إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

إخلاص و ... فئران

المختبرات حولتنا إلى فئران تجارب، بالمعنى الحرفي للكلمة، وصار مطلوبا منا أن نكون مخلصين في علاقاتنا العاطفية.. كالفئران.

وكلنا يذكر الخبر الذي تناقلته وكالات الأنباء نقلا عن تقرير علمي يقول إنه تم اكتشاف أن هناك "جينة" في جسم فصيلة من الفئران هي جينة الإخلاص، وأنه تم زرع هذه الجينة في فصيلة من الفئران، "اللعوبة" فتوقفت عن اللعب خارج (وكر) الزوجية، وصارت من سلالة قيس بن الملوح وجميل بثينة وروميو جولييت.

كنا مكشوفين من الخارج فصرنا مكشوفين من الداخل أيضا، ومن داخل الداخل. فالزوجة كانت تكتفي غالبا بالاستعانة بحاسة الشم عندها كي تكتشف رائحة " الخيانة" في عطر غريب، ثم استعانت بحاسة النظر تلتقط بها شعرة فوق القميص أو بصمة شفة، وبعض الزوجات لم يوفرن حاسة الذوق لاكتشاف أي طعمة "حريقة"، ثم تطورت مسألة اكتشاف " الخيانة" فصارت جهودا جماعية تقوم على مؤسسات، مهمتها أن تتعقب الزوج، وأن تتنصت عليه، وأن تصوّره في أوضاع مشبوهة، ودخلت التكنولوجيا حجرات النوم، بالصوت والصورة، ولم يعد الواحد آمنا على نفسه حتى،وهو ينام وحيدا، فهناك من يراقبه.

وأخيرا، حشرونا في المختبرات، وقالوا إن في كل واحد منّا جينات، واحدة للغضب وواحدة للكآبة، وواحدة لسرعة الهرب و.. واحدة للإخلاص.

اليوم التجارب على الفئران، وهذه بروفة أو مسودة، لأن حقل التجارب الحقيقي هو نحن بشحمنا ولحمنا وجيناتنا، وغدا سوف ينجحون في تصنيع أجهزة تكشف عن "جينات الإخلاص " في كل مرة نعود فيها إلى المنزل، وما إذا كان قد تم العبث فيها، ولن يكون مستغربا في المستقبل، أن تطلب الحبيبة من فتى أحلامها تقريرا طبيا يؤكد أن جينات الإخلاص عنده متوافرة وتتمتع بالمناعة، كما لن يتم تزويد كل زوجة بجهاز يعيد "شحن " جينة الإخلاص، تماما كالجهاز الذي نشحن به هاتفنا النقال. ثم سوف يأتي الدور على المصارف، وتنتشر بنوك الإخلاص، ولن تبخل الزوجات بوقت يصرفنه على كشف حساب الزوج قبل شروق كل شمس.

إننا لسنا التطور العلمي.. فهو ضرورة لابد منها وإن كنا نأمل أن يتوصل إلى اكتشاف جينات للثقة تزرع في أعماق كل امرأة شكاكة حتى تريح الرجل قليلا من هذا النكد العلمي.

 

أنور الياسين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات