العربي خمسون سنة أولى.. د. سليمان إبراهيم العسكري

العربي خمسون سنة أولى.. د. سليمان إبراهيم العسكري
        

  • سيذكر العارفون بالبدايات لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد أبوته الروحية المنزهة عن أي أغراض لـ (العربي) منذ مولدها وحتى الآن
  • خمسون سنة قفزت بـ (العربي) من ثلاثين ألف نسخة إلى مائتين وخمسين ألفًا مع ثلاث مطبوعات جديدة تؤكد على حيوية ونجاح هذا المشروع الثقافي
  • تطورات الأحداث العربية والعالمية جعلت من (العربي) إحدى الأذرع الثقافية العربية للتعامل مع عصر العولمة بالحوار والمثاقفة مع الحرص على خصوصية الهوية والدفاع الحتمي عن لغة العرب
  • الاهتمام بالمستقبليات والثقافة العلمية والمكون التشكيلي الجمالي والمعرفي والوجود على شبكة الإنترنت كلها إضافات جديدة تجتاز بها (العربي) نصف قرنها الأول وتطمح للمزيد

          خمسون سنة تكمل دورتها بينما هذه المجلة تواصل نجاحها، ومن جميل التوافقات أن المسئول الكويتي الذي بارك ورعى خروجها إلى النور في ديسمبر 1958 هو نفسه صاحب السمو أمير البلاد الحالي الشيخ صباح الأحمد، فهو الأب الروحي لهذه المطبوعة التي غدت مؤسسة ثقافية عربية جامعة، قدمها، ولايزال، الضمير الثقافي الكويتي - الرسمي والشعبي - هدية معرفة ونور لمحيطه العربي، دون وصاية ولا إملاء، في حالة نادرة من الإيمان بأن الثقافة العربية هي ملمح الوحدة الأعمق بين كل الشعوب العربية، وبأنها رافعة النهوض لعالم عربي كلما غدا أكثر استنارة كان أقوى وأحكم وأعدل، وجعل تواصل القلوب وتكامل الإرادات في رحابه أكثر صفاء ومتانة، فهي رسالة سمو توافرت لها شروط التسامي، ولعل هذا هو أول أسرار استمرار حياة (العربي)، لكنه ليس آخر الأسرار في نجاح وتواصل مسيرتها.

          ماذا يعني أن تجتاز مجلة ثقافية عربية نصف قرن من عمرها؟ وماذا يعني أن يكون هناك احتمال مرجح لاستمرارها طويلاً في نصف قرن جديد؟ إنها ظاهرة تشكل لغزًا ثقافيًا في ظل تراجع القراءة، وانسحاب كثير من المطبوعات، ودخول وسائل منافسة على خط المهتمين بالثقافة، فما بالنا بالقارئ العام الذي هو بطبيعة تكوينه وحدود إمكاناته، مرشح بجدارة للاختطاف من حقل الثقافة المقروءة، والذوبان في حقول الوسائل الإعلامية والمعرفية الجديدة، من قنوات تلفزيونية فضائية، وشبكة إنترنت متاحة في المقاهي والبيوت،وهواتف نقالة تدخل بجيلها الثالث في كل هذه الحقول بخفة وسرعة ويسر. إنه لغز (العربي)، ولغز (القارئ العام) الذي يشكل الأغلبية من جمهور هذه المجلة التي يتجاوز عدد نسخها ربع المليون نسخة شهريًا، ويقرؤها ما يقارب المليون إنسان في عالمنا العربي، وحيثما كان هناك قارئ للعربية في أماكن كثيرة من العالم تصل إليها هذه المطبوعة وأخواتها الأصغر عمرًا، مجلة (العربي الصغير)، و(كتاب العربي)، و(ملحق العربي العلمي).

          فهل من حل للغز؟

فتش عن البداية

          يتردد كثيرًا بين المعنيين بأمر الثقافة أن المطبوعة الثقافية تشبه الكائن الحي، لاستمراها شروط حيوية، ولذبولها وتوقفها شروط. وإذا كان سر حيوية الأحياء يكمن في الحركة فإن سر استمرار الحركة يرجع بأصوله إلى النبضة الأولى التي بثت الحياة في الكائن. فالبداية إذن هي المحدد الأول لسيرورة الكائن الحي كما العمل الثقافي، بل النشاط الإنساني بأسره.

          ولو شئنا أن نتفقد بداية (العربي) لتعين علينا أن نرجع إلى ما قبل ديسمبر 1958، فإذا كان هذا هو موعد صدور العدد الأول من المجلة، فإن هذا الصدور يقف وراءه زمن أبعد تبلورت فيه الفكرة، وتواصل فيه الإعداد، وتم في نهايته التحقق. فقد بدأت مسيرة هذه المطبوعة بفكرة أن تقدم (الكويت) هدية ثقافية لمحيطها العربي، وكان صاحب السمو أمير البلاد الحالي الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، بحكم موقعه آنذاك، هو مركز دائرة هذا الطرح، والتف حول الفكرة الضمير الثقافي الكويتي، سواء على المستوى الشعبي أو المستوى الرسمي. ومن هنا يمكننا أن نتوقف أمام لمحتين في ثنايا هذا التوجه، أولاهما: التوقيت، وثانيتهما: الفكرة.

          أما عن التوقيت فقد كان سابقًا على حصول الكويت على استقلالها، فكانت فكرة المجلة الثقافية العربية تعبيرًا عن التوجه الذي يدشنه هذا البلد العربي الصغير، كبشارة لاستقلاله الوشيك عن قوى الهيمنة الأجنبية، وتأكيدًا على الرغبة الأصيلة في الانتماء إلى محيطه العربي، ومن ثم الانتماء  للحلم العربي الذي كان زاخرًا بالأماني والوعود المشروعة، في تعاضد الإخوة وتآزر الأشقاء، بحثًا عن مكان جدير بالعرب تحت الشمس، وفي ظل رايات الاستقلال جديدة الخفقان.

          وأما عن الاختيار، فإن النظر إليه، من بعد هذه العقود الخمسة، وفي إطاره الزمني، يجعلنا نتيقن أن صدق النوايا يقود حتمًا إلى صحة الاختيار، فقد واكب انطلاق فكرة (العربي) وتحققها، لحظة تاريخية ذات دلالة فارقة، فـ (العربي) التي صدر عددها الأول في شهر ديسمبر 1958 استبقت استقلال الكويت بعدة أشهر، وواكبت تدشين أول وحدة عربية سياسية في العصر الحديث، بين سورية ومصر. فكأنما كانت (العربي) تقول بحقيقة الوحدة الثقافية العربية، بموازاة الوحدة السياسية التي كانت حلمًا قصير العمر سرعان ما أعقبه الانفصال المؤلم.ومن ثم كان اختيار راية الوحدة الثقافية العربية هو الحلم العربي القابل للتحقق، والمؤهل للحياة طويلاً، ولعل مرور هذه السنوات الخمسين يكون شاهدًا على ذلك، وهو شاهد رحيب الإفادات، فالمجلة التي رأت النور على أرض الكويت صارت ضيفًا يحل بترحاب في كل بيت عربي من الخليج إلى المحيط. ولعلنا نتوقف هنا أمام بواكير هذا المشروع الثقافي العربي الذي ولد محاطًا بصفاء النوايا العروبية، وبساطة صدق المخلصين، فقد كانت البداية كما يروي الأستاذ بدر خالد البدر - أحد المساهمين الأوائل في إنشاء مجلة (العربي) - عندما أحست دولة الكويت بحاجتها إلى دائرة حكومية تتكفل القيام بكل ما تحتاج إليه الدولة من مطبوعات، وأن تصدر المجلة الرسمية الوحيدة التي كانت تصدر في تلك الأيام تحت عنوان (الكويت اليوم)، وكان أن أنشئت (دائرة المطبوعات) التي كان رئيسها في ذلك الوقت صاحب السمو أمير البلاد الحالي الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وكان بدر الخالد مديرًا عامًا لها وأحمد السقاف نائبًا للمدير، وفي هذه الدائرة الصغيرة المضيئة وُلدت فكرة إنشاء (العربي)، يحكي الأستاذ بدر الخالد: (بدأنا في أخذ رأي من كان يزور الكويت من صحافيين وأدباء وناشرين، وبعد أن أوضحنا لهم الهدف من إصدار مثل هذه المجلة، وهو تلافي النقص الظاهر في الصحافة العربية لمثل هذا النوع من المجلات بعد أن اختفت من الميدان مجلات كان لها وزنها الأدبي والعلمي مثل المقتطف والرسالة والثقافة وغيرها. وقد كان أهم سبب لتوقف هذه المطبوعات سببًا ماليًا أي تكلفة الطبع وما إلى ذلك، لهذا رأت حكومة الكويت أن تساهم في ملء هذا الفراغ متبعة في ذلك أسلوبًا يختلف عما اتبعته بعض الحكومات والمؤسسات الأخرى بقصد الدعاية في أغلب الأحيان).

          إذن كان المشروع الثقافي ينطلق بدافع ذاتي عروبي الروح، ولم يكن يستهدف مغنمًا من أي نوع سوى العناية بالثقافة العربية، ولم تكن أريحية العطاء في هذا التطوع بالمال والجهد فقط، لكنها كانت أيضًا في الحرص على النأي عن شبهات استثمار المشروع الثقافي في الدعاية والاستقطاب، وهما السوأتان اللتان قادتا كثيرًا من المطبوعات الثقافية العربية إلى سلال المهملات أو غياهب الاختفاء.

          أما اسم (العربي) الذي يقول عنه الدكتور أحمد زكي (وما كان اسم بواف بتحقيق ما يجول في رءوس رجال الوطن العربي ورءوس نسائه من معان وما تستدفئ به قلوبهم من أمل وأمن، كاسم (العربي) في حسمه وإيجازه). هذا الاسم الواضح في توجهه، لم يكن الوصول إليه مجرد اقتراح فردي أو حتى اتفاقًا عبر دائرة صغيرة من أصحاب القرار، بل كان استطلاعًا واسعًا للجمهور العربي من خلال مسابقة أقامتها دائرة المطبوعات، وكانت الغلبة لهذا الاسم الذي عُرض على رئيس الدائرة آنذاك، سمو أمير الكويت الحالي، فرحب به قائلا (لتكن العربي، على بركة الله)، وهي عبارة يذكرها الدكتور محمود السمرة - أحد المشاركين الأوائل في صدور المجلة، وهي ليست مباركة عابرة، بل تأكيد على نهج ديموقراطي في التفكير، حتى في أمور الثقافة. وهو نهج صان لهذه المطبوعة استقلاليتها التي قد تكون أحد أهم أسرار استمرارها، فلم يحدث على امتداد الخمسين عامًا أن تسربت أدنى رغبة رسمية في التدخل في شئون هذه المجلة، ويشهد محرروها منذ الجيل الأول، وحتى الآن أنهم لم يجدوا إملاء من أي نوع في عملهم، لا دعاية ولا استقطابًا أيديولوجيًا ولا إعلانًا، فالثقافة خالصة لوجه النهضة العربية كانت هي الهدف، ولاتزال.

          هكذا كانت البداية، وهكذا كانت نبضة الحياة الأولى التي حركت الحياة في كيان هذه المطبوعة التي تعبر الآن نصف قرن من عمرها، وتعد بالمزيد.

تدشين الانطلاق

          لم تكن الرغبة في العطاء الثقافي المبرأ من الأغراض السياسية هي العنصر الوحيد في تكوين البداية الناجحة لهذه المطبوعة، بل شُفعت هذه الرغبة باختيارات صحيحة، بل ملهمة، لمواصلة النجاح، فكان أن  اختير الدكتور أحمد زكي أول رئيس تحرير للمجلة، والدكتور أحمد زكي باقة ثقافية نادرة التكامل والرقي، فهو عالم بلغ من مراقي العلم مصاف كبار أساتذته في العالم، فهو حاصل على أكبر درجة علمية في اختصاصه - دكتوراه العلوم - وهو مؤسس لعلم الكيمياء ربما في الجامعات العربية قاطبة، وهو إلى ذلك أديب ولغوي ومثقف موسوعي جمع بين الوعي العميق بالتراث، والانتباه الجميل للمعاصرة، ورأس تحرير مجلة (الهلال) الثقافية الشهيرة في بعض من أزهى عصورها، وقد شغل مناصب الوزارة والعمادة الجامعية ورئاسة مراكز البحث العلمي ويبقى أنه إلى جانب قلبه العروبي، كان عالمي الأفق. وكان اختياره الكويتي إلهامًا حقيقيًا، إذ انعكست أطياف باقته الثقافية الزاهرة على التكوين الفني للمجلة، أو ما يمكن أن نسميه الآن (سر الخلطة السحرية)، أو (الماكيت التحريري)، وهو تكوين، وسر خلطة، وماكيت،لايزال صامدًا في وجه الزمن، بجمعه بين العلم والفن، والمعرفة والأدب، والصورة والنص. ولقد قامت مكتبة الإسكندرية بعمل تحقيق نصي للعدد الأول من (العربي) باستخدام الكمبيوتر، فكانت النتيجة المذهلة توضح أن هذا العدد يكاد يكون بكامله من تحرير، أو إعادة تحرير، الدكتور أحمد زكي. لكن هذه العبقرية الأولى ما كان لها أن تكون كافية وحدها لدفع (العربي) على درب هذه السنوات الخمسين، فثمة مدد جديد كان دائمًا في انتظارها بعد سنوات ترؤسه لتحرير (العربي) الممتدة من عام 1958 حتى عام 1975، إضافة إلى مساهمات أهم الكتّاب العرب المستمرة، منذ البداية وحتى الآن، ومن كل الأجيال، في إثراء صفحات هذه المجلة.

علامات على الطريق

          كان رئيس التحرير الثاني لمجلة (العربي)، بعد رحيل الدكتور أحمد زكي، هو الأستاذ أحمد بهاء الدين، الذي اكتسب لقب (مهندس الصحافة العربية) عن جدارة وأصالة، وكانت افتتاحياته تتميز بحسها القومي العروبي النقي، بلا خطابة زاعقة وبلا شعارات رنانة، بل بمزج عميق بين السياسة والثقافة في توجه حضاري بلورته مقولته في أولى افتتاحياته (الثقافة من أجل الثقافة)، وكان هذا التوجه متسقًا مع روح المجلة ومشروعها الحضاري منذ البدايات. ولقد نجح الأستاذ أحمد بهاء الدين في جعل صفحات المجلة منتدى للفكر العربي بكل أطيافه الجادة والخلاقة، كما خرج بالاستطلاعات من الإطار العربي إلى ساحات العالم الإسلامي.

          وامتدت فترة رئاسته لتحرير (العربي) من عام 1976 حتى عام 1982.

          بعد ذلك تسلم زمام رئاسة تحرير (العربي) الدكتور محمد الرميحي، الذي جمع بين الخلفية الأكاديمية والخبرة الصحفية من خلال عمله رئيسا لتحرير مجلة (دراسات الخليج والجزيرة العربية)، ومن خلال كتاباته في الصحف العربية والمحلية إضافة إلى مؤلفاته التي شملت ميادين السياسة والاجتماع والثقافة، وفي فترة رئاسته لتحرير (العربي) والتي امتدت سبعة عشر عامًا (1982 - 1999)، استطاعت المجلة أن تواكب التطورات السريعة التي شهدتها مجالات الإعلام المختلفة، وانطلقت الاستطلاعات المصورة إلى رحاب العالم، وتحولت هدية العربي لصغارنا إلى مجلة مستقلة هي (العربي الصغير).

          وفي نهايات العام 1999 تشرفت باختياري رئيسًا لتحرير (العربي)، فوجدت أمامي سؤالين ضخمين، أولهما: ماذا أضيف إلى إنجاز من سبقوني وإلى مسيرة مجلة تحولت عبر واحد وأربعين عامًا إلى مؤسسة ثقافية مرموقة يجب الحفاظ على منجزها وتطويره. أما السؤال الثاني فكان: كيف يمكن لمطبوعة ثقافية أن تواكب تطورات هائلة لحقت بوسائل الإعلام المرئي عبر شاشات الفضائيات وشبكة الإنترنت البازغة بقوة، وهما وسيلتان راحتا تكتسحان المطبوعات الثقافية في العالم كله؟

          على مستوى الشكل، كان لابد من تجديد (الماكيت) بما يلائم المرونة المطلوبة لمطبوعة ورقية تجاهد بين نبضات البث الفضائي والرقميات الإلكترونية، وكان لازمًا أن تكون هناك مواكبة مستمرة للنشاطات الثقافية على امتداد العالم العربي وفي العالم كله كلما أمكن. أما على مستوى المضمون، فكان التوجه نحو استشراف المستقبل ضرورة أخلاقية وعملية لنعرف أين نضع أقدامنا على أرض الغد بالغ التطور والتعقيد. وبمواكبة هذا السعي الاستباقي، كان هناك نوع من ثقافة الحاضر، يكاد يكون غائبًا عنا، أو على الأقل غير مشمول بما يستحقه من عناية، أي (الثقافة العلمية)... ومن هذين المستويين انطلقت (العربي) لإفراد مساحة جيدة للبعد البصري في تكوين المجلة، والعناية الأوسع بالثقافة التشكيلية كعنصر شبه غائب أو مغيب لدى الكثيرين من القرّاء العرب، وتوالت صفحات المفكرة الثقافية كنشرة أخبار ثقافية شهرية ترصد نشاطات الثقافة في عالمنا العربي وفي العالم بأسره كلما أمكن. وأضيف إلى أبواب (العربي) باب مخصص للمستقبليات يواصل نجاحه ببراعة قلم وموسوعية معرفة الدكتور أحمد أبو زيد.

          أما الإضافة التي أعتز بها خاصة، بالرغم من صغر حجمها الحالي ومحدودية حركتها المتاحة، فهي ملحق (العربي العلمي)، الذي وافقت وزارة الإعلام مشكورة على تقديمه هدية تصاحب المجلة دون زيادة في سعرها، وقد لاقى الملحق ترحيبًا واسعًا، واجتذب لقرّاء المجلة شريحة جديدة من الشباب الطامحين إلى المعرفة العلمية، التي هي لغة العصر الرقمي والتقني والعلمي في جوهر تطوراته.

          لقد زاد إقبال القرّاء الجدد على (العربي)، والذي يعزوه مسئولو التوزيع إلى وجود الملحق العلمي، وتطلّب هذا الإقبال - على سبيل المثال لا الحصر - زيادة عدد النسخ الموزعة في بلد عربي واحد عشرة آلاف نسخة، أضيفت إلى العدد الكلي المطبوع، والمقدر بنحو مائتين وخمسين ألف نسخة. وقد أثلج هذا صدورنا، وأكّد على صحة الرؤية التي تذهب إلى أن الثقافة العلمية باتت ركنًا أساسيًا من تكوين المثقف المعاصر، وأننا إذا كنا نطمح للحاق بالعالم المتقدم، فلابد من فتح نافذة تطلعنا على مستجدات المنجز العلمي في هذا العالم لتستثير في أجيالنا الجديدة الفضول والتطلع للارتقاء، وتجدد مناهل الثقافة لدى الأجيال الأسبق، وهذا كان جوهر فكرة ملحق (العربي العلمي) الذي نأمل أن يتحول قريبًا إلى مجلة علمية مستقلة يتعطش إليها الواقع الثقافي العربي بكل أجياله.

اهتمامات واجبة وطموحات مشروعة

          في مضمار مجلة (العربي) ، في السنوات الأخيرة، ومواكبة للأحداث التي هزت العالم، وامتدت توابعها إلى عالمنا العربي، كان لابد من فتح محور متجدد لطرح أسئلة الحوار مع الآخر، الغربي خاصة، والتساؤل عن مصير هويتنا العربية في مواجهة تحديات عصر العولمة، والأخطار، التي تحدق بلغتنا العربية كمكون أساس لهويتنا.

ولحاقًا بهذا المحور، يمتد الطموح لاستكتاب أقلام غير عربية، ليكون حوارنا متعدد الجوانب وليس أحادي الرؤية.

          وليس بعيدًا عن هذا الهاجس الفكري، كان هناك الهاجس التقني، وضرورة استجابة (العربي) لآفاق التجديد ومخاطبة القارئ عبر وسائط مختلفة، ومن ثم كان موقع (العربي) على شبكة الإنترنت، الذي نطمح أن يتطور كثيرًا وكثيرًا في مقبل الأيام.

          لقد بدأنا بالقول إن المطبوعة الثقافية كالكائن الحي في مسيرته، وشروط استمرار هذه المسيرة، ومن علامات الحيوية والحياة أن تكون هذه المطبوعة قابلة للنمو، و(العربي) لاشك قابلة للنمو بما يغرينا أن نحلم، أحلامًا ليست مستحيلة، بآفاق مستقبلية لها في الحاضر أسس وجذور، ومنها إصدار مجلة مستقلة للثقافة العلمية، وتحويل كتاب العربي إلى إصدار شهري، واختصاص قرّائنا الصغار بكتاب شهري هو (كتاب العربي الصغير). كما لا ننسى إصدار العربي على اسطوانات مدمجة، وأرشفة (العربي) كاملة في موقع خاص على شبكة الإنترنت.

          وليست هذه جميعًا أحلامًا مستحيلة، فيد الرعاية السامية لاتزال ممدودة لهذه المؤسسة الثقافية التي تنبثق من أرض الكويت ليصل شعاعها إلى أطراف الأرض العربية من الخليج إلى المحيط، والنوايا الطيبة لاتزال تحيا بين الجوانح، و(العربي) تثبت جدارتنا بالنمو والامتداد في نصف قرن جديد، أعاده الله على الكويت وعلى العرب جميعًا، بما هو أفضل، تحت شمس الحاضر، والغد.

 

سليمان إبراهيم العسكري