فؤاد زكريا وغازي القصيبي.. تقديراً للشجاعة والاستنارة

فؤاد زكريا وغازي القصيبي.. تقديراً للشجاعة والاستنارة

ليست الجائزة بقيمتها المادية، ولكنها مناسبة مهمة نتذكر فيها الرجال وما حققوه من إنجاز، وجائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي هي لمسة وفاء في زمن عزّ فيه الوفاء، فهي ليست تقديراً رسمياً بقدر ما هي ترجمة عن الإحساس الشعبي الكويتي للذين ساهموا مساهمة علمية وفكرية في قضايا المعرفة، وقدموا خدمات جليلة لدولة الكويت كما تقول حيثياتها، ولعل مما يضاعف من قيمة الجائزة أنها تعطى في ذروتها الأولى لعملين جليلين من أعلام الإبداع والفكر العربي هما : الدكتور فؤاد زكريا والدكتور غازي القصيبي.

ولا يحتاج د. فؤاد زكريا إلى تعريف، فهذا المعلم والمفكّر وهب كل سنوات عمره من أجل إيجاد حّيز للتفكير العقلاني في حياتنا، ودافع عن استقلاله الذهني في كل المواقع التي شغلها، وكانت السلطة الوحيدة التي حددت منهجه ورسمت مساره هي سلطة العقل، فقد ولد في مدينة بورسعيد المصرية عام 1927 ونال شهادة الدكتوراه في الفلسفة عام 1956 ، ومنذ ذلك الحين وهو يشارك في الحياة الفكرية العربية كاتباً ومترجماً وباحثاً، وقد أثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب، وشغل منصبي رئاسة قسم الفلسفة في كل من جامعة عين شمس في مصر (1974) وجامعة الكويت (1974- 1991) ، ولم يعزله منصبه الجامعي عن المشاركة في الحياة العامة، بل أصبح طرفاً في كل القضايا التي ثارت من أجل حرية الرأي، وخصماً عنيداً لكل مظاهر الجهل والتعصب والغوغائية، ولعل أصدق الأمثلة على ذلك موقفه الجريء منذ الأيام الأولى للاحتلال العراقي لدولة الكويت عام 1990، لقد طرح جانباً حيرة المترديين من المثقفين العرب، وأخذ موقفه مع العدل ضد الطغيان، ومع الشرعية في مواجهة الهمجية، لقد قاتل

برباطة جأش مذهلة كل الدعاوى الزائفة التي تبنتها زمرة من المثقفين اليساريين والإسلاميين، وكان دفاعه عن قضية الكويت العادلة هو في الوقت ذاته دفاعاً عن قناعات فكرية لديه لا تقبل المساومة.

كما أن الدكتور غازي القصيبي لا يحتاج هو أيضاً لتعريف، فهو الوزير السابق والسفير الحالي للمملكة العربية الشقيقة في لندن، شاعر وروائي كبير، لم تحد مناصبه الرسمية من شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية وتقلد العديد من المناصب الرسمية والمهام السياسية، ظل صعوده في سلكها متوازياً مع تطوره الأدبي والإبداعي، وقد ترجم د. القصيبي سفارته إلى العالم الغربي إلى فعل قوي إبان فترة غزو الكويت عندما أصبح واحداً من أشد المقاومين للدكتاتورية، وفي مواجهة العدوان والغزو، وفي مقدمة من تصدى للذين مزّقوا الأمة العربية وأشاعوا بين ربوعها الفتن والمحن والدمار، فدافع بإيمان راسخ وقناعة أكيدة عن الحق الكويتي في صد العدوان العراقي عليه واعتبره عدواناً على الأمة العربية، وطعناً في قيمها وتاريخها ومبادئها، تصدى للأقلام التي خانت قضية الأمة العربية، فهو لم يرض أن تقوم هذه الأقلام بحملتها التضليلية كي تقدم قضية الوجود الكويتي بصورة خاطئة لأجهزة الإعلام الغربية، ولكنه كان يملك الحقيقة، ويملك القوة والمنطق اللذين أهّلاه لطرحها.

إن العربي تقدم من خلال ملفها الموجز هذا تحيتها لهذين العلمين، وتقديرها لمساهماتهما الفكرية وموافقهما العادلة.

 

سليمان العسكري

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




د. فؤاد زكريا





د. غازي القصيبي