الساحر لا يكشف عن بيانه

الساحر لا يكشف عن بيانه
        

شعر

«أنا السابقُ الهادي إلى ما أقولُه        إذا القولُ قبل القائلينَ مَقولُ» 

(أبو الطيب المتنبي)

- 1 -

لو بُحْتُ بِسرّي
مَنْ يمنحُني سرَّ الغامضِ والمكنونْ؟
مَنْ يحجبني ثانيةً
كي يسألَ عني الناسُ
وأملأ حيرتهم بكلامي؟
وكذبتُ عليهم
حين زعمتُ بأنّ الخيلَ هنالكَ تعرفُني
والليلَ وأطرافَ البيداءْ
والسيفَ
ورأسَ الرمحِ
ورأسَ القلم النازفِ مثل الجرحِ
وقرطاسَ البلغاءْ
وبأنّ الأعمى ينظر في أدبي
والصُمَّ أصاخوا لكلامي
ويسير الكُسَحاءُ بسحرِ بياني
لستُ وضوحَ زماني
وكياني
كي أُعطي ما لا أملكُهُ
لستُ الشمسَ
ولكنّي غَبَشُ الليل
صدى أصواتِ الأرواحِ السوداءْ
فإذا ما جَمَّعَ من عدمِ الأشياء مصوّرُها
جَسَدي
أرسلتُ يدي
كي تمحو ما يثبت من عَدَمِ الأشياءْ
حتّى لكأنّي «لا»
في أصلِ «نَعَمْ»
أَوْ أَنّي
وسواسُ الفكرةِ
إذ تصفن أو تحرنُ بين الحرفين

- 2 -

يعلو صرحٌ فوق أصابعِ أحلامي
فإذا ما هَبَّتْ ريحٌ تشبهُني
لا أتهدّمْ
بل أمضي مثل الغيمة في الصحراءْ
وحدي
(أو أنتَ معي لافرقَ...)
أنا وحدي
وأنا (لو تعلمُ) من قومٍ
من أصلِ الجِنِّ
وإنْ كانوا في زيّ الناسْ
جوّابينَ صحاري
عَبَروا
فوق طيورٍ
أو فوق شخوص جِمالْ
وهُمو فوضى ريح هوجاءْ
فإذا سلَّمتَ علينا
فاحذرنا
وتحسّسْ أصل ذراعِكَ في جَسدِكْ
وتوسَّلْ
أن يتداركنا (نحنُ وأنتَ) اللهُ
ويرحمَ غربتنا
تُهْنا
حين انفصَلتْ «كافُ» الخَلْقِ بأمّتنا
عن متنِ «النونِ»... خَمَدْنا حتّى مِتْنا
أو كِدْنا... 

- 3 -

- مَنْ أنتَ
وما تبغي؟
من نحنُ؟
... وتسألني في كل زمانٍ ومكانْ
وتريد جوابًا يشفيك من الحيره
إني الحيره
هل تفهم معنى سردابٍ
يدخل فيه (كي لايخرجَ) إنسانْ؟
هل تفهم «لا» و«نعم» وإليكَ وضدّكَ في آنْ؟
وأحبُّكَ حتى الموت
أموت بحبّك حتّى
لايُعْرفُ مَنْ فينا يقتُلُ مَنْ
أو
مَنْ فينا يُحيي الآخَرْ؟
وأريدُ جَمالَكَ لو يتحطّم بين يديَّ
لأصنعه ثانيةً
فأنا القولُ
ونَفْيُ القولِ
وسابقُ نفسي في أرضِكْ
أرأيتْ؟
(مَثلاً...)
لو مالت هذي الأرض على كفّة ميزانْ
لأشرْتُ لها بالكفّ: اعتدلي/فاعتدلتْ
أو أنَّ جبالاً خَرَجَتْ لمنازلتي
لهدمتُ مناعتَها بالسّبابهْ
......
هَلْ تضحكُ منّي أمْ تبكي؟
وتقول بسرّكَ: مَنْ هذا؟
أَشِرٌ أمْ عرّافْ؟
وحكيمٌ أم ساحرْ؟
وتُذكّرني بأبي...
(سقّاءِ الكوفةِ
مَنْ لا يعرفُه أحدٌ؟)
.... لا أعرفُهُ:
رجلٌ ماتَ ليولد منّي ثانيةً
فأنا والدُ والدِ آبائي...
...
وتذكّرني بالعبد الأسودِ
حين نَصَبْتُ له عرشًا في «مصر» من الكلماتِ
وقلتُ له: كُنْ مَلِكا...
فأقامَ عليهِ وكانَ لهُ ما ليسَ لهُ
حتى أَذِنَتْ لي كلماتي
فصرختُ به: هذا عرشي
وخرجتُ
لكي أحفظ مملكتي
من كذبِ الشعراءْ
أتضحكُ منّي أم تبكي؟
(... كذب الشعراء...)
حَسَنًا
سأحيّركُم في أمري
مادامت في الأرض الكلماتْ

 

محمد علي شمس الدين