الصخور القاتلة

الصخور القاتلة

مع اقتراب هذا القرن من نهايته تكثر هواجس البشر عن النهاية، ولعل التحديق في عين الرعب يقلل من شدة الارتعاب.

ويقول العلماء إن أضخم الشواهد على الدمار الناجم عن ارتطام المذنبات والكويكبات بالأرض, تلك الحفرة الهائلة في منطقة (مانيكوغان) في مقاطعة كيوبيك الكندية.. ويقدر العلماء أن الحفرة التي يزيد طول قطرها على اثنين وستين ميلا قد نشأت قبل 214 مليون عام.

وعندما قال العالمان جون سبراي من جامعة برونسويك الجديدة, وسيمون كيلي من الجامعة المفتوحة في بريطانيا إن عمر الحفرة الكندية يماثل عمر حفرة مشابهة في فرنسا تعرف باسم روشيوارت طلعا للعالم بنظرية تقول إن الحفرتين ربما تكونتا في وقت واحد بسبب ارتطام أجزاء متفتتة ومتناثرة من مذنب يشبه المذنب المعروف باسم (شوماخر ـ ليفي 9) وهو سلسلة من الصخور الضخمة ضربت في عام 1994 (المشتري) أكبر الكواكب السيارة, وخامسها من حيث البعد عن الشمس.

وقد حمل العالمان (سبراي) و(كيلي) السؤال الكبير إلى زميلهما (ديفيد راولي) من جامعة شيكاغو وهو متخصص في إثبات أن القارات كانت متلاصقة قبل انفصالها وتباعدها قبل ملايين السنين.. وعندما وضع (راولي) الخرائط التي توضح مواقع العديد من الحفر الناجمة عن ارتطام المذنبات والكويكبات بالأرض ليرسم صورة للأرض كما كانت قبل 214 مليون عام, حدثت المفاجأة فقد تبين أن (مانيكوغان) و(روشيوارت) وثلاث حفر أخرى تماثلها في العمر, لكنها أصغر حجما, وهي: سان مارتن في كندا, وأبولون في أوكرانيا, وريد وينغ في ولاية داكوتا الشمالية بالولايات المتحدة, كانت تمثل سلسلة مترابطة يبلغ طولها نحو ثلاثة آلاف ميل.

ليس هذا فقط, فقد تبين أيضا أن ثلاثا من الحفر الخمس كانت على خط عرض واحد, فيما كانت الأخريان قريبتين جدا من ذلك الخط, إحداهما إلى شماله والثانية إلى جنوبه.

ومن هذه المعلومات المثيرة للدهشة, طلع العلماء الثلاثة بنظرية مؤداها أن الحفر الخمس نشأت عن ارتطام أجسام صلبة سقطت من مكان واحد وبفارق زمني يبلغ عدة ساعات ولا يتجاوز اليوم الواحد, لكن أماكن سقوطها تباعدت بفعل دوران الأرض حول نفسها.

أسئلة صعبة

النظرية الجديدة فجرت العديد من الأسئلة الصعبة لعل أهمها يدور حول السبب الذي جعل تلك الأجسام الصلبة تضرب الأرض في وقت واحد.

يقول العلماء إن المسألة قد تكون متعلقة بانقراض جماعي حدث في ذلك الوقت, وهو قريب جدا من نهاية العصر الترياسي أو الثلاثي, وهو أقدم عصور الدهر الوسيط وفيه سادت الزواحف الأرض وبدأت الثدييات في الظهور.

ومن المعروف أن النظريات العلمية الحديثة تقول إن ثمانين في المائة من فصائل المملكة الحيوانية التي كانت موجودة على الأرض قد انقرضت في ذلك العصر. ويمكن القول إن الكثير من العلماء المعاصرين مقتنعون تماما بأن كويكبا قطره ستة أميال قد ارتطم بالأرض مما ساهم في انقراض الديناصورات ضمن نظرية الانقراض الجماعي الذي حدث قبل 56 مليون عام في العصر الطباشيري, وهو العصر الثالث والأخير من الدهر الوسيط.

وحتى يتم تدمير الكرة الأرضية بحادث اصطدام فضائي, يقول العلماء إن المذنب أو الكويكب المسبب لهذا التدمير لابد أن يكون بقطر لا يقل عن نصف ميل.. ويضيف هؤلاء العلماء قائلين: إن الارتطام بمذنب بهذا الحجم أمر نادر جدا, وهم يقدرون أن ذلك قد يحدث مرة كل ثلاثمائة ألف عام.

هذه التقديرات لا تزال مجرد نظريات بحتة تفتقر الدليل العلمي لأن العلماء مازالوا يجهلون الكثير عن المذنبات والكويكبات التي تقترب من الأرض.. وبما أن احتمالات الاصطدام لا تزال مجرد نظريات, فإن هذا الاصطدام قد يحدث في أي وقت من الآن.. خلال عام, أو عشرة أعوام وربما بعد مليون عام.

الحقيقة المخيفة

لعل هذه الحقيقة المخيفة هي التي تدفع العلماء من جميع أنحاء العالم لتركيز جهودهم على دراسة الأجسام الصخرية التي يطلقون عليها اسم (جيران الأرض) وهي الأجسام التي يبدو أنها الأكثر احتمالا لعبور مدار الأرض.

ويقول العلماء إن معظم هذه الأجسام تسكن حزاما فضائيا يمتد بين مداري المريخ والمشتري, ويعتقد العلماء أن هذه الأجسام هي من بقايا صخرية من بداية تكون النظام الشمسي.

ومن الحقائق المطمئنة نوعا ما أن العلماء تمكنوا حتى الآن من اكتشاف وتصنيف أكثر من ستة آلاف جسم فضائي تنطبق عليها هذه المواصفات, في وقت يقدر هؤلاء العلماء العدد الإجمالي لتلك الأجسام بعشرة آلاف.

ومن المعروف أن المذنبات نادرا ما تقترب من الفضاء الأرضي, كما أنها أسرع كثيرا من الكويكبات.. وبالتالي فإن ارتطامها بأي شيء من شأنه أن يلحق به الكثير من الأذى والدمار.

ويقول العلماء إنه من الصعب جدا, بل ومن المستحيل أيضا التنبؤ بما إذا كان هذا المذنب أو ذاك سوف يصطدم بالأرض, لأن الغازات المنبعثة من المذنب نفسه غالبا ما تعمل على تغيير اتجاهه.

وتشير الدراسات الخاصة بهذا الشأن إلى أن الكويكبات تتحرك في مدارات دائرية بعض الشيء, وبالتالي فإن علماء الفضاء يستطيعون بمجرد مشاهدتهم للكويكب أن يحددوا, وبكثير من الثقة, المسار الذي سوف يتخذه في مساره.

وقد تمكن علماء الفضاء في السنوات الأخيرة من اكتشاف عدة مئات من الكويكبات المنطلقة في الفضاء القريب من الكرة الأرضية, أو في ما يعرف بالمدارات المجاورة للأرض.. ومن بين هذه الكويكبات, مئتان تقريبا عبرت أجواء الأرض.. لكن علماء الفضاء يقدرون العدد الإجمالي للكويكبات التي يمكن أن تعبر أجواء الأرض ويزيد طول الواحد منها على نصف ميل بألف وستمائة كويكب, مما يعني أنه لا يزال أمام العلماء الكثير لدراسته ومتابعته.

وفي العصر الحديث, سجل العلماء اقتراب الكثير من الكويكبات من أجواء الأرض.. وفي عام1968 عبر الكويكب المعروف باسم 1566 إيكاروس على بعد أربعة ملايين ميل من الأرض.. وفي أواخر عام 1996 عبر الكويكب 4179 توتاتيس على بعد 3,3 مليون ميل من الأرض, وفي شهر مايو من العام نفسه عبر الكويكب جي. أ. 1 على بعد 280 ألف ميل من الأرض, وهي مسافة لا تختلف كثيرا عن المسافة الفاصلة بين الأرض والقمر.. ولو أن هذا الكويكب ارتطم بالأرض لانفجر بقوة تعادل قوة انفجار 2000 ميغا طن من مادة ت. ن.ت.. والغريب أن العلماء لم يكتشفوا وجوده إلا قبل أربعة أيام من عبوره الأجواء بسرعة ثمانية وخمسين ألف ميل في الساعة.

وفي السادس من ديسمبر 1997 اكتشف عالم الفضاء الأمريكي (جيم سكوتي) الكويكب المعروف باسم 1997 ـ XF11, وما لبث عالم الفضاء هذا أن نقل خبر اكتشافه إلى المركز العالمي لرصد الاجسام الفضائية الصغيرة, والذي يرأسه بريان مارسدن وخلال الشهور الثلاثة التالية تم رصد هذا الكويكب بواسطة العديد من علماء الفضاء في كندا وجمهورية التشيك وإيطاليا واليابان وسلوفاكيا والولايات المتحدة.

وتوقع العلماء بعد الحسابات الأولية التي أجروها لتحديد مسار هذا الكويكب, إن اقترابه من الأرض بصورة خطيرة احتمال وارد.. وبعد أن أدخل (مارسدن) وفريقه هذه المعلومات في الكمبيوتر المتخصص, تبين أن احتمالات اقتراب هذا الكويكب من الأرض أكبر مما توقع العلماء في البداية مما دفع (مارسدن) إلى الإدلاء بتصريح قال فيه إن احتمالات اقتراب الكويكب1997ـ XF11 أقوى من كل ما سبق له أن سمع به.. وعلى الفور وجه (مارسدن) نداء عاجلا إلى جميع علماء الفضاء في العالم المذكور.. وهنا جاء دور (الإنترنت) التي امتلأت صفحاتها خلال أيام قليلة بأخبار ذلك الكويكب.

ومن حسنات الكمبيوتر المتخصص في رسم تحركات الكويكبات والمذنبات, أنه لا يكتفي بكشف المسار الذي سوف يتخذه هذا الكويكب أو ذاك, وإنما يوضح أيضا الموقع الذي كان فيه.. وقد ساعدت هذه الخاصية المتميزة عالمة الفضاء الأمريكية (اليانور هيلين) خلال ساعات قليلة على تجميع نحو 1990 صورة سبق لها ولأعضاء الفريق العامل معها التقاطها للكويكب الذي كان واضحا فيها لكن من دون أن يلاحظ وجوده أحد.. وبالعودة إلى المعلومات المتجمعة والصور الملتقطة منذ ثماني سنوات, وليس ثلاثة أشهر فقط, صار في إمكان الكمبيوتر إعطاء تقديرات أكثر دقة لمسار الكويكب الذي سيكون في شهر أكتوبر عام 2028 على بعد ستمائة ألف ميل من الأرض.

ومن المركز المقام فوق قمة جبل (هاليكا لا) في هاواي, تمكنت إليانور هيلين والفريق العامل معها من اكتشاف آلاف الأجسام في ما يسمى (حزام الكويكبات المجاورة للأرض).. وهي تقول إن المركز رصد أكثر من أربعمائة كويكب مجاور للأرض) ونحن نعلم أن هذا الرقم يمثل أقل من عشرة في المائة من المجموع الكلي للكويكبات الموجودة في هذا الحزام.. وهو سبب كاف لمواصلة البحث عن هذه المخاطر المحتملة للأرض والبشرية.. ولو توافرت الأموال الكافية لتمكنا خلال السنوات العشر المقبلة من اكتشاف ما بين تسعين وخمسة وتسعين في المائة من هذه الكويكبات).

وتبلغ الميزانية الحالية التي خصصتها وكالة الفضاء الأمريكية لدراسة الكويكبات مليونا وثمانمائة ألف دولار في العام, وهو مبلغ لا يمثل سوى جزء هزيل من الميزانية التي وضعتها هوليوود لإخراج فيلم سينمائي عن الصخور الفضائية القاتلة.

سؤال مرعب

ويثير العلماء والمتخصصون في هذا المجال سؤالا مرعبا حين يقولون: ماذا في إمكان الإنسان أن يفعل إذا ما اكتشف أن أحد الكويكبات القاتلة سوف يصطدم بالأرض خلال سنوات قليلة وليس أمامنا من سبيل لمواجهة مثل هذا الخطر الداهم؟؟

المواجهة بالأسلحة التقليدية مستحيلة لسبب بسيط للغاية وهو أن الإنسان لم يتوصل حتى هذه اللحظة لصنع سلاح قادر على مثل هذه المواجهة, وليس من المتوقع أن يفعل ذلك في السنوات القليلة المقبلة.

المواجهة النووية شبه مستحيلة أيضا في هذه الحالة, أي أن اللجوء إلى الخيار النووي لضرب الكويكب أو لتغيير مساره, غير قائم, لأن جميع المعاهدات الدولية تحرم استخدام الأسلحة النووية في الفضاء, وخاصة معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية (1963) ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية في الفضاء (1967), لكن الأسلحة النووية مع ذلك تبقى خط الدفاع الأول عن البشرية والحضارة في حال وجود خطر مؤكد لاصطدام كويكب بالأرض.

وكان عالم الفضاء الأمريكي إدوار تيلر وهو أحد الأعمدة الرئيسية لبرنامج (حرب النجوم) في الثمانينيات, قد اقترح استخدام قنبلة نووية بقوة مليون طن لتغيير مسار مثل هذا الكويكب في حال انطلاقه في اتجاه الأرض.

كذلك فقد اقترح العلماء الأمريكيون العاملون في (مختبر لوس ألاموس الوطني) لأبحاث الفضاء استخدام قنبلة نيوترونية لخلق حالة من الانفجارات الساكنة الكفيلة بتغيير مدار الكويكب وسرعته أيضا.

وهناك اقتراح آخر يقضي بتفجير الكويكب بقنبلة مناسبة, لكن هذه المسألة تثير مخاوف العلماء الذين يحذرون من مخاطر مثل هذه العملية لأن الإنسان لم يتوصل بعد إلى معرفة المكونات المادية الأساسية للكويكب, مما يعني أن تفجيرا كهذا قد يحمل مخاطر ليست في الحسبان.. ومن هذه المخاطر على سبيل المثال كما يقول العلماء تعرض الأرض لأمطار غير عادية من الأجسام الصلبة والخطرة التي قد تتناثر في الأجواء بفعل تفجير الكويكب نفسه.. ومن المحتمل أن تكون بعض هذه الأجسام كبيرة الحجم بحيث تسبب كوارث أرضية مدمرة أكبر من قدرة الإنسان على الاحتمال.

وعلى الصعيد السياسي, هناك من بين المسئولين العالميين من يقترح الحل النووي كملاذ أخير.. وعلى سبيل المثال, فقد صرح وزير الخارجية الصيني قبل أسابيع بأنه لا يجوز في أي حال من الأحوال إغلاق الباب أمام احتمال الاستعانة بوسيلة نووية سلمية.

ويشرح الوزير الصيني الفكرة بالقول إن البشرية في حاجة ماسة لامتلاك سلاح نووي سلمي لاستخدامه في حال التعرض لزيارة غير مرغوبة من جانب أحد الكويكبات.

... وسؤال كبير

لكن السؤال الأكبر في هذه الحالة هو: من هي الدولة التي ستتولى الاحتفاظ بمثل هذه القنبلة ذات الفعالية المذهلة إلى أن يحين الوقت لاستخدامها??

وقد حذر عالم الفضاء المعروف (كارل ساغان) قبيل وفاته في يونيو الماضي من المخاطر المحتملة, فقال إن التكنولوجيا القادرة على تغيير مسار الكويكبات بعيدا عن الأرض, يمكن أن تكون قادرة في الوقت نفسه على توجيه أحد تلك الكويكبات لضرب أهداف محددة على الكرة الأرضية نفسها.

ويأمل العلماء والمتخصصون في الوصول إلى حل مرض لهذه المشكلة قبل التعرض لكارثة فضائية محتملة.

وبالنسبة لحالة الكويكب XF11 ـ 1997 فلا يزال أمام العلماء ثلاثون عاما.. وهو وقت كاف لتطوير خطة دفاعية.. وقد سبق لعالم الفضاء كارل ساغان أن اقترح السير في هذا الخط على الرغم من أن هذا الكويكب لن يقترب من الأرض بصورة خطيرة كما ظن البعض في البداية.

ويقول العلماء إن هذا الكويكب سوف يدور حول الشمس ثماني عشرة مرة من الآن حتى العام 2028.. لكنه سيكون في العام 2002 على بعد ستة ملايين ميل من الأرض.. وقد اقترح (ساغان) استغلال الفرصة المناسبة لإرسال سفينة فضائية في ذلك العام إلى أقرب نقطة ممكنة من ذلك الكويكب لإلقاء نظرة عن قرب على أمل معرفة مكوناته وربما محاولة تفجيره بسلاح نووي.

في الجانب الآخر, هناك الكثير من العلماء الذين يدعون إلى التعقل والتريث ريثما يتوافر المزيد من المعلومات التفصيلية عن الكويكب وذلك قبل الانخراط في وضع الخطط لمواجهة مثل هذا الخطر.

ومن المعروف أن الولايات المتحـدة سوف تطلق في العام 2002 السفينة الفضائية المسماة (كونتور) والتي من المقرر أن تمر على مقربة من ثلاثة مذنبات, وستقترب من المذنب المعروف باسم (إينكي) بحيث تكون المسافة الفاصلة بينهما ستين ميلا فقط.

ومن المعروف أيضا أن الولايات المتحـدة أطلقت في العام 1996 السفيـنة الفضـائية (ن. ي. أ.ر) المنطلقة حاليا في اتجاه سيـضعـها على مقربـة مـن الكـويكب (إيروس) في العام المقبل.

 

فضل سالم

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




صورة حاسوبية للحظة ارتطام مذنب بالأرض





فجوة قطرها ميل تركها ارتطام مذنب بالأرض