الجزائر تتصالح مع الثقافة العربية

 الجزائر تتصالح مع الثقافة العربية
        

          آن للجزائر أن تبتسم أخيرا، هكذا فكرت وأنا أهبط إليها.. كانت شمس الصيف تتوهج على مبانيها البيضاء، وزرقة مياه المتوسط الزرقاء تحيط بها فتبدو مثل طائر نورس أبيض غلبه النعاس، ترفرف حوله عشرات الأعلام العربية الملونة، تخلت الجزائر هذه المرة عن كثير من عبوسها وغموضها، وهو غموض كنت أشعر به وهو يلف مسارب المدينة وسكانها أيضا، ربما يعود ذلك إلى طرقاتها الجبلية الملتوية التي لا تكف عن الصعود والهبوط، ومساحات الظلال الداكنة في ثناياها، وليلها غير المريح، بعكس معظم العواصم العربية المسطحة، التي تأخذ بيوتها أنصبة متساوية من الضوء، وكذلك أناسها الذين أنهكتهم حروب التحرير، وضياع أحلام الاستقلال، والتفجيرات الإرهابية التي لا تريد أن تتوقف.

          ولكن الجزائر الآن تعيش لحظة نادرة من الفرح مع احتفالاتها كعاصمة للثقافية العربية عام 2007، ومع مرور سنوات من الاستقرار وعودة عجلة التنمية للدوران من جديد، كان لهذه الاحتفالات طعم مختلف، فلم تشأ أن تقصرها داخل حدود العاصمة، ولكن شاركت معها كل ولايات الوطن، ولم تكتف بفنونها المحلية ولكنها فتحت قلبها لكل أشكال الفن العربي، لقد تواصلت الجزائر مع هذه الفنون كما لم تفعل منذ زمن بعيد، وعلى حد تعبير الصديق والروائي الكبير الطاهر وطار حين قال: «لقد تصالحت الجزائر مع الثقافة العربية أخيرا»، ولم تنس وزيرة الثقافة «خليدة التوي» في افتتاح هذه التظاهر أن تردد الأبيات الشعرية التي قالها شيخ الجزائر ومصلحها الكبير ابن باديس:

شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب


          لقد استقبلت الجزائر هذه المناسبة في توق، وحولتها إلى تظاهرة شعبية لا تقتصر على القاعات المغلقة أو صالونات المثقفين، ولكن هبطت بها إلى الشوارع في مواكب ملونة تقدم صورا من تراثها الثقافي المتنوع، وشهدت الساحة المفتوحة أمام نصب الشهيد، في الجزء العلوي من المدينة، كثيرا من الأنشطة التراثية والحفلات الموسيقية، أقيمت كلها تحت أنظار تماثيل رموز المقاومة وهي تمسك أسلحتها في تحفز، امتزجت فنون ولاية عنابة مع رقصات أطفال سيدي بلعباس وانتصبت الخيام التراثية لأهالي الأوراس وشدت الموسيقى الروحية لجوقة مستغانم وتجلى الإبداع القبائلي من تيزي وزو، وانضمت لكل هؤلاء فنون فلكلورية من مصر وتونس والكويت والمغرب والإمارات والعديد من الأنشطة العالمية.

          إنها فرصة حتى تكشف الجزائر لنفسها والآخرين ثراءها الثقافي وتنوعها العرقي الذي تتميز به، وهو تنوع ضارب بجذوره في التاريخ كما عبر عن ذلك الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في افتتاح الاحتفالية: «إن بلادنا تمثل نقطة التقاء حضاري، كان يوصف فيما مضى بـ «العربي الأندلسي»، وصار يوصف اليوم بـ «العربي الإسلامي» بالمعنى الواسع، إنها بلاد تزخر بثقافة عربية وأمازيغية في الآن ذاته، وبرصيد لغوي ثلاثي، متجذر في واقعنا الوطني التعدددي، وبلغة حتى وإن كانت لغة منفى في حكم مالك حداد، هي بمنزلة «غنيمة حرب» منتزعة من المستعمر المهزوم، على حد قول كاتبنا الملهم».

          فهل تعني هذه الكلمات أن الجزائر لا تريد التصالح مع ثقافتها العربية فقط وإنما تسعى أيضا للتسامح أيضا مع ثقافة المستعمر السابق، او على الاقل مع جزء منها هو اللغة الفرنسية؟ 

رحلة نصف القرن

          في العدد الأول من مجلة العربي عام 1958 نشر استطلاع مصور بعنوان «يوم في حياة الثورة الجزائرية»، عندما كانت هي الثورة الحلم لكل ثورات التحرر في العالم الثالث، وكانت الصور المنشورة في المجلة بالأبيض والأسود تكشف عن مدي صعوبة هذه المعركة، وكيف يتحصن الثوار في الجبال الوعرة ويمارسون تدريباتهم العسكرية، كما تكشف أيضا أنه بعد اربع سنوات من إعلان الثورة في الأول من نوفمبر 1954 قد استطاع الثوار أن يجدوا وسيلة تمكنهم من الاتصال بالعالم الخارجي، والإعلان عن نضالهم دون أن تستطيع السلطات الفرنسية ان توقفهم او تقطع خطوط اتصالاتهم، واستطاع العالم العربي بأكمله أن يتابع يومًا فيومًا ضربات الثورة ضد الاحتلال الفرنسي، وعمليات الردع الوحشية التي كانت تقوم بها قوات الاستعمار الفرنسي، ثم تحقق حلم أرض المليون شهيد أخيرا وحصلت الجزائر على استقلالها في عام 1962.

          ولكن المأزق الثقافي ظل قائما، فقد خرجت الجزائر من حرب التحرير وهي منهكة، خاصة على المستوى الثقافي، فلا يوجد بلد في العالم الثالث تعرضت مؤسساته الثقافية والدينية للتدمير، أو لمحاولات طمس الهوية والقضاء على الشخصية القومية،كما حدث في الجزائر على مدى 130 عاما متواصلة.لقد دمرت المدارس التقليدية، ومحيت الزوايا الدينية، وضيق الخناق على الحرف العربي، ومنع تدريس اللغة العربية في كل المدارس التي أقامتها سلطات الاحتلال، واستخدمت أبشع الوسائل من أجل «فرنسة الجزائر» دون جدوى، كانت إرادة الجزائريين بكل أعراقهم أقوى من أن تذعن أو تستسلم. وبعد حوالي 45 عاما من الاستقلال لاتزال المعركة اللغوية قائمة، ولا يبدو أن الطرفين - أنصار العربية ودعاة الفرنسية - قد استطاعا التوصل إلى نوع من التوازن بينهما بحيث لا يطغى جانب على الآخر، وربما تبينت الجزائر أنها في حاجة ماسة إلى لغتين، إلى اللغة العربية حتى تؤكد هويتها وانتماءها، وإلى الفرنسية لتسهيل تواصلها مع العصر. وطوال تجوالي في الجزائر وجلوسي مع شرائح مختلفة من الناس وأنأ أحس بذلك التجاذب اللغوي الحاد، فأنصار اللغة الفرنسية يرون أنها متطورة ومرنة، ولها القدرة على التعامل مع العلوم الحديثة، وهو ما تحتاج إليه الجزائر في خططها التنموية، وهي وسيلة جيدة للتواصل مع بقية اللغات الأوربية الحية، ومعظم الكوادر المتعلمة والمؤهلة لإدارة دفة البلاد كوادر فرنسية التعلم، بينما الكوادر العربية التعلم قليلة جدا.

          ولكن أنصار التعريب يردون على كل هذه الحجج، فهم يربطون تخلف اللغة العربية بتخلف المجتمع الجزائري نفسه، والمطلوب - في رأيهم - هو تطوير المجتمع وتطوير لغته في الوقت ذاته، ولا يوجد مبرر مهما كان وجيها للقضاء على اللغة الوطنية، لأن استخدام الفرنسية وحده يشكل نوعا من الخطر على الاستقلال الثقافي. أما مسالة الكوادر الفرنسية المؤهلة فإنها أيضا يجب أن تكون حجة من أجل قتل أو إضعاف عملية التعريب، لأنها وحدها الكفيلة بإخراج العديد من الكوادر العربية المؤهلة، فهي مثل عملية التحرر الوطني، جزء من معركة الجزائر من أجل الحرية.

          ولا يتوقف الصراع في الجزائر حول أبعاده اللغوية، ولكنه جزء من صراع أيدلوجي أكبر، فالمعربون يتهمون بأنهم محافظون ورجعيون في الفكر والممارسة، بينما يتهم المتفرنسون أو بالأحرى الفرانكفونيون بالتبعية للغرب، والاغتراب عن الثقافة الوطنية. والحديث عن التنمية هو عنوان هذه المعركة، فالمعربون يرون ان أي عملية تنموية يجب أن تجري في اطار الثقافة العربية والإسلامية، بينما يرى خصومهم أن أي تنمية حقيقية يجب أن تكون مشروطة بالتخلي عن النهج العربي والإسلامي. ورغم أن العربية كانت تدرس في جميع مراحل التعليم، إما كلغة أولى في التعليم الابتدائي، او كلغة ثانية في مراحل التعليم الاخرى، فإن الدولة لم تتغير من أعلى، ظلت مؤسساتها السياسية والاقتصادية والإدارية تسيير أعمالها باللغة الفرنسية، وبالتالي فإن خريج نظام التعليم المعرب لم يكن يستطيع التعامل مع هذه المؤسسات أو الاندماج فيها مالم يكن قادرا على استخدام الفرنسية، وعلى الرغم من صدور قرار بتعريب الإدارة في فترة أقصاها عام 1971، فإن هذا القرار لم يؤخذ بجدية، وبل أدى إلى نوع من الانقسام لايزال ملحوظا حتى الآن، فالإدارات ذات الطابع الثقافي والفكري مثل التعليم والعدالة والشئون الدينية أميل لاستخدام اللغة العربية في معاملاتها، في حين أن قطاعات الدولة الأخرى مثل الاقتصاد والصناعة والتخطيط والبنوك لا تتعامل إلا باللغة الفرنسية.

          وهنا تكمن أهمية اختيار الجزائر عاصمة للثقافة العربية، ودلالة الحفاوة التي استقبلت بها الحكومة الجزائرية هذا الاختيار، تجلى ذلك في دعوتها للعديد من الشخصيات المهمة، وفي رصدها لميزانية ضخمة لم تعلن عن رقمها الفعلي، وإن كانت المؤشرات والطموحات الموضوعة تقول إنها أكبر ميزانية لأي عاصمة ثقافية عربية حتى الآن، فهل يمكن أن تساهم هذه الاحتفالية في إخراج الثقافة الجزائرية من مأزقها الراهن؟

          إن عمار بلحسن، أستاذ علم الاجتماع بجامعة وهران يبدو متشائما وهو يلخص الوضع الحالي، فهو يقول: «يبدو العالم الثقافي الجزائري عالـمًا رماديًا، أشبه بصحراء سائدة، لا ينبت فيها إلا بعض نباتات الصبار التي تختزن ماؤها ونسغها مئونة منذ سنوات تعتاش منها، في انتظار غيث مستحيل، كأرض تمص مخزونها متدهورة نحو التصحر النهائي». ويشاركه الشاعر الجزائري حكيم ميلود نظرة التشاؤم نفسها، فهو يرى: «إن وصف الجزائر بأنها بلد الفرص الضائعة يتضمن كثيرا من الحقيقة، لأننا بارعون في تضييع المواعيد مع التاريخ، وإذا حدث وصنعنا شيئا جميلا، نبدؤه ثم نتركه يضيع»، ولكنه يتخلى عن هذا التشاؤم ليأمل أن يكون هذا الحدث الثقافي مناسبة من أجل تأسيس فعل ثقافي، يدوم ويستمر، فالجزائر لم تحسن تقديم صورتها لأشقائها العرب، ومازالت تعيش على ذكريات النضال التي مر عليها حوالي نصف قرن، وعليها أن تمحو من أذهانهم فكرة أنها مجرد ثقافة فرانكوفونية تابعة».

المدينة والمناسبة

          أترك الواجهة البحرية التي لا تملك اي مدينة عربية إطلالة بمثل جمالها لأدخل في التلافيف الداخلية للمدينة، أتجول في شوارع المدينة صعودا وهبوطا، يأسرني شارع دندوش مراد في قلب المدينة، بما فيها من ضجة وزحام للسيارات، ومكتبات ومقاهٍ مفتوحة على الرصيف، ملصقات العاصمة الثقافية تملأ الشارع، وتنتشر على واجهات المكتبات، إعلانات عن مسرحيات وحفلات موسيقية وندوات ومعرض للتراث الجزائري، كثير من دور النشر التي تخرج كتبا جديدة كل يوم، هناك مكان للكتاب العربي، ولكن الكتاب الفرنسي يفرض حضوره بشدة، كان الشارع بزحامه وعشاقه وحتى العصافير على أشجاره، يحقق بعضا من حلم دندوش مراد في الجزائر التي لا يمتلكها غير اهلها، كان واحدا من قادة حركة المقاومة، وحضر اجتماعها التمهيدي الأول في أكتوبر 1954، لحظتها قسمت الثورة التراب الجزائري إلى ست مناطق، وتولى مراد مسئولية المنطقة الثانية شمال قسنطينة، وخاض أول معارك الثورة واستشهد في الشهر الأول منها بعد أن اشتبكت مجموعته في قتال عنيف مع الجيش الفرنسي.

          نهبط عدة درجات حجرية إلى شارع آخر يحمل اسم المفدى زكريا، شاعر الثورة ومؤلف النشيد القومي، في هذه الشارع توجد أشهر جمعية أدبية في الجزائر وربما في المغرب العربي، إنها جمعية الجاحظية التي أسسها شيخ الروائيين العرب الطاهر وطار عام 1989 وجعل شعارها «لا إكراه في الرأي»، إن المدخل المتواضع للجمعية الذي يبدو شبيهًا بباب محل تجاري لايدل على حجم النشاط والحركة الثقافية التي تدور في هذا المكان ولا على كم الشباب التواقين للمعرفة الذين يقصدونه، ففي فضاء الجمعية الداخلي تقام المعارض الفنية، وتعقد الندوات الشعرية والقصصية، وتقدم فنون مسرحية، وتنتشر الكتب التي تحمل تجارب الشباب الأدبية، وتحتضن المجلة الفصلية «التبيين» عشرات الكتابات والأبحاث، ويبدو الطاهر وطار وقد نسي هموم الشيخوخة وهو يتحرك ويناقش ويقدم النصائح لصغار الكتاب ويحول الجمعية إلى معمل دائم لتفريخ المواهب، يقول: « نحن نعيش العام الثقافي كل يوم، فهذه الجمعية هي قلب الثقافة العربية في الجزائر، وهي جمعية أهلية ذاتية التمويل، فالفعاليات عندنا لا تنتهي، ونحن نستعد الآن لإقامة تجمع ضخم لكل الشعراء الذين فازوا بجائزة المفدي زكريا على مدى الأعوام العشرة الماضية، مساهمة منا في احتفالات العاصمة الثقافية، ولدينا كثير من الانشطة الاخرى».

مدينة البهجة

          مثل كل شيء في الجزائر أثار اختيار شعار السنة الثقافية كثيرًا من الجدل، فهو يمثل عدة أشرعة بحرية باعتبارها مدينة ارتبطت بالبحر منذ نشأتها، ولكن البعض يقول إن ارتباطها بالصحراء وبالرموز الصحراوية كان أقوى، ويقول محمد سيدي موسى المستشار بوزارة الثقافة: «لقد اخترنا الأشرعة لأنها تعبير عن الانطلاق، والرغبة في التغير، والتعبير عن البهجة، وهي إحدى صفات مدينة الجزائر». أسماء كثيرة حملتها مدينة الجزائر عبر تاريخها الطويل، الجزائر المحروسة، دار الجهاد، عش القراصنة، مدينة الألف مدفع، البيضاء، ولكن أفضلها هو مدينة البهجة، فهو يبدو متفردا بين الاسماء الرسمية المتجهمة، وهو لائق بلون المدينة الأبيض ونوافذها الزرق، وبتاريخها الذي يحمل ميراثًا طويلًا من البهجة والألم، فقد كانت دوما مدينة مفتوحة، عرفت كل انواع السكان، من الإنسان البدائي إلى كل أصناف الغزاة والمغامرين، واكتسبت تاريخها من أمتداد الأزمنة وتراكم طبقات العصور.لم تكن أبدًا مدينة نائية، ولكن نقطة مأهولة على طرق التجارة المتقاطعة، أقام عليها الفينيقيون أول مستعمرة تجارية تحت اسم «آرغل» أي جزيرة النوارس، وشقوا منها طريق الملح الذي يقود القوافل إلى عمق الصحراء، واتسع عمران المدينة وتوالدت منها ممالك جديدة مثل الدولة النوميدية التي حاولت أن تحافظ على استقلالها ضد سطوة الرومانيين. وخاض الملك مسينسا حروبًا طويله من اجل الحفاظ على حرية شعبه، ولكن التاريخ المؤلم لهذا البلد لم ترحمه الجغرافيا، فبسبب موقعه كان الجميع يسعون لاقتناصه، لذلك فقد خاص الرومان معارك طويلة حتى تمكنوا من الاستيلاء عليه وتحويله إلى مجرد مستعمرة رومانية، لتدخل الجزائر في دائرة النسيان.

          لم تتخلص الجزائر من الحكم الروماني إلا عندما دخلتها جيوش الفتح الاسلامي، ولم يكن فتحًا سهلاً، فقبائل البربر لم تستكن أمام هذا الدين الجديد الذي لا يعرفون عنه شيئًا إلا بعد مقاومة عنيفة، ولكنهم انضووا بعد ذلك تحت ظله، وأقاموا العديد من الدول التي أوقفت التدخل الغربي والمسيحي في تلك المنطقة.

          وفي عهد الدولة الفاطمية ولدت مدينة الجزائر مرة اخرى، أعاد الوالي «بلكين» بناء المدينة مرة أخرى وحصن أسوارها وأطلق عليه اسم القبيلة الرئيسية التي كانت تسكنها فأصبحت جزائر بني مزغنة، وبعد أن سقطت الاندلس، بدأت دول الشمال المسيحية تكشر عن انيابها، وتم تقسيم العالم بين إسبانيا والبرتغال بمباركة من «بابا روما»، وكانت الجزائر جزءًا من حصة إسبانيا، فبدأت في مهاجمة مدنها الساحلية على الفور، وكتب البحارة الجزائريون صفحة مجيده في الدفاع عن مدنهم ضد غارات السفن الإسبانية المتوالية، بنوا الحصون وانشأوا السفن، وعينوا القباطنة الاشداء ولكن الحملة الاسبانية كانت فوق طاقتهم، وكان لابد من الاستعانة بدولة كبرى لها أسطول ضخم. وهكذا تم طلب العون من السلطان العثماني المسلم للتدخل من أجل رفع الحصار عن مدينة الجزائر، وقام السلطان بإرسال السفن والمدافع وبعض المتطوعين، وهكذا دخلت الجزائر راضية في إطار الدولة العثمانية. اصبح العثمانيون هم المحررين بينما كانت بقية الدول العربية تنظر إليهم باعتبارهم غزاة ومحتلين.

          كانت الجزائر بعيدة عن قلب السلطنة، لذا فقد كانت الولاية العثمانية ذات طابع شكلي، ولم يكن السلطان يملك إلا مباركة «الداي» او الحاكم الذي يقع عليه اختيار الرياس أو قباطنة البحار، وقد قاومت الجزائر خلال هذه الفترة 18 حملة قامت بها مختلف الدول الاوربية، وحتى الأمريكية، للاستيلاء عليها وتحطيم أسطولها، ولكنها في النهاية لم تستطع ان تقاوم الحملة الفرنسية الضاغطة التي استغلت حادث المروحة المفتعل كي تقوم بغزوها والاستيلاء عليها في الخامس من يوليو عام 1830.

          ولقد كان الاستعمار الفرنسي هو الأثقل والأطول من نوعه، فهو لم يكن مجرد احتلال، ولكنه كان محاولة لاستئصال هذا البلد من جذوره وتحويله إلى قطعة ممتدة من فرنسا، وقد وصلت الاعتداءات الفرنسية إلى اللغة والدين والتاريخ، ولكن الجزائر صمدت لكل هذه المعارك، وعلى مدى حوالي 132 عاما عجز الفرنسيون عن أن يطوعوا هذا الشعب وان يحولوه إلى أتباع خانعين للسادة الفرنسيين، لقد ظفرت الجزائر بحريتها، واستخلصت روحها الأسيرة وكانت الثقافة العربية والإسلامية هي وسيلتها للخلاص، ضد التغريب وطمس الهوية.

أفراح ثقافية

          يختلف كثيرون حول معنى كلمة ثقافة، وهم يربطونها بجذور الشعب داخل أرضه، وحضارته عبر الزمن، وطقوس حياته اليومية، ولكن الثقافة في مفهومها البسيط هي تعبير عن الفرح، الفرح بتجدد الحياة واستمرارها، فهي تساعد الإنسان على أن يكون أكثر بهجة، إنها لحظة الانسجام مع لحن موسيقي، وتدفق الأفكار خلف حروف أي كتاب، ولحظات الشجن أمام كل مشهد مؤثر في فيلم أو مسرحية، إنها تحويل لحظات الميلاد والزواج والحصاد إلى احتفالية، والوقوف في مهابة أمام مشاعر الموت والاختفاء، ولابد أن القائمين على فعاليات العاصمة الثقافية في الجزائر قد أحسوا بذلك فقرروا أن يجعلوها مناسبة تحتوي على القدر الأكبر من الفرح.

          أتوقف في تجوالي أمام مبنى المسرح الوطني الأنيق في قلب المدينة، مازال المبني محافظا على طابعه الفرنسي، ولكن مضمونه أصبح عربيا عالميا، كان هذا المسرح قد شهد أكبر مهرجان مسرحي عرفته الجزائر وقد شهدت فعاليات المهرجان أيضًا تأسيس جائزة مسرحية جديدة في التأليف، وهي جائزة مصطفى كاتب للأبحاث المسرحية، وسوف تحمل هذا العام اسم «الثورة التحررية الكبرى في الإنتاج الجزائري».

          «أشعر هذا العام أنني مسرحي سعيد، لأنني أعتبر هذه السنة هي نقطة انعطاف نحو آفاق واعدة من أجل مسرح جزائري جديد، إنها فرصة لنا حتى نظفر بسرح عربي جزائري، يؤثر ويتأثر بما حوله، وقد تحقق في هذه السنة بالنسبة للمسرح ما كان يبدو بعيد المنال، فقد أصبحنا نقدم عرضا مسرحيا كل أسبوع، وأحيانا عرضا مختلفا كل يوم، مختلفا من حيث ديكوره وأبطاله وشخوصه ومخرجيه وكتابه، إن هذا الزخم سوف يساهم في إحداث قوة دفع قوية سوف تتواصل حتى بعد أن تنتهي السنة الثقافية». هكذا بدأ أمحمد بن قطاف رئيس دائرة المسرح حديثه عن الدور الذي يقوم به المسرح الجزائري من خلال فعاليات السنة الثقافية.

          إن تاريخ المسرح الجزائري عريق، فقد ولد تحت النار، خلال سنوات النضال المسلح، وتم تشكيل أول فرقة مسرحية تحت قيادة جبهة التحرير الوطني، من أجل التعريف بأهداف الثورة، ودفع الناس للالتفاف حولها، وكان المسرح هو أفضل وسيلة لذلك، وقد ظل المسرح في الجزائر حتى في أكثر صوره بدائية واحدًا من أدوات المقاومة، فرغم أن فرنسا كانت حريصة على بناء مسارح على النمط الأوربي في المدن الكبرى، فإنه كان هناك مسرح آخر يولد من رحم الشعب ومن موروثهم الشعبي، كانت هناك العروض الارتجالية التي يقدمها الممثلون الرحل في الأسواق والأعياد الدينية وكان أشهر الممثلين شهرة هو «القاراجوز»، تلك الدمية الخشبية التي تغني وترقص وتقول نقدًا لاذعًا للواقع من حولها، وقد استطاع هذا «القاراجوز» الصغير أن يستفز السلطات الفرنسية مما دفعها لمنع عرضه في عام 1843، ولكن العروض الشعبية ظلت باقية، وظلت تعبيرا عن الأوضاع المزرية التي كانت تعيشها الجزائر تحت الاحتلال، لقد ترك المسرح الشعبي الشكل التقليدي للمسرح كما قدمته فرنسا وتخلى عن اللغة المفروضة عليه ولجأ إلى لغة الشعب، وكانت « جحا»، هي أول مسرحية تكتب بالعامية الجزائرية في عام 1926 من تأليف علالة ودحون، وكان جحا كالعهد به يسخر من نفسه، ومن الآخرين، ومن كل قوى الطغيان التي تكبل إرادته.

          لقد بدأ المسرح الجزائري رحلته وهو منشق الهوية بين اتجاهين أساسيين، تأثير فرنسي قوي، له تراثه الممتد عبر عشرات السنين، ولكنه معاد، يثير في النفس كل ذكريات التبعية، وكل مخاوف الوحشية التي تعامل بها المحتل مع أهل الجزائر، وتأثير عربي خافت، لا يملك إلا سنوات قليلة النصوص، ولكنها مليئة بالطموح من أجل تأسيس هوية، والبحث عن شخصية، ورغم ذلك فقد استطاع المسرح الجزائري أن يحافظ على شخصيته من خلال الأعمال المطروحة على خشبته، حتى بالنسبة للأعمال المقتبسة التي كانت تتكيف لتتلاءم مع الواقع الجزائري.

الفن التشكيلي

          في أول معارضها للفن التشكيلي فتحت الجزائر كنوزها من لوحات الرواد الأوائل الذين بدأوا طريق الفن الصعب منذ بدايات القرن التاسع عشر. لقد كانت التأثيرات الأوربية قوية، وكانت الجزائر هي المحطة الأولى لكل فناني الاستشراق، وكانت لوحاتهم المغمورة بالضوء واللون كفيلة بإبهار الفنانين المحليين، ولكن الجزائر مثلما كانت تبحث عن استقلالها كانت تبحث عن شخصيتها الفنية ايضا، لذلك برزت مدرسة فنية في الرسم قادها محمد راسم بمنمنماته الشهيرة ليضع النواة لشخصية فنية جزائرية خالصة، تقول السيدة دليلة أورفلي مديرة المتحف الوطني والمسئولة عن الجانب التشكيلي في هذه الاحتفالية: «إن متحف رواد الفن التشكيلي هو واحد من ثمانية معارض تشكيلية كبرى سوف تقام في إطار الاحتفال بالسنة الثقافية، وهو يحتوي على أعمال الجيل الأول من الفنانيين الجزائريين الذين عاشوا في العاصمة وتخصصوا في رسم معالمها بنوع من الوله والمحبة، وهم أحمد راسم، بن عبورة، راسم زميرلي، صمصوم، ويحتوي المعرض على 76 لوحة تتناول أغلبها مدينة الجزائر في القرنين السابع والثامن عشر، لقد رحل هؤلاء الفنانون ولكنهم خلدوا مدينتهم، وأسسوا لمدرسة من الفن الجزائري، ففي لوحات راسم نرى مغامرات القراصنة، والمعارك البحرية التي تثير أمجاد الماضي، بينما تناولت بقية اللوحات المظاهر الاجتماعية الأخرى في الحياة اليومية مع التركيز على صورة المرأة والمنمنمات الزخرفية بالمباني التاريخية».

          وتضيف السيدة اورفولي: «لقد دأب المتحف الوطني على إقامة أربعة معارض سنوية، ولكنها سوف تتضاعف في هذا العام بسبب هذه التظاهرة الثقافية، منها معرض لأعمال العزف لعائلة بومهدي، ومعرض لأعمال المرحوم محمد تمام، ومعرض حول فن المستشرقين، ومعرض الفنانة الراحلة باية، وقد حمل المعرض عنوان «نداء غريب»، تخليدا لذكرى هذه الرسامة التي مارست الفن في الاربعينيات وتركت بصمتها المتميزة في الفن الجزائري، ويضم المعرض أكثر من مائة لوحة تعود ملكية نصفها إلى أسرة الفنانة بينما النصف الثاني من ممتلكات المتحف الوطني للفنون الجميلة، وقد عبرت من خلال اللوحات عن مدى ارتباطها بالأرض وارتباطها أيضا بعالمها الخيالي المملوء بالزهور والطيور الخرافية. ولم ينس المعرض أعمال الشباب من الفنانين وخاصة الفنان حمزة بونوه، وهو فنان جزائري شاب يمارس الرسم ويقيم في مدينة الكويت، وتمتاز لوحاته باستيحاء اشكال الحرف العربي، وقد أرسلت الجزائر مندوبا خاصًا من وزارة الثقافة إلى الكويت من اجل الاتفاق مع الفنان ونقل أعماله إلى الجزائر».

السينما الجزائرية

          ربما كانت السينما الجزائرية هي السينما العربية الوحيدة التي حققت انتصارات مدوية في المهرجانات الدولية، ولا أحد ينسى النجاح الذي حققه فيلم «وقائع سنوات الجمر» الذي انجزه المخرج الجزائري الاخضر حامينا، وقد واصلت السينما الانتاج المتميز قبل أن ترفع الدولة يد الدعم عنها، وتتخلى عن هذا القطاع المتميز، فهل تكون تلك التظاهرة الثقافية سببًا في عودة الازدهار إلى هذا الفن المتميز؟ يقول كريم آيت أومزيان مدير دائرة السينما: «إن هناك 80 مشروعا مبرمجا تم اختيارها من بين عدد من الأعمال السينمائية، وهو أكبر رقم للإنتاج السينمائي تشهده الجزائر، وهي تتراوح بين الأفلام الروائية والقصيرة والوثائقية والتلفزيونية، وقد عرضت بالفعل عدة أفلام حديثة مثل فيلم عائشات، وفيلم وثائقي بعنوان أرواح في المنفى، وآخر بعنوان مصير النساء، والفيلم التلفزيوني ثمن الحرية، وكلها أفلام جديدة لم تعرض قبل الآن، وقد تم الانتهاء من 44 مشروعا بينها ما هو في المرحلة النهائية، وما هو قيد التصوير» وعن الميزانية التي تم تخصيصها لهذه الأفلام، يقول أومزيان: «ليس بإمكاني إعطاؤك الرقم الدقيق، ولكن يجب العلم أن الدولة لا تقوم بالإنتاج، إنها تقدم الدعم فقط، ففيما يخص الأفلام الطويلة خصصت وزارة الثقافة 10 ملايين دينار للفيلم الواحد، وهي في مجموعها 22 فيلما طويلا، أما الأفلام الوثائقية فيراوح دعمها من 2 إلى 4 ملايين دينار حسب ما يتطلبه الفيلم، أما الأفلام التلفزيونية فمبلغ الدعم يراوح من 5 إلى 6 ملايين. وتستعد السينما الجزائرية الآن لواحد من أضخم الأعمال الفنية في تاريخها وهو إنتاج فيلم عن الأمير عبد القادر، وقد كتب السيناريو له بوعلام بالسايح، وسوف يتم الإنتاج وفق مواصفات عالمية، وسوف يطرح على أكثر من مخرج عالمي للقيام بتنفيذه.

ألف عنوان وعنوان

          لم تنس الاحتفالية الكتاب العربي في الجزائر، وهو كتاب مظلوم إلى حد كبير، يتفوق عليه الكتاب الفرنسي طباعة وانتشارًا، كما أن الحدود القاسية والمفروضة على انتقال الكتاب العربي من بلد إلى آخر تبدو بوضوح في الجزائر، فالكتاب الفرنسي يمر بسهولة بالغة ويحتل واجهة المكتبات في شارع دندوش مراد كملك متوج، بينما لا تعرف المكتبات من الكتب العربية غير بعض ما تصدره دور النشر اللبنانية، ولا يتذكر صاحب إحدى المكتبات انه رأى كتابًا من مصر أو سورية منذ فترة طويلة. وحتى دور النشر المعروفة هناك يغلب على انتاجها الطابع الديني، من هنا كانت أهمية طرح مشروع «ألف عنوان وعنوان» كي تعيد الجزائر المكانة المفتقدة للكتاب العربي، وسوف يتم طبع حوالي 1001 كتاب في عام واحد، وقد حضرت احتفالاً ضخمًا أقامته وزارة الثقافة في قصر ثقافة المفدي زكريا احتفالا بصدور الكتاب رقم أربعمائة، وتحدثت وزيرة الثقافة خليدة التوي في اعتزاز عن هذ المشروع: «لقد كانت الاتهامات توجه إلي أنني من أنصار الحرف الفرنسي، وهذا المشروع هو ردي على كل هذه الاتهامات، إن هدف هذا المشروع يتجاوز فعل النشر والطبع، ولكن اعتبار الكتاب عاملا أساسيا في التنمية، ومنح الكاتب والمبدع المكانة المرموقة التي تليق بمقامه باعتباره الفاعل والطرف الأساسي في العملية، وسوف يتواصل هذا المشروع حتى تكون هناك مكتبة لكل بلدية».

          وقد ضمت إصدارات الكتب مجموعة متنوعة من الكتب الإبداعية في مجال القصة والشعر والمسرح، ومصنفات من التراث القديم، وكثيرا من السير الذاتية لشخصيات الثورة الجزائرية، وعددا من الدراسات النقدية، وكتب الشباب وأدب الطفل.

أفراح عربية ودولية

          فتحت الجزائر في هذه المناسبة صدرها على كل التيارات الثقافية، وقد كانت الثقافة دوما هي الفعل المضاد للعزلة البشرية، لذك فقد كان التدفق الثقافي على الجزائر كبيرًا، واختلط على أرضها الضيوف من العرب، ومن بقية أرجاء العالم، من أوربا وآسيا وأمريكا اللاتينية، كما تداخلت الفعاليات الثقافية مع الأنشطة الرياضية والاجتماعية، كل هذا ساعد الجزائر، لا على إبراز مخزونها الثقافي فقط، ولكن على شحذ ذاكرتها التقدمية، عندما كانت واحدة من طليعة الدول في العالم النامي إبان حقبة الستينيات، حقبة التحرر الوطني والتنمية المستقلة.

          وقد كان هذا العام مناسبة مهمة تستعيد فيه الجزائر ذاكرتها التاريخية، والدور المهم الذي لعبته في إحياء الثقافة العربية القديمة، خاصة أنها كانت البوابة الرئيسية، التي انتقلت منها المؤثرات الأندلسية إلى العالم العربي، وذلك من خلال احتفالية للعلامة الراحل ابن خلدون شارك فيها ملك إسبانيا وزوجته بالحضور، فهذا العلامة كان رائدا لعلم الاجتماع، وصاحب نظرية مبتكرة في نهوض الحضارات وتحللها، وقد قضى حياته متنقلا بين الأندلس والأقطار العربية، وأمضي شطرًا كبيرًا من الوقت بين القبائل الجزائرية في تلمسان وبجاية حيث تقلد أعلى مناصب القضاء، ولكن فترة التحول الحقيقية في حياته كانت في قلعة بن سلامة في مدينة  «تاغروت» حيث اعتكف فيها ليكتب مقدمته الشهيرة، بل تؤكد المصادر أنه كتبها في أحد كهوف هذه المنطقة، وقد كانت هذه المقدمة هي حصيلة المعارف العربية والإسلامية في ذلك الوقت والذي كان جزء كبير منها متوافرا في الجزائر، فقد كانت مدينة تلمسان نقطة التواصل بين كبار ملقني القرآن والفقه واللغة والرياضيات، وقد حفز الجو العقلاني الذي كان يسود في هذه المدينة ذهن العلامة الكبير من أجل تحليل المجتمعات العمرانية والغوص في دهاليز السياسة والتاريخ، وضم المعرض الذي أقيم بالمشاركة بين الجزائر وإسبانيا كثيرا من آثار ابن خلدون، ومنها أهم مخطوطاته، وبعض الشواهد المادية التي تزامنت مع عصره، وعرض فيلم وثائقي يبين رحلة ابن خلدون التي طاف فيها في عدد من المدن الجزائرية .

          واستضافت الجزائر الثقافة الأوربية أيضا، وأفسحت في المجال لكثير من الفرق الأوربية الموسيقية التي توافدت عليها ومنها جورجيا بانا من رومانيا، وعازفة البيانة زورحمان من بريطانيا، والمطربة البرتغالية كريستان برانكو وفرقة تريالي من هولندا وماد شاركان من فرنسا، كما أنها أقامت معرضًا للفنانة الدنماركية من أصل عربي أولريت مقداد.

          وكذلك استضافت الجزائر مؤتمرًا عالميًا لكل الأدباء العرب الذين يقيمون في الخارج، ويكتبون بلغات أجنبية، واعتبرتهم تيارات اضافية لمسيرة الثقافة العربية.

          ولكن المشاركات العربية كانت هي الأكبر، وهي لاتزال متواصلة وغنية في تنوعها، فقد توافدت العديد من الفرق المسرحية والموسيقية على الجزائر حاملة معالم مختلفة من تراثها وفنونها. ويقول محمد سيدي موسى المستشار بوزارة الثقافة: لقد أتاحت لنا هذه المناسبة فرصة لاكتشاف العالم العربي من جديد، فبالرغم من المشكلات السياسية التي تثقل كاهله في وقتنا الحاضر، إلا ان خزائن التراث والفن في الذاكرة العربية مازالت قوية» وقد قدمت الكويت - على سبيل المثال- أسبوعًا ثقافيًا متميزًا، اشتمل على معرض لإصدارات المجلس الوطني من الكتب والعديد من الدوريات الكويتية الشهيرة مثل العربي، والفنون وعالم الفكر وعالم المعرفة، ولمطبوعات الكويت شعبية كبيرة عند عشاق الفكر في الجزائر، والحصول على اي من هذه المطبوعات حتى ولو تقادم بها الزمن يعد أمرًا مهمًا، وقد قابلت في الجزائر كثيرًا ممن تحدثوا معي بإعزاز عن الدور الذي قامت به مجلة العربي، وسلسلة عالم الفكر في تنشيط الوعي الجزائري بمنجزات الثقافة العربية، وبجانب معرض الكتاب أقيمت معارض تشكيلية لبعض الأسماء المهمة في تاريخ الفن التشكيلي في الكويت مثل سامي محمد وصفوان الأيوبي والمرحوم عيسى صقر، كما أقيم معرض عن تاريخ الكويت ضم مجموعة من الصور التاريخية النادرة عن الأزمنة المتعاقبة في منطقة الخليج، وقدم «القلاليف» عرضًا حيًا لكيفية بناء السفن القديمة التي كان يعتمد عليها أهل الكويت في التجارة والغوص بحثا عن اللؤلؤ. كما تم تقديم أحد أعمال المسرح الكويتي بعنوان «الاسم امرأة» غير عدد من المحاضرات الثقافية والفكرية. وكذلك قامت مؤسسة عبد العزيز البابطين بالمشاركة بدعوة عدد من الشعراء العرب إلى «عكاظية الجزائر للشعر العربي» وحضر هذا المحفل الشعري الكبير 40 شاعرا من الجزائر و50 شاعرا عربيا، وقد أحس الشعراء بمدى تجاوب الجمهور مع الأمسيات ألتي ألقيت فيها القصائد المختلفة، وعلى حد تعبير الشاعر التونسي منصف المزغني الذي يقول: «إنني أكتب الشعر منذ 30 عاما، ولكني أشعر أنها المرة الأولى التي يتعرف فيها الجزائريون على أشعاري بشكل حقيقي، وأعتقد أن هذا الأمر ينطبق على العديدين منا»، وتقول الشاعرة نجوم الغانم من الإمارات: «ربما يقرب الشعر المسافات الجغرافية، ويكسر الحواجز التي صنعتها السياسة»، ويوافقها الرأي الشاعر جهاد كاظم من العراق قائلا: «إن القصيدة عندي نضال ضد النسيان، والشعر هو أفضل محطم للحدود، فكلما أقرأ الشعر لأي شاعر أجد أن جميع العوائق الجغرافية والزمنية، والحواجز الثقافية قد تلاشت تمامًا». وقال الشاعر عبد العزيز البابطين معلقا على نجاح هذه «العكاظية» : «نحن في الكويت نشعر شعورا أكيدا بقيمة الجزائر عند العرب، ونحاول بقدر الإمكان التواصل معها من خلال الشعر، وقد منحت المؤسسة للجزائر 15 ألف كتاب من أرقى وأجمل الكتب التي أصدرتها للمساهمة في مشروع المكتبات المزمع فتحها في مختلف ولايات الجزائر». الإمارات العربية كانت حاضرة أيضا، وقد أقامت معرضًا للخط العربي للخطاطة الشابة ماجدة المازم، وكذلك أقامت معرضًا للمسكوكات يتضمن 300 قطعة نقود إسلامية تعود إلى 49 أسرة إسلامية حكمت رقعة العالم الإسلامي الممتد من الأندلس حتى الصين، وذلك غير بقية الفعاليات الموسيقية واستعراض فنون التراث المختلفة.

          وكذلك قامت قطر والمملكة العربية السعودية بتقديم كثير من فنونها الشعبية، كما أقامت قطر سهرة فنية جمعت كثيرًا من الجزائريين حول فنون «العرضة» أي الرقص باستخدام السيف، وهو تعبير مهم عن فنون البادية وحياة الفروسية .

          وكانت فنون الصحراء حاضرة بقوة أيضا من خلال مهرجان الخيمة العربية الذي شاركت فيه أكثر من 15 دولة، نصبت خيامها جميعا في ساحة الفتح، والخيمة العربية ليست فقط مكانًا للمأوى، ولكنها تعبير عن مجموعة الفنون البصرية التي يستوحيها البدوي من بيئته، وقدمت العديد من فنون البادية وخاصة احتفالات الميلاد والزواج.

          وكان المغرب العربي حاضرا بقوة من خلال جيران الجزائر الأقربين من المغرب وتونس، وقد حلت المغرب ضيفة على الجزائر بعينة من الموروث الثقافي والتراثي لمختلف مناطقها من الأطلس المتوسط، والأكبر من خلال مجموعة من المعرض من الحلى التراثية، وكذلك معرض للفنون التشكيلية والكتب، كما تألقت فرقة شباب الأندلس لمدينة الرباط في إحياء التراث الأندلسي، وقدموا اغنيات عن العشق وحرقة المحب وكذلك عددا من العروض المسرحية، والأفلام المغربية التي حصل البعض منها على العديد من الجوائز. ومن تونس تألقت المطربة «نبيهة كراولي» بصوتها القوي وحضورها الرائع، وكذلك فرقة الرشيي التي تعد مرجعًا للموسيقى التونسية الأصيلة، وغير ذلك من الفرق الغنائية، كما أن الأفلام التونسية المتميزة احتلت جانبا مهما من الاحتفالية خاصة لمخرجين كبار أمثال سلمى بكار ومفيدة التلالي والمنصف الذويب.

          ومهما عددنا في ضيوف المهرجات، فقد جاء المصريون والسوريون والأردنيون، وقد عبرت وزيرة الثقافة خليدة التــــوي عن ذلك قائلة: «لقد أعدنا اكتشـاف العالم العربي، كما أعاد هو اكتشافنا». وتتواصل احتفالات الثقافة في الجزائر، لعلها تصنع نوعًا من الفرح الدائم، وتضيء ليالي المدينة التي تحتاج إلى أن تبتسم دون خوف من تدخلات خفافيش الظلام.

أرقام من عاصمة الثقافة

  • - أكثر من 1001 كتاب.
  • - 45 مسرحية.
  • - 12 فيلما سينمائيا جديدا، و45 فيلما قصيرًا ووثائقيًا.
  • - تسجيل التراث الموسيقي الجزائري.
  • - تنظيم 18 أسبوعًا ثقافيًا عربيا، 48 أسبوعًا ثقافيًا وطنيًا.
  • - تنظيم 25 مهرجانًا ثقافيًا.
  • - أكثر من 52 عرضًا غنائيًا على مدار السنة.
  • - افتتاح قاعة الأطلس بطاقة استيعاب 3000 كرسي.
  • - افتتاح فيلا محيي الدين كغقامة للفنانين.
  • - وضع حجر الأساس لبناء المركز العربي للآثار.
  • - وضع حجر الأساس للمكتبة المشتركة العربية الأمريكية الجنوبية.
  • - افتتاح متحف مصطفى باشا للمنمنمات والزخرفة والخط العربي.
  • - افتتاح متحف الفنون المعاصرة والحديثة.
  • - وضع حجر الأساس لبناء القاعة الكبرى المتعددة النشاطات كأكبر فضاء ثقافي تبنيه الجزائر منذ الاستقلال.
  • - ترميم لعدد كبير من المعالم الأثرية في العاصمة.

 

محمد المنسي قنديل   





صورة الغلاف





الجزائر تحتضن أعلام الدول العربية التي شاركتها احتفالات العاصمة الثقافية، وقد أعادت الجزائر اكتشاف الثقافة العريبة من خلال هذه المناسبة، كما اكتشفت موروثها





أمام نصب الشهيد في أعلى العاصمة أقيم عدد من الانشطة في الهواء الطلق وحضرها جمهور غفير من الجزائر ومن بقية الولايات الأخرى





رغم مرور سنوات طويلة فإن ذكرى معركة التحرير مازالت موجودة ومازالت نار الثورة موقدة





مقر جمعية الجاحظية العربية وسط شوارع العاصمة المزدحمة ..هذا المدخل المتواضع لا يعكس حجم النشاط الثقافي الذي يدور في الداخل





أديب الجزائر الكبير الطاهر وطار ذو الأصول البربرية الذي عشق اللغة العربية وكتب بها كل أعماله له عشر روايات وثلاث مجموعات قصصية ومسرحية وترجمت أعماله إلى عدد من اللغات الأجنبية





الجزائر العاصمة كما تبدو من أعلى، كانت دائمًا نقطة تواصل بين مختلف الحضارات، وعاشت حقبًا متعاقبة من التاريخ وحاول الفرنسيون أن يحولوها مدينة فرنسية ولكنها حافظت على روحها وعلى تراثها العربي





في وسط العاصمة يقف تمثال الزعيم الجزائري الكبير عبدالقادر الجزائري رمزًا لسنوات طويلة للكفاح من أجل الحرية





وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة التوى كانت من أشد المتحمسات لإنجاح هذه الاحتفالية





الموسيقى الشعبية والأندلسية كانت حاضرة من خلال عشرات الحفلات التي قدمت في كل مكان بالجزائر





نافذة على أحد بيوت القصبة القديمة وهي محمية أثرية مطلوب الحفاظ عليها





المسرح الوطني الجزائري شهد عامًا كاملاً من النشاط المتواصل،كما شهد أكبر تجمع للمسرحيين العرب وجرى فيه تكريم كثير من رواد المسرح العربي





محمد بن قطاف رئيس دائرة المسرح وهو يعتبر أن هذا العام سوف يمثل انعطافة مهمة في المسرح الجزائري





عروض من المسرح الوطني الجزائري التي بلغت 45 مسرحية جديدة





فنون الغناء والموسيقى كما شدت بها أشهر المغنيات الجزائريات





فنون الغناء والموسيقى كما شدت بها أشهر المغنيات الجزائريات





الافتتاح الضخم الذي أعلن بداية عاصمة الثقافة العربية وقد حضره رئيس الجمهورية عبدالعزيز بوتفليقة والأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى وسبعة من الوزراء العرب





افتتاح معرض الفن التشكيلي للرواد الذين عبّروا من خلال ألوانهم عن الحياة في مدينة الجزائر وقد قامت وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة التوى بافتتاحه بصحبة دليلة ورفلي مديرة المتحف الوطني





جانب من الفنون الشعبية والاستعراضات التي قدمتها ولايات الجزائر المختلفة





رقصة التنورة الشهيرة التي قدمها الوفد المصري ضمن مشاركته في انشطة الاحتفال بالعاصمة الثقافية