عزيزي القاريء

 عزيزي القاريء

الإرهـاب الـحـقـيـقـي

ربما شاء (مارس) إله الحرب عند الإغريق القدامى أن يرتاح هذا الشهر قليلاً, لعله يعطي الفرصة للبراعم الوليدة أن تتفتّح, ولعل البشرية تنعم قليلاً ببعض من ألوان الربيع وبهجته. فقد مجت نفوسنا وهج النيران ورائحة البارود, وبات علينا أن نبحث في الوسائل التي تساعدنا من أجل إنقاذ إنسانية الإنسان.

إن الحرب ضد الإرهاب هي حرب مضللة وظالمة, فبسببها يحاول جيش الاحتلال الإسرائيلي أن ينتزع شرعية قتل الأطفال والتنكيل بالنساء في فلسطين المحتلة ويقنع المجتمع الدولي المخاتل بأنه يحارب الإرهابيين, وبسببها تملي الدول الكبرى شروطها وتفرض حصارها على الدول الأضعف, وبسببها أيضاً يقوم بعض دولنا العربية بشن حرب داخلية ضد مواطنيها وتسلبهم حرياتهم الأساسية, وتضيق عليهم الخناق حتى توشك أن تفرغ الأوردة من دمائها, أي أنهم جميعاً يرهبوننا باسم الإرهاب, ولكن الإرهاب الحقيقي هو الذي تفتح له (العربي) ملفها في هذا العدد, إنه مثلث الرعب الجديد الذي يهدد أمن البشرية, بل ووجودها أيضاً, أول أضلاع هذا المثلث هو الحرب البيولوجية التي أطلت علينا برأسها فقط من خلال اكتشاف الجمرة الخبيثة, وما خفي كان أعظم, والرعب الثاني هو خطر الحرب الكيميائية, وتشمل كل أنواع السموم الكيميائية التي اعتبر الفرسان القدماء استخدامها نوعاً من الخسّة والغدر, وجاءت الدول الكبرى لتدشّن معاملها وتبارك تجاربها, وأما الضلع الأخير فهو شبح الإرهاب النووي, وهو خطر ماثل بعد أن انهارت ترسانات الدول الكبرى, وأصبح هذا السلاح الفتّاك متوافراً في الأسواق لكل هواة القتل الجماعي, إن (العربي) من خلال هذا الملف تشير إلى مكامن الإرهاب الحقيقية, وكلها - مع الأسف - متوافرة في أيدي الدول التي تدّعي أنها تحارب الإرهاب.

ولا تقتصر صفحات (العربي) على إثارة هذه القضية, ولكنها تثير العديد من القضايا المهمة فكرياً وأدبياً, وهي تطرح للنقاش من خلال افتتاحية رئيس تحريرها واحدة من أهم القضايا التي تؤثر في رؤيتنا للتاريخ وللتجارب البشرية, ونعني بها كتابة السير الذاتية التي انتشرت في ثقافتنا العربية وكلها تؤكد أن كتابها كانوا شهوداً على عصرهم, فإذا بها في معظم الأحيان لا تتعدى كونها تكريساً للحقيقة الناقصة في حياتنا وتصفية للحسابات على كل المستويات.

وترحل (العربي) في هذا الشهر إلى ليبيا الشقيقة في بحث عن حقائق غيبتها لزمن طويل, وركام الشعارات وتداعيات السياسة والمصالح الدولية, و(العربي) في هذا الاستطلاع الذي يكتسب أهمية خاصة تحاول أن تزيل ركام الصور المزيفة التي حجبت هذا القطر العربي العزيز كي تستجلي وجهه الحقيقي في مهارة ودقة الجراحين.

ولا تكف (العربي) عن الرحيل في عالم الواقع وعالم الأفكار, وهي تنتهز فرصة هذا الشهر الربيعي لتقدم لكم المزيد من عصارة الفكر ورحيق العقل, لعلها بذلك تكون قد أضافت قبساً من النور والمعرفة للعقل العربي.

 

المحرر