العربي الصبان وبوشعيب الضبار

العربي الصبان وبوشعيب الضبار

  • الحساسية السياسية المفرطة هي سبب القيود المفروضة على الكاريكاتير العربي
  • لغة الكاريكاتير تتميز بجماليتها وقدرتها على التكثيف والاختزال
  • المطلوب توسيع هامش الحرية أمام النقد الكاريكاتيري

العربي الصبان هو أشهر رسام كاريكاتير في المغرب, يطل يوميا, بريشته الساخرة, على القراء من خلال شرفة الصفحة الأخيرة لـ (العلم) أعرق جريدة في البلاد. فنان مسكون حتى النخاع, بهواجس وانشغالات أمته العربية. شرع في نشر رسوماته الكاريكاتيرية, بشكل متوال, منذ سنة 1968. وساهم في تأسيس أول جريدة مغربية شعبية كاريكاتيرية متخصصة بعنوان (أخبار السوق), حققت عند ظهورها انتشاراً كاسحاً سنة 1978. شارك في معارض الكاريكاتير العربية والعالمية في سوريا ومصر والجزائر وبلغاريا والبرازيل وفرنسا.وفاز بعدد من جوائزها. وهو عضو مؤسس, وممثل العلاقات الداخلية لرابطة رسامي الكاريكاتير العرب التي أنشئت بدمشق سنة 1980 برئاسة الفنان الراحل ناجي العلي, وعضوية الفنانين المؤسسين جورج البهجوري وعلي فرزات وغيرهما. وسبق له أن نشر إبداعاته, في فن الكاريكاتير, في العديد من المنابر والمجلات العربية. اعتمدت رسوماته الكاريكاتيرية في رسائل وأبحاث التخرج بالمعهد العالي للصحافة في الرباط عن هذه المحطات في تجربته الفنية, وعن رؤيته وتقييمه لمسار الكاريكاتير العربي, يتحدث العربي الصبان, في حوار أجراه معه الزميل بوشعيب الضبار, رئيس تحرير جريدة (الميثاق الوطني) المغربية.

  • تتضارب الآراء حول البداية التاريخية للكاريكاتير.. البعض يربطها بظهور لوحة جدارية في روما في القرن الأول الميلادي, والبعض الآخر يرى أن قدماء الفنانين المصريين رسموا لوحات كاريكاتيرية على جدران المعابد الفرعونية, ما هو رأيك أنت؟

ـ إن البداية الحقيقية للكاريكاتير بمفهومه الفني الحديث, مثلما حددها التاريخ, ترتبط باسم الفنان الإيطالي انيبال كراكشي الذي توفي في مطلع القرن السابع عشر, والذي يعتبره تاريخ الفن الحديث أول من رسم صورا باعثة على الضحك بأسلوب يحمل ملامح كاريكاتير واضحة. لكن عند ربط السخرية بأشكال فنية تتضمن صيغا كاريكاتيرية, بمعنى أو بآخر, فإن المصريين القدامى على عهد الفراعنة تركوا لنا رسومات ساخرة محفورة على جدران المعابد والكهوف, تعود إلى حوالي 5000 سنة, ومن أشهر تلك الرسومات رسم جداري قديم, يرمز إلى علاقة العبد بالسيد, ويمثل فئرانا تتجه نحو قط وهي ترفع راية الاستسلام.

والواقع أن استخدام السخرية في فنون الرسم والحكي والكتابة والتمثيل بأساليب متعددة كان منتشرا لدى شعوب مختلفة, وقد أبدع العرب في هذا المجال شعرا كاريكاتيريا رائعا, وكذلك كتابات وأزجالا, تعتبر قمة في السخرية لأسماء بارزة في تراث الأدب العربي, مثل ابن الرومي والجاحظ والبهاء زهير وغيرهم, مثلما نعثر في هذا التراث على مؤلفات هزلية قل نظيرها, مثل مؤلف (الفاشوش في حكم قراقوش) لأسعد بن مماتي, وديوان زجلي بعنوان (نزهة النفوس ومضحك العبوس) لابن سودون وغيرهما, كما كانت السخرية بتعدد أشكالها منتشرة لدى شعوب قديمة أخرى, مثل الهند والصين واليابان واليونان والرومان والإغريق وغيرهم, أما بالنسبة لأوربا فيرتبط ظهور الكاريكاتير البدائي فيها بلوحة جدارية في روما, وكذلك في مدينة بومبي وذلك في القرن الأول الميلادي, قبل بروز البداية الحديثة للكاريكاتير مع ظهور المطبعة وانتشار جريدة (الشاري فاري) للرسام (فليبون).

الكاريكاتير.. مسار صعب

  • كثيرون يرون أن الكاريكاتير العربي, بصفة عامة, في تراجع, وأنه يدور في حلقة مفرغة خالية من الإبداع والتجدد.. ما هي رؤيتك للموضوع؟

ـ الكاريكاتير بالطبع هو جزء لا يتجزأ من الثقافة بصورة عامة, ولأن الثقافة العربية تمر بفترة ضمور ملحوظ لكونها تأتي في أدنى مراتب اهتمامات المجتمع العربي لأسباب وعوامل متعددة ذاتية وموضوعية في مقدمتها تفشي الأمية بنسبة كبيرة, والافتقار إلى الأجواء الصحية التي تمكنها من التعبير عن واقعها بقدر مطلوب من الحرية, تكون كل الأجناس الأخرى للثقافة العربية, وليس الكاريكاتير وحده, انعكاسا حقيقيا لواقع الحال الجاثم على صدر هذه الثقافة, على أن هذا لم يمنع الكاريكاتير العربي رغم صعوبة الأحوال والظروف من شق مساره الصعب بالأنياب والأظافر, معاندا بإصرار وتحد لكسر حلقة التدجين المفروضة عليه, ولتقديم أعمال إبداعية بشهادة فنانين أجانب, لاتقل ابتكارا ومهارة عما يقدم في المعارض وينشر في الصحف الأجنبية المنتشرة عالميا. هذا رغم الفارق الكبير في الهامش الديمقراطي الذي يتنفس فيه الكاريكاتير هناك ورغم غياب محفزات التشجيع, بل ورغم محاولات الإقبار التي تحيط بالكاريكاتير العربي من كل جانب.

  • ما علاقة الرسم الكاريكاتيري بالمسرح بعد استعانة الممثل والمخرج المغربي عبدالحق الزروالي برسوماتك كخلفية فنية لمسرحيته (افتحوا النوافذ)؟

ـ علاقة الرسم الكاريكاتيري بالمسرح مثل علاقته بكل الفنون الأخرى التي يمتزج فيها العمل الفني بالسخرية المرسومة, وكلما وظفت هذه العلاقة توظيفا ذكيا وجيدا تصبح إبداعا قائما بذاته. ولعل أقدم علاقة للكاريكاتير بالمسرح تعود إلى حقبة المسرح اليوناني القديم عندما كان الممثلون يرتدون أقنعة مرسومة بشكل كاريكاتيري لتقديم عروض مسرحية ضاحكة. وقد لاحظنا كيف تحولت تلك العلاقة اليوم إلى دمى فنية كاريكاتيرية تنتقد الأوضاع السياسية والاجتماعية القائمة من خلال تقمصها لملامح مشاهير المشهد السياسي وغيرهم.

وبهذه المناسبة أود أن أشير إلى أهمية توظيف فن الكاريكاتير في تفاصيل حياتنا الثقافية والفنية, حيث يلاحظ أن ظاهرة هذا التوظيف مفتقدة عندنا, بينما أن استخدام الكاريكاتير في مختلف المجالات يضفي على العمل قيمة إضافية, ولا ينبغي اقتصار الأمر على غلاف كتاب أو ملصق أو شعار برنامج تلفزيوني, أو لافتة فقط, وإنما يمكن استغلال فن الكاريكاتير حتى ضمن دائرة المنتوجات الصناعية المفيدة وفي مجال اللعب وبعض المنتوجات المختلفة الأخرى.

  • الكاريكاتير هو فن اختصار الكلام, والوضوح والمباشرة, والابتعاد عن اللغو والحشو. هل أنت متفق مع هذا الطرح؟

ـ فن الكاريكاتير هو لغة بحد ذاته, لذلك فهو في غنى عن أية لغة أخرى مضافة, ومما يميز لغة الكاريكاتير جماليتها الرائقة وقدرتها الفائقة على التكثيف والاختزال مما لا تستطيعه أي لغة أخرى. إن الرسم الكاريكاتيري الذي بلا تعليق تسهل قراءته حتى على غير المتعلم وفي أي مكان من بلدان العالم, بينما يحتاج الرسم الذي يحمل تعليقا إلى معرفة اللغة التي كتب بها هذا التعليق.

كما أنه ينبغي أن نعترف بأن التعليق الكاريكاتيري ليس أمرا سهلاً لأنه يحتاج إلى حس ساخر لا يتوافر للعديد من رسامي الكاريكاتير. ففي العديد من الأعمال الكاريكاتيرية المرفقة بالتعليق القصير أو الطويل وهي لكبار رسامي الكاريكاتير العالميين نعثر على ذكاء لماح وقدرة خاصة تفوق في العديد من الأحيان روعة الرسومات التي لا تحمل أي تعليق. وهو ما لا يعني أن كل رسم ناجح هو بالضرورة ذلك الذي من دون تعليق.

شخصية مهماز

  • ما الأسماء العربية التي تستوقفك في مجال الكاريكاتير ؟

ـ كل الرسومات الكاريكاتيرية الناجحة التي أبدعتها كل البصمات العربية.

  • إذا كان للراحل ناجي العلي شخصية محورية هي حنظلة, فإن لك شخصية محورية هي (مهماز) حبذا لو تتحدث للقراء عنها, وعن مشاغباتها؟

ـ (مهماز) شخصية رجل بسيط يرتدي بذلة ممزقة الحواشي, وعلى رأسه طاقية شعبية, وقد نبت شعر خفيف على وجهه, وغالبا ما يحمل بيده قفة. وتجسد ملامحه ارتباطا وثيقا بالهموم اليومية.

وطنيا: يقف (مهماز) بالمرصاد لكل أنواع المظالم وألوان الفساد السياسي والأخلاقي, ولكل أشكال الانتهازية واللصوصية, التي تنخر المجتمع وتمتص دماء الناس بشتى الطرق والأساليب.

عربيا: يكره (مهماز) الانبطاح السياسي والرياء الدبلوماسي وشعارات التضامن الجوفاء وديمقراطية الزنازين!

دوليا: يلح (مهماز) أن تكون زمام أمورنا بأيدينا وليس بأيد أجنبية.

  • ما الشروط التي تسمح للكاريكاتير العربي بالقيام بدوره?هل بمزيد من توسيع هامش حرية الرأي والتعبير؟ وهل هناك قيود تحد من انطلاقه لمعانقة كل القضايا العربية؟

ـ كل الشروط التي تسمح للكاريكاتير في البلدان الديمقراطية بالقيام بدوره, أي الشروط التي تكفلها القوانين والمواثيق الدولية كحق مشروع للفرد للتعبير عن رأيه بحرية داخل المجتمع. والحاجة مازالت ماسة عندنا ليس إلى توسيع هامش الحرية فقط, وإنما إلى توسيع الصدور تجاه النقد الكاريكاتيري. ولسنا في حاجة إلى القول إن القيود المفروضة على حرية الكاريكاتير العربي سببها حساسية سياسية مفرطة ومتضخمة.

  • ما أبرز المحطات في تجربتك الفنية كرسام كاريكاتير منشغل بهموم أمته محليا وعربيا ودوليا؟

ـ أبرز هذه المحطات إقامة أول معرض كاريكاتيري بمسقط رأسي, مدينة القنيطرة المغربية العام 1968, الإسهام في تأسيس أول جريدة كاريكاتير مغربية شعبية بعنوان (أخبار السوق) في أبريل 1978. عضويتي كأحد مؤسسي رابطة رسامي الكاريكاتير العرب, وممثل للعلاقات الداخلية لهذه الرابطة التي تأسست بدمشق برئاسة الشهيد ناجي العلي العام 1980.تعرضت رسوماتي للمنع من النشر سنة 1986. الحصول على مجموعة من الجوائز الدولية والوطنية كجائزة (التواصل الحضاري) للدكتور المهدي المنجرة, واختيار إذاعة طنجة (المهماز) كشخصية صحافية لعام 1991. اعتماد بعض أعمالي الكاريكاتيرية في رسائل جامعية كدبلوم المعهد العالي للصحافة.

الرابطة وتعثرها

  • رابطة رسامي الكاريكاتير العرب أين هي?ولماذا توقف نشاطها بعد وفاة رئيسها الفنان الراحل ناجي العلي؟ أسألك باعتبارك عضوا فيها مكلفا بالعلاقات الداخلية?أليست هناك مبادرة لإعادة الروح إليها؟

ـ تأسست رابطة رسامي الكاريكاتير العرب تحت رعاية الاتحاد العام للصحفيين العرب بدمشق العام 1980 لتكون بمنزلة الناطق الرسمي باسم فناني الكاريكاتير في الوطن العربي, والمدافع الأمين عن حقوقهم المهنية المختلفة, ومحفزا حقيقيا للنهوض بفن الكاريكاتير العربي للقيام بدوره بكامل الجرأة والحرية. غير أن ما أسفر عنه سوء الأحوال السياسية لاحقا من بلوغ العدوان الإسرائيلي ذروته على لبنان, وانتقال رئيس الرابطة الفنان ناجي العلي من بيروت ثم الاستشهاد في لندن, وتعاظم روح التجزئة والقطيعة بين أجزاء مختلفة من الوطن العربي حال دون قيام الرابطة بمواصلة نشاطها. ويمكن القول باختصار إن تأزم الوضع السياسي عموما يمثل عائقا خارجا عن إرادتها, وأملي أن تعود الروح إليها ذات يوم.

هامش الحرية

  • لماذا لم تنجح كل المشاريع التي أعلنت من قبل عن تأسيس جريدة عربية تضم كل رسامي الكاريكاتير العرب؟

ـ السبب الأول والأخير هو ضيق هامش الحرية. وعندما تم التفكير في الصدور من الخارج لتجاوز هذا السبب كانت الخسارة أفدح, أولا لكون تكلفة الصدور من الخارج مرتفعة الثمن, وثانيا لمنع المشروع نفسه من دخول العديد من البلاد العربية. وهكذا عادت مجموعة الرسامين الكاريكاتيريين أصحاب المشروع إلى قواعدها سالمة..!

  • ما تقييمك بكل موضوعية, لجريدة (كاريكاتير) المصرية؟

ـ إن فكرة إصدار جريدة كاريكاتيرية هي بادرة طيبة بحد ذاتها, لكن في رأيي أن الصحافة الكاريكاتيرية نوعان: نوع محايد يهدف إلى تسلية القارئ وامتاعه بملء صفحاته بمواد صحافية ورسومات كاريكاتيرية متنوعة ولا علاقة لها بمجابهة الواقع السياسي القائم, ونوع ثان يقوم على نقد الواقع والارتباط بنبض أحداثه السياسية المختلفة بشكل مستمر وله رأي وموقف مما يجري حوله محليا وإقليميا ودوليا, بالإضافة إلى الاهتمام بواقع الكاريكاتير ورساميه عبر الالتقاء بهم والتعريف بإنتاجهم. وأعتقد أن جريدة (كاريكاتير) تأتي في منزلة بين المنزلتين!

  • أخيرا, ما هي مهمة الكاريكاتير العربي في الظرف الراهن الذي تواجه فيه الأمة العربية والإسلامية الكثير من التحديات؟

ـ التصدي للزيف الإعلامي الذي يرمي إلى زعزعة ثقة الإنسان العربي والإسلامي في مقوماته الحضارية العريقة, والعمل على نشر الوعي بأهمية السير نحو الهدف العربي الواحد, والدفع بالقناعات السياسية إلى كسر الحواجز النفسية وإزالة الحدود بين أقطار أمتنا العربية الكبيرة.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




العربي الصبان





بوشعيب الضبار