الإنسانيات في زمن العولمة

الإنسانيات في زمن العولمة
        

          طالعت المقال المنشور بمجلة العربي العدد (552) نوفمبر 2004, للعالم الأنثروبولوجي د.أحمد أبوزيد بعنوان (الإنسانيات في عصر العلم) حيث ناقش هذا المقال الإجابة عن سؤال مهم هو: (هل يؤدي التقدم العلمي والتكنولوجي البارز في هذا العصر إلي تهميش البحث في الإنسانيات?). وتناول الكاتب أبعاد وجوانب المشكلة,  الإنسانيات والعلوم: تباعد أم تقارب?,نحو قيام مجتمع الثقافة الثالثة, موضوعات جديدة للإنسانيات وإحياء جديد للإنسانيات التي كانت بدأت تحتضر بمقاييس البحوث الأمبيريقية,التوازن المفقود بين ما تنفقه الدول المتقدمة - وبخاصة الولايات المتحدة - على البحوث العلمية, وما تخصصه للبحث في مجال الإنسانيات الكثيرة المتنوعة, وتكوين وإعداد أجيال جديدة تجمع بين الثقافتين.

          يعرف المجلس الوطني للدراسات الاجتماعية للولايات المتحدة الأمريكية مفهوم الدراسات الاجتماعية بأنها الدراسة المندمجة للعلوم الاجتماعية والإنسانيات من أجل تعزيز الكفاءة المدنية, وتقدم الدراسات الاجتماعية في برنامج المدرسة دراسة منظمة من خلال المجالات المعرفية التالية: الأنثروبولوجي, الأركيولوجي, الجغرافيا الاقتصادية, التاريخ, القانون, الفلسفة, علم السياسة, علم النفس, الدين, وعلم السوسيولوجي... وتقدم تلك المجالات المعرفية في منهج الدراسات الاجتماعية مع محتوى مناسب من الإنسانيات والرياضيات وعلم الطبيعة. والأهداف الأساسية للدراسات الاجتماعية هي مساعدة الطلاب لتنمية القدرة على اتخاذ قرارات عملية باعتبارهم مواطنين في مجتمع ديموقراطي يتميز بالتنوع الثقافي.

          إن الإنسانيات هي فروع المعرفة التي تهتم بدراسة التكوينات والاهتمامات البشرية, أكثر من اهتمامها بالعمليات الطبيعية والعلاقات الاجتماعية. وتضم العلوم الإنسانية (الإنسانيات) الفلسفة واللغة والأدب والفن والتاريخ. يشكِّل الماضي ذاكرة هائلة تحفظ تاريخًا طويلاً من التجارب الإنسانية والكونية. إنه يمثل بنية كلِّية تنطوي فيها الحصيلة النفسية والمعرفية لتجربة الإنسان في الكون, بل ولتجربة الحياة في الكون. لكن الخبرة الإنسانية باقية ومستمرة في الكون بقينا أم فنينا. فإذا لم نبالِ بمصيرنا, واستهترنا بقيمة وجودنا, واحتقرنا معاني خبرتنا وتجاربنا عبر العصور, فمع كلِّ مرحلة جديدة من مراحل ظهور هذه الإنسانيات نجد فجوة لا نستطيع ردمها فيما يخص انكفاء نوع وانتشار نوع جديد. تدلنا دراسة تاريخ الإنسان إلى أن سيرورة تطورية كانت تقود الإمكانات البشرية باتجاه معرفة عقلية متنامية. ليس من خلال الإنجازات المعرفية فحسب, بل ومن خلال تفتُّح مقدرات الإنسان النفسية والعقلية.

          ألا يجب أن نُدخِل مُعامِل التطور النفسي والعقلي للإنسان في معادلة التحدِّي والحل. إن دراسة تاريخ المعرفة الإنسانية تقودنا إلى الغوص في مسألة المعرفة ذاتها. كلما كانت إنجازات الحضارات المعرفية متوافقة مع (أسطورتها المعرفية) الحقيقية كان مستوى هذه الحضارات أرفع وأعلى. إن الأسطورة لم تكن مجرد تأليف أدبي كُتِبَ بهدف التسلية أو إقامة الشعائر الدينية, بل كان يشتق الإنسان منها مبادئه في الطب والزراعة, وبها كان يستشعر ذلك الجانب الداخلي فيه الذي كان ينمو وينضج. فدراسة الترجمة تشير إلى أن احترام التباينات الحضارية, وهو أحد أهداف تدريس التعددية الثقافية, يجب أن يدخل العلم فى القصة والشعر, والفيلم, والتاريخ, والفلسفة, والاجتماع.

          وقد فشل الوطن العربي في تطوير مناهج إنسانية صالحة للثقافة كما فشل في تحديد الموضوعات ذات الفعالية الإجرائية بالنسبة له, حتى بات ينظر للعلوم الإنسانية نظرة سيكولوجية وسوسيولوجية وأنثربولوجية, نظرات شك تمتزج بالخوف من هذه العلوم كأداة للاختراق الثقافي مع تطور وسائل الاتصال من إنترنت وقنوات فضائية.. ألخ.  ومن الظواهر اللافتة للنظر انتشار وزيادة أعداد الجمعيات والمراكز البحثية المهتمة بالإنسانيات في الوطن العربي والتي في معظمها تعتمد في تمويلها على جهات أجنبية وهذه الجهات هي مفتاح اللغز حول الاختراق الثقافي. وإن غالبية هذه الجمعيات تحمل عناوين حقوق الإنسان وحقوق الأٌقليات ومناهضة الاستبداد والتعصب والديكتاتورية ورعاية الضحايا والمقعدين وحل الصراعات.. إلخ.

قيود متعددة

          وقد أوضح تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003, أن الإنتاج العلمي في الإنسانيات والعلوم الاجتماعية في العالم العربي يخضع لقيود كثيرة, وتتدخل السياسة والقوانين المتصلة بها, بشكل مباشر أو بقنوات غير مرئية, في رسم الخطوط الحمراء له. وحينما ننقل عدسة الرؤية إلى حال الإنتاج الأدبي والفني, تتكشف لنا صور مختلفة, فمقارنة بضعف الإنتاج المعرفي العربي في البحث والتطوير التقاني, ومحاصرته في مجال الإنسانيات, تزخر المجتمعات العربية بإبداع أدبي وفني متميز يرقى إلى أعلى المستويات العالمية. وتسطع الصور الإبداعية في ميادين كثيرة منه, وهي ثمرة لجهد خلاق لا يحتاج إلى أدوات بحث باهظة الكلف أو لدعم مؤسسي.

          ومن الكتب الحديثة التي صدرت في مجال الإنسانيات, كتاب بعنوان (مصادر المعلومات المرجعية في الإنسانيات) للكاتبين د. محمد فتحي عبدالهادي ود. عبدالمجيد بوعزة, الطبعة الأولى القاهرة عام 2003م. حيث تعتبر المصادر المرجعية بمختلف أشكالها وأنواعها وموضوعاتها من أهم أنواع مصادر المعلومات نظرا لأنها ذات فائدة كبيرة في تلبية احتياجات الباحثين والدارسين من المعلومات والبيانات بسرعة وبدقة. وتتسم المصادر المرجعية بشموليتها وحداثتها وتنظيمها بطريقة تتيح الوصول إلى المعلومات بسهولة ويسر, لذلك لابد من وجودها بشكل دائم في المكتبات لكي تجيب عن أسئلة المستفيدين واستفساراتهم. إن هذا العمل يضم أبرز المصادر المرجعية الخاصة بمجال الإنسانيات وفروعه والتي يبلغ عددها حوالي 147مصدراً مرجعياً يضم الدين والأدب والفلسفة والفن. ويدور الكتاب حول هذا المنطلق ألا وهو المصادر المرجعية في مجال الإنسانيات وهو موجه لطلاب أقسام المكتبات والمعلومات وأخصائيي المراجع والمعلومات في المكتبات ومراكز المعلومات.

          إن القرن الواحد والعشرين يتطلب أن نفتح نوافذنا, وأبوابنا, ومسامعنا, ومن واجبنا تطويع مناهج العلوم الإنسانية بما يتلاءم مع واقع هذا الإنسان وبيئته الاقتصادية والحضارية فخوف الإنسان من هذه العلوم لا يعالج من خلال تكرار ببغائي عشوائي لمناهج غير صالحة للاستعمال في حالة هذا الإنسان. لم يعد مقبولاً أن يظل العلم خارج نطاق الثقافة فى هذا العصر, أن يحدث تزاوج بين الإنسانيات والمعرفة العلمية فى مختلف المجالات, يوم أن يصبح العلم جزءاً من الثقافة المتاحة للناس, يوم أن تتلاقى العقلية العلمية والثقافة العلمية لدينا مع التراث الفنى الذى ورثناه من الإنسانيات.

محمود سلامة الهايشة
المنصورة - مصر

 

   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات