صاحب السمو أمير البلاد في حديث خاص لـ «العربي»

صاحب السمو أمير البلاد في حديث خاص لـ «العربي»
        

لقاء خاص
العربي سفيرة للثقافة العربية الأصيلة المنطلقة من الكويت

بمناسبة العيد الخمسين لمجلة العربي كان هذا الحديث المهم لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي أدلى به سموه إلى رئيس تحرير «العربي». وتدين «العربي» بالفضل في صدورها إلى إيمان المسئولين الكويتيين، وعلى رأسهم سمو أمير البلاد، بالدور الذي تقوم به الثقافة العربية في توثيق العلاقات بين مختلف دول العرب. لذا فقد حرص سموه منذ ميلاد هذه المجلة على دعمها وجعلها واحدًا من أفضل السفراء الكويتيين إلى كل بيت عربي. وقد بدأ سموّه هذا الحديث بتقديم التحية للدور الثقافي المهم الذي تؤديه المجلة:

          بداية أود أن أبارك لمجلة العربي احتفاليتها بمرور خمسين عامًا على صدورها، مثمنين دورها الثقافي الكبير الذي أدته، ولاتزال، خلال نصف قرن من الزمان، سفيرة للثقافة العربية الأصيلة المنطلقة من الكويت للوطن العربي. متمنين لكم، ولجميع العاملين في هذا الصرح الثقافي الكويتي، مزيدًا من التقدم والعطاء المتميز في خدمة الثقافة العربية والقارئ العربي في كل أرجاء وطننا العربي الكبير، مستذكرين بالتقدير في هذه المناسبة أولئك الذين حملوا على أكتافهم مسئولية هذا السفر الثقافي منذ صدور أول عدد لـ «العربي» في ديسمبر 1958، ولايزالون يواصلون بكل همة ونشاط أداء هذه الرسالة الجليلة.

  • صاحب السمو، في ظل الأوضاع العربية المتردية في أكثر من منطقة عربية يُطرح تساؤل عربي هو: أين دور الكويت الذي تميزت به إزاء كل هذه الأزمات التي يعيشها العرب اليوم؟

          - الدور الكويتي ليس بعيدًا أو غائبًا إزاء ما يمر به الوطن العربي من مآسٍ وأزمات، ولاتزال دولة الكويت تقوم بالدور نفسه الذي عرفت به وتميزت فيه، بالتعاون مع الدول الشقيقة، أو من خلال المؤسسات والهيئات العربية المنضمة إليها، كمجلس التعاون لدول الخليج العربي، والجامعة العربية، وغيرهما من المنظمات العربية الأخرى في إطار التضامن العربي، وجمع شمل الأمة العربية فيما يخدم مصالحنا جميعًا.

من دون وحدة الصف... لا وجود لنا

  • هل ترون سموكم أن وحدة الصف والتضامن العربيين لايزالان قائمين؟ وكيف يمكن جعل السياسة العربية أكثر فاعلية في مواجهة ضغوط المجتمع الدولي والحفاظ على الاستقلال الوطني لكل دولة؟

          - بكل تأكيد وحدة الصف العربي استراتيجية أساسية، وإلا فلن يكون لنا كأمة عربية أي وجود في ظل التكتلات الإقليمية والدولية القائمة، أو تلك التي قد تنشأ فيما بعد... فنحن اليوم نعيش في عالم التكتلات الكبرى، سواء كانت اقتصادية، أو سياسية، ومن هنا فإن وحدة الصف والتضامن العربيين يظلان مرتكزاً أساسيًا لوحدتنا العربية ووجودنا العربي ككل.

          أما عن التساؤل بشأن كيف يمكن جعل السياسة العربية أكثر فاعلية في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية وغيرها، ومن ثم الحفاظ على الاستقلال الوطني لكل دولة، فإن الأمر يتطلب أولاً النظر إلى واقعنا العربي في الوقت الراهن، ومجموعة الضغوط التي تمارس عليه، ومن أين تأتي، ولماذا تُمَارَسُ تلك الضغوط، ومن هي القوى المستفيدة من كل ذلك؟

          إن مجموعة هذه التساؤلات تكون الإجابة عنها مهمة للغاية لمعرفة حجم وقوة أو ضعف ما آلت إليه وحدة الصف والتضامن العربيين في وسط مجموعة الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بها، وقدرتنا على الحفاظ على استقلالنا الوطني ليس بمفهومه السياسي فقط، ولكن بمفاهيم أوسع وأشمل، وخاصة الأخذ بعين الاعتبار الدور العالمي المتنامي، ومنظمات الأمم المتحدة والاستفادة من هذا الدور الفاعل على الساحة العالمية. 

نحن في سباق مع الزمن

كيف ترون سموكم مستقبل دولة الكويت في عالم متغير؟ وما خطط التنمية المستقبلية التي أعدت؟ وما الأدوات التي يمكن بواسطتها التوجه بالمرحلة المقبلة لتصبح دولة الكويت قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية؟

          - لقد مرت الكويت بفترات عصيبة خلال سنوات نهاية القرن العشرين الماضي، جعلتنا نولي جُلَّ اهتمامنا وجهدنا وطاقاتنا لحماية كيان دولتنا وتأمين استقرارها وأمنها.

          ولقد جاءت تلك الظروف على حساب حركة بناء اقتصادنا الوطني، والإسراع في مسيرة نهضته والمضي قدماً بخططنا التنموية الطموحة، ولم يكن لنا خيار في كل ما مر بنا، وما قمنا به لمواجهة الأخطار والتحديات، واليوم وبعد أن تمكنا من ترسيخ أمننا الوطني، وإعادة ترميم ما خلفه الدمار الذي أصاب بلدنا، نجد أنفسنا في سباق مع الزمن لتعويض ما فاتنا من فرص تنموية لإعادة بناء مقومات اقتصادنا الوطني، وتحديث بنيته التحتية. إن رؤيتنا التنموية الشاملة تقوم على أساس إعادة بناء الكويت كمركز مالي وتجاري متطور، وتحديث البنية العلمية والثقافية، لاستعادة مكانتها التاريخية المرموقة على المستويين الإقليمي والدولي.

          والغاية من هذه الرؤية هي أن ننتقل من واقع اقتصادنا الحالي المعتمد على النفط كمصدر رئيسي للدخل إلى اقتصاد تتنوع فيه مصادر الدخل وفرص العمل الجديدة لمواطنينا، بحيث يتحقق الرخاء للمواطنين والتنمية المستدامة للوطن، ما يكفل فرص العيش الكريمة لشعبنا وللأجيال القادمة.

          هذه الرؤية الاستراتيجية تضعنا جميعًا أمام تحديات كبيرة ومسئوليات ضخمة تتطلب تضافر كل الجهود، سواء من موقعنا كمسئولين حكوميين أو كقطاع خاص، أو قوى فاعلة في مؤسسات المجتمع المدني.

          إن ما سيؤمن وصولنا إلى أهدافنا المنشودة هي تلك الاستراتيجيات والخطط والبرامج وسن التشريعات اللازمة لتنفيذها، والتي هي الآن موضع الإعداد والتنفيذ والمتابعة في أكثر من موقع تنموي ضمن إستراتيجيتنا لإعادة بناء الكويت وتأهيلها لمواجهة واستيعاب متطلبات إعادة المكانة الاقتصادية الرائدة لبلدنا.

دروس من آسيا

  • كيف ترون سموكم الاستفادة من دروس نهوض الاقتصاد الآسيوي، وهل هناك توجه للقيام باستثمارات كبرى والدخول في اقتصاديات المنطقة للاستفادة منها؟

          - إن ما يشهده عالمنا الحديث في ظل عصر العولمة والتكتلات من انفتاح اقتصادي وتجاري وتقني شامل من شأنه تعزيز أواصر التعاون والترابط بين مختلف الدول، ولاسيما الدول الصديقة، وبشكل أخص دول الجوار الجغرافي التي تربطنا بها علاقات ومصالح مشتركة، تجعلنا نتصل بهذه الدول للاستفادة مما لديها من تجارب اقتصادية وتجارية وتقنية ناجحة، وكل ذلك يدخل في إطار رؤيتنا التنموية الشاملة لجعل الكويت مركزًا ماليًا وتجاريًا مرموقًا في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

          لقد كانت الزيارات التي قمنا بها لهذه الدول الصديقة مثمرة للغاية، اطلعنا من خلالها على مجموعة متنوعة ومتميزة من التجارب التجارية والصناعية والتقنية الناجحة، ووقعنا معها العديد من الاتفاقيات للاستعانة بما لديها من تقنيات ناجحة يمكن الاستفادة منها في إعادة بناء البنية التحتية وتحديثها.

          إن شراكتنا التجارية والاستثمارية المتنوعة مع هذه الدول هي جزء من استراتيجيتنا التنموية الشاملة للوصول بأهدافنا إلى مبتغاها بإذن الله تعالى. 

الإنسان الكويتي... هدفنا

  • صاحب السمو، في كل خطاباتكم السامية، حفظكم الله ورعاكم، كان هناك اهتمام وتركيز على أهمية التنمية البشرية، خاصة في مجال التعليم، باعتباره مفتاح بوابة المستقبل، وقد كانت توجيهات سموكم في أكثر من مناسبة هي للاهتمام بالعملية التعليمية، وتطوير دولة الكويت بشكل خاص.

          - إن أغلى وأثمن ما لدينا في هذا الوطن العزيز هو الإنسان الكويتي في حاضره ومستقبله، وإن كل خططنا التنموية المستدامة هي لمصلحة هذا الإنسان، وكل ما نهدف إليه هو بناء اقتصاد كويتي متنوع تتجسد فيه طاقات أبنائنا الإبداعية الخلاقة وتتفاعل مع ما حولها من تطور وتقدم.

          ولا يمكن لنا تحقيق هذا الهدف ما لم نركز على العملية التربوية من الأساس، ابتداء من مراحل التعليم من مرحلة الروضة إلى الجامعة، فإذا أردنا فعلاً أن ننهض بالوطن ومستقبله الزاهر، فلابد لنا أولاً من الاهتمام بالعملية التربوية، وتطوير مناهج التعليم بصفة مستمرة لخلق جيل من أبناء الوطن متسلح بالعلم والمعرفة الحديثة، ومتمسك بمبادئ دينه الإسلامي السمح والمحافظ على تراثه وثقافته الوطنية والعربية، وعلى ما جبل عليه شعبنا الكريم على امتداد تاريخه من قيم نبيلة وتعاون وتضامن وتكاتف ونبذ الفرقة والسعي دائماً لإعلاء راية الوطن ورفعة شأنه. إن ما ندعو إليه هو نهضة تربوية شاملة لا تقتصر على تنمية القدرات الإبداعية لدى الطلاب، وإنما أيضاً تشمل المعلمين والمعلمات، فهم أساس ومحور العملية التربوية، الذين يجب أن يقفوا على كل جديد ومتابعة ما هو حديث في ميادين العلم والتكنولوجيا لكي يتمكنوا من نقل ما عرفوه وتعلموه إلى أبنائهم وبناتهم الطلاب والطالبات، حيث إننا نراها دورة تعليمية متكاملة ومترابطة لا يمكن عزلها أو تجزئتها، لهذا فإننا نرى في الإنسان الكويتي أيًا كان موقعه في العملية التنموية الشاملة، الاستثمار الحقيقي لهذه العملية وعائده المضمون لمستقبل آمن لمواجهة كل التحديات التي قد تمر بالوطن. إن الارتقاء بقدرات الطالب والمعلم على حد سواء وتنمية معالم فكرهما باستمرار، يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالعملية التنموية بأبعادها التربوية والثقافية والاقتصادية. 

مشروع لرعاية الموهوبين

  • كيف ترون سموكم، حفظكم الله ورعاكم، خطط الدولة لرعاية المبدعين من أبناء الوطن والعمل على تنمية مواهبهم؟

          - تعنى الدول دائما بأبنائها المبدعين والموهوبين باعتبارهم الثروة الحقيقية لها. من هنا يأتي اهتمامنا بأبنائنا المبدعين والموهوبين في المجالات كافة، فهم عماد مستقبل الوطن، وهناك الآن مشروع وطني سيرى النور عما قريب للعناية بهذه الفئة من أبناء الوطن، يقوم هذا المشروع على تبني هذه المواهب منذ نعومة أظفارها لإعدادها الإعداد والتأهيل اللائق بها، والذي يصقل مواهبها في كل مجالات الإبداع. وسيكون هؤلاء المبدعون محل رعاية واهتمام الدولة الدائم حتى بعد تخرجهم من الجامعات لمتابعة إبداعاتهم ورعايتها. إن هذا المشروع هو واحد من المشاريع الكثيرة لخطة وطنية طويلة المدى لاحتضان ورعاية أبنائنا المبدعين في مختلف المجالات.






صاحب السمو أمير البلاد أثناء لقائه رئيس تحرير مجلة «العربي» د. سليمان إبراهيم العسكري





أمير البلاد يدون كلمة تحية إلى الذين ساهموا بالعمل في مجلة «العربي» على العدد الأول من المجلة





في كل ندوة تعقدها «العربي» يحرص سمو أمير البلاد على مقابلة الكتاب والمثقفين والإعلاميين الذين يشاركون فيها





في كل ندوة تعقدها «العربي» يحرص سمو أمير البلاد على مقابلة الكتاب والمثقفين والإعلاميين الذين يشاركون فيها