل في كونهم جعلوا الحياة بعد المائة تبدو لنا هدفاً قابلاً للتحقيق.

كانت جين كالمنت في الثالثة عشرة من عمرها عندما زار بلدتها, (آرل) الواقعة جنوبي فرنسا, في عام 1888, رسام هولندي يدعى فنسنت فان جوخ Van Gogh, وبعد مضي قرن كامل, كانت جين لاتزال تذكره, فوصفته بقولها إنه:قبيح للغاية, وكريه, وغير مهذب, ومعتوه... لقد غفرت له, وقد كان السكان المحليون يطلقون عليه اسم (المجنون).

لقد اكتسب كل من فان جوخ وجين شهرة عالمية- فان جوخ بسبب لوحاته التي يدفع فيها الهواة ملايين الدولارات, وجين لكونها أكبر المعمّرين في العالم.

ولدت جين كالمنت في عام 1875, قبل بناء برج إيفل الشهير, وقد عاصرت فان جوخ, ثم عاصرتنا نحن بعد مضي قرن كامل! وعندما توفيت عام 1997 عن 122 عاماً, كانت قد حطمت جميع الأرقام القياسية الخاصة بأطول أعمار البشر. لكن رقمها القياسي قد لا يصمد طويلاً, فالمائويون- وهم الذين يبقون على قيد الحياة حتى سن المائة أو أكثر- قادمون نحونا بسرعة.

يمثل المائويون مجموعة لا يمكن إحصاء عدد أفرادها بسهولة, فمن ناحية يصعب التيقن من صحة بيانات الحالات ذات الأعمار الاستثنائية, فالمؤرخون المهملون والسجلات غير الدقيقة, تؤدي دون قصد لإضافة سنوات على العمر الحقيقي للفرد, نظراً لأن ذلك الشخص قد يستخدم شهادة ميلاد لأحد أعمامه أو أقاربه المتوفين من زمن بعيد, والذين يحملون الاسم نفسه. وقد أثبت ذلك الباحث الشهير في سجلات المائويين, توماس بيرلز Perls, وهو مدير معهد نيو إنجلند لدراسات المائويين, والتابع لكلية طب جامعة هارفارد, عند دراسته المتعمّقة للأشخاص الذين ادعوا بأن أعمارهم تزيد على المائة وخمسين عاماً في جبال القوقاز الروسية, حيث وجد أن أولئك الأشخاص يحملون شهادات ميلاد تعود إلى أعمامهم أو (عمّاتهن) الذين يحملون الاسم نفسه.

وحتى زمن قريب, لم يكن هناك عدد من المائويين يكفي لاعتبارهم مجموعة منفصلة عن بقية المسنين, أما الآن, فقد أدت الزيادة الكبيرة في أعدادهم لجعل أكبر الهيئات العالمية المتخصصة في شئون السكان, وهي قسم السكان التابع للأمم المتحدة, تعيد صياغة تعريفاتها المعتمدة, فاصطلاح (المسن Elderly) يعني الآن ذلك الشخص الذي يبلغ الخامسة والثمانين من العمر أو أكثر, وليس الخامسة والستين كما كان يشير إليه التعريف منذ زمن قريب. ويعكس ذلك الأعداد المتزايدة من الأشخاص الذين توشك أعمارهم على بلوغ المائة عام. وفي عامنا هذا, يفترض أن يعيش الشخص الذي يبلغ الخامسة والستين 57 عاماً أخرى ليصل إلى العمر الذي عاشته جين كالمنت.

وقد اشتملت المراجعة السنوية لسكان العالم, والتي صدرت عن الأمم المتحدة في أكتوبر 1998, ولأول مرة هذا العام, على أعداد (الثمانينيين) Octagenarians- وهم الذين تتراوح أعمارهم بين الثمانين والتاسعة والثمانين, و(التسعينيين) Nonagenarians- والذين تتراوح أعمارهم بين التسعين والتاسعة والتسعين, بالإضافة إلى (المائويين) Centenarians- وهم الذين تبلغ أعمارهم المائة أو تزيد. ولايزال هناك متسع في السنوات القادمة لإضافة مجموعات جديدة, مثل (ذوي المائة والعشرة) Decacentenarians- وهم الذين تتراوح أعمارهم بين 110 و 119, و(ذوي المائة والعشرين) Decadecacentenarians- والذين تتراوح أعمارهم بين 120 و 129, وهي المجموعة التي تنتمي إليها جين كالمنت.وكما يقول التقرير المذكور, ففي عام 1998, كان هناك نحو 135 ألف شخص في جميع أنحاء العالم يقدر أن أعمارهم تبلغ المائة أو تزيد. ومن المتوقع أن يزيد عدد (المائويين) بستة عشر ضعفاً بحلول عام 2050, ليصل إلى 2.2 مليون شخص.

الأبحاث التي أجريت

ظل النمو السريع في أعداد المائويين ظاهرة منسية لفترات طويلة, لكن الباحثين بدأوا في الآونة الأخيرة بالاهتمام, حتى أنهم ألفوا كتاباً عن كالمنت أسموه (جين كالمنت: من عصر فان جوخ إلى عصرنا الحاضر).

وقد بدأت فرنسا الأبحاث الجدية المتعلقة بالمائويين في عام 1989, عندما بدأت مؤسسة IPSEN, وهي هيئة لا تهدف للربح متخصصة في الأبحاث المتعلقة بطول العمر Longevity, في تنفيذ دراسة وبائية Epidemiological كبرى على المواطنين الفرنسيين لدراسة المائويين ومن يقتربون من أعمارهم. وتقول الأبحاث أن كالمنت كانت واحدة من بين مجموعة صغيرة من المائويين. وعلى سبيل المثال, فقد كان عدد المائويين في فرنسا عام 1953 لا يزيد على المائتين, لكن هذا العدد قفز في عام 1988 إلى الثلاثة آلاف, وحتى ذلك الوقت, لم يكن معروفاً عنهم سوى النزر اليسير.

وعلى أي حال, فقد كان ذلك منذراً بظهور شريحة جديدة من السكان, تظهر بجلاء أن لهم مستقبلاً أكثر احتمالاً, أو شبه مؤكد, من الناحيتين الفردية والجماعية, وقد بلغ عدد المائويين في فرنسا هذا العام 6000 شخص.

وتشير تقديرات مكتب الإحصاء الحكومي للولايات المتحدة إلى أن نحو 66 ألف أمريكي تزيد أعمارهم اليوم على المائة سنة, مقارنة بما لا يزيد على 3500 في عام 1900. وقد توفي الممثل جورج بيرنز Burns عام 1996, بعد أن أتم عامه المائة بقليل, كما أصبحت الأختان ديلاني Delany Sisters كاتبتين شهيرتين بعد أن دلفت كل منهما إلى القرن الثاني من حياتها المديدة, أما المخرج المسرحي الأسطوري جورج أبوت Abbott, فقد ظل يعمل حتى التسعينيات من عمره, كما عمل مستشاراً للمخرج الذي أعاد إحياء رائعته الموسيقية Damn Yankees, وقد بلغ عمره 106, أما وفاته, فقد كانت في العام التالي لذلك, عن عمر يناهز المائة وسبع سنوات.

وقد تم تجميع السيرة الذاتية لكثير من المائويين في الولايات المتحدة, وذلك في كتاب (المائويون: السنوات الإضافية), وهو كتاب نشر عام 1995 لمؤلفته لين أدلر Adler, مؤسسة برنامج أريزونا للمائويين ضمن مشروع التوعية الوطنية بالمائويين في الولايات المتحدة. وفي حين يحتفي الكتاب بالمنجزات التي يتم تحقيقها خلال فترة الحياة المديدة للمائويين, تؤكد أدلر على أن المائويين ليسوا مجرد (روابطنا الحية بالماضي), لكنهم أيضاً يمثلون دور الريادة والمثل الأعلى للأجيال القادمة من المائويين. وتأمل المؤلفة في أن تمنح النماذج المذكورة في كتابها للمائويين, بعض الثقة في أن فترة الحياة المديدة هذه أصبحت أكثر احتمالاً, بل ومرغوبة أحياناً, كما تأمل في أن يثير كتابها التفكير في إيجاد الحلول المناسبة للعديد من القضايا المتعلقة بالمائويين الحاليين والمستقبليين.

الوفيات

لقد انخفضت المعدلات الكلية للوفيات في أغلب بلدان العالم خلال القرن العشرين. وأسهم في تحقيق هذه النتيجة العديد من العوامل المتشابكة, مثل تحسّن مستويات الصحة العامة, والتغذية, بالإضافة إلى التقدم الذي تحقق للبشرية في مجال الطب, مثل استخدام المضادات الحيوية واللقاحات المضادة للأمراض المعدية.

وذهب أحد الباحثين إلى إرجاع الفضل للسبّاكين Plumbers أكثر من الأطباء, في زيادة معدلات البقاء على قيد الحياة, حيث إن تحسّن تقنيات الصرف الصحي أدى إلى انخفاض معدلات انتشار الأمراض المعدية!

ويساعد التطور الاقتصادي, بصورة عامة, على بقاء الناس على قيد الحياة لفترات أطول, كما يدل عليه ارتفاع معدلات الوفيات في البلدان الأقل تطوّراً: فمن بين الاستثناءات الكبرى للنجاح العالمي في خفض معدلات الوفيات, نجد الكثير من البلدان الإفريقية, حيث يتسبب فيروس العوز المناعي البشري HIV- والمسبب لمرض الإيدز, في وفاة أعداد هائلة من البشر في أعمار صغيرة نسبياً, وكذلك بلدان أوروبا الشرقية, حيث أدى تردّي الأحوال الاقتصادية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق, إلى وأد المحاولات التي كانت تبذل لزيادة الفترة المتوقعة للبقاء على قيد الحياة وخفض معدلات الوفيات.

وقد يساعدنا علم الوراثة على تفسير سبب كون بعض الأشخاص يعيشون لفترات أطول من غيرهم. ومن الواضح أن أفراد عائلة كالمنت الذين عاشوا في مدينة آلر كانوا يتمتعون بصحة جيدة, حيث أظهرت أربعة أجيال متعاقبة من هذه الأسرة, مرونة تجاه نقص الأغذية, والأوبئة المرضية, وغيرها من أوجه الفاقة والعوز طيلة الفترة ما بين عامي 1700 و1900. ويخلص الباحثون من ذلك إلى ثبوت وجود عاملين اثنين في أفراد هذه العائلة: طول العمر وقوة الجسم.

ويلعب النوع دوراً أيضاً في هذه العملية, فالنساء يعشن بصورة عامة لفترات أطول من الرجال, وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى وجود امرأتين لكل رجل فوق سن الثمانين, أما بين المائويين, فترتفع تلك النسبة إلى أربع نساء لكل رجل! خبر جيد للنساء بالطبع, أما الأخبار الجيدة للرجال فهي أن الرجال الذين يبقون على قيد الحياة حتى سن المائة أو أكثر, ينزعون للاحتفاظ بوظائف عقلية أفضل من النساء المقابلات لهم في العمر, وذلك حسب رأي خبراء كلية طب جامعة هارفارد الأمريكية.

أنماط الحياة

يبدو أنه لا يوجد نمط واحد لحياة جميع المائويين, لكن الأشخاص الذين يعيشون لفترات طويلة يميلون لجعل حياتهم ذات مغزى, فمن الممكن أن تؤدي أنماط الحمية الصارمة والتمرينات الرياضية الخاصة باللياقة البدنية, إلى تحسين حالتك الصحية, وبالتالي تزيد من فرصك للبقاء على قيد الحياة لفترة أطول, لكن مثل هذه البرامج الغذائية والرياضية قد لا تصلح لجميع الناس, ويقال إن أكبر المعمّرين على قيد الحياة حالياً, وهي سارة كناوس Knauss, من مدينة ألينتاون بولاية بنسلفانيا الأمريكية, والتي يبلغ عمرها 118 سنة, تلتهم يومياً كميات من الشيكولاتة, والبسكويت, ورقائق البطاطس, كما تتجنب تناول الخضراوات! وتتمثل نصيحتها لطول العمر في ألا تقلق نفسك بشأن عمرك.

ويشير الدكتور (بيرلز) إلى أن مدة الحياة Life-span والعمر المتوقع Life expectancy هما أمران شديدا الاختلاف. فيشير اصطلاح (متوسط العمر المتوقع) إلى المدة التي يتوقع أن يحياها السكان وفقاً للمعطيات المتوافرة عند ولادتهم- وقد ارتفع هذا الرقم إلى متوسط 63 سنة مقابل 45 سنة بالنسبة للرجال, ونحو 68 سنة بالنسبة للنساء في جميع أنحاء العالم, حسب بيانات الأمم المتحدة.

ويبقى العمر المتوقع للفرد منخفضاً في البلدان الأقل تطوّراً- أي 51 سنة بالنسبة للرجال, و 53 سنة بالنسبة للنساء- لكنه يزداد في البلدان المتقدمة ليصل إلى 71 سنة للرجال و78 للنساء.

ومن الناحية الأخرى, يشير اصطلاح (مدة الحياة) إلى أقصى عمر محتمل للبشر ككل, أي العمر الذي يمكن أن يصلوا إليه إذا لم تنته حياتهم نتيجة للمرض أو الحوادث. وفي حين ازداد العمر المتوقع للبشر بصورة مطردة, لم تزد مدة الحياة البشرية كثيراً, إذ تبقى مدى الحياة القصوى للبشر ثابتة عند الرقم 120 سنة.

ومع تنامي معرفة العلم حول عملية الشيخوخة, يأمل الباحثون في إيجاد تقنيات يمكنها إبطاء أوحتى عكس تأثيرات الشيخوخة, وقد أظهرت دراسات المائويين بالفعل أن هؤلاء لديهم معدلات للشيخوخة البيولوجية Biological aging أبطأ من غيرهم.

وقد لاحظ (بيرلز) وجود ارتباط بين إنجاب الأمهات في سن متأخرة, وطول العمر, فبعد دراسة تاريخ عائلات عدد من المائويين الذين يقوم بملاحظتهم, والذين يعيشون قرب مدينة بوسطن الأمريكية, وجد (بيرلز) عدداً لا يُستهان به بين أفراد العيّنة من السيدات اللاتي أنجبن في أواخر الأربعينيات من أعمارهن. بل وكانت بينهن امرأة أنجبت وهي في سن الثالثة والخمسين.

وتصيب هذه النتائج بالدهشة, إذ إن الحمل بعد الأربعين يعد في حد ذاته حدثاً نادراً, وعلى أي حال, فقد كان لتلك النتائج معنى بالنسبة للدكتور (بيرلز) وزملائه, حيث إن التقدم في العمر ببطء نسبياً يعد من الخصائص الضرورية للبقاء على قيد الحياة حتى سن متقدمة للغاية, وعلى ذلك, فمن المنطقي أن السيدات اللاتي يبقين على قيد الحياة حتى سن المائة, يمكنهن الحمل والإنجاب في سن متأخرة نسبياً عن غالبية النسوة العاديات.

ويخلص (بيرلز) إلى أنه ليس مجرد إنجاب طفل في أواخر الأربعينيات من العمر هو الذي يحرض طول العمر, بل إنه يمثل مؤشراً على أن الجهاز التناسلي لتلك المرأة يتعرض للتغيرات الشيخوخية ببطء, ولذلك فإن المعدل البطيء للشيخوخة يعتبر دالة جيدة على وجود قابلية كامنة لدى المرأة لكي تبقى على قيد الحياة حتى سن متأخرة للغاية.

وبناء على تلك الملاحظات, قد يبدو إبطاء سير العملية الشيخوخية أمراً حيوياً في سبيل إطالة مدة الحياة البشرية- أي الحدود العليا القصوى للشيخوخة لدى البشر. وقد ظهر تخصص طبي جديد وتركز حول مفهوم إبطاء الشيخوخة, ويتمثل في العثور على المفاتيح الوراثية لإبطاء أو عكس العملية الشيخوخية. وفي حين يركز بعض الباحثين- مثل (بيرلز) وزملائه- على فهم التركيب الجيني للمائويين, يبحث آخرون عن معالجات جينية لبقيتنا, مثل الأبحاث المتعلقة بالقسيمات الطرفية للكروموسومات Telomeres, والتي يقوم بها علماء من جامعة تكساس وغيرهم. وتمثل القسيمات الطرفية الأغطية الواقية عند نهايات الكروموسومات, والتي يقصر طولها عادة عند الانقسام الخلوي, ويعتقد الباحثون أن إعادة تزويد الخلايا بإنزيم التيلومراز Telomerase, سيؤدي إلى إعادة بناء القسيمات الطرفية وبالتالي إعادة الحيوية لبقية الخلايا- وبذلك يمكن إطالة مدة الحياة البشرية إلى فترات طويلة للغاية.

إعادة التفكير بسن الشيخوخة

إن الشيخوخة بحد ذاتها لا تعدّ مرضاً, لكن (العملية) الشيخوخية هي التي تؤدي في النهاية إلى الوفاة. ومن الملاحظ أنه بين المائويين- وهم الناجون من التلف الذي تسببه العملية الشيخوخية- يأتي الموت سريعاً, مع فترات أقل من الإعاقة السابقة للوفاة نتيجة للمرض على سبيل المثال. وقد أظهرت دراسة أجريت عام 1995 في الولايات المتحدة, أن الوفاة تكلف بالنسبة للمائويين ومن يقتربون من أعمارهم, تكون أقل بكثير من عموم المسنين: وبلغة الأرقام, وجدت الدراسة أن آخر سنتين من حياة من ماتوا في سن السبعين قد تكلفت في المتوسط 600,22 دولار لتغطية النفقات الطبية وحدها, مقارنة بما لا يزيد عن 300,8 دولار بالنسبة للمائويين.

ويرى العلماء أن نتائج تلك الدراسة تعني ضمناً أنه مع ازدياد أعداد المائويين, فلن يصبحوا عبئاً ثقيلاً على اقتصاد البلدان التي يعيشون فيها. فعلى العكس من النظريات السائدة لتفسير الشيخوخة, فالكثير من الأشخاص في أواخر التسعينيات من أعمارهم أو يزيد, يعيشون حياة فاعلة وصحية. وإذا كان هؤلاء يمثلون مجموعة (البقاء للأصلح) فربما حان الوقت لكي ننبذ مفاهيمنا السابقة عن أكبر المعمّرين في مجتمعنا المعاصر.

ويعكس ذلك أيضاً تبدل المفاهيم العامة للمجتمع, فمن كان يقول في الماضي: (من ذا الذي يرغب في العيش حتى سن المائة?), سيدرك الآن أن تلك تمثل فرصة قابلة للتحقيق.

كانت جين كالمنت تدخن بكميات معتدلة, لكنها توقفت عن التدخين بإرادتها عندما بلغت 117 من العمر (مما يعطي الأمل لكثير من المدخنين المسنين في أن الوقت لم يتأخر بعد عن الإقلاع عن التدخين). كما كانت تستمتع بالتهام الشيكولاتة, وقد تزوجت ثم مات زوجها عنها, كما مات عنها ابنها الوحيد.

ومن ناحية أخرى, لم تتزوج الأختان المائويتان سادي وبيسي ديلاني. وقد قالت بيسي, والتي توفيت عام 1995 عن 104 أعوام: (عندما يسألني الناس كيف عشنا طوال المائة عام الماضية, أقول لهم: أعزائي... إننا لم نتزوج قط, ولم يكن لدى أيّ منا زوج يصيبها بالقلق حتى الموت). وبالفعل, تشير الأبحاث إلى أن انخفاض مستويات (القلق), أو التوتر العصبي, يمثل أحد المؤشرات المهمة لطول البقاء على قيد الحياة, فهو وسيلة للتكيّف مع الضغوط العصبية عند حدوثها. وتلاحظ ذلك المؤلفة لين أدلر بقولها إن الذين يعيشون حتى سن المائة ليسوا سريعي الاستسلام على الإطلاق.

ويقوم المائويون أيضاً بتدريب عقولهم, فالأختان ديلاني, وهما من الزنوج الذين ولدوا بعد تحرير العبيد في أمريكا مباشرة, التحقنا بالجامعة, وكذلك فعل كل من إخوتهما وأخواتهما الثمانية, فقد أصبحت بيسي طبيبة أسنان, أما سادي (والتي توفيت هذا العام عن عمر يناهز المائة والتسعة أعوام) فقد كانت مدرّسة في مدرسة ثانوية في حقبة كانت أغلب النساء يقبعن في البيوت.

ويمثل التعليم والرغبة في الاستمرار في التعلم طيلة الحياة, عاملين مرتبطين بطول العمر على وجه العموم. فالتعليم عامل اجتماعي- ديمغرافي Sociodemographic مهم, نظراً لأنه يزيد من فرص الشخص في الحصول على مستوى أفضل من الناحيتين الاقتصاية والصحية.

وفي الوقت الحاضر, يعمل الباحثون من عدة مراكز تخصصية في الولايات المتحدة, مع المائويين لمعرفة تأثير صحة المخ على الشيخوخة. وقد أظهرت تشريحات ما بعد الوفاة لأدمغة المائويين وجود غياب ملحوظ لأوجه التلف المتعلقة بمرض ألزهايمر Alzheimer's disease, أو الخرف Dementia, ويدحض ذلك الاعتقاد الطبي الذي كان سائداً حت وقت قريب من أن الخرف يمثل أحد الملامح التي لا يمكن اجتنابها للشيخوخة.

ويفترض الدكتور (بيرلز) أن هذه الصحة المخية المذهلة لأدمغة المائويين قد تكون ضرباً من ضروب نظرية (البقاء للأصلح), حيث يحصد مرض ألزهايمر أرواح ضحاياه وهم في الثمانينيات أو التسعينيات من أعمارهم, أما أولئك الذين تمتد بهم الحياة حتى نهاية التسعينيات من العمر, فمن المرجح أن يحتفظوا بملكاتهم العقلية العليا لسنوات طويلة تالية.

السفر عبر الزمن

كانت جين كالمنت تربطنا بالقرن التاسع عشر وأحداثه, وبالمثل, فإن المائويين المستقبليين سيربطوننا بالقرن الحادي والعشرين. ويضع المؤرخ الذي كتب سيرة حياة جين كالمنت هذا السيناريو التخيلي:

(دعونا نتخيل طفلة ولدت في عام 1999: فإذا بلغت تلك الطفلة نفس عمر السيدة كالمنت, فستعيش حتى عام 2122. وبحلول ذلك الوقت, سيحدث تقدم في المستويات المعيشية, والصحة العامة, والعلوم الطبية (العلاجية والوقائية), وأنماط الحياة, وعلم الوراثة (لم لا?), ولذلك فمن الممكن أن تعيش تلك الفتاة لمدة 10% أطول من كالمنت- أي ليس فقط 122 سنة, بل 135 سنة- مما يعني احتمال بقائها على قيد الحياة حتى عام 2135. يا له من توقع! فقد تكون تلك ابنتك أو حفيدتك, لكننا لا نعلم أين ولا متى ستولد, لكننا نعلم فقط أنها سترى ثلث القرن الثاني والعشرين!).

 

إيهاب عبدالرحيم

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




عاشت جين كالمنت 122 عاماً و164 يوما- وهي أطول فترة حياة موثقة في التاريخ- قبل وفاتها عام 1997





يمارس الرياضي بن ليفنسون وعمره 103 سنوات، لعبة رمي الجلة، ويظهر هنا أثناء اشتراكه عام 1998 في بطولة نايكي العالمية للمسنين





تحمل خريجة جامعة كمبردج، موللي ماكسويل، صورة لها في شبابها، وفي عام 1997 أصبحت موللي أكبر إنسان يحصل على شهادة جامعية من كمبردج