القلب يخدع أحيانا

 القلب يخدع أحيانا

ليس المقصود هنا خداع القلب في مضمار العواطف, بل خداع القلب المريض في إبداء أعراض وعلامات يظن كثيرون أنها لا ترتبط بأمراض القلب, فتفوتهم فرص النجاة.

القلب هو أحد الأعضاء الحيوية في الجسم البشري بل لعله أهم هذه الأعضاء قاطبة, فهو لا يكل أبداً ويعمل ليل نهار أثناء النوم واليقظة, ونتيجة لهذا الجهد المتواصل فإن القلب معرض دائما لكثير من الأمراض, وتتصدر أمراض الشرايين التاجية ليس فقط أمراض القلب, ولكن أيضاً قائمة أسباب الوفاة لا سيما الوفاة المفاجئة في العالم.

ويعزى الازدياد المطرد في مرضى الشرايين التاجية إلى زيادة عوامل الخطورة التي تحدث تصلب الشرايين مثل التدخين, السمنة, ارتفاع ضغط الدم والأغذية المليئة بالدهون وعدم ممارسة الأنشطة الرياضية بشكل منتظم ونمط الحياة الحديثة.

ومما هو جدير بالذكر, فإن الأعراض التي تشير إلى اعتلال القلب متباينة ومختلفة, ويخطئ من يعتقد أنه من السهل دائما تشخيص أمراض القلب, فإن أعراض أمراض القلب لها مدى واسع وتتراوح من أعراض تقليدية يسهل معها تشخيص أمراض القلب إلى أعراض غير تقليدية فقد يظن المريض مثلاً أنه يعاني من مشاكل بالجهاز الهضمي ولكنه يعاني من أحد أمراض القلب, بل أكثر من ذلك فإن هناك العديد من أمراض القلب ليس لها أعراض واضحة وتسمى الأمراض الصامتة.

هناك أعراض تقليدية تشير بوضوح إلى اعتلال القلب وتجعل المريض يطلب مشورة طبيب القلب, وهذه الأعراض تشتمل على سرعة وضيق النفس, استيقاظ المريض أثناء الليل بسبب عدم قدرته على التنفس بشكل طبيعي, آلام الصدر التي تصاحب المجهود البدني أو الانفعالات النفسية والتي يضطر معها المريض إلى أن يوقف ما كان يقوم به وغالباً ما تخف حدة هذه الآلام مع تناول عقار نيتروجلسرين تحت اللسان, ومن هذه الأعراض أيضاً سرعة أو عدم انتظام نبضات القلب, زرقة الشفاه والأطراف خصوصاً عند الأطفال, وتورم الجسم والسعال المتكرر ووجود البصاق المدمم.

وعلى النقيض من ذلك كما ذكرت آنفا, فإن هناك من أمراض القلب ما يكون صامتاً بلا أعراض فعلى سبيل المثال, فإن ثمانين بالمائة من مرضى ارتفاع ضغط الدم لا يشتكون من أعراض وعندما يشتكي مريض الضغط المرتفع من أعراض فإن هذا غالبا ما يكون مؤشراً لحدوث مضاعفات لارتفاع ضغط الدم, وكذلك فإن نسبة غير قليلة من مرضى قصور الشريان التاجي لا يعانون من أي أعراض, قد يعبر المريض عن نفسه للوهلة الأولى بالوفاة المفاجئة, وهناك بعض مرضى صمامات القلب سواء ضيق الصمام أو ارتجاعه الناشئ من عيوب خلقية أوحتى روماتيزمية لا يعانون من أعراض قلبية, ومن هنا تأتي أهمية الفحص الدوري لأي شخص, خاصة من تتجاوز أعمارهم الأربعين عاما, وذلك للاكتشاف المبكر للأمراض التي نسميها الأمراض الصامتة.

وكما ذكرنا سالفا, فإن هناك أعراضا وعلامات مرضية غير تقـليدية قد يتوهم معها المريض أنه يــــعاني من أمراض غير قلبية ولكنها في الحقيقة أحد أمراض القلب.

فقد يشتكي المريض من آلام بأعلى البطن وتزداد هذه الآلام مع تناول الطعام, ومن ثم فقد يعتقد هذا المريض أنه يعاني من أحد أمراض الجهاز الهضمي, ويكون التشخيص المبدئي لهؤلاء المرضى هو التهابا بالمعدة أو قرحة بالمعدة أو قرحة بالإثنى عشر أو التهاب بالحوصلة المرارية ولكن بعد الفحص الطبي المتأني وإجراء فحوصات طبية كرسم القلب العادي ورسم القلب بالمجهود وأحيانا قسطرة القلب يتم التأكد أن هؤلاء المرضى يعانون من قصور بالشريان التاجي, وكذلك فإن مرضى قصور الشريان التاجي قد يشتكون من آلام في أماكن غير تقليدية وغيرمعتادة مثل وجود ألم بالفك أو الرقبة أو الكتف الأيمن أو الظهر, ويكون التشخيص الأولي الخاطئ لهم أنهم يعانون من أمراض الأسنان أو خشونة بالفقرات العنقية أو أحد أمراض المفاصل. ومن أعراض الجهاز الهضمي الناشئة من أمراض القلب عسر الهضم وانتفاخ البطن واضطراب في الإخراج كالإسهال أو الإمساك, فهذه الأعراض قد تكون نتيجة احتقان الدم في الأوعية الدموية للجهاز الهضمي الناشئة من هبوط بالناحية اليمنى للقلب أو ارتشاح للغشاء التنوري.

وعلى النقيض من ذلك, فإن من المرضى وخصوصا السيدات من يشتكي من آلام عنيفة في منتصف الصدر والظهر لها علاقة وطيدة بالانفعالات والتوتر النفسي ويتم زوال الآلام بتناول عقار النيتروجلسرين تحت اللسان ويكون التشخيص الأولي أن هؤلاء المرضى يعانون من قصور بالشريان التاجي, ولكن بعد ذلك نتأكد أن هذا التشخيص خطأ, وأن المرض هو تقلص بالمريء وخصوصاً إن كان هؤلاء المرضى يشتكون من صعوبة بالبلع.

أبعد ما تكون عن التصور

من أعراض أمراض القلب غير التقليدية وجود الألم في صورة تقلصات عضلية بالساقين أثناء المشي والحركة, وقد تحد هذه الآلام من حركة ونشاط المريض. من المؤكد أن معظم هؤلاء المرضى يعانون من أمراض الشرايين الطرفية, ولكن قد يكون هذا عرضاً لبعض أمراض القلب كضيق الصمام الأورطي أو الاختناق الخلقي للشريان الأورطي.

ومن مرضى القلب مثلاً مرضى الارتشاح التنوري أو تضخم الأذين الأيسر الناشئ من ضيق الصمام المترالي أو تمدد الشريان الأورطي ممن يشتكون من صعوبة بالبلع أو بحة بالصوت ويتوجه هؤلاء المرضى لأطباء الجهاز الهضمي أو أطباء الأنف والأذن والحنجرة, ولكن حقيقة الأمر أن هؤلاء أصلا مرضى بالقلب.

ومن أعراض أمراض القلب غير التقليدية في الأطفال عدم القدرة على النمو سواء في الوزن أو الطول بالشكل الطبيعي, وكذلك العرق الغزير حتى من دون مجهود واضح, وعدم القدرة على الرضاعة بشكل طبيعي.

وقد يشتكي مريض القلب من أعراض عامة كارتفاع درجة الحرارة أوعدم القدرة على بذل المجهود وضعف عام وضعف في الذاكرة في المسنين ويحدث هذا في مرضى هبوط القلب والالتهابات الجرثومية لصمامات القلب والنشاط الروماتيزمي وقد تنشأ هذه الأعراض من بعض الأدوية كمدرات البول ومثبطات المستقبلات بيتا, أو نتيجة وجود الأنيميا كأحد مضاعفات أمراض القلب.

 

محمد شوقي السيد