لماذا ذهبت دعوات الإصلاح هباءً??

لماذا ذهبت دعوات الإصلاح هباءً??
        

          طالعت بكل اهتمام ما جاء في مقالة رئيس التحرير د.سليمان العسكري في (العربي) العدد (547) يونيو 2004م, تحت عنوان (دعوة الإصلاح العربي, هل يمكن أن تواجه التحديات?).

          وقد لامست هذه المقالة أهم قضية تشغل بال وعقول الملايين من المواطنين العرب, وهي دعوة الإصلاح العربي, فقد قام الكاتب بتحليل الواقع العربي من منطلق نقدي تشخيصي, مبينًا أسباب تعثّرنا, ومعرجًا على نكساتنا وأزماتنا التي لاحقتنا طوال الفترات الماضية, وكيف أن روّاد النهضة الأوائل وأجيالا طويلة من المفكرين والكتّاب ورجال الدين  رفعوا راية الإصلاح دون أن يحققوا الكثير من إصلاح أحوال الأمة.

          إننا - مع الأسف - لانزال نعيش وسط أمواج متلاطمة تقذف بنا هنا وهناك, ولم نستطع بعد الوصول إلى بر الأمان, بسبب افتقادنا مآرب النجاة, وكلما اقترب منا القارب تلكأنا في الإمساك به, وهكذا دواليك, فنحن دائمًا ما نضيّع الفرص السانحة التي تكون أحيانًا مهيأة وقريبة منا, وهذا هو حالنا مع دعوات الإصلاح, وأعتقد أن المشكلة تكمن أساسًا بالأنظمة السياسية أو النخب الحاكمة التي تعاملت مع دعوات المصلحين بصورة سلبية, بل وحاولت قمع أي دعوة إصلاحية داخلية, وتعمدت إغلاق الأبواب والمنافذ تجاهها, كما حاولت ممارسة أساليب الإقصاء والتهميش والإلغاء والمصادرة تجاه أي فكر نيّر. إن هذه الوضعية عكست نفسها على مجمل مناحي الحياة, وخصوصًا على المواطن العربي الذي أحسّ بنوع من الاغتراب, في ظل أجواء يسودها الكبت المفرط والقمع غير المبرر, فغالبًا ما تنتهك حقوق هذا المواطن المغلوب على أمره وتصادر حريته, كما يحرم من إبداء الرأي أو المشاركة في اتخاذ القرار. وفي ظل هذه الأجواء المعتمة, فضل الكثيرون من مواطني الوطن العربي ترك الوطن الأم, والهجرة إلى وطن بديل, لعلهم يجدون ما ينشدونه من حرية وحقوق ومساواة وعدالة...إلخ, وهذا ما أشار إليه الكاتب في سياق مقاله, مؤكدًا ضرورة (أن يصبح العالم العربي مكانًا آمنًا للعيش, وألاّ يتحول إلى أرض طاردة, تدفع مواطنيه في موجات الهجرة المروعة إلى الخارج). وحفاظًا على المواطن العربي من التشتت والضياع, ولكي يعيش في وطنه آمنًا مطمئنًا, نجد الكاتب يضع هذه المسألة في مقدمة النقاط أمام أي إصلاح للوضع العربي, وذلك لشعوره العميق بأهمية إنسانية الإنسان العربي الذي يعد أغلى رأس مال على الإطلاق, ودون تكريم هذا الإنسان, يستحيل إجراء أي إصلاح حقيقي يعول عليه...!!

          وإجابة على تساؤلات الكاتب التي أوردها في ختام مقاله بقوله: (هل تثبت التجربة الطويلة من العمل العربي المشترك أن الإصلاح والتنمية لابد من أن ينطلقا من القطر أولاً? وأن المشترك يأتي في مرحلة لاحقة بعد أن تصل الإصلاحات القطرية, كل حسب ظروفها الموضوعية).

          إن هذا هو عين الصواب, فالإصلاح والتنمية لابد أن يبدآ من القطرية, لأن تجربة العمل العربي الطويلة لم تحقق ما كنّا نطمح إليه على صعيد الواقع, وبدلاً من الإمساك بخيط العنكبوت الواهن, من الأفضل لنا جميعًا التحول إلى الإصلاح والتنمية القطرية لكونهما الطريق الطبيعي للوصول نحو الفضاء العربي الأوسع مستقبلاً ولنا في الدول الأوربية خير مثال, فهي حينما ارتقت وتطوّرت ونضجت الظروف الموضوعية لديها, أصبح الباب واسعًا أمامها كي تنضوي في فضاء أوربي أوسع من خلال الاتحاد الأوربي.

          وأعتقد أن الإصلاح والتنمية القطرية هما المنطلق أو القاعدة الأساسية نحو تجمع عربي فاعل وقوي, إذ إن معظم أقطارنا العربية مازالت تعاني اليوم مظاهر التخلف الاقتصادي وانتشار الأمية والبطالة والفقر, فضلاً عن مشاكل لا حصر لها, وبدلاً من إحراق المراحل أو القفز عليها بشكل عاطفي أو فورات حماسية يكون من نتيجتها الفشل, فالأنسب لنا التمهّل حتى تكتمل الظروف, ونصبح مؤهلين للقيام بعمل عربي مشترك فاعل وملموس على صعيد الواقع.

محمد عبدالرحمن العبّادي
محافظة الضالع - اليمن

 

   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات