أحمد العدواني.. شاهد التحولات الصامت (شاعر العدد)

أحمد العدواني.. شاهد التحولات الصامت (شاعر العدد)
        

          سَلِمَ أحمد العدواني للمجد شاعرًا صامتًا، حيث لا يوصف الشعراء عادة بالصمت، ولكنه الشاعر الذي كسر المألوف الصاخب بذلك الصمت الموحي بالكثير من القصائد والأفكار والمشاريع الثقافية.

          ولد أحمد مشاري العدواني في الكويت عام 1922م، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في المدرسة الأحمدية والمدرسة المباركية، بالإضافة إلى تلقيه ثقافة دينية نابعة من القرآن الكريم والسنة النبوية وقصص الأنبياء تكرّست في روحه بعد ذلك عندما التحق بالأزهر عام 1939م وتخرّج عام 1949.

          وبالرغم من أن العدواني شارك في بداية حياته في تأسيس بعض المشاريع الثقافية والتعليمية والصحفية - كدوره في المناهج الدراسية بوزارة التربية، وإصداره عام 0791 من وزارة الإعلام مجلة «عالم الفكر»، وسلسلة «من المسرح العالمي»، المترجمة والمؤلفة، والمساهمة في إنشاء معهدي المسرح والموسيقى - فإن دوره الحقيقي بدأ عام 1973م عندما شارك في تأسيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ثم أصبح أول أمين عام له ، وتحت مظلة المجلس ساهم في إصدار عدد من المطبوعات الثقافية الراقية: سلسلة «عالم المعرفة» ومجلة «الثقافة العالمية»، بالإضافة إلى مساهمته في كثير من مشاريع الثقافة الكويتية والعربية، مما جعل منه رجل ثقافة بامتياز، وكرّسته تنويريًا من الطراز الأول، ومتأملاً حد التصوف، ومتعففًا حد نسيان موهبته الشعرية تحت ركام الذاكرة وحدها.

          لكن المفارقة أن الشاعر أحمد العدواني الذي كان مقلاً في إنتاجه الشعري، حتى أنه توقف عن النشر تمامًا سنوات طويلة، بل إن ديوانه الشعري الوحيد «أجنحة العاصفة» الذي صدر في حياته لم يصدر سوى عام 1980، كان يمثل تجسيدًا حقيقيًا لمرحلة فكرية انعكست على المسار الشعري في الكويت ككل هي مرحلة الستينيات والسبعينيات، المفعمة بروح المد القومي العربي وتجلياته الثقافية والفكرية والإبداعية أيضًا، إلا أنه بالرغم هذا لم ينسق وراء تلك اللغة الشعرية المباشرة في تجديده الشعري وفقًا لاقتراحات الشعر المعبر عن روح تلك المرحلة على الصعيد القومي.

          وبالرغم من أن العدواني ظهر في الزمن الذي ظهر فيه شعراء آخرون - ظهروا معه أو بعده بقليل، وفاقه بعضهم في حجم إنتاجهم وشكل موهبتهم مثل  علي السبتي ومحمد الفايز، وخالد سعود الزيد وخليفة الوقيان - فإن العدواني سجل  تطورًا فكريًا يصعب تجاوزه في ديوان الشعر الكويتي ككل، خاصة بالنظر إلى قـصائده، التي تجاوز فيها دلالات تشي بملامح الواقع المحلي أو العربي نحو أفق إنساني متسع بحيث يندغم فيها البشري الخاص بالبشري العام في تداخل لابد له من رؤية فلسفية تفسره شعريًا. وفي قصيدته «اعتراف» ، اعتراف جريء بالاختلاف في الرؤية وفقًا لذلك التطور الفكري الذي لا يقرأ نتاج العدواني الشعري إلا في سياقه .

          وكان العدواني يحاول في قصيده أن يمارس النقد الذاتي فيوجه سخريته المريرة للواقع الثقافي العربي الذي تراجع عن دوره في تقديم النموذج للسياسي، كما كانت تبشر بدايات النهضة العربية في مطلع القرن العشرين، وصار تابعًا للسياسي من جهة ولصاحب رأس المال من جهة أخرى مفسرًا لأفعالهما  ومنظرًا لها، خاضعًا لعمليات التدجين، التي سادت أوساط المثقفين وتصاعدت وتيرتها في تلك الفترة.

          وقد ظل العدواني يعزف على ذلك الوتر الحساس والممثل للعلاقة غير المتكافئة ما بين المثقف والسلطة في تنويعات شعرية غارقة في كوميدياها السوداء وسخريتها المريرة محملاً إياها أسباب النكسات والهزائم العربية المستمرة، واضعًا إصبعه على الجرح العربي الذي ظل يسيل دمًا على مدى الخريطة الواسعة لأمة العرب .

          وقد ظل العدواني يمارس دوره كشاعر باعتباره شاهدًا على كل التحولات، التي مرّ بها مجتمعه في فترة كانت مزدحمة بأسباب التحول ومستجيبة له، مما أتاح له أن يلتقط من ذلك الزمن أبرز نقاط الارتكاز فيه على الصعيد القومي، وكذلك المحلي ليحولها إلى قصائد لم يحفل كثيرا بفنيتها قدر احتفاله بتضمينها لرؤياه المستشرفة، حيث انصبغت تلك المرحلة التاريخية في ديوان الشعر الكويتي بصبغة العدواني المقل والصامت أحيانًا.

          بالإضافة إلى ديوانه «أجنحة العاصفة» صدرت للشاعر بعد وفاته مجموعتان شعريتان هما «أوشال» و«صور وسوانح»، وغنت بعض قصائده أم كلثوم وبعض المطربين العرب والكويتيين الآخرين، كما أنه وضع كلمات النشيد الوطني الكويتي.. «وطني الكويت سلمت للمجد».

          ومن كل ما صدر له نذيل بعض صفحات «العربي» لهذا العدد ببعض الأبيات.

أفكارنا دجاجه
في كنف السلاطين
خَرّاجةٌ ولاَّجه
في قن أصحابِ الملايين
وبيضُها يثمرُ حسبَ الحاجه
أفراخُها مدجنةٌ
تلقطُ حبَّ الذلِّ والقهرِ بمسكنه
حتى ترى خلاصَها،إخلاصها
للذبحِ بالسكاكين

أحمد العدواني

 

سعدية مفرح