فيلسوف التنوير في عشر كلمات (روسو 1712 - 2012)

فيلسوف التنوير في عشر كلمات (روسو 1712 - 2012)

ثلاثمائة عام على ميلاد صاحب «العقد الاجتماعي»
جان جاك روسو

«كي نعرف البشر، لابد من رؤيتهم يتصرفون»
«إنني عبد بخطاياي، وحر بتوباتي»
«القوانين مفيدة دائمًا لمن يملكون، ومزعجة لمن لا يملكون شيئًا»
«الشباب هو وقت دراسة الحكمة، والكهولة هي وقت تطبيقها».

كلمات وكلمات لجان جاك روسو صاحب «العقد الاجتماعي»، و«إميل أو التربية»، الكاتب والفيلسوف وصاحب النظريات السياسية. إنه مفكر العدالة والتربية والموسيقى والطبيعة، رجل عصره بكل ما تحمله الكلمة من معان.

ولد روسو منذ ثلاثمائة عام بالتمام والكمال في 28 يونيو 1712، في مدينة جنيف التي تركها وهو في السادسة من عمره متوجهًا إلى مدينة سافوا ثم إلى باريس التي استقر بها عام 1742 وكانت نيته أن يبدأ دراسة واحتراف الموسيقى. عاش واقعًا صعبًا في بداية حياته بباريس حتى قابل ديدروت (1713- 1784) وبدأ بنشر مقالات حول الموسيقى في الموسوعة الحرة.

لم تتميز علاقاته الإنسانية بالاستقرار وهو ما كان يدفعه للعزلات المتكررة والتى كان أشهرها عام 1762 حين عاد إلى سويسرا بعد إدانة أعماله من قبل البرلمان في باريس. حينها شرع في كتابة مذكراته ليعدد أماكن إقامته المختلفة ويبرر إقامته فيها. حتى عاد في النهاية إلى باريس عام 1770 ومات عام 1787 وهو في السادسة والستين من عمره.

تشكلت مكانة روسو الفريدة في عالم الفكر من خلال عرض أفكاره في منشورات مثل : «خطب حول العلوم والفنون- 1750»، و«خطب عن أصل وأسس عدم المساواة بين البشر- 1755»، من أشهر أعماله «إميل أو عن التربية» الذي نشر منذ مائتين وخمسين عامًا والذي عبر من خلاله عن قناعته بوجوبية الاعتماد على تنمية السمات الطبيعية لدى الطفل بدلًا من محاولة تغييرها نحو ما نعتقد أنه الأفضل، بالإضافة إلى تدعيم المعرفة من خلال التجارب الملموسة وليس النظرية. إلى جانب «العقد الاجتماعي» الذي ظهر في العام نفسه وفيه ينادي روسو بأن ينظم الشعب الحياة الجماعية بين أفراده.

ومن هنا كان روسو أحد أهم فلاسفة عصر التنوير، حيث ألهمت أفكاره الثورة الفرنسية، وكان الثوار الفرنسيون من مختلف التيارات يستندون لأفكاره على اختلاف درجة ثوريتهم، بل أكثر من ذلك فالمفكرون الذين تبنوا مواقف مناهضة للفكر الثوري كانوا أيضًا يستندون لأفكار روسو ويشهدون له أمثال: «جوزيف دو ماستر1753- 1821»، و«لويس جابريل دو بونالد- 1754- 1840». بل اعتبره «آرثر شوبينير 1788- 1860»: «أعظم كتاب العصر الحديث». أثرت كتاباته بقوة على الفكر الثوري، واحتفي به، بخاصة، بفضل أعماله حول الإنسان، والمجتمع والتربية.

وانطلاقًا من كلمات روسو وبمناسبة المئوية الثالثة لميلاده، صدر حديثًا في باريس كتاب «روسو عبر كلمات» والصادر عن منشورات «لو باس دو فون» وتحت رعاية وزارة الثقافة الفرنسية. حيث اختيرت عشر كلمات استخدمها روسو في كتاباته، وانتقى الناشر عشرة استشهادات من كتابات روسو لكل كلمة منها، ثم عهد إلى عشرة كتاب معاصرين ليكتب كل منهم مقالاً عن إحدى الكلمات المختارة.

يدعونا الكتاب لاختبار المعاصرة في لغة كاتب ولد منذ ثلاثمائة عام من خلال مائة استشهاد له، إلى جانب استعراض عشر مقالات لكتاب معاصرين، حيث الحيوية والتكثيف في عرض رؤاهم لكلمات روسو.

ويقول إليان براستي المشرف على مشروع «روسو 2012» في مقدمة الكتاب: «روسو هو رجل يقاوم كل أشكال التيسير، والمقاربات، والتلخيصات». وهو من قال عنه بيرجسون: «روسو هو، بجدارة، الرجل الذي نناقشه دون أن نعرفه».

كلمات روسو

1 - «Ame»: وتعني الروح أو النفس، هي جزء من الكيان الإنساني، يفكر ويشعر وهي في مقابلة دائمة مع الجسد. والروح عند روسو هي الفضاء الداخلي الرحب المضطرب، والمعذب، الذي يدق في جوانبه أصداء عصره.

ومن أهم عبارات روسو ذاكرًا فيها الكلمة الأولى:

«كيف نخلص الروح من جميع أوهام العقل؟» - (خطب حول أصل وأسس عدم المساواة بين البشر).

«إن الضمير هو صوت النفس، والرغبات هي صوت الجسد» - «إميل، أو عن التربية».

«هنا، يسلط صوت الأمواج وصخب المياه حواسه، طاردًا من روحي كل صخب آخر، ومغرقها في حلم يقظة عذب». «أحلام يقظة المتجول الوحيد».

«لا أحد يمكن أن يكون سعيدًا دون أن يتمتع بتقدير لذاته، لأنه إذا كان التمتع الحقيقي للروح يأتي من تأمل ما هو جميل، فكيف للقبيح أن يحب الجمال الذي يراه في الآخر، دون أن يكون مجبرًا على كره ذاته؟!» «فكر، حِكَم ومبادئ».

2- «Autrement»: وتعني: بطريقة أخرى، و تعني أيضًا: في الحالة المقابلة.

يقول روسو: «لقد اتهموني بأنني أريد أن أكون فريدًا وأتصرف بطريقة أخرى غير الآخرين». «الاعترافات»

إذن كان روسو يشعر قبل أن يفكر، وكي يكتب فلابد من القراءة أولًا، وبالنسبة لروسو القراءة هي رؤية العالم بطريقة أخرى تختلف عن الآخرين، وبالنسبة لنا قد يكون من المفيد أن نرى العالم من خلال كلمات شخص آخر، نستشعر العالم، معه، وسط اللانهاية من اللغة والمصطلحات التي تعبر عن محسوسات، ومتجددات، وأشياء تشبهه، غارقين في شعور المشاركة وراغبين في المكوث وسط هذه الرابطة الجديدة مع العالم، التي نمارسها بطريقة أخرى.

«سيتساءل الطفل لماذا نتكلم بطريقة أخرى في صورة أبيات شعرية بدلًا من النثر». «إميل، أو عن التربية».

3- «Caractere»: وتعني: حرف الطباعة، وطريقة نتصرف بها، والسمة المُمَيزة أو الشخصية.

«الطريقة التي نشكل بها الأفكار هي التي تمنح الفكر الإنساني سمته المميزة».

إن جرأة روسو في تشكيل فكرته وعرضها هي التي منحتها سمتها المميزة، ومن ثم هي التي خلدت اسم روسو لاقترانه بها. وهل هناك ما هو خالد أكثر من الفكرة؟ فقد فني روسو وغيره من الفلاسفة أمثال فولتير وكانط وبقيت أسماؤهم خالدة لأنها اقترنت بالفكرة الخالدة، فالفكرة هي الروح التي يبثها المفكرون في الحياة لتحتل كل ذرة من ذراتها.

«كل إنسان يحمل معه عند ميلاده شخصية، ومهارة ومواهب تكون خاصة به وحده».

4- «Chez» وتعني: عند، أو في داخل، أو في عصر.

«سريعًا ما نرتبط بدافع من ذوقنا العام بالموسيقى، والتي هي عند الشخص، وعند الشخص الآخر بمنزلة عاطفة مضطرمة جدًا».

عاش روسو بعيدًا عن «عنده» ومنفصلًا عن ذاته، وهو قَدَرٌه، وذهبت به مشاعر الحماسة إلى بعيدٍ عن محيطه، ليعيش بالأحرى «عند الآخرين»، وهذا الانخلاع من الجذور في الكلام عن اليوميات في «اعترافاته» هو ما امتزج باللغة التصوّرية للفيلسوف، ليعبر عن الإنسان في سياقه العالمي. فذات روسو تتجلى من خلال تلك اللغة الإنسانية التي تدفع بنا للأمام، وتحرك شعورنا.

«حين نرى عند الشعب الأكثر سعادة في العالم مجموعات من الفلاحين تنظم أمور الدولة أسفل شجرة بلوط وتتصرف بحكمة طوال الوقت، أيمكن أن نمنع أنفسنا من احتقار أشكال التنميق عند الأمم الأخرى، التي تجعلها مشهورة وبائسة بالكثير من الفن والغموض؟» «العقد الاجتماعي».

5- «Confier»: وتعني: يرعى، وتعني كذلك: أن يفضي بأفكاره السرية لشخص ما.

«آه يا للريف! يا للطبيعة! إنها كنز الفقير، ومصدر النكبة! فمن يشعر، ويعرف قوانينك المقدسة، ويعهد بنفسه إليها فهو من يتمتع قلبه بالسلام، ولايعاني جسده...رغم مؤامرات البشر، ونجاح الأشرار، لا يمكن أن يكون بائسًا مطلقًا، لأن ثروات الأرض يمكن أن تهرب في أية لحظة، وبألف طريقة، ممن يظن أنه يمتلكها: ولكن لا شيء يمكن أن ينتزعها من متخيل الذي يعرف كيف يتمتع بها». «حوارات روسو»

لاشك أن روسو كان جريئًا في تأييد إيمانه بأفكاره المتعلقة بالطبيعة، وسط محيط من الترف والرفاهية، حيث قابل بين دولة الطبيعة مصدر السعادة، ودولة المجتمع المصدر الرئيسي للشعور العام بعدم الرضا الإنساني. وهي الأفكار التي عهد بها إلينا علّنا نهتدي إلى الكنز الأقرب إلينا والأكثر يسرًا.

6- «Histoire» وتعني: حكاية أي سرد لأحداث حقيقية أو متخيلة- قصة مختلقة يراد بها الخداع - سلسلة من الأحداث المركبة - سرد لأحداث مهمة وقعت في الماضي وتتعلق بدولة أو شعب.

«آه أيها الإنسان، مهما كانت البقعة التي تنتمي إليها، ومهما كانت آراؤك، اسمع، ها هو تاريخك الذي اعتقدت أنني قرأته، ليس في كتب أقرانك الكاذبين، ولكن في الطبيعة التي لا تكذب أبدًا». - «خطب حول أصل وأسس عدم المساواة بين البشر»

«كيف نعرف البشر، لابد من رؤيتهم يتصرفون. ففي العالم، نسمعهم يتكلمون، يعرضون خطبهم ويخفون أفعالهم، ولكن في التاريخ تتعرى أفعالهم» «فكر»

«ها هي بمنتهى الأمانة، قصة الحادثة التي وقعت لي. في أيام قليلة، تلك الحادثة ستنتشر في باريس متغيرة تمامًا ومتحولة لدرجة يستحيل معها التعرف على أحداثها» « أحلام يقظة متجول وحيد».

حين يكتب روسو تاريخ شعبه، فهو أيضًا يكتب تاريخنا، وحين يتحدث عن قصة حياته لا تستطيع سوى أن تسقط أحداثها على أحداث حياتك أنت أيها القارئ. فلا ننسى أن ما كتبه عن العدالة الاجتماعية منذ مائتين وخمسين عامًا في بلده هو ما جئنا ننادي به الآن في بلادنا. وما ذكره في اعترافاته يتقاطع بشكل أو بآخر مع اعترافات كل منا بالذاتية.

7- «Naturel» وتعني: طبيعي أي جزء من الطبيعة- وما لم يتغير بفعل تدخل إنساني عادي- بسيط وتلقائي- مزاج البساطة التي نتصرف بها.

«أن يحكم العدد الأكبر، بينما يكون العدد الأصغر هو المحكوم، لأمر ضد النظام الطبيعي». «العقد الاجتماعي».

«إن الرحلات تدفع بكل ما هو طبيعي نحو انحداره، وتنتهي بأن تجعل الإنسان إما حسنًا وإما سيئًا». « إميل أو عن التربية».

«هناك فرق كبير بين رجل عادي يحيا في دولة الطبيعة ورجل عادي يحيا في دولة المجتمع» «إميل أو عن التربية».

قال عنه دافيد هيوم (1711-1776 ): «لم يفعل طوال حياته سوى أن يشعر، وفي هذا الصدد بلغت حساسيته قممًا ذاهبة إلى ما وراء ما يمكن أن أراه. ولكن ذلك يمنحه شعورًا عارمًا بالمعاناة أكثر من المتعة. فكان كإنسان مجرد ليس فقط من ملابسه بل من جلده. واهتدى الى هذه الحالة ليحارب بجميع الوسائل الفظة والصاخبة».

ثم علّق برتراند راسل ( 1872-1970) على هذا التعريف بقوله: «إنه الملخص الأكثر لطفًا لشخصيته، وهو مطابق بدرجة ما للحقيقة».

8- «Penchant» وتعني: اتجاه - نازع خاص- منحدر.

«لا أملك قاعدة سلوكية أخرى سوى أن أتبع نازعي الخاص في كل شيء ودون قيود».

ومَنْ أولى من روسو بنطق تلك العبارة؟! فهو الذي تنقل بين الأراضي والبلدان والمنازل والبشر، هائمًا على وجهه أحيانًا، وباحثًا عن علاج لآلام روحه وجسده النحيل أحيانًا أخرى، دون أن يدفعه يقين، وإنما شعور ونازع خاص.

9- «Songe» وتعني: حلم.

« أتريدون العثور على رجال ذوي شجاعة حقّة؟ لتبحثوا عنهم في الأماكن التي لا يوجد بها أطباء، حيث يجهلون عواقب أمراضهم، وحيث

لا يحلم أي منهم بالموت أبدًا».

«نحن لا نحلم سوى بالمحافظة على طفلنا، وهذا ليس كافيًا، إذ ينبغي أن نعلمه كيف يكون رجلاً مكتملًا، وكيف يتحمل ضربات القدر، وكيف يتواءم مع الرخاء ويجابه البؤس». «إميل أو عن التربية».

بالنسبة لروسو المهم هو أن نعرف كيف نحيا الجزء الآخر من الواقع، فيما وراء الحلم، فالإنسان هو صانع الأحلام التي يصدقها ويؤمن بها.

10- «Transport» وتعني: طريقة لنقل الأشخاص أو الأشياء لمسافة بعيدة بعض الشيء وسيلة النقل - شعور متقد أو فورة الشعور.

«إذا لم يكن من معنويات في قلب الإنسان فمن أين تأتيه إذن مشاعر الإعجاب المتقدة بالأفعال البطولية؟!» « فكر».

«ذلك الذي يكاد يكون لا يحب سوى نفسه، بسبب التركيز في داخل ذاته، لم يعد لديه شعور متقد، فقلبه الثلجي لم يعد يخفق من الفرحة».
--------------------------
* كاتبة ومترجمة من مصر.

 

 

دينا مندور*