شهادة.. «العربي»: رحلة عطاء.. د. سعاد الصباح

شهادة.. «العربي»: رحلة عطاء.. د. سعاد الصباح
        

          منذ صدورها قبل خمسين عامًا وحتى اليوم، شكلت «العربي» رمزًا كويتيًا ثقافيًا متميزًا إلى حد جعلها جزءًا من اسم الكويت ومعلمًا من معالمها. نجحت «العربي» في طرح صيغة جديدة لمعنى المجلة الثقافية، إذ زاوجت بين العلم والأدب، بين التحقيق المصور والكلمة المبتكرة، وبين الشعر والنثر والنقد والإبداع في صورة رصينة للابتكار الإعلامي. لقد احترمت «العربي» قارئها فبادلها ذلك بالثقة وتعامل معها كمرجعية ثقافية، وهذا أقصى ما تطمح إلى تحقيقه المجلة أو المطبوعة، خاصة أنها تخاطب خليطًا من الثقافات والموروثات المتنوعة للشعوب العربية المتمايزة الثقافة، ولكن بلغة واحدة. في الظن أنها تخاطب قارئًا واحدًا، وفي الحقيقة فإنها تخاطب جملة من القراء تختلف عندهم مستويات الثقافة وروافدها ورؤاها.

          دور «العربي» الكبير جعلها تتقدم عامًا بعد عام لتصبح المجلة العربية الأكثر رواجًا من مشرق أرضنا إلى مغاربها. ودورها التثقيفي أعطى مؤشرًا جديدًا لمعنى العمل الثقافي الإعلامي المنزه عن الغرض لتصبح «العربي» بالفعل منبر كل عربي قادر على الإبداع، دون النظر إلى أي اعتبار خارج حدود الإبداع الجديد.

          لقد حققت «العربي» لاسمها مكانة عالية في عالم الكلمة العربية وأعطاها تنوعها الفريد نكهة خاصة بها، غير مسبوقة، ولاتزال تحتفظ بتفردها وخصوصيتها لتجعل النشر فيها علامة للمبدع وهدفًا له في آن. فالمبدع يعرف أن قصيدته أو دراسته أو مقالته حين تنشر في «العربي» أنها تذهب إلى مئات الالوف من القراء، الذين يقبلون عليها، ويبكرون في سعيهم إلى الحصول على نسخة منها، وهذه شهادة لـ «العربي» ندر أن حازت مثلها مجلة عربية منذ أيام «الرسالة». ولعل ما يكمل هذه الصورة المشرقة حرص المئات من قرائها على الاحتفاظ بنسخها وسعيهم إلى استكمال ما ينقص مجموعاتهم منها ولو أن «العربي» قررت اليوم أن تعيد طباعة أعدادها، كما فعلتُ عندما أعدت طباعة الألف والعشرين عددًا من مجلة «الرسالة» لوجدت المئات في انتظار المجموعة الكاملة، والتي تشكل أضخم عمل ثقافي مطبوع في تاريخ العربية.

          يلفت المتابع لـ «العربي» نجاحها في تحبيب الموضوعات العلمية البحتة إلى القارئ العربي، وهي المادة البعيدة نسبيًا عن رومانسية العربي وشغفه بالشعر والخيال والصورة.

          كذلك نجحت «العربي» في جعل الجغرافيا مادة محببة عبر التحقيقات المصورة والغنية بالمعلومات المفيدة للقارئ في تعريفه بالعالم وبالمعالم البارزة فيه. إن مراجعة دور «العربي» تبين حجم مساهمتها الفريدة في الإنماء المعرفي العربي وهو دور لا يقل أهمية عن دورها في الكشف عن مكامن الإبداع العربية ومنحها حقها في الإعلان عن توافرها. كما نلحظ في «العربي» خلال السنوات القليلة المنصرمة، اهتمامها بالقضايا المصيرية العربية، في سوية للطرح وللرأي تليق بتاريخ المجلة وعراقتها. خمسون عامًا وكلها إلى أمام. هذه هي معادلة «العربي» الراسخة والفريدة، وهذه هي الشهادة التي كتبتها «العربي» لنفسها ويكتبها لها ومعها مواكبون لمسيرتها ومسهمون في رحلتها الطويلة الرائعة.

          واليوم، وبعد مضي الخمسين عامًا الأولى أسأل:

          ترى هل كان الشيخ صباح الأحمد، أميرنا الجليل، يحسب أنه يدفع إلى ساح الكلمة بهذه الجوهرة، وهو يواكب انطلاقتها ويعمل على صدورها بالمعنى والأناقة التي ظهرت فيها؟

          هل كان يعلم أنه يرفع للكويت راية ثقافة سوف تصبح، كما البحر والصحراء والنخيل علامة كويتية دالة عليها؟

          الأحلام الكبيرة يحققها الكبار، وهذه هي «العربي» حلم كبير حققه كبير.

 

سعاد الصباح