النشر الإلكتروني العربي

النشر الإلكتروني العربي

النشر الإلكتروني هو استرجاع وعرض وإدخال وتبادل المعلومات إلكترونيا عن طريق الشبكات " مثل الإنترنت"، وعن طريق الوسائط " الأقراص المدمجة"

لم يكن الوضع التكنولوجي إلى وقت قريب في مصلحة النشر العربي الإلكتروني, فلم تكن هناك بيئات تشغيل عربية قياسية (Standards) وكانت كل اللغات ذات الأصل غير اللاتيني تعاني من صعوبة تطوير برمجيات خاصة بها على وجه العموم. ومع ذلك كانت هناك محاولات جادة في المنطقة العربية لتطوير برامج عربية اعتمدت على بيئات خاصة (Proprietary) ذات طابع تعليمي وترفيهي مثلت بدايات النشر الإلكتروني العربي كتب لبعض منها النجاح والبعض الآخر كان نصيبه الفشل.

إلا أنه في الآونة الاخيرة كان هناك تقدم ملموس في هذا المجال, فالظهور القوي للإنترنت وفرض نفسها على المستوى العالمي وجه القائمين في هذا المجال على التوجه نحوها وسهل عليهم من مهمة إيجاد تصور للنشر العربي الإلكتروني, فظهرت المتصفحات العربية ووسائل تحرير النشر العربي (Editors,) كما ظهرت برامج البحث العربية (Search Engines). وساهم دخول شركات البرمجيات العالمية منطقة الشرق الأوسط في إثراء النشر العربي الإلكتروني وتطويع تكنولوجيا المعلومات الحديثة له الأمر الذي أعطاه دفعة غير مسبوقة للانتشار. فاليوم أصبح في مقدور الشخص العادي نشر صفحة عربية على الإنترنت باستخدام بعض الوسائل السالفة الذكر بمجهود بسيط يماثل استخدام أي برنامج عادي. ويستطيع أي مستخدم اليوم الحصول على نسخة مجانية لمتصفح عربي يمكنه قراءة الصفحات العربية والاطلاع عليها مستغلا إمكانات الإنترنت في هذا المجال.

أبعاد النشر الإلكتروني

1ـ بعد التكنولوجيا:
مما سبق ذكره لاشك أنه أصبح من الممكن الآن إنتاج وتطوير صفحات عربية باستخدام برامج جاهزة توزع على نطاق تجاري حاليا, وهذا الأمر يعتبر دفعة قوية لانتشار اللغة العربية في محيط النشر الإلكتروني. ولكن هذه البرامج ليست بقوة وجودة البرامج المتاحة باللغة الانجليزية خاصة على مستوى برامج تحرير الصفحات (Editors) ومستوى برامج البحث (Search Engines) إضافة إلى محدودية الخيارات المتاحة بينها. فمثلا بالنسبة إلى برامج التحرير نجد بعضها يعاني من زيادة كمية الترميز (HTML CODE & TAGS) بشكل فوق المتوقع عن حاجة الصفحة إلى درجة أنها تضيف إلى كل كلمة في الصفحة ترميزها المستقل أحيانا, وهذا أمر غير عملي على الإطلاق يكاد ينفي الحاجة إلى هذه البرامج. بالنسبة إلى برامج البحث فالحقيقة تقال إنهم يواجهون مهمة أصعب من برامج البحث اللاتينية لأنهم في اللغة العربية يتعاملون مع بحث لفظي ومعنوي يتغير المقصود منه بتشكيل الكلمة.

وبالرغم من أن برامج البحث تتمتع بمستوى مقبول من الأداء فإنها تعاني من بعض حالات الخطأ التي تحتاج إلى مزيد من الوقت والتطوير كي تتلافاها وتكون أكثر فاعلية. أما بالنسبة إلى المتصفحات (Browsers) فهي أكثر مواكبة للتطور البرمجي كونها النسخ العربية للمتصفحات الرئيسية النتسكيب والإكسبلورر, ومع ذلك فهناك بعض السلبيات الثانوية في التعامل مع النص العربي مثل عدم الترجمة التلقائية لمسار النقص (Dir TAG) وعدم القدرة على تضبيط النص (TEXT JUSTIFICATION). ومع التقدم والاهتمام المتزايد للنشر العربي على شبكة الإنترنت والوسائط الإلكترونية المختلفة سيتم تلافي هذه السلبيات في فترة زمنية بسيطة كونها تشكل قصوراً في البرمجة أكثر منها أخطاء ولأن هذه البرامج تملك الأساس الصحيح لإجراء مزيد من التحسينات على أدائها وقدراتها.

2ـ بعد الاتصالات ومحدودية انتشار الإنترنت:
من أهم العوائق التي تواجه المستخدم العربي اليوم ضعف وارتفاع كلفة خدمة الاشتراك بشبكة الإنترنت إذا ما قورنت بالدول المتقدمة. فسوء البنية التحتية للاتصالات في أغلب الدول العربية وعدم مواكبتها للتطور الحديث في هذا المجال بالإضافة إلى أنها بالكاد تفي بحاجة الاتصالات الصوتية ومحدودة فيما تقدم من خدمات اتصال دولي ونقل للمعلومات, كل هذه الأمور مجتمعة أدت إلى محدودية انتشار خدمة الإنترنت وارتفاع كلفتها الباهظ وبطء أدائها مقارنة بالدول الأخرى, مما أدى إلى عزوف شريحة كبيرة من المستخدمين عن استعمالها وقصر استخدامها على بعض المراكزالعامة مثل نوادي الإنترنت ومحدودية وقت الاطلاع. انعكس ذلك سلبيا على عدد المستخدمين للشبكة في الوطن العربي وعدم الاستفادة من ميزات كثيرة تقدمها أبسطها البريد الإلكتروني. ومع الجهود المبذولة في كثير من الدول العربية لتطوير وتحديث البنية التحتية للاتصالات ولاسيما عن طريق الخصخصة نتطلع إلى التغلب على أوجه القصور فيها وانعكاسها إيجابيا في رفع نسبة المستخدمين لشبكة الإنترنت في الوطن العربي.

3ـ البعد المؤسساتي:
مع الزخم المتنامي والوجود القوي لشبكة الإنترنت أصبح الجميع يدرك مدى أهميتها والدور الذي تلعبه على جميع الأصعدة. إنما في الوطن العربي لاتزال هناك نظرة بدائية عن المردود والزخم الذي قد تحققه الإنترنت للمؤسسات بمختلف طبيعتها. فمعظمها يتعامل مع الإنترنت كوسيلة حصول على المعلومات دون إثرائها بالمعلومات, فتجد المؤسسة تنشئ لها صفحة لا يتم تحديثها أو تطويرها إلا فيما ندر ويقتصر الهدف من الصفحة إلى درجة ما على التعريف بالمؤسسة فقط دون التركيز على المردود الذي قد يتحقق من وراء الصفحة. كما أن ما ذكر من عوائق في بعد الاتصالات أثر سلبا على اهتمام هذه المؤسسات بإنشاء مواقع عملية على شبكة الإنترنت تساهم في تحقيق أهدافها, وتنفيذ أعمالها, وتستفيد مما تقدمه له هذه الشبكة من مزايا أبسطها التواصل مع العالم كله. ويقتصر استخدام الكثير من الجهات على البريد الإلكتروني فقط. إذا أخذنا ذلك بعين الاعتبار فمن الواضح أنه يقف عائقا في وجه النشر الإلكتروني العربي. فالمؤسسات أولا تفكر باستخدام اللغة الإنجليزية في إنشاء مواقعها كونها اللغة الأساسية التي يتعامل معها الجميع على شبكة الإنترنت وبالتالي ستتواصل مع أغلب متصفحي الشبكة بدلا من عدد محدود منهم في رقعة جغرافية محددة. ثانيا ضعف قاعدة المستخدم العربي تجعل من وجود الصفحات العربية أمراً غير مجد. ثالثا معظم المواقع العربية حاليا هي أساسا صفحات إنجليزية, أما المواقع ذات الصفحات العربية فهي إلى الآن قليلة الانتشار ومحدودة وبعضها يعتبر تجارب فردية. رابعا: هذه المواقع لا تقدم خدمات لمتصفحيها إذا علمنا أن أهم الخدمات وأبسطها هي البحث عن المعلومة. ولنا أن نقارن في هذا السياق المواقع الخاصة بالصحف والمجلات العربية وكم منها يستخدم النص العربي كوسيلة للنشر وكم منها يستخدم الصور (
Images) في عرض صفحاته وسنكتشف أن القلة هي التي تستخدم النص العربي.

أما المؤسسات العربية التي اعتمدت الإنترنت كوسيلة لتطوير أعمالها مثل البنوك ونجحت في تجربتها واستفادت من مردودها فمواقعها هي مواقع إنجليزية. نحن نتطلع إلى اليوم الذي يتعزز فيه دور النشر العربي على المستوى المؤسساتي العربي ويتم تبنيه واستخدامه كوسيلة في تنمية أهداف هذه المؤسسات وتعزيز وجودها على المستوى العربي.

4ـ البعد الاقتصادي:
والمقصود هنا هو التجارة الإلكترونية وهو أمر يعتبر شبه غائب كليا في وطننا العربي بالرغم من أنه الموضوع الأساسي والأهم المطروح على مستوى العالم. فالإنترنت مع تجسيدها لمفهوم العولمة خلقت أكبر سوق تجارية عرفها الإنسان. فالمستخدم اليوم بإمكانه شراء أي شيء من أي بقعة في العالم على شبكة الإنترنت, بل يستطيع أن يتحادث مع أي شخص في العالم بكلفة لا تتعدى السنتات. هذا الأمر جسد اليوم ما تصبو له إتفاقية الجات على أرض الواقع.

ونتيجة للأهمية المتنامية للتجارة الإلكترونية عبر الإنترنت اعتبرتها الولايات المتحدة منطقة تجارة حرة لا تجني من مبيعاتها أي ضريبة لتشجع القطاع الخاص الأمريكي في تسويق منتجاته عبر الإنترنت. وبهذا أصبحت الإنترنت أكبر منطقة حرة عرفها التاريخ, هذا القرار أثار حفيظة شركائها الاقتصاديين وكان على أجندة أول اجتماع لمجموعة الجي ايت (G 8). وبلغة الأرقام بلغ حجم التجارة الإلكترونية عبر الإنترنت عام 1998 حوالي 74 بليون دولار بعدما كان متوقعا أن يصل عام 2002 إلى 100 بليون دولار. وبناء على هذه النتائج الجديدة فإنه متوقع مع بلوغ عام 2003 أن يصل حجم التجارة الإلكترونية عبر الإنترنت إلى تريليون دولار أي بنمو سنوي مركب مقداره 66%. في الوطن العربي حيث نعاني بشدة من انعدام التجارة البينية بين الدول العربية حيث تبلغ فقط 7% بين حركة الواردات والصادرات نتيجة للعوائق القانونية والإدارية والجمركية. تمثل الإنترنت المحيط الأمثل لبداية سوق عربية مشتركة حرة مثلما جسدت ذلك على المستوى العالمي. وبما أننا في سوق عربية نتعامل مع مستهلك عربي يجب علينا الحديث معه بلغته وعلى مستوى الإنترنت هذا هو دور النشر العربي الإلكتروني بكل جوانبه الذي سينمو دوره وتتعزز أهميته مع ظهور اقتصاد بيني عربي.

5ـ البعد الاجتماعي:
ويعد أخطر الأبعاد لما له من علاقة مباشرة بالنشء وما يكتسبونه من الوسط الإلكتروني من أفكار قد تكون في بعض جوانبها إيجابية وأخرى سلبية. فالإنترنت اليوم هي المنطقة الفكرية الحرة الوحيدة التي بالإمكان تداول أي معلومة فيها نافعة كانت أم ضارة دون رقابة أو وصاية من أحد, ودون أي اعتبار إلى ما إذا كانت ممنوعة أو مسموحاً بها في بقعة ما في العالم وستستمر كذلك. فالبرغم من أن شبكة الإنترنت بها الكثير من المواقع والمصادر التي إذا ما استغلت ستعود بالنفع الكبير على مستخدميها وتمثل انفتاحا ثقافيا لاشك أنه سيعود بالنفع على البشرية جمعاء, إلا أنها أيضا إذا أسيء استخدامها فستنقلب إلى سلاح فكري فتاك يعزل صاحبه عن بيئته ومجتمعه, فالموضوعات المطروحة على صفحات الإنترنت تتراوح من كيف نصنع قنبلة إلى كيف نحقق السلام. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أكثرية مستخدمي الإنترنت هم من الأطفال والشباب, وإذا نظرنا إلى مدى التغيير الذي احدثته في أنماط الحياة وأساليب التعليم في الغرب وما نشأ عنه من ظهور سلوكيات جديدة بين الأجيال الصغيرة بالذات, فسنكتشف أن غياب مواقع عربية تحاكي أجيالنا الجديدة وتتعامل معهم بروح العصر سيؤدي إلى تهميش الدور التربوي والحضاري والتراثي الذي تلعبه ثقافتنا العربية, وسيجعلهم عرضة للامتصاص من الثقافات الأخرى والبعد التدريجي عن قيمنا وعاداتنا العربية وبالتالي سيبدأ اختفاء وضعف هويتنا العربية. فمن دون توجيه النشء الوجهة الصحيحة في استخدام الإنترنت وبقية المصادر الإلكترونية بما سيعود بالنفع عليهم ستتضرر مجتمعاتنا ضررا بالغا وستظهر الآثار السلبية له بأسرع مما نتوقع.

ومثالا على ذلك: كثير من الصغار اليوم يستخدمون برامج المحادثة Chating ش IRC وأصبحت عادة لديهم أن يستخدموا الحروف اللاتينية لكتابة الكلمات والجمل العربية, ولندرك خطورة هذا الأمر وآثاره المستقبلية لنا أن نعلم أن ثورة أتاتورك عندما أرادت نقل الشعب التركي من النموذج الإسلامي الشرقي إلى النموذج الغربي لم تحاول تغيير اللغة التركية بل اكتفت بتغيير كتابتها إلى الأحرف اللاتينية. وكلنا نعلم اليوم أنها نجحت في ذلك. من هنا يأتي دور النشر الإلكتروني العربي الذي يعتبر النواة للمواقع العربية التي ستحافظ على ثقافتنا العربية وتبقيها حية ومتداولة بين اجيالنا المختلفة وتنقلها إلى الأجيال اللاحقة الأمر الذي سيعزز ويؤكد حضور هويتنا الدينية والعربية في زمن العولمة ويثريها ويجددها بروح العصر, ويضمن عدم امتصاصها من قبل ثقافات أخرى قد يكون تأثيرها على ابنائنا سلبيا أكثر مما هو إيجابي.

 

قصي إبراهيم الشطي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات