المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية
        

الكويت

مهرجان القرين.. تكريم الثقافة والفن

          انطلقت فعاليات مهرجان القرين الثقافي الرابع عشر، بحزمة من الأنشطة، تلك التي نظمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

          وكان وزير الإعلام قد افتتح المهرجان بتكريم الحاصلين على جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية لهذا العام، تلك التي تُمنح لرواد العمل الثقافي والاجتماعي والفني، والأدبي في الكويت، عرفانًا وتقديرًا لعطاءاتهم في المجالات المختلفة.

          واختارت اللجنة العليا للجائزة هذا العام ثلاثة رواد هم:

          الشاعر الكبير عبدالمحسن الرشيد البدر، وهو من الشعراء المجددين في حركة الشعر الكويتي، وصدر له ديوان شعر عنوانه «أغاني الربيع»، ومن المؤسسين لرابطة الأدباء، والمؤسسات الثقافية الأهلية المختلفة.

          كما حصلت على التقديرية رائدة العمل النسائي في الكويت لولوة القطامي،التي أدت دورًا متميزًا في تأسيس الجمعيات الأهلية منذ بداياتها، وأول كويتية تسافر إلى بريطانيا من أجل طلب العلم عام 1952، كما أنها لعبت دورًا محوريًا في مسيرة تعليم المرأة في الكويت والدفاع عن قضاياها في مختلف المراحل.

          وحصل طارق السيد رجب على التقديرية، بصفته أحد رموز الحركة الفنية في الكويت، ومن الذين أدوا دورًا مهمًا في الحفاظ على التراثين الكويتي والإسلامي، ومن أوائل الكويتيين الذين تأهلوا في مجالات التنقيب الأثري، وأول من شارك من الكويتيين في التنقيب عن الآثار مع البعثات الدنماركية عام 1958، كما أنه عمل مديرًا للمتاحف في الكويت، وأسس بعد ذلك متحفه الخاص «تحف طارق رجب»، الذي يحتوي على مجموعة من نفائس التراثين الكويتي والإسلامي.

          وجائزة الدولة التشجيعية التي تمنح للمبدعين من أبناء الكويت في المجالات المختلفة حصل عليها:

          في مجال الفنون التشكيلية «النحت والحفر والخزف»، مناصفة بين الفنان عيسى محمد عن «الراقصة»، والفنان عباس مالك عن عمله «تناغم»، وفي مجال الإخراج التلفزيوني مالك عن عمله «تناغم»، وفي مجال الإخراج التلفزيوني حصل عليها المخرج خلف العنزي عن مسلسل «ويبقى»!

          وفازت الكاتبة باسمة العنزي على التشجيعية في مجال الآداب «القصة القصيرة» عن مجموعتها القصصية «حياة صغيرة خالية من الأحداث»، في حين حصل عليها في مجال الترجمة إلى العربية الدكتور فهد الناصر عن عمله «الأسرة والتفاعل: تحليل مقارن».

          وفاز الباحث سلطان السهلي بالتشجيعية في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية عن كتابه «المعجم الجغرافي لدولة الكويت - محافظة الأحمدي».

          وحجبت الجوائز التشجيعية في مجالات: الإخراج السينمائي، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والاقتصاد، والعلوم السياسية.

          وتضمنت اللجنة العليا للجائزة التي ترأسها وزير الإعلام رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب مجموعة من الشخصيات العامة ذات الخبرة والكفاءة والأمانة وهم الوزير الأسبق أنور النوري، ومديرة جامعة الكويت السابقة الدكتورة فايزة الخرافي، ووكيل وزارة الإعلام الأسبق سعدون الجاسم، ووكيل وزارة التربية الأسبق عبدالعزيز الجارالله، والدكتور يعقوب حياتي أستاذ القانون وعضو مجلس الأمة الأسبق، بالإضافة إلى المدير العام للهيئة العامة للتعليم التطبيقي الدكتور يعقوب الرفاعي ومساعدة مدير معهد الكويت للأبحاث فريال الفريح.

          واحتفى مهرجان القرين في دورته الحالية بالشاعر الكبير أحمد السقاف الذي تم اختياره شخصية المهرجان.

          وأوضح الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدر الرفاعي ان اختيار السقاف شخصية لمهرجان القرين هذه الدورة جاء من خلال ما قدمه من عطاءات متميزة في مجالات الشعر والثقافة، كما أنه قيمة أدبية كبيرة، ومن جيل الرواد، الذي حمل عبء بناء نهضة الكويت الثقافية، وكشف الرفاعي أن الاحتفاء بالسقاف جاء تزامنًا مع احتفالية مجلة «العربي»، باليوبيل الذهبي ومرور نصف قرن على إصدارها، فقد كان السقاف أحد الآباء المؤسسين لها عندما كلّفه صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد منذ خمسين سنة مرت، باتخاذ الترتيبات اللازمة لإصدار مجلة «العربي»، وقد كان سموه آنذاك رئيسًا لدائرة المطبوعات.

          وتضمن المهرجان إلى جانب ذلك أمسيات شعرية، وندوات،وحلقات نقاشية، وغيرها، بالإضافة إلى استضافة نخبة من المفكرين، والمبدعين للمشاركة في هذه التظاهرة الثقافية الكويتية المهمة.

مدحت علام

الإسماعيلية

مهرجان الإسماعيلية
حيث تكون السينما لغة العالم

          يشكل مهرجان الإسماعيلية السينمائي الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة جسرا ثقافيا وفنيا للتواصل بين المبدعين السينمائيين من أجيال مختلفة، في الشرق والغرب، والشمال والجنوب، وهو - على سبيل المثال - تلقى في دورته الحادية عشرة، الأخيرة، أكثر من ألف وثلاثمائة شريط سينمائي منوع، تم اختيار ستة وتسعين منها للمشاركة في الفروع الخمسة للمسابقة الرسمية، وتنتمي هذه الأفلام إلى إحدى وأربعين دولة، منها عشر دول عربية.

          ويتعاون مهرجان الإسماعيلية مع أهم المهرجانات العالمية المماثلة في تبادل الأفلام والمعلومات، وتنظيم العروض السينمائية الخاصة في طقوس احتفالية تجمع بين السينمائيين المحترفين وعشاق السينما وما بينهم من طموحات وهموم مكتوبة بلغة الصورة.

أفكار ورؤى جديدة

          ويمكننا أن نلاحظ بسهولة تزايد عدد الأفلام التي تتناول الموضوعات الساخنة في متواليات الأحداث المرتبطة بالعنف والتطرف العرقي والمذهبي والقمع والقتل والإرهاب العشوائي وتلوث البيئة وتشرد الأطفال وأخطار الأمراض الفتاكة الجديدة والتفكك العائلي والغلاء والبطالة، وهذه الموضوعات بعناوينها المختلفة، تنتمي إلى أسباب متقاربة، وهي الأكثر التصاقا بأسلوب الأفلام التسجيلية، لأن واقعيتها المرة تعطيها حيوية باهرة توازي، أو تتخطى، الإبهار الفني الذي يحمل المتعة والفكرة معا. ولا يغيب عن الأفلام الجديدة الوجه الآخر للحياة، بما فيه من جماليات العلاقات الإنسانية الحميمة الدافئة، التي تتعامل مع الفنون والتقنية المستجدة بجرأة الفن وشطحات الخيال العلمي. ويستضيف مهرجان الإسماعيلية السينمائيين الوافدين من كل القارات في القرية الأولمبية على الضفة الإفريقية لقناة السويس، بينما تعرض الأفلام وتنعقد الندوات في صالات قصر الثقافة، إضافة إلى إعادة عروض مسائية لأفلام مختارة تجري في حديقة القرية الأولمبية.

          يؤكد مدير المهرجان الناقد السينمائي علي أبو شادي  أهمية اكتشاف جيل الشباب الذي يحمل أفكارا ورؤى قريبة إلى المشاهدين، يطرحها بجرأة تحتاج إلى مناخ من الحرية يمنحها حق الوصول. ومن هنا فإن لجنة اختيار الأفلام لا تمنع الرأي الآخر، احتراما للمخرج والجمهور معًا، وإنما تحدد المستوى الفكري والفني الذي يليق بذائقة المشاهدين ويرتقي بها، أو يضيف إليها ما هو جديد في قاموس السينما كلغة للعالم.

الندوة الدولية

          اعتاد مهرجان الإسماعيلية على تنظيم ندوة دولية تبحث في أحد العناوين الساخنة، ذات الصلة بالثقافة السينمائية والمشكلات المألوفة أو المستجدة في حركة السينما وعلاقاتها المتشعبة بين المنتج والمتلقي، وكانت الندوة الأخيرة في مهرجان الإسماعيلية عن «إشكالية التأريخ للسينما المصرية وسؤال الهوية». أعد الندوة وأدارها المخرج سيد سعيد وشارك فيها السينمائي الفرنسي جيروم بارون وستة من السينمائيين العرب هم: محمد كامل القليوبي، محمود علي، عدنان مدانات، بندر عبد الحميد، رمضان سليم، مصطفى المسناوي.

          ودارت المناقشات وأوراق العمل حول ماهية المعايير التي يمكن أن ينتسب من خلالها الفيلم إلى هوية معينة، والهدف المنشود من التأريخ للسينما، والفرق بين الأثر والتراث وحدود التداخل بينهما، ثم المنهج الملائم لتأريخ السينما المصرية، حيث كان هناك خلاف بين عدد من الباحثين والنقاد حول هوية الأفلام المصرية الأولى التي تداخل فيها نشاط السينمائيين الأجانب مع نشاط السينمائيين المصريين الأوائل.

اكتشاف وتكريم

          كان مهرجان الإسماعيلية في السنوات الماضية مرصدا حرا لاكتشاف التجارب الجديدة والخاصة في السينما المصرية والفلسطينية واللبنانية والسورية والمغربية، والتجارب الفردية للسينمائيين العرب المهاجرين إلى أوربا وغيرها، وهو يسلط الضوء على المواهب الجديدة، ويمنحها فرصة للتطور والاستمرار، من خلال اهتمامه بإنتاجات السينما المستقلة، والأفلام التي يصنعها مخرجون من بلدان ليست فيها صناعة سينمائية، أو بلدان تمنع العروض السينمائية.

          ومع الاحتفال بالنتاج السينمائي الجديد في العالم يحتفل مهرجان الإسماعيلية في كل عام بالقديم من أعمال الرواد العرب والأجانب، من خلال تكريم شخصيات سينمائية عربية وأجنبية، وعرض أفلامها وإصدار كراسات حول تجاربها. واختير السينمائي الفلسطيني البارز ميشيل خليفي للتكريم في الدورة الأخيرة للمهرجان.

          من المسرح إلى السينما صعد اسم ميشيل خليفي كمخرج سينمائي رائد في تأسيس هوية وطنية للسينما الفلسطينية، من خلال أفلامه التي تجاوزت الحدود العربية إلى المشاهدين في كل أنحاء العالم، بعد أن عرضت وفازت بجوائز في مهرجانات السينما العربية والعالمية: كان، سان سباستيان، فالنسيا، قرطاج، وغيرها.ميشيل خليفي من مواليد الناصرة، ويحمل الجنسيتين الفلسطينية والبلجيكية، ومن أهم أفلامه: الذاكرة الخصبة، عرس الجليل، أنشودة الحجر، الجواهر الثلاث.

بانوراما الأفلام المغربية

          في الدورات السابقة كان المهرجان يعرض في برنامجه مجموعة من الأفلام العالمية المختارة خارج المسابقة، تحت عنوان «البانوراما»، لكنها في هذه الدورة اقتصرت على عشرة أفلام روائية مغربية مختارة، من أفلام المسابقة الرسمية، قدمها إلى المشاهدين الناقد السينمائي المغربي مصطفى المسناوي، وهي حصيلة فورة إنتاجية لم تعتمد على دعم حكومي مباشر، وإنما اعتمدت على تفعيل بند قانوني يشجع المواهب الجديدة على تحقيق طموحاتها الإبداعية، من خلال منح «بطاقة مهنية» لكل سينمائي جديد يخرج فيلما روائيا طويلا واحدا، أو ثلاثة أفلام قصيرة، وهذا ما دفع المخرجين الشبان إلى إنجاز أكثر من مائتي فيلم في السنوات الأربع الأخيرة.

لجنة التحكيم

          تشكلت لجنة التحكيم للدورة الحادية عشرة لمهرجان الإسماعيلية برئاسة ميشيل خليفي، وعضوية كل من المخرج المصري فؤاد التهامي، والباحث الفرنسي جيروم بارون، وفيليب شيا رئيس مهرجان سنغافورة السينمائي الدولي، والسينمائي الهندي هاوبام كومار الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان الإسماعيلية في العام الماضي عن فيلمه «قوة السلطة الخاصة للقوات المسلحة 1958».

          ومع حرص إدارة المهرجان على التنويع في انتماءات أعضاء لجنة التحكيم، فإنها اعتادت أن يكون أحد الفائزين في مسابقة في الدورة الماضية عضوا في لجنة التحكيم في الدورة التي تليها، مع حرصها على التوازن في الاختصاصات والاختلاف في الانتماءات الثقافية والجغرافية.

المسابقة والجوائز

          تتفرع المسابقة الرسمية في المهرجان إلى خمسة أقسام، هي:

  • - الفيلم التسجيلي القصير.
  • - الفيلم التسجيلي الطويل.
  • - الفيلم الروائي القصير.
  • - الفيلم التجريبي.
  • - أفلام التحريك (الكارتون).

          أما الجائزة الكبرى للمهرجان فتمنح لأفضل فيلم في المسابقات الرسمية الخمس، إضافة إلى الجوائز التي تمنحها لجنة التحكيم إلى فيلم واحد من كل مسابقة، والجوائز الموازية التي تمنحها جماعة السينمائيين التسجيليين المصريين، وجمعية نقاد السينما المصريين، وجائزة لجنة وسائل الاتصال الملائمة للتنمية، وجائزة مجلة «سينما» التي ترأس لجنتها الناقدة السينمائية اللامعة نبيهة لطفي.

بندر عبدالحميد

دمشق

ملتقى النحت.. صورة مصغرة لوطن مشتهى

          في الوقت الذي يجلس فيه المثقفون والمعنيون بالشأن الثقافي، يرثون الوضع الراهن، وتراجع الثقافة في سورية، وعجزهم عن التغيير بحجة أن الجهد الفردي لن يثمر ضمن آلية مهترئة وقوانين قزمت أي رغبة في التطوير، استطاع الممثل فارس الحلو أن «ينحت الصخر» لينجز مشروعه الثقافي الفني «ملتقى النحت» العام الماضي في بلدته مشتى الحلو السياحية، وبالرغم من كل العقبات استمر ونجح في تحديه ليعيد التجربة هذا العام على نطاق أوسع فجعله ملتقى دوليًا بمشاركة ثمانية فنانين سوريين وسبعة أجانب؛ (إيطالي، فرنسي، ألماني،استرالي، روسي، اكوادوري، أرميني)، كلٌ يجسد حسب رؤيته وتصوره لهذه التيمة، مما جعل أغلب المنحوتات - إن لم نقل جميعها- مرتبطة بالمرأة في الدرجة الأولى باعتبارها رمزًا للعطاء والولادة والأمومة والأرض... وداعمة للرجل ومجسدة للحب والجنس...

          بدأ ملتقى النحت بجهد فردي وتضافرت الجهود فيما بعد ليصبح عملاً جماعيًا مثابرًا دون أي فائدة مادية بل معنوية فقط لتجسيد الفكرة التي يتم العمل عليها وكيفية إيصال الحب إلى الناس وخلق مناخ اجتماعي ثقافي وسياحي أجمل، ضمن بيئة محيطة ساهمت في نجاح المشروع من خلال المساعدات التي قدمها أهل البلدة وغيرهم من المهتمين. أضف إلى ذلك العلاقة مع الطبيعة والتأثر والتأثير فيها، كذلك مع الناس في الشارع حيث يعمل النحاتون ولمدة شهر كامل في الهواء الطلق، وذلك أتاح للمتلقي متابعة تحول الرخام القاسي والكتلة الصماء إلى شكل آدمي يكاد أن ينطق مجسدا فكرة كل نحات على حدة، مما خلق تواصلاً بين الناس والفنانين من جهة، وعلاقة مع فن النحت والاستمتاع بما يجسده من جهة أخرى.

          ليس هذا فحسب بل كاد الملتقى أن يصبح الملتقى مهرجانًا ثقافيًا، لما قدمه من حفلات موسيقية لفرق عربية وسورية. أضف إلى ذلك معرض الكتاب، وكذلك ورشة لتعليم الأطفال مبادئ فن النحت والرسم وتركيب الفسيفساء،

          كل ذلك كفيل - إن استمر - في جعل بلدة مشتى الحلو بؤرة ثقافية وليس سياحية فقط، وإن كان من الضروري الاستفادة من خواص المكان والجو والبيئة التي تعتبر نموذجية لمثل هذه المشاريع خصوصا مع تعاون أهالي المنطقة وخلق جو حميمي مع المشاركين. وهذا ما دفع جميل صليبي إلى احتضان الملتقى ودعمه ماديا ويؤكد قائلاً «ما نريده هو إعادة ثقافة المنطقة الموجودة أساسا وروحها، خصوصا بعد سيطرة الحياة المادية، فالسياحة لدينا اصطيافية، لم لانحولها إلى سياحة ثقافية فنعطي قيمة أكبر للمتلقي، ويأتي فيما بعد كل محب للمكان والفن والثقافة». كل ذلك قلص الشرخ بين ماهو ثقافي واجتماعي، وساعد وجود النحاتين والإعلاميين وفارس الحلو كفنان بين الناس يتبادلون الأحاديث والضحكات، وربما لفت النحات الاكوادوري ماريو تابيا الأنظار إليه من شدة لطفه، وصنعه مجموعة «قلوب» صغيرة من الرخام يوزعها على الزوار والمعجبين بعمله والملتقى. وجدير بالذكر أن له تمثالا من المرمر باسم «سيدة الاكوادور» في كاتدرائية القديس بطرس - الفاتيكان 2005  فهو مبدع في استعراض تقنيته العالية وقدرته على إيصال الفكرة بذوق وأناقة وانسيابية، ويعتبر أن الصعوبة تكمن في الفكرة أما التقنية فتأتي مع الوقت وتختلف من نحات إلى آخر. لذا حاول أن يجد فكرة بسيطة تعبر عن الموضوع «جمال الحب» فاختار الحب الأمومي وجسده بامرأة حامل والرجل يدعمها من الخلف ويعانقها، أما القمر فهو حلمها بطفلها. حاول ماريو حسب قوله أن تكون المرأة سورية الملامح فقد ذهله جمال النساء في المنطقة وخصوصيتهم.

          كذلك حاول الإيطالي رينو جيانيني الذي غير فكرته فور تجواله ورؤيته للناس وشكل المرأة بعيدا عن شكلها في ثقافته والتي ألهمته فكرة أن «الرجل إذا أحبته امرأة ملك العالم»، فهو جالس كالملك على عرشه ومن خلفه امرأة تمسك به، ومن الجهة الأخرى يخرج ولد صغير من الماء مجسدا الحب في مستويات إنسانية مختلفة، فهو غير محصور بالرجل والمرأة فقط.

          أما الأرميني ساسون ينغيباريان، فقد عمل على امرأة تحتضن شجرة رمان مازجا بين الثقافتين ودلالة كل من العنصرين. كما جسد الاسترالي فرانكو داغا العلاقة بين ماهو إنساني وحيواني، من خلال الحصان كرمز للذكورة، والأنثى التي تتحول إلى طير وأطلق عليه اسم «روح الحب البيضاء». في حين اكتفى الفرنسي نيكولا فيري بامرأة ورجل يحبان بعضهما بعضًا. وباعتبار الأخير كان نجارًا فهو يفضل النحت على الخشب رغم أنه أصعب من الرخام حسب قوله ويضيف: «الخشب أكثر متعة ونعومة ويجب التعامل معه برقة، بينما الرخام أقسى ولاتظهر جمالية المنحوتة إلا بعد الانتهاء». ليس هو فقط يفضل الخشب بل كذلك سيلفيا ملكيان وهمام السيد اللذان عملا في ساحة البلدة، حيث عملت سيلفيا من خشب الزيتون امرأة مستلقية على الكرسي وأمامها طاولة، أما همام فقد نحت رولييف المرأة مستخدما أخشاب المنطقة على تنوعها.

          والعمل الأضخم في الملتقى كان لمحمد بعجانو، إذ مثل السيدة العذراء بملامح شرقية كامرأة ممتلئة تحمل طفلها. ولايوحي العمل بدلالات دينية بقدر قيمته الفنية والثقافية. أما الأسلوب المعتمد في الملتقى فهو التعبيري الواقعي، لتصل الأعمال بسهولة إلى المتلقي دون تعقيد، خصوصا أن العلاقة مع فن النحت باتت هزيلة ولابد من أساس يدعمها ويعرف بهذا الفن أولا ويكون ثقافة لدى المتلقي ترفع من ذائقته الفنية وقدرته على فهم العمل بشكل صائب.

          وربما كان أهم إنجاز للملتقى قدرته على جذب أكثر من سبعين طفلاً من مختلف الأعمار للمشاركة في ورشة تعليم مبادئ الفنون التشكيلية تحت إشراف عدد من المعلمين والمعلمات مثل يسرى محمد، ومحمد داني صاحب مؤسسة «داني» لتركيب الفسيفساء، وعبير وردة التي حدثتنا عن مراحل العمل وكيف بدأ الأطفال بشكل حر ثم تم تطوير الأفكار التي يعملون عليها وتحريك خيالهم، وقد أثبتوا تجاوبًا خصوصا مع ممثلي اليونيسيف أثناء زيارتهم وإعطائهم دروسا في حقوق الطفل وكيفية تجسيدها في الرسم والنحت. والأهم من وجهة نظرها أن الملتقى ساعد الأطفال ليس فقط على التعرف بفن النحت بل واحترامه.

          ويعتبر فارس الحلو الأطفال هدف مشروعه قائلا «إن وظيفة الملتقى تتمثل في لفت نظر الطفل وأهله لحالة جمالية لايستطيع الطرفان إلا الاستمتاع بها، مما يسهل التصور المستقبلي لأمنياتهم إن ملكوا الموهبة، بالتالي نكون قد كسبنا جمهورًا كبيرًا للنحت والفن التشكيلي يدعمنا في وقت انحسر فيه الجمهور وزاد الشرخ».

          كما أن لفارس الحلو في مشروعه تصورًا لصناعة الثقافة وتقديمها بعيدًا عن الطرق التقليدية فهو يسعى لإدخالها بطريقة عفوية تلتقي مع روح الرغبة في تلقيها لكن مع كل الصعوبات المادية والمعنوية والقوانين التي وقفت عائقا في بعض الأحيان ما الذي يضمن الاستمرار؟ يجيب فارس» الضمانة الحقيقية للاستمرار غير موجودة إلا إذا وقعت وزارة الثقافة والسياحة مذكرة تفاهم باعتبار المشروع دعما للسياحة الثقافية، إضافة إلى دعم بعض الجهات الحكومية وفي الدرجة الثانية الجهات الخاصة». ونجاح الملتقى كان بفضل جهود مؤسسات خاصة وحكومية، وتعاون وزارتي الثقافة والسياحة كذلك شركة الطيران... حتى فرانكو براتيني صاحب مقالع مايكل أنجلو في مدينة كرارة الإيطالية قدم أحجار الرخام الضخمة كهدية، بينما فرضت وزارة المالية في سورية الضرائب على هذه الحجارة!

          لكن لم اختار الممثل فارس الحلو فن النحت بالتحديد؟ «النحت نتائجه أبدية ولها استمرارية، والمكاسب الجمالية والثقافية التي يحققها تفوق الأعمال الأخرى المحصورة بمكان معين أو زمان معين. كما أن إيجاد متطوعين في فن النحت أقل صعوبة من الفنون الأخرى».

          لعل نجاح هذا المشروع المبدع سيشكل حافزا للاستمرار والتغيير، وهذه الروح التعاونية لابد أن تعيد التفاؤل والثقة بما فقدناه على مر السنين، وتثبت أن الشغف والعطاء لابد أن يثمرا مشاريع ثقافية وفنية ذات جدوى على المدى القريب والبعيد، قادرة على خلق مفهوم أجمل للمواطنة وصناعة مستقبل أفضل، وصورة مصغرة لما نرغب أن تكون سورية عليه.

ليلاس حتاحت

رام الله

تجارب فنية إيجابية في التعامل مع ذوي الاحتياجات الـخاصة

          ذوو الاحتياجات الخاصة هم بالضرورة متعرضون في أكثرهم للأذى النفسي والاجتماعي والاقتصادي والحقوقي، وبالرغم من أن المجتمع قطع شوطا لا بأس به في رعايتهم، فإن معاناتهم ما زالت بحاجة إلى التعامل معها على مختلف الصعد.

          فإن المعالجة باستخدام الفن تخفف آلام هذه الشريحة، وثمة حديث جمع الفنانين والأطباء النفسيين وعلماء النفس، فأنتج بعض الأعمال الفنية، ومنها مسرحية «رحلة عمري» ومن ميزات «رحلة عمري» المقدمة بأسلوب مسرح المنبر أنها تشجع ردود فعل للتعليق من الجمهور أو الكتاب، كل حسب منظوره، بمعنى أن هناك خصوبة في أرض المسرحية يمكن للمهتم أن ينشئ زرعه الخاص من خلالها.

          بالنسبة لجمهور العرض الذي وجد في قاعة عشتار برام الله، فقد كان جمهورا منتخبًا من المعالجين والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين، وسبب دعوة هكذا شريحة أن مسرحية «رحلة عمري» تتناول قصة امرأة من ذوات الاحتياجات الخاصة، بل قطاعا من ذوي الاحتياجات الخاصة أنفسهم، والأهم أنها من تمثيل ممرضين ومرضى ومعالجين من مستشفى الأمراض العصبية والنفسية في بيت لحم. لذلك، فمن الطبيعي أن يكون منظور جمهور رام الله هو منظورا طبيا وصحيا ونفسيا، وقد ظهر ذلك فيما بعد انتهاء المسرحية حين يعطى الجمهور فرصة بناء اقتراحات للتغيير وتنفيذها. بالنسبة لكاتب وصحفي، يمكن أن تستهويه فكرة كون الممثلين مرضى وممرضين ومعالجين، وقد يعنون مقالته: مرضى نفسيون يمثلون في رام الله، كنوع من جذب القراء، كون ذلك أمرا مثيرا للقراء.

          أما المهتمون بالمسألة الحقوقية، فقد يجدون مسرح المنبر، بشكل عام، ومسرحية «رحلة عمري» بشكل خاص، فرصة لقياس الوعي الحقوقي والمدني في القطاعات المختلفة للمجتمع الفلسطيني، حيث إن إقدام الجمهور على تقديم الاقتراحات التي في مجملها تنبثق من الوعي بحقوق الإنسان، بشكل عام، وحقوق المرأة والطفل والعامل والمريض والمهني.. حسب المعالجات التي قدمتها عشتار في رحلتها مع مسرح المنبر منذ عام 1997، هو إقدام ناتج عن تربية مدنية تلقاها مقدم الاقتراح، وهي فرصة للحقوقي والسياسي أن يقرأ مدى فاعلية وجرأة الإنسان الفلسطيني تجاه عمليات الديمقراطية والتغيير والإصلاح.

          وللمهتمين بالفن وذوي الاحتياجات الخاصة معًا، على محدودية عددهم، أو المهتمين بالفن والدراما حسب استخدامها تربويا أو غير ذلك، أن يطلعوا على هكذا تجربة مثيرة ربما هي الأولى من حيث تفاصيل العمل في الوطن العربي، خصوصًا في مشاركة ذوي الحاجات الخاصة في تمثيل المسرحية، فلهم أن يستعرضوا بدايات استخدام الفن العلاجي، والفن التعليمي، فقد بدأ العالم استخدام الفن في العلاج في فترة متأخرة، في الربع الأخير من القرن العشرين. لا بد أن إيمان عون تملك القدرة كمسرحية محترفة وكخبيرة مدرِّبَة ومُدرَّبَة في مجال مسرح المضطهدين ومنه مسرح المنبر، على التعامل النفسي والاجتماعي والثقافي مع البشر على اختلاف ثقافاتهم، كون المسرح بشكل عام يخاطب الإنسان من الداخل، وكون مسرح المنبر بشكل خاص يقوم على استفزاز المشاهد من الداخل، كي لا يتطهر هو فقط كما هو الحال في المسرح الكلاسيكي، بل يتجاوز ذلك إلى تغيير الآخرين.

          من أجل الحق والخير ضد الباطل والشر، فهو من جانب يضرب على يد المعتدي، ومن جانب آخر يمكن المعتدى عليه أن يدافع عن نفسه.

          وقد استخدمت المخرجة أسلوب الحكواتي، أو المنودراما، حين جعلت فاطمة تحكي قصتها للطبيب، فكان حديثها مونولوجيا، موظفا كحوار بينها وبين الطبيب، لكن من ناحية مسرحية، أعلم الحوار المشاهدين عن الشخصيات بأسلوب حيوي تعريفي عن الشخوص، والمكان والزمان.. وباقي العناصر. وبالطبع فإن مسرح المنبر لا يقوم على تقنيات وإخراج مركب، بل يميل إلى البساطة والتركيز على الداخل من أجل التغيير.

          ردود فعل المشاهدين من الجمهور المنتخب والجمهور العام، كانت في اقتراح معالجة أخرى، أو تغيير الأم، أو دور المدرس والزوج أكيد، ثم العلاقة مع الوالد (نفذ الاقتراح الطفل شريف 12 عاما).

          لكن المهم أنه في آخر ربع ساعة، اندمج الأخصائيون في نقاش حول الحلول استخدموا فيها مصطلحات خاصة بالطب النفسي والعلاجي، فكأن هؤلاء المعالجين يشخصون حالة في مستشفى.. حيث استفزتهم المسرحية في البحث عن حلول.

          لا شك أن وجود المرضى في هكذا عمل فني، يجعلهم أكثر وعيا بأنفسهم، وأكثر قدرة على الاتصال بالآخرين، وزيادة ثقتهم في أنفسهم والشعور بأن لهم دورًا، وتخفيف حدة العزلة التي يعيشونها، ويصبحون أكثر إمكانًا.

          من الجدير بالذكر أن مسرح المضطهدين  -ومنه مسرح المنبر - هو من تطوير برازيلي يقصد منه تمكين الناس ومنحهم فرصة للتعبير، كي يصبح المتفرج متلقيًا نشطًا، وسر ذلك هو في وضع الإنسان المتفرج مكان الشخصية، الذي هو في النهاية سر وجودي فلسفي.

تحسين يقين






باسمة العنزي





أحمد السقاف





سلطان السهلي





افتتاح مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة





افتتاح مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة





نموذج من أحد المعروضات في ملتقى النحت الذي شهدته مدينة دمشق





بعض رسوم الاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة





«رحلة عمر» مسرحية من تقديم ذوي الاحتياجات الخاصة قام بالمشاركة فيها أطباء وممرضون