عهود «العربي» الأربعة

عهود «العربي» الأربعة
        

          كأنني كنت أشاهد فيلما وثائقيا ومعرفيا، ممتعا؛ بالأبيض والأسود، ثم أتأمل مثائله بعد دخول الصورة عصر الألوان. هكذا بدت «العربي»، وأنا أتصفح أعدادها منذ صدورها للمرة الأولى في العام 1958 وحتى عددها الأخير. حالة من الحنين الجارف، تتولد من عدد إلى آخر؛ إذ تبدو أعداد المجلة الأولى بمنزلة وثيقة مصورة لمرحلة من أخصب مراحل النهضة العربية الحديثة وعدًا بالأمل، وتجليًا بالرغبة في دخول العالم الحديث. وثيقة مدادها أقلام كتاب كبار؛ تفيض بمزيج محسوب من المعرفة والمتعة والثقافة والفنون والشخصيات التاريخية في كل المجالات، ومن أساليب الكتابة، والطواف في أرجاء المعمورة شرقا وغربا.

          إلا أن ما أدهشني، بعد اكتمال الرؤية، أن مجلة «العربي» جسدت نموذجا نادرا، بين كثير من المطبوعات العربية، التي حافظت على استمراريتها، بالبعد الاستراتيجي، ووضوح رؤى رؤساء تحريرها، الذين تعاقبوا على إدارتها بعد مؤسسها الدكتور أحمد زكي.

          هذه الرؤية التي تبدو الآن أشبه بـ«فريضة غائبة» في الحالة العربية ، نفتقد بسببها بُعد النظر الاستراتيجي اللازم للتخطيط بشكل عام. بينما هي رؤية جوهرية لضمان استمرارية «المؤسسة» بغض النظر عن الأشخاص، وإخلاص الإدارات المتعاقبة لتنفيذ الاستراتيجية الموضوعة، مع ضمان حرية كل منهم في تحقيقها بالشكل الذي يناسب ثقافته وخلفيته التربوية والمهنية، ويتلاءم مع المناخ الاجتماعي والثقافي العام.

          هذه الملاحظة، إن دلت على شيء، فإنها تشير إلى قوة وأصالة الإستراتيجية التي وضعها المؤسس الدكتور أحمد زكي، والتي أصبحت المنهج الذي سارعلى هداه، هو ومن جاء بعده من رؤساء التحرير؛ بدءا بالكاتب الراحل أحمد بهاء الدين، مرورا بالدكتور محمد الرميحي، ووصولا إلى الدكتور سليمان العسكري. وتكشف، من جهة أخرى، مدى وضوح الرؤية لدى كل فرد منهم، ما جعل من استمرار المجلة، ليس مجرد الوجود من أجل الوجود، بقدر ما جسد القدرة على التطور، ومواكبة المتغيرات المعرفية والفكرية والثقافية، يوما بيوم، وطرحها أمام القارئ بدأب، وهدوء، وصبر، ودقة، لم تعد من مزايا كثير من مشروعاتنا الصحفية والثقافية العربية، مع الأسف. فماذا فعل مؤسس المجلة النابغة الدكتور أحمد زكي، وماذا أضاف زملاؤه النابهون في رئاسة التحرير؟

الدكتور أحمد زكي 1958- 1976
نشر الثقافة وتكريس الوعي القومي

          في الافتتاحية التي قدم بها الدكتور أحمد زكي المولود الجديد- «العربي»- لقراء العربية في ديسمبر من العام 1958 أكد على مجموعة من المفاهيم الأساسية التي توضح رسالة المجلة وأهدافها ومنها أن العربي «للفكرة العربية الخالصة، ولكل ما يتمخض عن الفكرة العربية من معان، فهي ضد الجهل ومع المعرفة، وضد المرض مع الصحة، وضد الفقر مع الغنى، تطلبه للفقير ليستغني، وتطلب له من أجل ذلك التعليم الطويل، والتثقيف الواسع والتدريب الصادق(..) والعربي عندها أن أهل هذا الوطن العربي الكبير سواء فهي لا تصل معنى العروبة بمعنى الأرومة والدماء(..) ولا تصل معنى العروبة بدين، فكل الناس عباد الله وكل سالك إليه سبيلا(..) والسياسة ليست هم العربي عن قرب لأن السياسة تأخذ من الوقت ما نريد أن ننفقه للثقافة كاملة..».

          اعتبرت هذه المبادئ بمنزلة «المانفستو» الذي حافظ على تحققه واستمراريته، بأعلى درجة من التجويد، كل من المؤسس والمبدعين الذين تعاقبوا في رفع راية إدارة التحرير من بعده، على السواء.

          وقبل أن نتعرف على التبويب الذي وضعه المؤسس بناء على هذه القناعات تجدر الإشارة إلى أن رحلة البحث عن رئيس تحرير للمجلة، لها دور كبير في الاختيار الموفق الذي قام به الأستاذ أحمد السقاف، حيث تم تكليفه بهذه المهمة، وشرع في زيارة عدد من العواصم العربية ولقاء كثير من الكتاب والمثقفين، حتى التقى الدكتور أحمد زكي في شقته بالمعادي، واستطاع أن يقنعه بتولي المسئولية، بعد فترة تفكير استغرقت أسبوعا قبل أن يعطي الرد بموافقته النهائية على إدارة تحرير المجلة.

          ولعل التبويب الذي وضعه المؤسس للمجلة ظل محافظا على شكله، باستثناء تغيرات طفيفة منذ العدد الأول وحتى العدد الحالي، يمكن اعتباره دليلا قاطعا على شمولية التفكير، والإعداد الجيد لهذا الإصدار الذي لبى احتياجا شديدا للقارئ العربي في عصر كانت فيه الفضائيات حلما، والشاشات التليفزيونية في مرحلة الندرة.

          وقد تجاوزت ردود الفعل كل التوقعات بعد صدور العدد الأول، وهو ما تجلى في مئات الرسائل من القراء العرب تعبيرا عن إعجابهم وما لبته المجلة من احتياجاتهم، بل إن ردود الفعل بلغت أن عددا من رؤساء الدول العربية أرسلوا رسائل التهنئة للمجلة الوليدة ورئيس تحريرها، ومنهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والملك محمد الخامس ملك المغرب، والرئيس العراقي عبد الكريم قاسم، والشيخ سلمان بن حمد بن خليفة حاكم البحرين، وفرحات عباس رئيس مجلس الوزراء الجزائري آنذاك، والملك الليبي إدريس.

          كانت القومية العربية واحدة من القضايا الأساسية التي كرست لها «العربي» في أعدادها الأولى ولسنوات طويلة، شارك فيها الدكتور زكي بقلمه، إضافة إلى كتيبة من الكتاب الأعلام منهم ساطع الحصري، فؤاد الرفاعي، أحمد السقاف، د جميل صليبا، كلوفيس مقصود، علي بدور، وميخائيل نعيمة، وغيرهم. ولم ينافس التركيز على فكرة القومية سوى الاهتمام بالعلوم. فقد مثلت المادة العلمية ركيزة أساسية وعمودا فقريا لرسالة «العربي» التنويرية والتثقيفية منذ أول أعدادها، وكان الدكتور أحمد زكي مهتما بالكتابة في العلوم بكل فروعها ، كما قدم تغطية شاملة لأهم حدثين في هذا المجال، ممثلين في وصول أول رجل فضاء روسي إلى الفضاء «يوري جاجارين» (العدد 31 )، ثم وصول أول إنسان إلى القمر في (عدد يناير 1970) . وعبّرت أبواب المجلة العلمية عن هذا الاهتمام والتي تراوحت بين (أنباء الطب والعلم والاختراع، في سبيل موسوعة علمية، ركن الفضاء والذرة).

          مثلت الاستطلاعات واحدة من السمات الخاصة التي تفردت بها «العربي» منذ صدورها، وبدأت سلسلة من الرحلات الاستكشافية الموسعة ؛ من أقصى شرق الجزيرة حتى غرب إفريقيا، قدمت للقارئ العربي ما يشبه موسوعة سياحية ومعرفية وانثربولوجية كاملة؛ عبر تلك الاستطلاعات، التي تولى الريادة في كتابتها سليم زبال، وشاركه بالتصوير الفنان المبدع أوسكار متري لسنوات، قبل أن ينضم منير نصيف في تحرير الاستطلاعات، ثم التحق بهم كتيبة من المحررين والمصورين من كفاءات الصحافة العربية. منذ أعدادها الأولى اعتبرت «العربي» مجلة ثقافية شاملة بامتياز، وهو ما تجلى في مشاركات الأدباء والشعراء والنقاد والمفكرين، من أمثال عباس محمود العقاد، نزار قباني، محمود تيمور، علي أدهم، جليل البنداري، زكي طليمات، شفيق جبري، عبد الهادي التازي، عز الدين اسماعيل، محمد مصطفى هدارة، شوقي ضيف، بنت الشاطئ، أمين الخولي، محمد مندور، إحسان عباس، يوسف الشاروني، بديع حقي، عبد الحميد يونس، وغيرهم من أعلام الثقافة العربية، الذين كتبوا عن الأدب والترجمة، وعن النقد وصرعاته في الغرب، وأطيافه في الشرق. كما تناولوا كثيرًا من التراجم العربية والأجنبية، إضافة إلى الموسيقى والمسرح والسينما؛ تحليلا ونقدا، بل وتبشيرا بنجمات السينما الشابات والواعدات منهن خصوصا، كما فعل زكي طليمات بالكتابة عن زبيدة ثروت، مثلا، ولاحقا عن لبنى عبد العزيز، ثم سعاد حسني، أو بالحركة المسرحية الوليدة في الكويت آنذاك، ووصولا للحوار مع رواد الأدب من أمثال طه حسين وغير ذلك كثير. أبدت المجلة اهتماما بعلم النفس، وأسس التربية النفسية للأفراد في المجتمع العربي، بمشاركات الدكتور فاخرعاقل، ثم الدكتور مصطفى سويف، في مرحلة لاحقة. كما اهتمت بالفلسفة؛ بوصفها طريقة من طرق التفكيرالعلمي، ضد الغيبيات والخرافة. وفي هذا الصدد شارك الدكتور زكي نجيب محمود في الكتابة للمجلة، وانضم له الدكتور زكريا إبراهيم . احتلت صورة الفتاة العربية أغلفة المجلة لسنوات، كما اهتمت الموضوعات الاجتماعية بدور المرأة كأم وزوجة، ومشاركة في المجتمع. وقدمت «العربي» كثيراً من النابغات في مجالات متنوعة. فقد أبدى الدكتور زكي اهتماما كبيرا بالفتاة العربية، ومشاركتها في أوجه الحياة الثقافية العربية في الكويت وفي كل الأقطار العربية.

          وعرف عن الدكتور أحمد زكي إصراره- كرئيس للتحرير- على المتابعة التفصيلية لكل ما ينشر في «العربي»، من اختيار الغلاف إلى مراجعة المقالات، مرورا ببريد القراء، كما أنه كان يهتم بالاستطلاعات، بشكل كبير ويختار الصور الخاصة بكل موضوع منها بنفسه، وهو ما استمر على امتداد رئاسته لتحرير المجلة.

أحمد بهاء الدين 1976 - 1982
الثقافة.. كحق من حقوق الإنسان

          من المؤكد أن ما أنجزه الدكتور أحمد زكي جعل المهمة عسيرة على خلفه. إلا أن الكاتب الصحفي اللامع والمثقف أحمد بهاء الدين استطاع أن يواصل المسيرة بنفس الكفاءة، بل وأضاف لمسته الخاصة التي تجلت في غياب الطابع الخطابي، والتوجيهي أو الإرشادي، الذي ساد في المجلة خلال مرحلة الدكتور زكي- وهو طابع له منطقه في سياق الفترة التاريخية التي تولى فيها أحمد زكي إدارة العربي - أما السبعينيات، فقد شهدت تحقق كثير مما كان غائبا في المجتمعات العربية من مستوى تنمية وتعليم، وهكذا تخلت «العربي» عن طابعها ذاك؛ يقينا في رشد المواطن العربي ونضجه، وحقه الطبيعي في الثقافة ونقد ما يقرأه.

          من البديهي أن تؤثر الاهتمامات السياسية لبهاء الدين في «العربي»- بوصفه كاتبا سياسيا من طراز رفيع- لكنه حرص على الدخول إلى ما يريد مناقشته من باب الثقافة، كما أعطى للاستطلاعات بعدا دوليا وعالميا، فتعدت الحدود العربية التي كان المؤسس قد أرساها، واستعان بخبرات صحفية مميزة مثل أبو المعاطي أبو النجا، وفهمي هويدي، ومصطفى نبيل.

          أضاف بهاء الدين لقائمة كتاب «العربي» عددا من الأقلام المهمة لكتاب من قامة فؤاد زكريا، ثروت عكاشة، شكري عياد، لويس عوض، أحمد كمال أبوالمجد، يوسف إدريس، مكرم محمد أحمد، سلامة أحمد سلامة،عبد العزيز المقالح، بلند الحيدري، محمد علي الفرا، فيليب جلاب، جميل مطر، صلاح فضل،حسين أحمد أمين، جمال الغيطاني، صنع الله ابراهيم، أمل دنقل، صلاح عبد الصبور، فاروق شوشة، سامية أحمد سعد، فريدة النقاش وغيرهم.

          وثبّت مساحة الفن التشكيلي والكاريكاتير بمقالات لصبحي الشاروني، مما عكس الاهتمام بالفنون خاصة أنه اهتم بمساحة أخرى للمسرح، مستعينا بكتابات الدكتور على الراعي؛ الذي كان شاهدا على تطور حركة المسرح بالكويت خلال عمله أستاذا بجامعة الكويت، كما شارك بالكتابة في المسرح لاحقا كل من فؤاد دوارة وعبد العزيز مخيون. بالإضافة إلى مساحة خاصة للسينما.

          وكان من اللافت أيضا الاهتمام بالمادة الاقتصادية في «العربي»، ويبدو أن المتغيرات الاقتصادية العالمية قد فرضت نفسها على الساحة الإعلامية، مما دفع بهاء الدين ؛ لإضافة زاوية اختصت بالاقتصاد؛ استكتب فيها عددا من أقلام المتخصصين مثل جلال أمين، محمود عبد الفضيل، حازم الببلاوي، وسلطان أبو علي.

          الملاحظة الجديرة بالانتباه أيضا، ومنذ أولى الأعداد التي تولى بهاء الدين تحريرها، أن المناخ العربي آنذاك ظهرت فيه أطياف الفتن ونعرات التشدد، وهو ما جعل «العربي» تركز على الفهم المستنير للدين عبر مقالات لفهمي هويدي ومحمد أحمد خلف الله وأحمد كمال أبو المجد.

          وهي مهمة من المهام الأساسية لأي مجلة ليبرالية.

د. محمد الرميحي 1982 - 1999
الثقافة بحدود العلم والمنطق

          استوعب الدكتور محمد الرميحي، مثل سابقيه، رسالة «العربي»، فحافظ على شخصيتها الوطنية المنفتحة العصرية. لكنه، سرعان ما بدأ مرحلة من التغيير في الشكل أيضا، سعيا لنواح جمالية عصرية، وترحيبا بدور الصورة بجوار النص كجزء مكمل له؛ في عصر يوصف بأنه عصر الصورة.

          وتأكيدا للطابع السجالي الليبرالي أنشأ تبويبا بعنوان «منتدى العربي»، ثم توسع في الفكرة، من خلال باب حواري جاد وشيق، هو «مواجهة» ؛ تضمن حوارا شاملا بين قطبين في مجال واحد، أو مواجهة بين جيلين. كانت فكرته الأساسية تقوم على فكرة المواجهة والندية، وتكريس قيمة الحوار وفضائلها في مجتمعات عرفت، لسنوات طويلة، هيراركية الحزب الواحد، والفكر الواحد، والنجم الواحد، والحقائق المطلقة؛ على حساب حق الاختلاف والنسبية وغيرهما من القيم التي تميز المجتمعات التي تتسم بإعلاء قيم التسامح والتنوع الخلاق.

          انضمت للعربي مجموعة من الأسماء البارزة في حقول المعرفة المختلفة منهم فتحي رضوان، جابر عصفور، غالي شكري، عبد الوهاب المسيري، رمزي زكي، طارق البشري، محمد سليم العوا، فاروق عبد القادر، عبد السلام العجيلي، شوقي بزيع، عبد القادر القط، جابر الأنصاري، وسمحة الخولي- وكان لها دور في توفيرمساحة مهمة للموسيقى في «العربي» - محمود الربيعي، وغيرهم من الأسماء

          كما أضيف باب جديد هو «دفتر الذاكرة»، الذي تطور لاحقا إلى «مرفأ الذاكرة»، تضمن مذكرات أعلام الثقافة والفكر العربي تأكيدا لمفهوم التوازن في التطلع للمستقبل وصيانة الذاكرة الثقافية في آن واحد.

          بالإضافة إلى باب متخصص في الاطلاع على الصحافة الغربية وأهم ما تتناوله مما يتعلق بالشأن العربي، والذي كان بمنزلة إطلالة على العالم ومتغيراته ورؤى الغرب في شئون المنطقة العربية وثقافتها.وهو تطوير لزاوية أخرى كان الدكتور أحمد زكي قد أسسها وهي «لقطات»، التي كانت مساحة مصورة من أنحاء العالم. كما أضيف في منتصف التسعينيات باب إخباري معلوماتي رشيق بعنوان «من شهر إلى شهر».

          أما الاستطلاعات فقد استمرت على منهجها؛ سياحة في آفاق العالم، عبر استطلاعات عدد من الكتاب من بينهم الدكتور محمد المنسي قنديل وأبو المعاطي أبو النجا والدكتور محمد المخزنجي، والأخير كان له دور كبير في وجود «العربي» في عدد من بقاع آسيا وأفريقيا النائية، وإضافة الى البعد الإنساني، وفي تكريس فكرة التنوع والاختلاف، التي كانت بمنزلة كشف لجمال مسكوت عنه للقارئ العربي. 

د. سليمان العسكري 1999..
التسلح الثقافي لعالم ما بعد الإنترنت

          عندما تولى الدكتور سليمان العسكري مسئولية تحرير المجلة، واكب ذلك دخول «العربي» الألفية الثالثة، وهو ما بدا مستوعبا ، عبر الوعود التي قدمها لقرائه في أولى افتتاحياته في أغسطس 1999، «بالحفاظ على التزام المجلة بقضايا الثقافة المعاصرة»، «وأن تبقى نافذة مشرعة في الوقت ذاته على مختلف أوجه التنوع الثقافي لشعوب أمتها العربية» ، «وأن تواكب المستجدات المعرفية والفكرية والتقنية والإبداعية لهذه القرية الكونية التي انتهت إليها صورة عالمنا المعاصر».

          تجلت هذه الرؤية في الموضوعات التي تناولتها المجلة آنذاك مثل «عالم الصورة وثقافة العين»، «النشر الإلكتروني العربي» ، «الثقافة والمستقبل»، «تعريب العلوم الحديثة»، وغيرها من القضايا الشبيهة.

          أضاف الدكتور العسكري بصمة خاصة، تحققت بعدد لافت من الملفات توزعت على أعداد المجلة في عهده، تناولت كثيرًا من القضايا الثقافية والفكرية والفنية البارزة، والشخصيات المؤثرة في العالم العربي.

          كما بدا تركيز المجلة واضحا على فلسطين، الأرض والبشر، عبر كثير من الموضوعات والمقالات. واكتسبت الاستطلاعات بعدا جديدا، قوامه البحث في الموضوعات بشكل يتجاوز الاهتمام بالبعد السياحي فقط، فأصبحت تلقي الضوء على موضوعات مثل المياه والآثار والمشروعات الاقتصادية والتنمية البشرية.

          وتم توسيع باب «منتدى العربي» للحوار والنقاش فيما يكتب وينشر في العربي. وتأكيدا على اهتمام «العربي» بمتابعة الأحداث الثقافية والفعاليات المهمة في أرجاء العالم أصبحت «المفكرة الثقافية» تنشر مواد مرسلة من قبل مراسلين معتمدين للمجلة في الدول العربية والغربية.

          برز الاهتمام بالبعد التاريخي عبر مقالات لأقلام كتاب من أمثال الدكتور قاسم عبده قاسم، ونقولا زيادة. واستكتبت «العربي» أقلاما بارزة لكتاب ذوي قيمة كبيرة في مجالاتهم مثل الدكتور عبد العظيم أنيس، رجاء النقاش، الدكتور نبيل علي في مجال التقنية والإنترنت والتكنولوجيا المعلوماتية، والدكتورة ماري تريز في علاقة الصورة بالثقافة في عصر العولمة. بالإضافة إلى عدد آخر من الأقلام العربية لكتاب منهم الدكتور عبدالله يوسف الغنيم، نبيل سليمان، الدكتورة عواطف عبد الرحمن، جهاد فاضل، د.فايز الداية، فاطمة الحاج، عبدالرحيم العلام، حسين محمد بافقيه، جورج قرم، د.عادل زيتون، د.عبدالله إبراهيم، د.فوزية العشماوي، شيرين أبو النجا، إسماعيل دبج، د.كريستين نصار، د. محمد المهدي، د. الحبيب الجنحاني، د.مصطفى ناصف، د.كمال عبد اللطيف وغيرهم كثير. كما شهدت توسعا لافتا في استكتاب شعراء وأدباء ومفكرين عربا من كل الأقطار العربية.

          وواكب ذلك الاهتمام بالإبداع والانتاج الكويتي والخليجي بشكل عام، خصوصا في الملفات التي تناولت شخصيات أو موضوعات من المنطقة.

          اهتمت «العربي»، في هذه المرحلة، أيضا، بالفن التشكيلي؛ عبر زوايا ثابتة منها» معرض العربي» التي اهتمت بالثقافة البصرية والتشكيلية، وفي موضوعات الفن التشكيلي بشكل عام، بمقالات لأسعد عرابي ونديم جرجورة وأشرف أبو اليزيد، بالإضافة الى السينما العالمية والعربية، والمسرح.

          وهو انعكاس لاعتقاد رئيس التحرير في تأثير الفنون كأداة للثقافة الشعبية كما عبر في واحدة من افتتاحياته ناقدا غياب الأفكار من السينما السائدة في العالم العربي، واتكائها، فقط على فكرة الترفيه والمتعة. كما توسعت «العربي» في إدخال رسوم كبار الفنانين التشكيليين العرب على صفحاتها.

          استعادت العربي اهتمامها بعلم النفس، وبـ «البيت العربي» الذي شهد أفراده - في المجتمع - تغيرات قيمية عدة، فاتسم تحريره برؤى أكثر عصرية.

          كما شهدت مجلة «العربي الصغير» تطورا كبيرا، بالإضافة إلى إنشاء فكرة الهدية ممثلة في كتاب مستقل للطفل شهريا مع كل عدد.

          وحظيت «العربي الصغير»، كما شأن «العربي» بطفرة فنية على مستوى الشكل أيضا، إذ بدا جليا اهتمام إدارة المجلة بتطوير مستوى الطباعة والصورة. كما كان الاهتمام بالمستقبل إحدى ركائز اهتمامات «العربي» في عهد الدكتور العسكري، دليله إنشاء زاوية «مستقبليات» التي يكتبها الباحث الإنثربولوجي الرائد في علوم المستقبليات الدكتور أحمد أبو زيد، وبالعلوم التي بلغ اهتمام الدكتور العسكري بها أن أسس ملحقا علميا منفصلا عن المجلة خلال عام 2005، يعتبر أحد ما تتفرد به «العربي» بين الصحف العربية جميعا.

          هكذا، إذن، تبدو «العربي»، بعد نصف قرن، قادرة على الانطلاق إلى المستقبل بما حباها الله من عقول مستنيرة أثبت أصحابها، جميعا، فهمهم الكامل لإدارة مجلة ليبرالية لها من نبل الرسالة، وقوة المحتوى، وحرفيته، ما يجعل منها أملا للمستقبل، وأداة من أدوات التثقيف والمعرفة التي تحتاج إليها أجيال العرب في الألفية الجديدة.

 

إبراهيم فرغلي   





الدكتور أحمد زكي





أحمد بهاء الدين





د. محمد الرميحي





د. سليمان العسكري