عروس في الخمسين.. علي عبدالكريم

عروس في الخمسين.. علي عبدالكريم
        

          جميلة، رصينة، مكتنزة، تكمل عامها الخمسين اليوم، لكنها لم تفقد رونقها وجاذبيتها وحماستها للتجديد والتألق، فهي في مرآة نفسها ومرآة أصدقائها وعشاقها مازالت تحتفظ بقوة الإدهاش والمفاجأة، تمد البصر والبصيرة الى المستقبل لترسم الطريق إليه، عبر الموهبة والحوار واحترام الآخر، والانفتاح على كل مضيء في الثقافة والإبداع، من دون أن تسمح لمسيرتها الغنية بالغرور أو الانزلاق إلى ما يبعدها عن مرآتها الكاشفة، التي تقف أمامها دائما، لتراجع خطواتها وتقوم إنجازاتها وتعيد النظر، في الشكل والمحتوى، في الحفاظ على الجذور وجمال الموروث، وفي احتضان الإبداع والتجديد وتحرض المفكرين والكتاب والمبدعين من كل المدن والأرياف العربية ومن اصدقاء اللغة العربية في العالم كله.

          هذه الصبية الأنيقة المكتنزة اسمها مجلة العربي، تحتفل ونحتفل معها باليوبيل الذهبي، وأراها جديرة بأن تضيء جامعة الدول العربية الشموع في عيد مجلة العربي الخمسين، وأن نقف امام هذه التجربة بما تستحق من القراءة الناقدة المقارنة مع تجربة الجامعة العربية ومؤسساتها المختلفة السياسية والاقتصادية والثقافية، أملا في ان تعتمد هذه التجربة أنموذجا وقدوة ومثالا في العمل القومي الصحيح، فمجلة العربي حافظت على شعور عال بالمسئولية تجاه النصوص الابداعية والدراسات والتحقيقات والمراسلات والاعلانات وكل ابواب المجلة الثابتة والمتغيرة، فقد فتحت صدرها وقلبها وجناحيها للعرب في المشرق كما في المغرب كما في الكويت مركز الانطلاق والرعاية، فلم تسمح للعصبية، بكل اجناسها واطيافها، بالدخول الى عالمها.

          وبناء على ذلك آثرت الوفاء للغة العربية وجمالها وعبقريتها في الفنون الإبداعية المختلفة، وكانت صفحاتها عبر خمسين عاما منبرا متميزا لاكتشاف واحتضان الشعراء والروائيين والقصاصين والنقاد والمفكرين والدارسين والمستشرقين من كل بلدان العالم.

          لقد تعرفت أجيالنا في المشرق والمغرب وكل مكان تصل اليه هذه المجلة (الهدية) الى جغرافية الوطن العربي، فاكتشفوا الكنوز التاريخية وجمال المدن والقرى والبوادي، وأدركوا بالكلمة والصورة عمق الصلات والروابط بين أبناء اللغة الواحدة، وسمحت لهم هذه المجلة (المدرسة) بالإطلالة على مساحات الابتكار والألفة والتسامح والحب في البيئة العربية المتنوعة، في الخليج وفي البادية وفي الجبال الخضراء وفي المدن العريقة وفي التجمعات السكنية، حيث مصادر العيش المختلفة.

          تستحق منا مجلة العربي التحية والعرفان في عيدها الذهبي، ويستحق القائمون عليها ورعاتها في دولة الكويت ان نعترف لهم بأستاذية هذه التجربة وريادتها وجدارتها بان تعتمد مثال العمل العربي المشترك الناجح والناصع، في زمن كثرت فيه الانهيارات المؤلمة لمقومات العمل العربي المشترك.

          وما تشهده المنطقة العربية من نذر الفتنة والانقسام وضياع الرؤية في تحديد الخطر والعدو الحقيقي، يحدونا على الاعتصام بالأرض واللغة والكرامة والحقوق وصيانتها جميعها من خلال رفض الانجرار إلى أسباب الفرقة والفتنة والانقسام.

          ولنا عدو واضح يغتصب الأرض، ويمارس أبشع اساليب القهر والتهجير والتدمير فلا مبرر لنا جميعنا أن نفقد البوصلة، التي أرى أن مجلة العربي احتفظت بها طوال عمرها الجميل المضيء المتجدد.

 

علي عبدالكريم