مملكة البحرين حضارات مفقودة .. جناتٌ موعودة

مملكة البحرين حضارات مفقودة .. جناتٌ موعودة
        

          قبل خمسين عامًا، وفي أول عدد من مجلة العربي، كان الاستطلاع المنشور في سلسلة «اعرف وطنك.. أيها العربي»، يبدأ بهذه الكلمات: «في خليج العرب جزيرةٌ صغيرة تبدو على الخريطة في حجم رأس الدبوس، تعاقب عليها الغزاة والمستعمرون، وتركوا بها مليون قبر حيرت العلماء، بها ينابيع تُخرجُ الماءَ عذبًا من أعماق البحر، وآبار تخرجُ الزَّيْتَ من بطن الأرض، كتب عنها هيرودوت منذ ألفين وثلاثمائة سنة أو تزيد، وكتب عنها ابن بطوطة والسندباد البحري، كما كتب عنها الرحالة الإيطالي القديم المشهور ماركو بولو، ومر بها إسكندر الأكبر، ولاتزال فيها حتى اليوم آثار عدة من الصيني أو من الحجر، تنم عن أنه كان من بين الذين ارتادوها في غابر الزمان. وكسرى مر بها أيضا في طريقه إلى اليمن لإنقاذه من غزو الأحباش. وكذلك فعل جنكز خان ملك المغول الذي امتدت فتوحاته حتى شملتها فيما شملت من البلاد والأقطار. وتيمورلنك ذلك الطاغية الذي أهلك الحرث والنسل.. إنها لم تسلم من غزوه إياها، واحتلاله أرضها! واحتلها البرتغاليون ردحًا من الزمن أقاموا فيها القلاع والحصون، وظنوا أنهم فيها خالدون، فما لبثوا أن طردوا منها! وقصدها الفرس بقيادة ملكهم نادر شاه، لكنهم بدورهم انكسروا.. كسرهم العرب عام 1961! والمصريون أيضا حكموها.. كانت بين البلاد التي بسطوا عليها سلطانهم بموافقة حاكمها أيام حروب إبراهيم.. ومن بعد ذلك ظلت الحروب تتوالى عليها وتتعاقب.. 35 حربًا في مائة وسبعين عامًا.. أي بمعدل حرب في كل خمس من السنين! فهل عرفتها؟!!».

          كانت تلك كلمات أول استطلاع سافرت فيها «العربي» إلى بقعة عربية، وهاهي تعود اليوم إلى المكان نفسه بعد نصف قرن، ليس فقط لتستطلع الحضارات المفقودة، بل لتقرأ في مملكة البحرين الجنات الموعودة التي نهضت بشموخ في خمسة عقود من العمل المتواصل والتحدي الجدي والتحديث العصري.

البداية.. حلقة وصل

          دائما ما يكون مطلوبًا وجود حلقات وصل، تسلمك من حقبة إلى أخرى، وتعبر بك مثل جسر ممهد الأيام والشهور والسنوات. أختار في بداية الرحلة حلقتي وصل؛ تمثل الأولى الإنسان، بين الأمس واليوم، وتُعَبِّرُ الأخرى عن المكان، بين الماضي والحاضر.

          في أحد مقاهي جزيرة «المحرَّق»، والتي تنطق «المحركَ» باللهجة المحلية، يجمعنا صباح مبكِّر مع ذاكرة أحد الكبار الذين شهدوا المرحلتين، الأمس واليوم. كان المقهى العتيق يوزِّعُ مرتاديه شبابا وشيوخا، بحرينيين وهنودًا على أرائكه الخشبية التقليدية، وهم بين متناول لفطور قد يقتصر على شطائر وفطائر، أو المشروب المفضل، المثلج غالبا ليقاوم به رطوبة الصيف وحره، ومنهم من يتابع الحديث أو يتابع الشاشة التي تذيع مباراة للمصارعة الحرَّة، وقد استغربتُ أن تجد لها مشاهدين كُثرًا عند أول النهار!

          استأذنَّا أحد الشيَّاب (من الشيب تعبيرًا عن كبر السن) ليتحدث إلينا، وأن يقارن كشاهد عيان بين أمس البحرين ويومها، وأن يصف لنا رحلة خمسين عامًا التي نقتفي خطاها وآثارها. بدأنا بتهنئة محدثنا أبو خالد (واسمه محمد خليفة) بقرب حلول شهر رمضان الكريم، وهي المناسبة التي ذكرته بمشهد قديم، وفتح لنا باب ذكرياته: «اليوم لا يخلو بيت من ثلاجة، ولكن بالأمس في شهر رمضان كان هناك أمام المصنع الذي يبيع الثلج طابور ليس له نهاية، ويقف المرء ساعات ليحصل على قطع تملأ كفيه من الثلج، وكنا نسمي هذا الذي يحصل على ملء كفيه ثلجا أنه حظيظ»، أي (موفور الحظ).

          يستطرد أبو خالد: «كانت الحياة صعبة، وتعرفون أن غواصي اللؤلؤ كانوا يعملون شهورًا لسد الرمق، لكنهم كانوا يعيشون مدينين مدى حياتهم بل ويرحلون ولايزال عليهم دين للنوخذة الذي كان يأخذ من الغواصين مقابل الغوص من سفينته للحصول على اللؤلؤ».

          يقصُّ أبو خالد أطرافا من الماضي كانت أجمل: «حفلة الزفاف كانت بسيطة جدا، يجتمع المهنئون للزف ببضع آلات موسيقية قد تقتصر على الدف والعود والدربكة ويجتمعون في دائرة أمام البيت الذي تنتقل إليه الزوجة والتي يراها زوجها للمرة الأولى بعد الزفاف، وهو وحظه!»

          «يعاني شبابُ البحرين أزمة زواج، والسبب ارتفاع المهور (الصداق)»، هكذا كُتِبَ في «العربي» قبل خمسين عامًا، واليوم أتناول صحيفة الصباح فأجد فيها هذه السطور: «ضمن مسح عشوائي على 6 مناطق شمل نساء تتراوح أعمارهن بين 30 و40 سنة وجد أن منطقة سترة تضم 2000 عانس تليها الدراز ألف عاننس وجد حفص 950 عانسًا وبني جمرة 150 عانسًا وقرية أبو قوة 100 عانس». وكأن نصف قرن لم تحل المشكلة، بل زادتها، خاصة أن شبابا يتجهون للزواج من أجنبيات لا يحملوهن أعباء الزواج التقليدية بين العائلات الكبيرة في المملكة.

          يستطرد أبو خالد: «لكن الآباء والأجداد كانوا يعيشون سعداء، وكان الرجل إذا طلب مساعدة لبناء سقف بيته من السعف هب إليه الجميع، في فزعة واحدة يتعاونون لمساعدته. أنظر حتى للمقهى الذي نجلس فيه، لم يكن هناك تليفزيون ومصارعة وغناء فاسد، بل كانت هناك مسابقات في ألعاب الدامة وغيرها، يتحدى فيها المتسابقون بل وتحدث مهاوشة (عراك) لجدية المتنافسين على الفوز بالجائزة التي قد تقتصر على المشروب البارد. أما الأمراض فلم تكن بهذه القسوة التي تواجه المجتمع اليوم، وكان هناك معمرون، فوالدي عاش 110 سنوات، وكان إفطاره أكثر من كيلو من التمر مع دلة القهوة المرة، فالتمر والقهوة كانا رئيسيين على المائدة البحرينية، ولم يكن هناك من يشكو أمراض القلب والمعدة كما يحدث الآن. ولا تنس احترام الكبير الاحترام الواجب، والمفتقد اليوم، حيث يزاحم الصغار الكبار في كل أمر، حتى في صفوف الصلاة»!

يوم الدشة

          استعادة الماضي لا تتوقف داخل المقهى، بل تمتد إلى البحر الذي عزفت أمواجه قصصا في كتاب مملكة البحرين وأهلها. ففي أول نشاط من نوعه عاشت محافظة المحرّق «يوم الدشة»، الذي خُصص لإحياء مهنة الغوص بحثا عن اللؤلؤ، المهنة التي مارسها الآباء والأجداد وأبرزت على مدار السنين مدى صبر وتحمل أهل البحرين الأوائل للمشقة التي وجدها الغواصون بحثًا عن حبات اللؤلؤ. وقد صادفت رحلة «العربي» إلى مملكة البحرين أن تشهد هذا اليوم الذي يستعيد ما عاشته البعثة الأولى إلى البحرين على الطبيعة قبل نصف قرن.

          تخرج للبحر أربعة قوارب غوص تحمل أعضاء الرحلة الاستثنائية، بصحبة طرادات خفر السواحل، وجمعية البيئة البحرينية، وطائرات هليوكوبتر، وممثلي الإعلام، والكل يستمتع بأصداء أهازيج وأغاني فرقة إبراهيم مسعد للفنون الشعبية تستعيد إيقاعات الغوص والهولو واليامال.

          إنه يوم يستعيد مهنة مورست هنا وفي أنحاء من دول الخليج العربية لآلاف السنين، والجميل أن تسعة غواصين بحرينيين غاصوا لصيد اللؤلؤ في المنطقة البحرية جنوبي الحوض الجاف (تسمى صيَّاح)، بمشاركة بعض الأهالي، وحصلوا على بعض اللآلئ من المحار الذي جمعوه، وأعلن مستشار الملك صالح بن عيسى بن هندي ومحافظ المحرق سلمان بن عيسى بن هندي، أن هذه اللآلئ ستهدى في مناسبة لاحقة إلى ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة الذي ساند فكرة «يوم الدشة» تخليدًا لتراث الأجيال السابقة.

          على هامش هذا اليوم الاستثنائي نلتقي في منطقة «الحد» أحد كبار غواصي اللؤلؤ الذين خبروا حياة البحر وأعطتهم الذكريات وأخذت منهم سنوات وسنوات. يتحدث الغواص المخضرم محمد حسين عن الغيص، (الغوص)، باستفاضة أكثر مما ذكره لنا أبو خالد ويستعيد أيامًا لاتزال محفورة في ذاكرته:

          «كنا نغوص أربعة شهور وعشرة أيام مقابل أربعة دنانير ونصف الدينار للفترة كلها! يعطينا إياها النوخذة بعد أن ننتهي من الغوص على فترات وفي مجموعات. فترات الطقس تحدد عدد من يغوص وعدد من يبقى على سطح مركب الغوص. كان العدد دائما ثلاثين غواصا، وحين يشتد الحر يغطس عشرون ويبقى على السطح عشرة، ويغطس هؤلاء العشرة بالتبادل مع من يساويهم عددًا، وهكذا. وحين يعتدل الجو يكون العدد منقسمًا إلى مجموعتين من 15 شخصا، يتناوبون على الغوص والصعود إلى سطح المركب. أما حين يتوقف الغوص فقد يعمل الغواصون على ترميم المركب شهرين شتاءً لا يتقاضون عنها سوى دينار واحد!

          يقول محمد حسين: «تعلمنا في مدرسة الحياة، وخبرنا كل شيء بالممارسة، علمنا لم يضع ولم ينسَ لأننا أخذناه عن تجربة. وإذا حدثتك بين الأمس واليوم لاحتجنا إلى أكثر من نهار. كانت سنوات التعليم الأولى تبدأ في سن الرابعة بالقرآن الكريم. يأتي الشيخ ليدرسَ الصبية في المساجد. ويأخذ الشيخ أجره كل خميس بيزتين، وربما ترسل الأم للشيخ بيضة دجاجة كل خميس أجرًا عن تدريس ابنها القرآن الكريم»!

          ينتقد محدِّثنا التفتح الذي صارت إليه الحياة، وقد عزاه للاختلاط، وأخلاق الغرب: «كانت البنت الصغيرة لا تخرج من بيتها، وإذا رآها أحد من أهل الحي أمرها بالدخول، ولا يرى الرجل زوجته إلا بعد عقد القران وليلة العرس. قبل ذلك تذهب الخاطبة إلى بيت العروس، فإذا أكرمها أهلها بالطعام واللسان الحلو، عادت لتقص الأطايب عن العروس وخصالها! وليلة العرس يأتون بالعروس لبيت زوجها في حصير. أما اليوم فينفق المتزوجون أربعة آلاف دينار على حفل ليلة الزفاف، وهي نقود لو ادخرها الشريكان لحياتهما لكان أفضل».

          لم يكن في كلمات محمد خليفة وكلام محمد حسين ما يبعث على اليأس، ولا يغرق في القنوط، فهي بالنسبة إليهما كلمات تعبر عن رأيهما وتجربتهما، وهي في الوقت نفسه تجسد مشاعر الأجيال السابقة في كل مجتمع وليس المجتمع البحريني وحده، والطريف أن أبو خالد قال لنا في ختام كلامه:

          «لو عاد الأولون إلى الحياة، ورأوا ما تعيشه البحرين اليوم، لتمنوا أن يعيشوا في هذه الأيام، وأن يتمتعوا بالرفاهية التي يتمتع بها أبناء اليوم»!

          إن مجتمع البحرين الشاب يضم عددا من كبار السن الذين يتمتعون بروح الشباب ونشاطه، وتشير الإحصاءات إلى ارتفاع متوسط العمر المتوقع إلى 73 عاما وثمانية شهور (تقرير رسمي 2002م) ليكون من أعلى المعدلات العالمية التي تمثل دليلا على تقدم الخدمات الصحية في البلاد.

قلاعُ البحرين

          غادرنا المقهى، وانتقلنا إلى موقع أدْرجَ سنة 2005 ضمن التراث العالمي، الذي تضيف إلى قائمته اليونسكو المواقع الأثرية والتراثية الفريدة لتضمن لها برنامج حماية وترميم يليق بذلك الأثر الضخم.

          إنها قلعة برتغالية عريقة شيدت في القرن الرابع عشر الميلادي يطلق عليها اليوم قلعة البحرين، وهي لا تمثل ذلك البناء المعماري الدفاعي فقط، ولكن المنطقة تضم أيضا موقع الميناء القديم وعاصمة حضارة دلمون، على مساحة تغطي 17 هكتارًا ونصف الهكتار، عَمَّرَتْه على فترات زمنية حضارات بائدة امتدت من منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد، حتى فترة الوجود البرتغالي في مملكة البحرين.

          يسوِّر قلعة البحرين خندق هائل، يمتد مع ثلاثة أضلاع للقلعة المربعة، أما الضلع الرابع فهو البحر، الذي تكشفه العينان حين نصعد إلى أعلى أبراج القلعة. كان البحر مكشوفا من قبل زرع النخيل على الشاطئ ليشكل بلونه الأخضر سياجًا للبصر.

          قبل سنوات طويلة لم يكن ذلك الموقع المعماري المميز سوى مساحة من الرمل، الذي دفن تحته هذا الكنز الأثري الفريد، لكن اليوم يفخر البحرينيون بهذه القلعة التي نهضت من تحت الرمال مثل عنقاء تروي التاريخ. ومثلت زيارة الشيخ حمد ملك البحرين لذلك الأثر بعد ترميمه لفتة ملكية تحث شعبه على الاهتمام بالماضي وتأهيله للمستقبل لفائدة عظيمة تضع البحرين بقوة على خارطة المواقع الأثرية في منطقة الخليج العربي. ومع تلك اللفتة الملكية كانت هناك لفتة جمالية تمثلت في بيوت القرية التي قادتنا سكتها إلى تلك القلعة البرتغالية، وقد زينت جدرانها برسوم تقليدية، فأصبح المشهد يمزج بين نخيل في الجوار ونخيل على الجدار.

          لاتزال هناك تنقيبات حول القلعة، لا شك أن مدنا كثيرة تختفي تحت هذه الرمال، تقص ما خفي من التاريخ لجزر البحرين التي عرفت، ولاتزال طرق التجارة العالمية بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب.ومثلما قارن لنا «الشياب» بين الماضي والحاضر في مملكة البحرين، كان ذلك الأثر، قلعة البحرين، يروي لنا مقارنة أخرى بين الماضي والحاضر. فقبل خمسين عامًا لم يكن لذلك الأثر وجود على خريطة المواقع التاريخية في البحرين، أما اليوم فقد ظهر إلى الوجود، وتم ترميمه، وإضاءته بشكل راق، وربما يلحقه التأهيل ليصبح مزارا مرموقا، خاصة أن القلعة بحال جيدة. وقد غادرناها ونحن نحلم بأن تقام فيها معارض وعروض، مثلما يحدث في حرم قلعة عراد، التي تستضيف حفلات موسيقية شابة جنبًا إلى جنب مع استضافتها حفلات استثنائية قدمت فيها الفنانة فيروز باقة من أجمل أغانيها التي لاتزال أصداؤها تترى مع الأمواج.

          تأخذنا الخطوات من قلعة البحرين، إلى قلعة عراد، وصولا إلى قلعة الرفاع، أو قلعة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة الفاتح، التي شيدها سنة 1812 ميلادية، نموذجًا للعمارة الإسلامية، وتأسست على أطلال قلعة عتيقة مشيدة في القرن السابع عشر (1698 م). لقلعة الفاتح أربعة أبراج تقوم على زواياها الأربع، وتتصل بممرات علوية، وقد شيدت باستخدام المواد التقليدية (الحصى والطين والجص)، ورممت جدرانها وأبراجها وغرفها (35 غرفة) باستخدام تلك المواد نفسها في سنة 1989 ميلادية. القلاع الثلاث تشترك في التعبير عن اهتمام معاصر من مملكة البحرين بالتراث، وتأهيله لخدمة الثقافة الإنسانية والتراث البحريني، الذي تجسد هويته هذه المفردات المعمارية التاريخية جنبا إلى جنب مع المفردات المعمارية المعاصرة.

تأهيل الإنسان

          في «مركز الجسرة للحرفيين» عرفنا أن التأهيل لا يشمل المكان فقط، بل يبحث أيضا في إمكانية تأهيل الإنسان البحريني للحفاظ على تراثه. لقد بدأ المركز أعماله منذ 16 سنة، بتخصيص بناء جميل التصميم من طابقين له باحة كبيرة وحدائق وأرائك وغرف ذات تصميم مناسب لكل مهنة تقليدية، يعمل فيها جنبًا إلى جنب نساء ورجال تشربوا الحرف القديمة، ومارسوها ردحًا من الزمن، فمنهم صانعون وصانعات للسلال، وناسجون وناسجات للثياب والبسط، فضلا عن مصممي السفن البحرينية التقليدية المصغرة، كما أن هناك من يبني الصناديق التي كانت العروس في الماضي تحتفظ بداخلها بما هو ثمين لديها (تسمى المبيت)، ولم ينس أيضا المركز حرف الفخار التي استقطبت لها فنانًا من منطقة عالي المشهورة بصناعة الفخار، وقد زرنا لاحقًا المنطقة ورأينا الأفران التي تحول الطمي المصمم إلى فخار جاهز للاستخدام في الحياة اليومية.

          المهم أننا عرفنا عزم القائمين على مركز الجسرة للحرفيين في إضافة مؤسسة تعليمية أكاديمية تخرِّج فنيين مميزين يحملون شهادات معتمدة مما يستقطب أجيالا جديدة تحافظ على المهن التي باتت على شفا الانقراض. وعلى ذكر تأهيل الإنسان أعود لتاريخ التعليم في البحرين، حين اجتمع أهل الرأي في جزيرة المحرق لإنشاء مدرسة نظامية، واكتتبوا لمصلحة المشروع، وتأسست مدرسة الهداية الخليفية للبنين في عام 1919م في المنطقة الشمالية من مدينة المحرق، ثم قامت اللجنة الأهلية المشرفة على التعليم آنذاك بتأسيس المدرسة الثانوية للبنين في مدينة المنامة في عام 1926م. كما افتتحت أول مدرسة نظامية للبنات في عام 1928م أطلق عليها مدرسة الهداية الخليفية للبنات، ثم بدأ النظام التعليمي في التوسع الواقع خلال الأربعينيات مع إنشاء نظام رسمي بشكل أكبر للمدارس الثانوية الحكومية، وبعد الاستقلال أقامت البحرين في سنة 1971 م نظامًا تعليميًا حديثا يضم اليوم أكثر من مائتي مدرسة. كما ازداد عدد مراكز تعليم الكبار إلى 43 مركزا (17 للرجال و26 للنساء)، وقد قلص ذلك الأمية لتكون من أدنى المعدلات العالمية، كما أنها من أدنى المستويات في العالم العربي. وقد خصصت وزارة التعليم 16 مليون دينار بحريني خلال السنوات الخمس الماضية لتطوير المنشآت التعليمية.

          حول رحلة التعليم، وخاصة تعليم ونهضة المرأة في البحرين، استضافتنا الشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة رائدة للعمل الاجتماعي في البحرين، وهي التي شاركت في تأسيس جمعية رعاية الطفل والأمومة قبل 55 عامًا، مثلما شاركت في تأسيس نادي السيدات، كما أنها تترأس الجمعية ومجلس أمناء معهد الأمل للأطفال المعوقين، ومجلس أمناء مركز معلومات المرأة والطفل، ورئيسة لجنة الأحوال الشخصية منذ تأسيسها قبل ربع قرن، وعضوة في جمعيات إقليمية وعربية ودولية، مثلت فيها بلادها.

          تُرجعُ الشيخة لولوه أسباب نهضة المرأة البحرينية إلى وجود مؤثرات مبكرة كثيرة، لا تقتصر فقط على وجود مربيات ومعلمات من الشام، ولكن أيضا للانفتاح الذي كان عليه الرجل البحريني المثقف، الذي سمح للمرأة بالتعليم منذ ثمانين عامًا، لتأتي أجيالٌ نسوية تعملُ في مختلف المجالات، وصولا إلى الحرية التي تتمتع بها المرأة اليوم، لتحقق حلمها في أن تكون بأعلى المناصب، فهي تشارك في تعديل الميثاق وتنتخِب وتُنْتَخَب في البلديات والنيابات، وهي وزيرة وسفيرة، فضلا عن الاهتمام بإنشاء المجلس الأعلى للمرأة في عام 2001 ميلادي، الذي ترأسه الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة ملك البحرين.

          تمتزج ذكريات الشيخة لولوه العامة والخاصة، فهي أول زوجة بحرينية تسافر مع زوجها خارج البلاد، وتذكر الشيخة لولوه في معرض الحديث عن «العربي» أن زوجها الشيخ أسس ناديًا رياضيا يحمل اسم العربي في البحرين.

مركز للتراث الفني الشفاهي

          أخذنا حديث البحر للغوص في موج التعليم، ولكننا نعود للغوص بحثًا عن اللؤلؤ ويوم الدشة. فإذا كان ذلك اليوم يستعيد مشاهد سجلتها «العربي» قبل خمسين عامًا، فإن شخصًا صاحب فريق «العربي» آنذاك كان بانتظارنا، بعد نصف قرن ليقص علينا أطرافًا من تلك السيرة الأولى. إنه الفنان الموسيقي وتاجر اللؤلؤ أحمد الفردان الذي عشق الفن واللؤلؤ إرثا من والده إبراهيم الفردان.

          فوق أحد معارضه لبيع أطقم اللؤلؤ، الذي يتوسط مجمعًا عصريا يضم الأسماء العالمية في العطور والموضة، نصعد إلى مكتب بسيط يجلس فيه الفردان بتواضع جم. تزدحم جدران المكتب بشهادات تقدير لمساهمات الفردان في توثيق الموسيقى التقليدية، أكثر مما تضم من شهادات تخص اللؤلؤ، لذلك تركت له الحديث عن الرابط بين الطرب واللؤلؤ، ولكنه بدأ بالحديث عن مجلة «العربي»: «صدرت مجلة «العربي» لتكون واجهة جديدة، ولتدور في فلك على غير المألوف والمعروف في الخليج، الذي كان يتابع مجلتي «المصور» و«روز اليوسف»، فإذا بالقارئ هنا يجد مجلة تهتم بالخليج والفنون الشعبية وفرق الكويت الموسيقية التقليدية، ولذلك كنا نتابعها وننتظر صدورها ونحتفظ بأعدادها. وقد رافقت بعثتها الأولى في البحرين، والبعثات التي جاءت من بعدها بسنوات».

          يحكي كيف أحضروا لبعثة «العربي» الأولى من المحرق فرقة شعبية موسيقية لتنضم إلى فرقة أخرى في المنامة، «واجتماع الفرقتين أمر نادر الحدوث، ليتم تصوير وتسجيل وتوثيق هذه الفنون التي حرصت «العربي» على إبرازها، وأتخيل أن لدى «العربي» أرشيفًا كاملاَ للفن الشعبي والفنانين الشعبيين في دول الخليج العربي، بما يجعلها بنك الفن في الخليج في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي».

          يستطرد الفردان: «اهتمت مجلة العربي أيضا بتوثيق فنون الأعراس، وكذلك المهن التقليدية كمهنة الغوص.

          وقديمًا كانت البحرين تعرف خروج ألف مركب يحمل عشرين ألف غواص بحثًا عن اللؤلؤ، لكن في 1958 حين وصلت «العربي» للمرة الأولى لم يشهد البحر سوى عشرة مراكب فقط تبحث عن اللؤلؤ».

          وتحدث الفردان عن مساهمته في الرحلة الأولى التي حكى فيها عن اللؤلؤ وأنواعه، وفنون البحر المرتبطة به. ونادى دول الخليج، وخص بالذكر دولة الكويت ودولة قطر، كي يكونا لجنة من المختصين والخبراء في الفنون الشعبية تؤسس مركزًا للتراث الفني الشفاهي، تجمع فيه تسجيلات حية لهذه الفنون (التي عدد منها فنونا خمسة للبحر في البحرين كمثال: العدساني، البحري، حدادي، المخولفي، الحساوي) قبل أن تنقرض. وهي دعوة تبدأ بها «العربي» عامها الواحد والخمسين توجهها للمهتمين بحفظ التراث الشفاهي لمنطقة متميزة تراثيا بفنون ارتبطت بمهن تقليدية انقرض معظمها أو كاد جلها أن يختفي.

خمسون عامًا.. خمسون معْلمًا

          اليوم تعود «العربي» بعد خمسين عامًا إلى البحرين، لتستطلع في زيارة جديدة خمسين معلمًا جديرة بأن تلتفت إليها العيون، وتسجلَ شواهدها الحروف. سنعدُّ منها ثلاثة كتبنا عنها في أول الرحلة، قلعة البحرين وقلعة عراد وقلعة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، كما لنا أن نضيفَ رابعًا، مسجدَ «الفاتح» الذي يعكس معماره استلهامات شرق أوسطية عديدة ويتسعُ لأكثر من سبعة آلاف مصل، ونصل خامسًا إلى المتحف الوطني الذي يقع على بعد خطوات من باب البحرين في تقاطع جسر الشيخ حمد بين المنامة والمحرَّق وشارع الملك فيصل، والمشيد في سنة 1988 ميلادية بكلفة 34 مليون دولار. وباب البحرين نفسه، نضعه سادسًا بقوسه الأكبر وساعته الكلاسيكية معلم تم تجديده في 1986 ميلادية، ويضم طابقه الأرضي سوقا للحرف التقليدية. ونتوقف سابعًا مع التاريخ عند حفريات سار التي تمثل بقايا قرية من حضارة دلمون (الألف الثالثة قبل الميلاد)، ومساحة مستطيلة ضلعاها مائة متر في مائة وخمسين مترًا. أما أكبر مقبرة في العالم فلن تجدها إلا في البحرين، وتضم قبورًا تتسع لمائة وسبعين ألفا يعود أقدمها إلى 3000 ق.م، وأحدثها إلى سنة 600 ميلادية. وكل مقبرة تتكون من غرفة حجرية وهي في قرية العالي وتسمى المقابر الملكية وهي معلمنا الثامن (ذكر الاستطلاع الأول لمجلة «العربي» قبل خمسين عامًا أن هناك مليون قبر تاريخي في البحرين). ونختتم العشرة الأولى بمعبدين؛ الأول معبد بابار وهو ثلاثة معابد في حقيقة الأمر شيد أحدها فوق الآخر يقدم مفاتيح تاريخية للشعائر الدينية في حضارة دلمون، وقد شيدت معابد بابار بين الألف الثانية والألف الثالثة قبل الميلاد، وكرست لعبادة إله الحكمة وماء الحياة إنكي، وتحكي الأسطورة أن إنكي عاش قرب بحيرة عذبة المياه في قصر مغطى بالفضة! أما المعبد الهندوسي فهو معلم جديد يقدم صورة للبحرين المتسامحة دينيا، فمع مساجدها المخصصة للسنة والشيعة، هناك مساحة لممارسة الدين المسيحي والعقيدة الهندوسية بالمثل.

          في المحرق، الوجه القديم لمملكة البحرين، نتوقف عند خمسة شواهد، المقاهي التي تصخب بحديث الصباح والمساء للشياب، والأسواق العتيقة للتمر والحلوى، ومكيفات الهواء التي اخترعها قبل الكهرباء مهندسو البيوت البحرينية التقليدية وهي برج يجمع الهواء ليدفع به من أعلى إلى أدنى غرف الدار ويسمى بصفق الهواء ـ برج الرياح أو باللهجة الدارجة: باديكير، وبيت الشيخ عيسى بن علي الذي يجسد الحياة الملكية في القرن التاسع عشر، وقد حكم البحرين بين عامي 1869 و1932 ميلادي، وبيت سيادي قرب بيت الشيخ عيسى بن علي وتعود ملكيته لأحد تجار اللؤلؤ في البحرين خلال القرن التاسع عشر.

          ومع كائنات حية تشارك البيئات البرية والبحرية نتوقف عند مزرعة للإبل، ومحمية حديقة العرين بقطعان المها العربية، وفي بضعة أماكن متفرقات يستطيع محبو مشاهدة الطيور التعرف على بضع فصائل من ثلاثمائة نوع تم تسجيلها في المملكة. ونختتم هذه المعالم الخمسة بمزارع التمر، وشجرة الحياة، وهي شجرة معمرة وحيدة تنهض على ربوة في وسط حياة، وتنسج حول مصدر مياهها الأساطير. ويقول علماء للنبات إن عمرها يبلغ ثلاثمائة عام!

          طوله 25 كيلومترًا، وكلفة إنشائه مليار دولار، وشيد في 1986 لينهي جغرافيا فترة 25 ألف سنة من عدم اتصال أرض مملكة البحرين بأرض المملكة العربية السعودية، هذا هو المعلم الذي نتوقف عنده: جسر الملك فهد. وجسر آخر يربط المنامة العصرية بالمحرق القديمة هو جسر الشيخ عيسى بن سلمان، الجسر الذي يميزه شراعان شاهقان، يضع ناطحات السحاب خلفه والمياه تحته، في مشهد استثنائي، خاصة عند شروق الشمس وغروبها. ومادمنا قد عبرنا الجسر، فلنتوقف عند سوق المنامة خلف باب البحرين محلات التوابل ومعارض اللؤلؤ الطبيعي، التي تكمل نصف رحلة خمسين عامًا وخمسين معلمًا.

          في كل بلد سوق للأغراض المستعملة، وهو هنا في البحرين، يطلق عليه سوق الحراج، ويقع في مدينة عيسى. كل شيء قديم عتيق مستعمل ستجده، وليس من الضروري أن تكون الأشياء القديمة من الأنتيكات، لكن لها عشاقا كثيرين. وفي المنامة نتوقف عند معلم آخر هو سوق السجاد الفارسي، أو لنقل أسواق، لأن هناك أكثر من متجر يبسط فيها أصحابها أمامك السجاد القادم من تركيا، وأفغانستان وإيران، بل والصين. وأنت تدفع مئات (أو آلاف) الدولارات يمكنك أن تحتسي القهوة وأنت في ضيافة بائع السجاد. ونعود للمحرق حيث يحفر صناع سفن الداو في الصخر (أقصد الخشب)، ليحافظوا على تقاليد بناء هذه السفن التي عبرت بآباء البحرين وأجدادهم إلى أعالي البحار. وقد كتبت عن زيارة العالي حيث صناعة الفخار، وهي من المعالم الخمسين في البحرين، أما المعلم الثلاثون فسنجده في بني جمرة، وهي قرية قرب شارع البُديع تخصص أهلها في صناعة السجاد الشعبي الذي يضم ما يقرب من 2600 سطر من الخيوط التي تمتد ثلاثين مترًا!

          من المعالم التي نضيفها هنا أحد أقدم مساجد المملكة، وهو مسجد الخميس، الذي يعتقد أن تاريخ بنائه يعود إلى العام 296 ميلادي، بيد أن الخطوط المنقوشة فيه ترجح أنه بني في القرن الحادي عشر. وقد توقفت الصلاة في المسجد قبل أربعين عامًا، ونقل تصميم منارته إلى بيت القرآن، المعلم التالي في رحلتنا الخمسينية، وهو بيت لا يضم نسخا نادرة من القرآن الكريم فقط، بل نماذج فريدة من الخط العربي لفنانين معاصرين. وفيه قد تجد زوارًا من كل الجنسيات جاءوا ليروا في مبنى تصعده من دون درج كل خطوط رسم المصحف الشريف من كل أصقاع العالم الإسلامي، من بينها مصحف يعود إلى القرن السادس عشر مكتوب بحروف الذهب، وبعض المصاحف يزيد على المتر عرضا حين تُفتح دفتاه، مع آيات قرآنية مرسومة على حبات الأرز! كما نضيف معرض الفنان راشد العريفي في أحد المجمعات الشهيرة الذي يستحضر في أعماله النحتية فنون حضارة دلمون. وسنعبر سريعًا بعين أم السجور في الجهة الشمالية الشرقية من قرية دراز وكانت تحتوي على أكبر ينابيع مياه البحرين العذبة وقد اكتشفتها البعثة الدنماركية سنة 1954 واكتشفت بعثة يابانية بئرًا أخرى تعود للألف الثانية قبل الميلاد في سنة 1994 ميلادية وهي عيون كانت تستحضر طقوسا دينية خاصة حول عبادة الماء والخصوبة. ونختتم في القرية نفسها بمعبد الدراز المستطيل الحجر والذي يضم عددًا من الأعمدة الأسطوانية مع مذبح القرابين. قبل أن نمر بمقابر نموذجية التخطيط (مقابرها على هيئة خلايا النحل)، وهي بموقع سار الأثري. أما القنوات التي استخدمها مزارعو البحرين قديمًا لري أراضيهم فقد جفت لكن آثارها باقية في مدينة حمد على سبيل المثال، مثلما هي موجودة على الساحل الغربي، ويرجع تاريخها إلى ما قبل الإسلام، وربما تكون نظامًا للري نقله المزارعون عن بلاد فارس. ونختتم الأربعين معلمًا بثلاثة بيوت؛ بيت علي رضا وقد ناهز عمره القرن، والذي رممه أحد رجال النفط من تكساس في التسعينيات من القرن الماضي ليستعيد تصميمه العربي، في ما أعاد معماري فرنسي قبل عشر سنوات تصميم حديقته ليصنع منها أرضًا للعجائب، تضم متحفا وتديره حفيدة صاحب البيت الأصلي فاطمة علي رضا. وبيت عبد الله آل زايد وهو ناشر «البحرين»، أول صحيفة صدرت بالبحرين، وقد اشترت البيت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وكيل وزارة الإعلام للتراث والثقافة وأعادته لهيئته الأصلية وجددت فيه وأعادت زجاج نوافذه الملون إلى أصله، وفتح للعامة ليلقوا النظر على عمارة البيوت في أوائل القرن الماضي (وأنشأت أمامه مكتبة عصرية للأطفال). وأخيرًا بيت الشيخ إبراهيم وهو بناء جديد على طراز قديم، بأقواس إسلامية (مقرنصات)، ومشربيات، وألواح جصية نقشت عليها الحروف العربية، ويستضيف زوارا من الباحثين، فضلا عن المحاضرات والأمسيات الشعرية.

          بيوت أخرى تستحضر الروح الثقافية للمملكة، أولها بيت الشاعر البحريني الراحل إبراهيم عبد المحسن العريض، وقد سكنه ثلاثين عامًا. تدفق لؤلؤ اللغة العربية ودر الأبجدية الإنجليزية، بين يدي شاعر البحرين، الذي ولد في مدينة بومباي (الهند)، إحدى المحطات التجارية الكبرى، أيام عشق أبناء الخليج العربي لركوب البحر والرحلات عبر المحيط، عندما كان والده يزاول مهنة صيد اللؤلؤ في 1908م. في هذه المدينة الساحلية نشأ العريض وتلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي، وتعلم اللغات «الأوردية، والإنجليزية، والفارسية» وعاش مع أسرته في الهند حتى عام 1926م حيث عاد إلى البحرين ليزاول مهنة التعليم بمعارف البحرين من عام 1927م حتى عام 1932م حيث أسس «المدرسة الأهلية» وعمل مديرا لها حتى عام 1935م، ثم انتقل للعمل كبيرًا للمترجمين في إحدى شركات النفط بالخليج. وقد وهب ابنه الدكتور عبد الجليل العريض متحفًا من صور الشاعر الراحل وأشعاره ومراسلاته وأوراقه الخاصة.

          وما دمنا في بيت العريض وساحة الشعر والعروض فلنتوقف عند سلم موسيقي يحتفظ به بيت محمد بن فارس، الذي يمثل متحفًا موسيقيًا، لأحد أساطين العود الراحلين وكاتب الأغاني الذي يضم بيته مجموعة تسجيلاته الموسيقية النادرة، فضلا عن أدواته ووثائقه. كما أن هناك بيت كُرار الذي تحاول النساء فيه الحفاظ على مهنة تطريز الأقمشة من الانقراض، مثلما يحدث في معلم آخر، وعلى نطاق واسع، ولأكثر من مهنة تقليدية في مركز الجسرة للحرفيين.

          من بين المعالم التي تعد خطوة رائدة في الخليج العربي، دار يوكو لرعاية الوالدين. وقد بدأت الفكرة في منطقة الحد بجهود أهلية دعمتها شركة يوكو للمقاولات البحرية، وخصصت وزارة الصحة أرضًا للدار، وتبرع الجميع لتأثيثها، كما بلغ عدد المتطوعين 150 شخصا موزعين على خدمة ورعاية المترددين على الدار من كبار السن، وهي رعاية صحية وثقافية وترفيهية ودينية كذلك.

          معلم عصري آخر يضاف إلى معالم البحرين الخمسين هو ساحة الفورمولا، ومضمارها حلبة البحرين الدولية التي تستقبل الحدث العالمي لسباق سيارات الفورمولا واحد. هناك كنا على موعد مع نقلة جديدة يمكن أن أسميها «فورمولا لكل مواطن»! فقد عرض المنظمون ثلاث باقات لعشاق رياضة السيارات تخولهم التحول إلى سائقين في تجربة فريدة ملؤها الإثارة والمغامرة والمرح. فعلى المضمار الوعر يجرب المتسابقون سيارات الدفع الرباعي في بيئة صحراوية بها 30 حاجزًا مصممًا لاختبار أشهر سيارات الدفع الرباعي في العالم. كما يمكن اختبار سيارة سباق حقيقية خفيفة الوزن بمواصفات تجنب قائدها الانزلاق الخطر كما يحدث في السيارات العادية. بل هناك مجال للدراجات النارية بالمثل. وهي مشاركات يدفع المتسابقون فيها بين 35 و 90 دينارًأ بحرينيًا لكل فرد مشارك!!

عمارة الشراع والمستقبل

          في ختام قائمة «خمسين معلمًا لخمسين عاما»، سنطوف مع عدد من المشاريع المعمارية التي ستميز البحرين خلال السنوات القادمة. وسنطلق في البداية من دون تحفظ على ما يصعد إلى سماء البحرين اليوم من عمائر بأنها تدخل في باب عمارة الشراع، إذا كان هناك في الهندسة هذا القسم! فكل بناية وكل فندق وكل ناطحة سحاب وكل نصب تذكاري تبحث جميعها عن زاوية للشراع الذي ظل شاهدًا على التاريخ البحري في البحرين لتنقلها بالأسمنت والحديد واللون إلى فضاء المدن الجديدة والعمائر الحديثة والمنشآت العصرية، والتي ينهض معظمها اليوم على دفن البحر، وهو مصطلح يشير إلى المناطق التي تردمها المملكة لتضيف مساحات من اليابسة لجزرها وشواطئها (سيتم إنشاء مدينتين إسكانيتين جديدتين في المحرق والمنطقة الوسطى، ضمن المخطط الإستراتيجي في ربع القرن القادم، تضمان أكثر من 15 ألف وحدة سكنية، من خلال عمليات الدفن نفسها)! وليس الدفن وحده هو الاتجاه المعماري الجديد، بل بناء الجسور، بين أطراف المملكة وجزرها الطبيعية والصناعية، بل بين البحرين وجيرانها، وقد بدأ ذلك بجسر الملك فهد، والخطوة العملاقة التالية هي التي ستربط مملكة البحرين بدولة قطر، بجسر يبلغ طوله خمسين كيلومترًا!

          تسعى العمارة العصرية إلى استلهام التراث، تتقوس ناطحة السحاب لتشكل شراعًا، تنحني أخرى لتكون صاريًا، وتتحد ثالثة مع توأم لها ليكونا رأسي سفينة بوم، ومن لا يتبع ذلك ولا ذاك يرسم على واجهته بالألوان أو الأضواء الملونة شكل الأشرعة أو الشراع العملاق. حتى مواقف السيارات في بعض الكليات والمجمعات التجارية تمزج بين شكل الخيمة والشراع. إن الأشرعة المعمارية في البحرين اليوم تمثل منارات يصعد إليها صوت المهندسين الذين يعيدون تشكيل مدى البصر ليصنعوا بالخرسانة المسلحة مراكب عملاقة على البر، بعد أن غابت أو كادت المراكب التقليدية في البحر، وإذا كانت تلك المراكب التقليدية تمثل النموذج الحي للتجارة والاقتصاد المزدهر لطرق التجارة قديما، فإن المراكب العملاقة ذات الأشرعة الأسمنتية تمثل الواجهة اليوم للتجارة العصرية الموزعة بين المؤتمرات الدولية والصفقات المصرفية والبورصة النقدية والسياحة التاريخية وغيرها من مفردات تشكل قاموس التجارة اليوم. ومن المعروف أن حجم استثمارات المؤسسات الإسلامية البحرينية في دول شرق آسيا الإسلامية تصل إلى 12 مليار دولار أمريكي خلال سنة 2006م، مقابل 5 مليارات فقط في عام 2000م (ارتفع عدد العاملين في القطاع المصرفي بالبحرين إلى أكثر من 10 آلاف هذا العام)، مما يجعل من وجود هذا المرفأ تلبية لضرورة ملحة.

          هذا التطور ينعكس على مستوى الحياة في البحرين، وتقدر الأمم المتحدة أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي قد بلغ 12 ألفا و564 دولارًا كواحد من أعلى مستويات المعيشة في العالم، وتشير إحصاءات رسمية إلى أن متوسط ذلك الدخل يبلغ نحو 4500 دينار بحريني.

          إنك أينما وليت وجهك في مملكة البحرين اليوم رأيت الرافعات تدفع بأذرعتها إلى السماء حاملة حجرًا جديدًا في بنيان جديد، أو رأيت الحفارات تشق نفقا أو الجرارات ترصف طريقا، أو العمال ينجزون بناء هنا أو هناك. الجميع يرسم معًا خريطة جديدة لمستقبل مملكة البحرين القريب. على أرض الواقع كنا في منتصف مشروع هنا أو بداية مشروع هناك، وكلها تحمل عنوان الجنات الموعودة.

          هناك مجموعة جزر أمواج، وهي جزر اصطناعية تغطي مساحة 30 مليون قدم مربعة، مخطط لها أن تضم مجمعات سكنية وطبية وتعليمية وترفيهية، ويسمح فيها بالتملك للأجانب ويربط في ما بينها عدة جسور وقد شيدت شمال شاطئ المحرَّق، ويتوقع أن تستكمل في سنة 2010 ميلادية، وأن تتكلف مليارًا ونصف المليار دولار. مجموعة أخرى من الجزر الاصطناعية تبلغ 12 جزيرة أطلق عليها اسم درة البحرين، تغطي مساحة 21 كيلومترًا مربعًا، وتضم ألفي فيلا، وأكثر من 6 آلاف شقة ومكتب، فضلا عن الشواطئ الخاصة وتنتهي آخر عام 2009 ميلادي وتكلف ثلاثة مليارات دولار، وتقع في الساحل الجنوبي من البحرين.

          على هيئة الرقم 9 أقامت البحرين هذه الجزيرة الاصطناعية على مساحة ستة ملايين ومائة ألف قدم مربعة، لتضم 39 مبنى سكنيا، يصل مجموع الشقق فيها إلى 1217، تطل كلها على البركة العملاقة أو شاطئ المنامة حيث أقيمت قربه، وتتصل به بجسر، وينتهي المشروع المسمى بالريف في 2010 ميلادية، ويتكلف مليارًا وربع المليار دولار. أما في الرفاع فمشروع أخضر للإقامة السكنية بعدد 972 فيلا وملاعب الجولف بها تسع حفر مع أكاديمية للجولف، وفنادق فاخرة وكل ذلك على مساحة 270 هكتارا وبكلفة 625 مليون دولار، ويكتمل المشروع في صيف 2009 ميلادية.

          وعلى نمط ما رأينا من أشرعة يكاد يكتمل بعد أسابيع قليلة مركز البحرين العالمي للتجارة، ببرجيه المميزين، والجسور الثلاثة التي تربط بينهما، والمراوح (طواحين الهواء) العملاقة التي تتوسط الجسور لتعطيه شكل الانطلاق، وهو يقع في قلب المنطقة التجارية بالبحرين وسيضم فنادق ومكاتب. وهناك مرفأ البحرين المقام على مساحة مليون ومائة ألف ميل مربع ويتم إنجازه في عام 2012 ميلادي، بكلفة مليار ونصف المليار دولار. وهناك ميناء البحرين المالي، ويتكلف أيضا مليارًا ونصف المليار دولار، ومن أطرف ما سيضمه التاكسي المالي، ويقام في قلب المنامة ويضم كل ما يحتاج إليه مركز مالي في العالم، من مصارف ومكاتب وأسواق ومعارض وفنادق، وهو على أهبة الاكتمال. إن هذه المشاريع معًا تؤكد الترمومتر الاقتصادي الذي يضع البحرين في قائمة أسرع الاقتصادات نموًّا.

          هذا الاتجاه العالمي يزداد تأكيدًا يومًا بعد يوم، خاصة عندما أعلن رئيس وزراء البحرين الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة تخصيص جائزة سنوية للباحثين من مختلف دول العالم المبتكرين في مجال تحسين المستوطنات البشرية، وسيعلن خلال المنتدى الحضري العالمي الذي سيعقد في مدينة نانجينج الصينية في أكتوبر 2008 أول الفائزين بهذه الجائزة التي تعضد برامج الأمم المتحدة لتحسين الأحياء الفقيرة في البلدان النامية.

          في أول صباح لنا بمملكة البحرين انطلق المنتدى الإقليمي للمؤسسات المالية الإسلامية العاملة في تمويل المشروعات التنموية، وقد أشار وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا بدر الرافع إلى إن حجم التداول للمؤسسات الإسلامية يصل إلى 250 مليار دولار أمريكي، مما يجسد أهمية دورها في دعم برامج التنمية، ولفت محمد الشعار الأمين العام لمنظمة المحاسبة والتدقيق في المؤسسات المالية الإسلامية: إلى أن البحرين هي أول من طبق نظام العمل المصرفي الإسلامي، وأنها بفضل قوانينها المتكاملة تعد المركز المالي الإسلامي الأول في العالم.

          وعلى مساحة مليوني متر مربع، وقرب حلبة البحرين الدولية لسباق الفورمولا، حيث تقع في القلب شجرة الحياة، يتم تطوير حديقة العرين، وتكتمل التطويرات بنهاية عام 2010 ميلادي، وسيكلف أكثر من مليار ومائتي ألف دولار. وقد بدأ ذلك بافتتاح جنة دلمون المفقودة، أو الحديقة المائية، منذ أيام فقط، على مساحة 77 ألف متر مربع، مستلهمة في أقسامها وألعابها روح الحياة في حضارة دلمون ذات عيون المياه العذبة قبل آلاف السنين. ويقوم مشروع الحديقة المائية ومنتجع بنيات تري الصحراوي في المنطقة الجنوبية. وبأحدث وأضخم حديقة بحرينية نختتم جولتنا بين المعالم الخمسين في رحلة الخمسين عامًا.

التجارة في البحرين

          في دقائق خلت من برنامج زيارة مزدحم في مملكة البحرين تابعتُ برنامج «كلمة أخيرة» على شاشة تليفزيون البحرين، جمعت فيه مقدمتُه الصحفية سوسن الشاعر بين إبراهيم بشمي رئيس هيئة تحرير جريدة الوقت، إحدى الصحف الأحدث في المملكة، ومحمد البنكي رئيس تحرير جريدة الوطن.

          كان الحوار ينصب على جانبين؛ قصور الصحافة في تناول الإصلاحات الدستورية التي شهدها المشهد السياسي البحريني، وهو قصور عزاه البنكي إلى ضخامة ما تم في ذلك المشهد من تغييرات سياسية، أما الجانب الآخر فكان اتهام الصحافة بتهويل الأحداث والجريمة والتظاهرات العرضية الأمر الذي لاحظته في ما تنشره الجرائد وعما إذا كان ذلك يدفع المشهد الاستثماري للتراجع خوفا على استثماراته، وهو ما نفاه البشمي تمامًا، الذي أخذ زيادة الاستثمارات التي تشهدها البحرين في كل المجالات دليلا على وعي المستثمر الذي تصله المعلومات من أكثر من مصدر، وليس فقط من الصحافة المحلية، وأن الصحف الجديدة نفسها، كما عقب البنكي، هي نوع من الاستثمار الذي يتوخى استقرار المشهد البحريني الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

          اتخذت من هذا الحوار منطلقا للحديث مع الكاتب والمؤرخ سعيد الحمد في جريدة الأيام، إحدى أقدم الصحف اليومية الست التي تصدر في البحرين، الذي بدأ بالمقارنة بين الإعلام في زيارة «العربي» الأولى للبحرين حيث «لم يكن هناك من إعلام سوى الإذاعة التي كانت متواضعة للغاية، بغرف ثلاث فقط، للكتاب والأستوديو والإخراج، وجهاز بث لا تتعدى قوته 2 كيلووات، يعمل في المساء ثلاث ساعات فقط، سنة 1958. أما ما كان يصدر من دوريات فكان لبعض الشركات مثل شركة نفط البحرين (بابكو)، وجريدة (النجمة الأسبوعية)، وكانت الحركة الثقافية تتمثل في أسرة هواة الفن».

          يتوقف الحمد ليضع صورة الإعلام اليوم: «ما أكثر الأجهزة الإعلامية، التي يتقدمها التليفزيون، ويبث عدة قنوات على مدار 24 ساعة، بوجوه وأطقم فنية بحرينية، والإذاعة بموجاتها العديدة، وبكوادر بحرينية أيضا، فضلا عن الإعلام عبر منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية، من مسارح وجمعيات تشكيلية، والمسلسلات، والمعارض، والندوات، وبيوت ثقافية، وملتقيات وأسر ثقافية، وهي كلها تصب في الإعلام ككل، وما يميز البحرين هو تقديمها لأجيال تتسلم الراية من السابقين عليها. وقد حدثت طفرة صحفية منذ أن طرح جلالة الملك مشروع الإصلاح، وبعد أن صوت البحرينيون على ميثاق العمل الوطني في فبراير 2001 لتبدأ النقلة الأهم في تاريخ البحرين المعاصر. حيث تعددت مرافق الإعلام، الرأي الآخر، وصدرت صحف جديدة ولايزال هناك الجديد، ومن بين الصحف أربع صدرت في السنوات القليلة الماضية، مما رفع سقف حرية التعبير في البحرين، وهو ما سمح بحراك سياسي واجتماعي، بلغت مستوى متقدمًا فاق كل ما سبق، وكان للمرأة دور كبير في هذا التغيير، لأنها صحفية وكاتبة ورئيسة أقسام، وعاملة في الأقسام الفنية، خاصة في البحرين التي يعمل فيها بحرينيون مائة في المائة، وقد أعطيت المرأة حقوق سياسية كاملة عبر الميثاق الجديد، وضح ذلك في الصحافة، وقد أكد جلالة الملك حرصه على عدم سجن الصحفي، مما جعلنا نتمنى على النواب تقديم قانون جديدة للصحافة ينص في بنوده على عدم سجن الصحفي وضمان حريته وبقاء التعددية».

          يشرح الحمد: «إن حرية الاعتصام مكفولة للجميع، ولكن يجب أن نفهم كيف ندير هذه الاعتصامات السلمية ضمن ضوابط قانونية وأساليب وأماكن وأوقات، لتكون اعتصامات منضبطة، غير ما قد يحدث اليوم من أخطاء الاعتصامات التي تُحدث إرباكًا بسبب حداثة التجربة الديمقراطية. وهذه الحرية وهذا الاستقرار سيكونان جاذبين للاستثمار وليس العكس».

بين البحرين والكويت

          في البلاد التي أنجبت إبراهيم العريض وقاسم حداد وعلي الشرقاوي، كان علينا أن نتوقف عند الشعر. لذا انطلقنا إلى منطقة العالي لنلتقي شاعر البحرين عبد الرحمن محمد رفيع المولود في المنامة عام 1938، والذي يمثل صوتًا عاميًا وفصيحًا للشعر البحريني الحديث، وقد جمع دواوينه في مجموعتين، فصحى ضمت: أغاني البحار الأربعة، والدوران حول البعيد، ويسألني، ولها ضحك الورد، وعامية شملت: قصائد شعبية، سوالف دينا، ديوان الشعر الشعبي، والعرب ما خلوا شي، وقد حصل على التفرغ مع مجموعة من مبدعي البحرين، بعد أن عمل في إدارة الثقافة والفنون مراقبًا للشئون الثقافية.

          يتكئ رفيع على فصحى عمودية تقليدية لا تخلو من حس فطري، مثلما ينهل من عامية تقترب من الشعر الفصيح، جعلته نجمًا في مئات الأمسيات حول العالم العربي. وبمناسبة مرور خمسين عامًا يسجل رفيع نهضة الخليج الجديدة:

من حقبة النفط، يصحو مرة أخرى، يُثري الحياة، كما من نفطه أثرى
قفوا جميعًا له، إن الخليج بدا من الجهالة من أسمالها يعرى
خمسون عامًا مضت، شاد الأساس بها، واليوم ينهض حتى يدخل العصرا


          أما عن الطفرة الاقتصادية والمعمارية التي تشمل البحرين فيقف الشاعر شاهدًا عليها، ليقول عن برجي مرفأ المال:

مرفأ المال، من هنا سوف يُبنى وسيغلو برجاه والانحاءُ
أول الغيث دفقة ثم يهمي كشفت سرها لنا الأنواء


          وحين تحدثنا عن أول استطلاع، وكيف أن «العربي» الكويتية زارت البحرين في أول مهمة استطلاعية، قال إن ذلك تعبير عن عرى وثيقة وأزلية بين البحرين والكويت، وأنشد من قصيدته مرحى.. كويت:

كويت، يا شجرًا، بالفضل ممدودُ، وديمة من نداها يهطل الجودُ
شرقا وغربًا، بلا منٍّ ولا كدر، كأنما من حشاها الجود مولود
كويت، إن الليالي السود قد رحلت، لم يبق منهن إلا العيون السودُ


          حتى يقول، راسمًا الصورة التي تلخص رحلة النصف قرن وما قبلها:

خضنا الخليج معًا، نصطاد لؤلؤه، تحدو بنا في أماسيه الأناشيدُ
إن صاح نهَّامنا الملتاعُ، جاوبه نهامكم باكيًا والصوت مفئودُ
تاريخنا واحدٌ، والإرث مشتركٌ رعاه شاطئنا المعطاءُ، والبيدُ
لو ينطقان.. سمعنا منهما عجبًا عن الأولى، من لهم في المجد تخليدُ


          إنها الكلمات الشاعرة التي تحكي عن علاقة بين بلدين وربما تجيب عن سؤال عَنَّ لي في بداية الرحلة، عن سبب اختيار البحرين موضوع أول استطلاع لمجلة العربي. إنها علاقة نشأت مع التاريخ ووحدتها الجغرافيا، وغرس بذرتها الأولون، ومشى على نهجها الأجداد والآباء والأحفاد من بعدهم.

 

أشرف أبو اليزيد   





وبضدها تتميز البحرين، على أطلال آثار حضارات مفقودة تبدو في الأفق جنات التعمير الموعودة. هكذا يبدو الساحل البحريني كما تطالعه العيون الشاخصة من قلعة البحرين؛ القلعة البرتغالية العريقة التي شيدت في القرن الرابع عشر الميلادي





تصعد إلى سماء البحرين اليوم عمائر تدخل في باب عمارة الشراع، فكل بناية وكل فندق وكل ناطحة سحاب وكل نصب تذكاري تبحث جميعها عن زاوية للشراع الذي ظل شاهدًا على التاريخ البحري في البحرين لتنقلها بالأسمنت والحديد واللون إلى فضاء المدن الجديدة





الخريطة الرسمية للمملكة





في أول نشاط من نوعه عاشت محافظة المحرّق "يوم الدشة"، الذي خُصص لإحياء مهنة الغوص بحثا عن اللؤلؤ، المهنة التي أبرزت على مدار السنين مدى صبر وتحمل أهل البحرين الأوائل للمشقة





أبو خالد الذي التقيناه مع ذكرياته في مقهى شعبي، يحكي عن الآباء والأجداد وكيف كانوا يعيشون سعداء، وكان الرجل إذا طلب مساعدة لبناء سقف بيته من السعف هب إليه الجميع، في فزعة واحدة يتعاونون لمساعدته





يتحدث الغواص المخضرم محمد حسين عن الغوص: كنا نغوص أربعة شهور وعشرة أيام مقابل أربعة دنانير ونصف الدينار للفترة كلها! أما حين يتوقف الغوص فقد يعمل الغواصون على ترميم المركب شهرين شتاءً لا يتقاضون عنها سوى دينار واحد





 





اختار الاتحاد الدولي للسيارات مملكة البحرين رسميًا لإقامة سباق الفورمولا 1 بعد عامين من اختيارها كأول دولة عربية تستضيف هذا النوع من المسابقات، وقد سبق إقامة الفورمولا سباقات تمهيدية عربية وعالمية، وتحتكر إحدى الشبكات الرياضية التلفزيونية نقل أحداثها





قلعة البحرين، موقع أدْرجَ سنة 2005 ضمن التراث العالمي، الذي تضيف إلى قائمته اليونسكو المواقع الأثرية والتراثية الفريدة لتضمن لها برنامج حماية وترميم يليق بذلك الأثر الضخم، ضمن منطقة أثرية تغطي مساحة 17 هكتارًا ونصف الهكتار





لفتة جمالية تمثلت في بيوت القرية القريبة من القلعة البرتغالية وقد زينت جدرانها برسوم تقليدية فأصبح المشهد يمزج بين نخيل في الجوار ونخيل على الجدار





يسوِّر قلعة البحرين خندق هائل، يمتد مع ثلاثة أضلاع للقلعة المربعة، أما الضلع الرابع فهو البحر، وقبل سنوات طويلة لم يكن هناك سوى الرمال، التي دفن تحتها هذا الكنز الأثري الفريد، لكن اليوم يفخر البحرينيون بهذه القلعة التي نهضت من تحت الرمال





في (مركز الجسرة للحرفيين) يشمل التأهيل الإنسان البحريني للحفاظ على تراثه. لقد بدأ المركز أعماله منذ 16 سنة، ويعمل فيه جنبا إلى جنب نساء ورجال تشربوا الحرف القديمة، ومارسوها ردحًا من الزمن، ومنها صناعة الفخار





الشيخة لولوه بنت محمد آل خليفة رائدة للعمل الإجتماعي في البحرين، شاركت في تأسيس جمعية رعاية الطفل والأمومة قبل 55 عامًا، وهي ترأسها اليوم، وفي تأسيس نادي السيدات، وترأس لجنة الأحوال الشخصية منذ تأسيسها قبل ربع قرن





صبيتان تقرآن داخل مكتبة عصرية للأطفال أسستها الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وكيل وزارة الإعلام للتراث والثقافة





داخل دار يوكو لرعاية الوالدين وبها 150 متطوعًا ومتطوعة لخدمة ورعاية المترددين والمترددات على الدار من كبار السن، وهي رعاية صحية وثقافية وترفيهية ودينية كذلك. وفي الصورة مديرة الدار ريما أحمد بن شمس





مجموعة من الجزر الصناعية تبلغ 12 جزيرة أطلق عليها اسم درة البحرين، تغطي مساحة 21 كيلومترا مربعا، وتضم ألفي فيلا، وأكثر من 6 آلاف شقة ومكتب، فضلا عن الشواطئ الخاصة وتنتهي آخر عام 2009 ميلادي وتكلف ثلاثة مليارات دولار





تسعى العمارة العصرية الى استلهام التراث، تتقوس ناطحة السحاب لتشكل شراعا، تنحني أخرى لتكون صاريا، وتتحد ثالثة مع توأم لها ليكونا رأسي سفينة بوم، ومن لا يتبع ذلك ولا ذاك يرسم على واجهته بالألوان أو الأضواء الملونة شكل الأشرعة أو الشراع العملاق





الفنان الموسيقي وتاجر اللؤلؤ أحمد الفردان الذي يدعو لإنشاء لجنة خليجية تؤسس مركزًا للتراث الفني الشفاهي، تجمع فيه تسجيلات حية لفنون البحر في البحرين؛ العدساني، البحري، حدادي، المخولفي، الحساوي قبل أن تنقرض





شاعر البحرين عبد الرحمن محمد رفيع الذي يمثل صوتا عاميا وفصيحًا للشعر البحريني الحديث، يحكي عن رحلة اليوبيل الذهبي: خمسون عامًا مضت، شاد الأساس بها، واليوم ينهض حتى يدخل العصرا





مكيفات الهواء التي اخترعها قبل الكهرباء مهندسو البيوت البحرينية التقليدية وهي برج يجمع الهواء ليدفع به من أعلى إلى أدنى غرف الدار ويسمى بصفق الهواء ـ برج الرياح ـ أو باللهجة الدارجة: باديكير