سمو ولي العهد: «العربي».. منارة للثقافة ونور للفكر

سمو ولي العهد: «العربي».. منارة للثقافة ونور للفكر
        

          كانت مجلة «العربي», ومازالت, منارة ثقافية أضاءت بنورها دروب الوطن العربي من الخليج إلى المحيط..

          فقد قدمت عبر مسيرتها الطويلة نموذجًا ناجحًا من الأطر الثقافية والإبداعية وتميّزت برونق الأسلوب والمضمون، ما جعلها قبلة للطامحين إلى المعرفة والاستزادة بنور الفكر.

          وإذ أشيد بالدور الثقافي لمجلة «العربي» فإنني أشد على أيدي القائمين عليها دعمًا ومساندة لمواصلة مسيرة النجاح التي تخطت الحدود المحلية والإقليمية، فجعلت من أبناء الوطن العربي رصيدًا زاخرًا للثقافة العربية.

          وإذ نهنئ مجلة «العربي» الغراء باليوبيل الذهبي، نتمنى لها أن تظل دائمًا مشرقة بنور المعرفة والفكر لخدمة الأمة العربية. 

نواف الأحمد الجابر الصباح
ولي العهد

سمو رئيس مجلس الوزراء يحيي «العربي» في عيدها الذهبي
«العربي» في قلب كل عربي

          الاحتفال باليوبيل الذهبي لمجلة «العربي» ليس احتفالا تقليديا لمطبوعة عادية، لكنه يشكل بالنسبة إلى كثير من الذين عايشوا ولادة هذا العملاق الثقافي حالة من التأمل لمسيرة إنجاز كبير في المجال الثقافي، صنعه رجال عظام، تحلوا بالحكمة والحنكة والنظر الثاقب.

          مجلة «العربي» شكلت منذ صدورها قبل خمسين عامًا رافدًا ثقافيًا مهمًا ورئيسياً للقراء العرب على اختلاف مواقعهم ومواطنهم، وعلى اختلاف ثقافاتهم واتجاهاتهم، وبل ولقارئ العربية في هذه المعمورة مترامية الأطراف.

          فقد كان صدور مثل هذه المطبوعة في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، بمنزلة شعاع مضيء للقارئ العربي الذي كان يمر في ذلك الوقت بمرحلة انتقالية صعبة تتسابق فيها التيارات السياسية المختلفة على اجتذابه واستمالته، وهي مرحلة ما بعد الاستعمار، التي كانت تتطلب بناء الدولة العربية الحديثة، ولا يقوم البناء إلا على ثقافة جادة مستنيرة ومنفتحة.

          وهكذا صدرت مجلة «العربي» من الكويت، التي كان دائما يشار إليها على أنها «بلاد العرب» فاستطاعت هذه المطبوعة أن تروي ظمأ القارئ العربي المتعطش إلى معرفة متنوعة وثقافة جديدة بوطنه العربي من جهة، ومن جهة أخرى بالمعرفة المتجددة من خلال مخاطبة العقل وملامسة الوجدان بطرح واقعي جاد وعرض موضوعي صادق ومنطق سليم وصورة جميلة معبرة.

          لقد انطلقت مجلة «العربي» قبل نصف قرن عندما كان حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح - حفظه الله ورعاه - رئيسًا لدائرة الإرشاد والأنباء، إيمانًا من سموه بأهمية الدور الإعلامي والثقافي في تعميق التواصل بين الشعوب العربية، فكانت سنواتها الأولى تحت رعايته المباشرة، إلا أن هذه الرعاية لم تنقطع أبدًا وسموه في مواقع أخرى من المسئولية العامة التي تسلمها باقتدار طوال هذه السنين التي شهدت بناء الكويت الحديثة.

          وعكست هذه الخطوة الصائبة والحكيمة حرص دولة الكويت على تلبية متطلبات مرحلة من أهم وأدق مراحل تاريخ أمتنا العربية، وذلك بتقديم خدمة ثقافية وإعلامية وسياسية واجتماعية شاملة ومتكاملة، صلبها ثقافي وهو ما كان يتعطش له العرب في كل مكان.

          إن «العربي» لم تكن مجرد مطبوعة لنشر «الإعلام» بالمفهوم الضيق والمحدود لهذه الكلمة، بل تميزت باحتضان الثقافة بشتى أنواعها، العلمية والأدبية والثقافة البصرية، عن طريق عرض الموضوعات والقضايا الثقافية والأدبية والعلمية التي تنمي وعي القارئ وترتقي بفكره، فطافت أنحاء البلاد العربية تقدم بالصورة والكلمة معايشة مباشرة مع الناس والمعالم التاريخية، والعادات والتقاليد، فكانت تقرب بين العرب وتعرفهم بوطنهم الكبير وتنمي الوعي بالانتماء وبالمصير المشترك، ولم تتوقف عند حدود الدول العربية، فسافر محرروها ومصوروها إلى بلدان العالم وأركانه الأربعة المترامية الأطراف

          واستطاعت من خلال الإمكانات الكبيرة التي وفرتها دولة الكويت، أن تصل إلى القارئ في أرجاء الوطن العربي على امتداد مساحته الكبيرة، فذهبت إليه في القرى البعيدة، وكانت معه في أطراف المدن النائية، وعاشت حياته في مجاهل الصحراء، وفي أعالي الجبال.

          وقدمت عبر تاريخها الحافل تقارير وتحقيقات واستطلاعات نادرة وغير مسبوقة عن مختلف المجتمعات العربية، البدوية منها والحضرية، على السواحل وفي بطن الصحراء وعلى ضفاف الأنهار، ورصدت العادات والتقاليد المختلفة لشعوب تلك المجتمعات، في سعي جاد وهادف إلى تقريب وفهم روافد الثقافات العربية.

          لقد حافظت مجلة «العربي» عبر تلك الرحلة الطويلة، والممتدة طوال خمسة عقود على تميّزها ومكانتها الثقافية، واحترمت عقلية القارئ بتقديم الحقائق دون زيف، فبادلها الاحترام بالاحترام، وأقبل عليها جيلاً بعد جيل، وأصبحت بمنزلة الجامعة الثقافية التي يأوي إليها المواطن العربي في كل مكان ليتزوّد بفكرها، وينهل من معينها الذي لن ينضب أبدًا بإذن الله.

          وأتذكر أننا في السابق كنا نطلق على مجلة العربي «سفيرة الكويت الثقافية لدى الشعوب العربية»، والآن وبعد خمسة عقود من العطاء المتدفق، نؤكد أن «العربي» لم تعد مجرد سفيرة، بل هي منارة للثقافة، وصرح للدبلوماسية، وجامعة شاملة للعلم.

          وإذا كنا نحتفل اليوم باليوبيل الذهبي لصدور العدد الأول من مجلة «العربي» في ديسمبر 1958م، فإنه لا يسعنا ونحن نستشعر الفخر بهذا الصرح إلا أن نوجه تحية إجلال وإكبار لكل مَن ساهم في بناء هذه المنارة العالية، والمحافظة على مكانتها الكبيرة وتميزها المستمر، ونخص بالذكر رؤساء التحرير، الذين لم يترددوا في بذل كل طاقتهم للحفاظ على هذا الصرح الثقافي بمحرريها الذين عملوا فيها، وندعو لمن غادرنا إلى رحاب المولى بالرحمة، ولمن بقي بالعمر الطويل.

          وإذ نؤكد مكانة مجلة «العربي» في قلوبنا جميعًا، فإننا نتمنى لها مزيدًا من النجاح والتألق، ومواصلة رسالتها السامية والنبيلة في نشر الوعي والثقافة بمختلف الأقطار العربية، ولكل قارئ للعربية في ظل قائد مسيرتنا حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح المؤسس والراعي، وسمو ولي عهده الأمين، حفظهما الله ورعاهما.

ناصر المحمد الأحمد الجابر الصباح
رئيس مجلس الوزراء