جويا.. صورة دون مانويل أوزوريو

جويا.. صورة دون مانويل أوزوريو
        

          على الرغم من بساطتها الظاهريّة، تبقى هذه اللوحة واحدة من أفضل الصور الشخصية التي رسمت في إسبانيا خلال القرن الثامن عشر إذ يمكن لقراءة تفاصيلها أن تطول إلى ما لا نهاية.

          تعود هذه اللوحة إلى العام  1788-1789م ، أي إلى السنة الأولى من تربع الفنان فرنشيسكو جويا على عرش رسم الصور الشخصية. وهي تمثل الطفل مانويل أوزوريو دي زونيجا ابن الكونت دي ألتيميرا.

          ومنذ النظرة الأولى إلى وضعية الطفل الواقف وملابسه، نشعر بأن الهدف من اللوحة كان إبراز مكانة وريث هذه العائلة الأرستقراطيّة: فالطفل في ملابسه الأنيقة يبدو في وضع يؤهله ليتحمل لاحقا الأعباء التي ستلقى على عاتقه وتأدية الدور الذي يتوقعه  ذووه منه.

          طبعًا، يبدو وجه الطفل خاليًا من أية تعابير، وأشبه بوجه فتاة جيشا يابانيّة. ولكنه لا يخلو من ملامح براءة سريعة العطب، تعززها الهالة الضوئية فوق رأسه.

          ولكن هناك ما يؤثر في النفس أكثر من ذلك. لعبة الطفل، الطير الحي المربوط بخيط ينتهي بين يدي صاحبه، والقطتان القابعتان في الظلام وتتربصان شرّاً بالطير.. فضلاً عن الطيور المسجونة في القفص.. وهل يحتاج كل ذلك إلى شرح لنفهم رمزيته ودلالته على دور هذا الطفل في الحياة؟.. إنه ضابط لسلوك القطط وحامي الطير والمسيطر عليه وآسر الطيور الأخرى في القفص؛ إنها إيقونة في تمثيلها لسلطة الأرستقراطيّة.

          ولا تقل الجوانب الفنية أهميّة عن المحتوى. فمن المعروف أن جويا كان يعمل آنذاك معتمدا على ضوء الشموع خلال المراحل النهائية من رسم اللوحة. وأكثر ما يلفت النظر في هذه اللوحة وجود مصدرين للضوء: واحد خلف المشاهد يضيء الطفل والطير(وهنا نشير إلى أن بقاء القطتين في الخلف والظلام له رمزيّته الخاصة به).

          أما الضوء الثاني فهو الذي يسقط من الأعلى ليضيء الجدار ويحوِّل خلفيّة اللوحة البسيطة إلى مساحة شاسعة من الرمادي والأصفر، ويسمح بأن يحوِّل وجه الطفل وياقة قميصه إلى البقعة الأنصع في اللوحة.

          تبقى الإشارة إلى مسألة فنيّة أخرى لا تقل أهمِّيّة عما سبق، وتكمن في ضربات الفرشاة المفتوحة، أي تلك التي تنتهي تدريجاً وكأن اللون الذي تحمله انتهى كله.. هذه الضربات السريعة التي رسم بها جويا حزام الطفل هي التي أعطت في دقائق للجسم كله استدارته وحجمه، إذ لولاها لبدا هذا الطفل وكأنه لوح من الكرتون المسطح. ومن المؤكد أن جويا استمد هذه التقنية من أستاذ إسباني آخر هو فيلا سكيز، وعرف كيف يوظفها في أعماله خير توظيف.

 

عبّود عطيّة   

 
 




فرنشيسكو جويا (1746 - 1828م): صورة دون مانويل أوزوريو، زيت على قماش، (127 × 101 سم)، 1788 - 1789م متحف المتروبوليتان، نيويورك