أرقام محمود المراغي

أرقام

زواج الأقارب!

هل يصبح زواج العرب بالعرب مثل زواج الأقارب, له وجه إيجابي وآخر سلبي? قد يفيد اجتماعيا لكنه قد ينجب أطفالا مشوّهين?

السؤال مطروح بمناسبة هزّة عربية حدثت إثر ثلاث غزوات:

غزوة العراق للكويت, وغزوة الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق, والغزو الدائم لفلسطين من جانب إسرائيل. في كل هذه الغزوات أو النكسات تساءل الكثيرون: أين العرب? وهل ضاعت العروبة?

وللسؤال أيضا أوجه عدة, فالعمل العربي المشترك والذي كان ينبغي أن يقيم زواجا صحيّا بين الأقطار العربية فشل في أن يوفر حائط صد ضد الغزو الخارجي أو ضد الانحراف الداخلي, فشل في الحفاظ على الاستقلال والأمن القومي, كما فشل في تحقيق المزيد من التقدم الاقتصادي الذي يوفر الرفاهة, ويوفر - إزاء الخارج - قدرا من المناعة...و....بينما تلجأ مختلف دول العالم إلى فكرة التكتل الذي يحمي ويصد ويبني, فقد لجأ العرب إلى تشرذم وتقوقع, وتمترسوا خلف حدود التجزئة.

في التحليل الصحيح نضع أسبابا كثيرة للظاهرة, ولكن في التحليل أيضا نقول: إن العروبة ليست هي الداء بل هي الدواء, فنحن لم نتراجع لأننا نتمسك بعروبتنا, لكننا نتراجع لأننا نتخلى عن هذه العروبة.

لقد قطعنا رحلة (الخطبة) وتم (عقد القران) عبر معاهدات واتفاقات ومؤسسات, لكن الزواج لم يتم. توافرت لدينا العوامل التي اتفق عليها علماء السياسة كأسس لأي وحدة ناجحة وأي قومية صاعدة: اللغة المشتركة, والأرض المشتركة, والهموم المشتركة, والتاريخ إضافة للدين الإسلامي الذي يجمع النسبة الغالبة ويحمل من السماحة ما يجعل كل الأديان السماوية في بوتقة واحدة.

نملك ذلك, لكننا لا نسير في الطريق إلى نهايته, بل إن إرهاصات زواج صحي جرت في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين قد تراجعت...و...كما يقول الأطباء, فإن العلة لم تكن (جرعة زائدة من التمسك بالعروبة) ولكن (جرعة متناقصة من هذا الرباط القومي) وهو أمر ينعكس على السياسة والاقتصاد وشئون الأمن القومي في وقت واحد.

.. الرقم الشهير

في دائرة الاقتصاد والتي يمكن الإمساك بملفاتها وأرقامها يبرز الرقم (8) في المائة. يردده الساسة ورجال الاقتصاد على السواء ويقصدون به حجم المعاملات التجارية (العربية - العربية), وهي بلغة الاقتصاديين (التجارة البينية) والتي قد تزيد نسبتها لتجارتنا مع العالم أو تنقص نسبتها مع هذه التجارة...ولكن بنسب ضئيلة.

الرقم متكرر ينتقل معنا من عام إلى عام, حتى ونحن نحتفل في عام (2004) بمرور أربعين عاما على إنشاء السوق العربية المشتركة, فإننا قد نصطدم بالرقم نفسه وكأن السنوات لا تصنع شيئا في التلاحم والتفاعل ما بين الأقطار العربية التي يجمعها - على صعيد الاقتصاد - ثلاثة مشتركات أساسية: أولها - اتفاقات لتسهيل التبادل التجاري وآخرها ما تقرر من إنشاء منطقة تجارة حرة كبرى, وقد اجتاز هذا المدخل نصف سنوات عمره حيث تقرر أن تصل الدول العربية للتحرير الكامل خلال عشر سنوات من بدء الرحلة, وجرى تعديل ذلك لتستكمل المنطقة الحرة حلقاتها عام (2005).

المشترك الثاني - اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية والتي جاءت مواكبة زمنيا (على وجه التقريب) مع البدايات الأولى للسوق الأوربية المشتركة في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي.

أما المشترك الثالث - فهو قرار إنشاء سوق عربية مشتركة.

و....هنا نلاحظ أنه كلما مضينا للأمام تخلف عدد أكبر من الدول فبين (22) دولة عربية انضم معظمها لمنطقة التجارة الحرة كان عدد أعضاء مجلس الوحدة الاقتصادية (13) دولة, وكان عدد الذين دخلوا في مرحلة تنفيذية أرقى وهي السوق المشتركة ثماني دول انسحبت واحدة منها وبقيت دول سبع تحفظ العديد منها عن الكثير من أحكام السوق خوفا على الاقتصاد الوطني من المنافسة, أو خوفا على موارد الموازنات العامة من النضوب بسبب التخفيضات الجمركية.

في كل الأحوال كان العائد محدودا, فهل كان المدخل التجاري هو السبب?

تقوم فلسفة المدخل التجاري على مبدأ أن السوق هي القاطرة التي تجذب وراءها كل حلقات الاقتصاد...و...من ثم وعندما يتوافر للسلعة العربية إمكان الانسياب لسوق يقترب حجمه حاليا من ثلاثمائة مليون مستهلك, فإن ذلك سوف يغري قطاعات الانتاج لتسرع الخطى وتنتهز الفرصة.

في الواقع العملي جرى فتح الحدود كليا أو جزئيا بالآليات الثلاث السابق الإشارة إليها بالإضافة لاتفاقات ثنائية وجماعية أخرى مثلما هي الحال فيما ينظم العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي أو بين دول أربع هي: مصر وسوريا والعراق وليبيا والتي اتفقت عام (2001) على تطبيق عاجل لأحكام السوق العربية المشتركة فتوحد التشريعات والأنظمة الجمركية بين الدول الأربع خلال ثلاث سنوات تبدأ عام (2002), وبعدها ينشأ الاتحاد الجمركي.

وهكذا, وطبقا لكل هذه الترتيبات جرى فتح الحدود, لكن السلع لم تتدفق كما كان متوقعا, ورءوس الأموال لم تتحرك كما كان مرجوّا, واليد العاملة التي تستهدف السوق العربية تحرّكها بحرية....مازالت حركتها مقيدة.

نسأل عن السبب فنجد الهياكل الاقتصادية المتشابهة, ونجد النفط والغاز وقد احتل نحو ثلاثة أرباع الناتج المحلي للدول العربية, ونجد نصيب الصناعة التي يمكن تبادل منتجاتها محدودا, ونجد الانفتاح على العالم الخارجي وقد التهم كل شيء حتى أن بلدا مثل السودان قادرا على تقديم الغذاء للعالم العربي لم يتم استثماره ليلعب هذا الدور.

الهيكل الإنتاجي إذن هو العلة والسبب والمحاولات تعددت للتغلب على هذا الأمر, مرة في السبعينيات حين جرى التفكير بمجلس الوحدة الاقتصادية في خطة تنمية مشتركة, مع إنشاء استثمارات وشركات ذات جنسية عربية وليست قطرية. أما المحاولة الثانية فيقوم بها الآن مجلس الوحدة أيضا الذي امتد بصره إلى مجموع الدول العربية وليس لمن اكتسبوا عضويته فقط.

المحاولات مستمرة والمسيرة بطيئة قياسا لما يحدث في العالم, والرقم (8) في المائة ليس المؤشر الوحيد.

من المؤشرات أيضا للمسيرة البطيئة, أن الكثير مما نصت عليه الاتفاقات لم يجد طريقه للتنفيذ, فلم تنشأ وحدة جمركية أو وحدة نقدية أو تنسيق لسياسات الاستثمار وهو ما تنص عليه اتفاقية الوحدة الاقتصادية, بل إن التكتلات الأصغر (مثل مجلس التعاون الخليجي) قد اقتربت من هذه الأمور بحذر, ومازال أمامها شوط لتصل للوحدة النقدية وتصدر عملة واحدة.

.. هذه المستقبلات العربية

من هذا الواقع نبدأ ونسأل عن المستقبل العربي وسط تكتلات عالمية ذات أنياب!

في السياسة نسأل عن مستقبل دولة قطرية من مليون نسمة أو نحو ذلك, وهل تستطيع أن تضمن أمنها القومي وتحافظ على استقلالها بينما لا يتسع وعاؤها السكاني لتجنيد بضعة آلاف في جيش نظامي?

وفي الثقافة نسأل: ماذا بعد أن تراجع الكتاب العربي والصحيفة العربية وتقدمت الفضائيات وانتشرت خدمة الإنترنت مما يجعل التقارب العربي - العربي أكثر, وعلى عكس ما نملك من مؤشرات في السياسة?

أما في الاقتصاد, فالأمر مطروح على النحو السابق مضافا له واقع سياسي واستراتيجي يقول إننا أمام مستقبلات عربية بديلة, ولسنا أمام مستقبل واحد!

القوى الخارجية تريد إسقاط الأطراف الجغرافية بعيدا عن العروبة. تريد عراقًا آخر, وخليجًا آخر, وسودانًا آخر, والإغراء قائم: الانتماء للغرب, أو للثقافة الأمريكية ودول الشمال بما تحمله من قيم ديمقراطية وأفكار تحرر وأدوات للتقدم المادي.

هذا هو الإغراء أو العرض القائم فهل ينتصر? أم أن للتقدم طرقا أخرى عبر الانتماء للعروبة?

المعركة دائرة في الأطراف ومثلها في المركز, أي دول القلب مثل مصر وبلاد الشام, والمعركة هنا مختلفة ولكن المعادلة تظل قائمة (نحن أمام مستقبلات بديلة), وليس مستقبلا واحدا, والفيصل ليس ما يريده الآخرون ولكن ما نستطيع أن نقدمه نحن. فإذا كان الحديث عن دائرة الاقتصاد, فإنه لابد أن نرصد بعض المتغيرات ونحدد بعض معالم الطريق.

لقد تغير - إلى حد ما - دور الدولة في الوطن العربي. كان الدور في معظمه وإبان حقبة المد القومي هو دور الدولة التي تقول, وتقترح, وتبشر, وتعقد الاتفاقات وتقرر المستقبل. إنها وحدها صاحبة جواز المرور.

الآن, بات القطاع الخاص والمجتمع المدني شريكين, وباتت المبادرة إن شئنا هي مبادرة أصحاب المشروعات....و...من ثم فإن الجدوى الاقتصادية لابد - من وجهة نظر هؤلاء - أن تسبق الجدوى السياسية, والربح وإغراء النجاح والحصول على السوق يسبق الانتماء عربيًا أو غير عربي.

لا يعني ذلك تجريد أصحاب الأعمال من عروبتهم, ولكنه يعني أن لرأس المال الخاص منطقه وأن مشروعات استثمارية جاهزة لابد أن تكون مطروحة أمام عينيه...و...من هنا يصبح مدخل مجلس الوحدة الاقتصادية في الاهتمام بالاستثمار قضية أساسية, ويصبح ما قد يطرحه اتحاد رجال الأعمال وغرف التجارة والصناعة هو الأهم مما تطرحه الحكومات أو هو موازيا لها.

على الجانب الآخر, يبقى دور الدولة - التي تعي أهمية التكتل العربي - قائما وحيويا...فهي وحدها, أي الحكومات هي التي تملك خاتما تفتح به الحدود وتسمح بانسياب السلع وترفع القيود الجمركية والإدارية أمام كل ما هو عربي, مالا, وسلعا, وبشرا.

أيضًا فإن الدول والحكومات وعبر أجهزة العمل العربي المشترك مثل الجامعة العربية ومجلس الوحدة ومجلس التعاون الخليجي والمجلس المغاربي, هذه الكيانات وحدها هي التي تستطيع أن تتبنى ما أسميه: استراتيجية الحد الأدنى, فإن كانت الأماني: وحدة كاملة تعيد للأمة عزتها وتحدد مكانتها, فإن حدا أدنى يضمن الأمن القومي والأمن الغذائي والمركز التفاوضي الأكبر مع الخارج, هذا الحد الأدنى لابد أن يتحقق وأن توضع الخطط اللازمة له.

وقد تكون الحدود الدنيا: صناعة عربية مشتركة, صناعة دواء مشتركة, صناعة غذاء مشتركة, سياسة مائية موحدة, ومرافق تمتد لتربط الخليج بالمحيط.

و...حينذاك سوف يسقط الرقم (8), وهي النسبة المئوية التي نتحدث عنها دائما كناتج زواج منقوص بين عرب وعرب, عبر تجارة واستثمار وانتقال لرءوس الأموال.

لقد تحدث الكثيرون عن أن العرب سوف يخرجون من التاريخ, والأرقام التي تسجلها وثائق مجلس الوحدة الاقتصادية العربية تقول: نعم....هناك تراجع سريع. كان نصيب العرب من التجارة العالمية عام (1980):(13) في المائة فأصبح في نهاية القرن (3) في المائة...وكان نصيبهم من التدفقات الاستثمارية العالمية (8) في المائة, فأصبح في الفترة نفسها (1) في المائة!

إنه التقدم للخلف فهل من نفير يصحو بعده النائمون?

يقولون: (إنه الغياب للإرادة السياسية) ونقول: ليس بالنيات الحسنة تقوى الإرادة ويشتد عودها.

الإرادة صناعة وزراعة, نصنعها من خلال المصلحة, ونزرعها من خلال الأجيال.

إنه واجب الأمة, كل الأمة وهو الطريق الوحيد حتى ينجح زواج الأقارب وينجب أفضل الأطفال.

المستقبل بلا تشوهات....ذلك هو الهدف.

... ورقم

الفرار من الوطن!

هل انقسم العالم إلى بلاد جاذبة وبلاد طاردة?

السؤال مطروح بمناسبة ما أذاعته المفوضية السامية للأمم المتحدة حول اللاجئين في اليمن.

واليمن دولة فقيرة ولا تملك فرص عمل كثيرة, لكنها - وكما يبدو - لا تستطيع أن تغلق أبوابها أمام عرب وافدين أو أشقاء من دول جوار يطمعون في حماية ومأوى...و...من ثم فإن اليمن - كما تقول المفوضية - يستضيف (76) ألف لاجئ جرى تسجيلهم حتى أكتوبر الماضي.

وربما يكون الرقم ليس كبيرا قياسا على حالات هجرة سابقة بلغت مليونين أو ثلاثة ملايين, وهي الهجرة من أفغانستان إلى دولتي الجوار: إيران وباكستان.

أيضا فإن الرقم قد لا يبدو ذا أهمية كبيرة إذا قيس على إجمالي عدد المهاجرين من فلسطين أو العراق, أو من هاجر من لبنان أثناء الحرب الأهلية.

و...مع ذلك يظل الرقم ذا مغزى كبير قياسا على قدرة اليمن, أو قياسا على مفردات حالة اللجوء.

في المفردات يقف الصوماليون على رأس القائمة حيث يصل عددهم إلى (55) ألف شخص, وهي آلاف عبرت البحر من جنوب الصومال (حيث الأغلبية), ومن شماله أيضا حيث (أرض الصومال والبونتلاند). لقد هربوا جميعا من الحرب والفاقة وحال الاقتتال المستمرة إلى أرض...بلا حرب.

في المفردات أيضا, يأتي اللاجئ الأثيوبي (1781 لاجئا) واللاجئ الفلسطيني (404) واللاجئ العراقي (226 شخصا)...ثم اللاجئ السوداني والأرتيري.

وفي الشهور العشرة الأولى من عام (2003) فقط كان عدد اللاجئين يفوق الثمانية آلاف.

نسأل عن السبب فنجد عوامل الحرب والتشرد والجوع والاضطهاد السياسي, ونسأل عن الجنسيات فنجد بينها مواطنين من أربع دول عربية!

السؤال مرة أخرى: لماذا تلعب بعض الدول دور الجذب? وتلعب دول أخرى دور الطرد? ولماذا يكون نصف العالم العربي طاردا لأهله?

في حال اللجوء يخلع الإنسان جذوره اضطرارا ليغرسها في مكان آخر.

وفي حال اللجوء - كما هي الحال في معسكرات المفوضية بإفريقيا - تتعرض النساء للمهانة ويتعرض الأطفال للخطر بينما تشكل هاتان الفئتان النسبة الأكبر من المهاجرين فالرجال يبقون أمام الخطر, والنساء والأطفال يهربون بحثا عن الأمن ولقمة العيش.

وقد عرف العالم, ومنذ وقت طويل وبسبب الحروب والاضطهاد السياسي قوانين اللجوء والمنظمات الدولية للاجئين, وبات السؤآل: هل من مفوضية عربية لشئون اللاجئين?

مواطنونا يفرون إلى الشمال, فإذا أعوزتهم الحيلة فروا عربيا أو فروا إلى بلاد الجنوب.

ولكن...لماذا يفرون?...وإلى متى? وكيف نمنع الفرار?!

ذلك هو السؤال

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات