سمحة الخولي.. مشوار على سلم الموسيقى والنجاح حنان أبو المجد

سمحة الخولي.. مشوار على سلم الموسيقى والنجاح

نشأت سمحة الخولي في بيت رمز من رموز التنوير في مصر, فهي ابنة العالم الجليل أمين الخولي, والسيدة نجية حسن التربوية مديرة المدرسة والمتذوقة للفن والأدب, مما وفر لها منزلا يحيطه العلم والثقافة, مغلفا بالقيم الروحانية والدينية.

بدأت الدكتورة سمحة دراسة الموسيقى من الطفولة, وحصلت على دبلوم المعهد العالي للموسيقى (كلية التربية الموسيقية حاليا) سنة 1951 بامتياز, وفي العام نفسه أوفدت في بعثة حكومية لبريطانيا, حيث حصلت على درجة الدكتوراه في تاريخ الموسيقى من جامعة أدنبرة عام 1954, كما حصلت في العام نفسه على دبلوم الأكاديمية الملكية للموسيقى بلندن في تخصص عزف البيانو.

بعد عودتها من البعثة اشتغلت د. سمحة بالتدريس في الكونسرفتوار منذ انشائه سنة 1959, وكانت واحدة من مؤسسيه, وقد عينت عميدة له في الفترة من 1972 حتى 1981, وهي أكثر فترات الكونسرفتوار ازدهارا, ففي فترة عمادتها قامت بإنشاء والإشراف على فرق عدة هي: كورال أطفال الكونسرفتوار سنة 1974, ثم أوركسترا الكونسرفتوار سنة 1975 وكان أول أوركسترا مصري تماما, حيث كل أعضائه من طلبة الكونسرفتوار, وقد لعب هذا الأوركسترا المتميز دورا مهما في الحياة الثقافية المصرية خاصة الفترة التي تعثر فيها أوركسترا القاهرة السيمفوني بعد حريق الأوبرا. وقد امتد نشاط أوركسترا الكونسرفتوار إلى خارج مصر في رحلات ناجحة متعددة لأوربا وأمريكا وكندا من سنة 1976 وحتى 1985. كذلك أنشأت د. سمحة الخولي كورال شباب الكونسرفتوار وأوركسترا وتريات الكونسرفتوار والذي كان يهدف إنشاؤه في المقام الأول لعزف الموسيقى المصرية التراثية والموسيقى المصرية الحديثة إلى جانب الموسيقى الغربية. كذلك تولت الإشراف على فرقة الأوبرا المصرية من عام 1972 وحتى 1979 بعد حريق دار الأوبرا, فحفظت للفرقة البقاء, وقدمت الفرقة في هذه الفترة العروض الكاملة لروائع الأوبرا الغربية, والأهم من ذلك أنها قدمت العرض الأول والوحيد لأوبرا مصرع أنطونيو التي كتبها المؤلف المصري الرائد في هذا المجال حسن رشيد (1896-1969) على شعر لأحمد شوقي.

وفي عام 1982 عيْنت رئيسا لأكاديمية الفنون فامتد نشاطها ليشمل جميع معاهد الأكاديمية, وفي هذه الفترة قامت بتنظيم مهرجان ومؤتمر دولي احتفالا باليوبيل الفضي للأكاديمية سنة 1984. وقد نالت الدكتورة سمحة عددا من الجوائز والأوسمة من مصر والخارج أهمها وسام الثقافة والفنون من فرنسا مرتين سنة 1979 وسنة 1983, وميداليتين (كوداي ليست) من المجر, كذلك حصلت على جائزة وزارة الثقافة في النقد الموسيقى سنة 1961 وجائزة جمال عبدالناصر سنة 1975 وجائزة الدولة التقديرية في الفنون سنة 1984, كما حصلت على شهادة تقدير من نقابة الصحفيين المصرية سنة 1984 وميدالية التلفزيون المصري سنة 1985.

إسهامات متعددة

وإلى جانب إسهاماتها الأكاديمية المتعددة من مؤلفات ومقالات وترجمات وأبحاث علمية ومشاركات عدة في ندوات ومؤتمرات دولية, عملت د. سمحة مستشارا للموسيقى لوزير الثقافة لسنوات عدة, فكان لها دور في التوصية بجمع وتسجيل الأغاني الشعبية المصرية في أنحاء القطر قبل أن تندثر. ومن إسهاماتها المجيدة والتي تكشف عن جانب إنساني عميق في شخصية هذه العالمة الفذة, قيامها بتأسيس معهد موسيقى جمعية النور والأمل للكفيفات سنة 1960 والذي تشرف عليه (تطوعا) حتى يومنا هذا, كما تشرف فنيا على أوركسترا النور والأمل للكفيفات والذي يعد الأوركسترا الوحيد من نوعه في العالم, وقد سافر هذا الأوركسترا الفريد في رحلات متعددة خارج مصر محققا نجاحات تعتبر نصرا رفيعا لمصر وللعمل الاجتماعي والموسيقي فيها.

كذلك أنشأت د. سمحة جمعية الشباب الموسيقي المصري (عضو مراقب في الاتحاد الدولي للشباب الموسيقي F.I.J.M.) سنة 1985 لخدمة ورعاية الموسيقيين الشبان وإتاحة الفرص لإظهار مواهبهم وقدراتهم الفنية من خلال حفلات الجمعية الدورية. ومما يحسب لهذه الجمعية حفلها السنوي الكبير الذي تقيمه للمؤلفين الموسيقيين الشبان لإلقاء الضوء على إبداعاتهم إلى جانب تنظيم مسابقات في التأليف والعزف وندوات للاحتفال بذكرى كبار الموسيقيين.

ومن إسهاماتها في الخدمة التثقيفية العامة, قيامها بإعداد وتقديم برنامجها التلفزيوني (صوت الموسيقى) لأكثر من 25 عاما من 1975 وحتى 2001, والذي ساهم بشكل كبير في نشر الثقافة الموسيقية الرفيعة وإبراز المؤلفين والمؤدين المصريين والعرب.

ولابد أن كل سيدة مصرية بصفة عامة والأكاديميات بصفة خاصة قد شعرن بالفخر والزهو لمنح جائزة مبارك لسيدة لأول مرة, ولابد أن الشعور بالزهو والفخر يتضاعف عندما تكون هذه السيدة هي الأستاذة الدكتورة سمحة الخولي العالمة الجليلة والأستاذة الموسوعية والقيادية البارعة والقدوة والمثل الأعلى لكل موسيقي وباحث أكاديمي يصبو لأن يسلك طريق الاجتهاد والنجاح والعمل الجاد الدءوب المتقن.

من أجل موسيقى قومية

وتعد جائزة مبارك أعلى جائزة في الدولة, ويقوم بالتصويت عليها لجنة على أرفع مستوى من العلم والثقافة والنزاهة, ويأتي هذا إدراكا لأهمية تقدير قيمة علمية وفنية ومشوار طويل من العمل المتفاني, لأستاذة مصرية صميمة خدمت فن الموسيقى والثقافة بشكل عام طوال حياتها في وطنها, فلم تلق بالا لإغراءات العمل بالخارج, بل فضلت (هي وزوجها المؤلف الموسيقي الراحل جمال عبدالرحيم) أن تسخر جهودها وحماسها وتفانيها الشديد لتأصيل مفاهيم موسيقية قومية وعالمية ولنشر ثقافة مفتقدة لأبناء بلدها.

تكريم

وقد تكون الدكتورة سمحة طرفي نقيض, فهي في العمل والتدريس الشخصية الجادة الحازمة التي لا تخاف في الحق ملامة, ولا ترضى عن الصواب بديلا, ومن ناحية أخرى هي الإنسانة العطوف المتفهمة التي تنسج علاقات إنسانية عميقة وفريدة مع طلابها ومرءوسيها, علاقات تدعو للاحترام والتقدير, وتحفز في تلاميذها - تتشرف كاتبة هذه السطور بأن تكون واحدة منهم - الهمم ليحذوا حذوها آملين في تحقيق بعض من إنجازاتها. لأنني أعتقد أن جائزة مبارك هي تتويج مجيد لمشوار كفاح الدكتورة سمحة الخولي المليء بالعطاء والإنجازات والنجاحات, التي يفخر بها كل موسيقي وأكاديمي في مصر والعالم العربي.

 

حنان أبو المجد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات