مساحة ود

مساحة ود

طريقة للتفاهم!

هل كان عليه أن يجرب أمضى أسلحته في الشجار معها؟!، ورقته الرابحة والأخيرة! جرب كل ما يستطيع معها:

الطبقات الصوتية الضخمة والزاعقة، فإذا أطلق صوته مفرقعا في الهواء، ضحكت وانبرت تجرب طبقات صوتية أعلى وأشد!، وإذا احتمى بخندق من حيلة جديدة، كشفت أوراق العنب التي يغطي بهـا خندقه، تطلعه من جحره تقول وهي تنظر في عينيه: "هل جربت سلاحك الأخير؟ "، قال بعينين قلقتين: نعم! قالت: "وهل تراه سلاحاً ماضياً؟!، قال: وماذا أفعل إذن؟، إنك لا تحتاجين إلى زوج بل إلى مصارع! قالت: "حسناً، وأنا قلت لك.. أنفذ ما قلته بالحرف الواحد.. إن أمي تحتاج إلى وجودي معها، وأبي سيفرح كثيراً إذا عدت إلى بيته طفلة بضفيرتين. وأختي سوف تفسح لي مكاناً في حجرتها، والتمعت في عينيه دمعة، قال: "الكلام معك غير محتمل، أنت تضخمين الأشياء.. وأنا لم أكن أقصد ما قلت لك.. كنت ألوح فقط! قالت: "كنت تلوُّح بماذا؟! " سكت، تطلعت إليه في صمت وخرجت لتغلق له "الشبابيك " المفتوحة، تبعها، كانت تغلق آخر شباك، أمسك بكتفيها "وأنت بهذه البساطة تريدين العودة إلى بيتكم، ألا تتمسكين بحياتك معي؟! ".

استدارت، واجهته، قالت: لا، يحلو لي أن أعود بعجلة الزمن إلى الوراء أيام كنت طفلة وسعيدة، منذ تزوجتك حملتني هموم الدنيا. قال: "هل أنت جادة فيما تقولين؟! " قالت وهي تجفف دمعة تحدرت على خدها: نعم! دلفت مسرعة إلى حجرة نومهما، أخرجت له ملابس نظيفة قد طوتها بعناية، وتركتها له على منضدة صغيرة بجانب السرير أمسك بيدها الرقيقة الشاحبة، "ألا يمكن أن نجد طريقة للتفاهم دون أن تستخدمي كلمات كالأحجار، وتعبيرات كالأسنة، وعبارات كالسيوف القواطع؟، دون أن تفجري زلازل وبراكين لغات الغضب في العالم ؟ .. ألا يمكن مثلاً أن تخففي حدتك قليلاً؟

قالت في حسم: لا. مضت إلى المطبخ وخرجت وهي تحمل آنية الطعام، كانت تضع علي كل إناء ساخن غطاء من قطيفة مبطنة، قال لها: "لماذا ألبست الآنية تلك العمائم؟ " قالت وهي تزم شفتيها "لا عمائم ولا قبعات! إنها أغطية تحفظ الطعام ساخناً، هل هذه أول مرة تراني أفعل ذلك؟! قال: يا "ستي " أتحدث معك، أجاذبك أطراف الحديث، أعرف أنك منذ سنوات تحفظين لنا الأكل ساخناً بهذه الطريقة، فمن يحفظه لنا إذا تركت البيت؟! قالت: "همك على بطنك "!

قال: ألا يمكن أن تسامحيني، ألا تغفرين لي مرة هوى لحظة؟! دست ملعقة الحساء في قلب الإناء وقد رفعت أغطيته، صعد البخار إلى أنفه ساخناً، صارت ترفع الأغطية وتتصاعد روائح الطعام طازجة، دافئة، قربت طبقه وبدأت تصب له الحساء عندما وضعت الملعقة أمسك بكفها الناحلة، جذبها إلى فمه، قاومت، أصر على تقبيل كفها، تركتها له، كانت قد نسيت طبق الفاكهة في المطبخ، قامت لتأتي به، تبعها في استدارتها خارجة من المطبخ تلامسا جذب منها طبق الفاكهة، تدحرجت تفاحة خضراء صغيرة، نظرت إليه بعتاب، انحنت تلتقطها، وانحنى يلتقطها في نفس اللحظة، تدحرجت حبات التفاح جميعاً، مضيا يجمعانها، صار البيت بستاناً صغيرا من تفاح أخضر.

 

عزة بدر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات