أطياف وجدة

أطياف وجدة

شعر

نهران من ظمأ وخوف،
وردة نبتتْ مصادفة
على خط القوافل،
مهبط مستوحش للطائرات
تحطّ ثم تعود مسرعة إلى الأعلى،
انزلاق يد على جسد
من الأخطاء "وجدة"،
لم تزل من ألف عام ترتدي صحراءها
وتحالف الأسوار
كي تنجو من الريح العدوّة،
غير أن غزاتها تعبوا
ولم نتعب
وما برحت تصيخ إلى قطارات
ستخلف وعدها دوماً
وترحل باتجاه الشرق
ما برحت فنادقها تعدّ الشاي بالنعناع
للعشّاق لا يأتون،
والصلوات لا تكفي ليرفعها النخيلُ
إلى سماء ما
ولا يكفي البخورُ
لكي يقلّ دموعها نحو المحيط
فمن يصدّ الملح عن أطرافها
ويضخّ في "زنقاتها" الخرساء
أسئلة تصالحها مع الأسمنت
أو رئة
تصالحها مع النسيان؟،
هذا المركب المذبوح في بحر الجزائر
لا يجيبُ
ولا الغيوم على الجبال
تظلّل الأموات والنفط المهرّب
من محاجر تلمسانْ
نهران من ظمأ وخوف
ينهشان عروق وجدة كالأظافر
ثم ينتحبان في صمت
على الأبواب،
ليت لها يديْ مراكش الحمراء
كي تبني من الآجرّ
تمثالاً لعزلتها المقيمة،
أو غروب الشمس في "فاس"
لتغسل صدرها الذهبي
تحت قباب ماضيها
وترتجل الأذانْ
لكنها ليست سوى نصب
لأزمنة مضتْ
أو صرخة مرفوعة ضدّ الطبيعة
لا تصيبُ حقيقة غير الفراغ
ومرفأ غير الدخانْ
من أين يأتيها الغريب إذن؟
أقول،
ولا أرى حجراً يدل على منازلها
ولا أثراً لسيف "الزير" "2"
يدرأ عن مبانيها القراصنة الأوائل،
لا أرى سمّارها
في حلقة للأنس
أو شعراءها في المهرجانْ
قطع من الصمت المريب تجوب هدأتها
تلصق بالنوافذ
كلما اقترب المساء،
كأنّ أجنحة تطير بلا انتهاء
فوق ساحتها اليتيمة،
أو كأن خطى مغاربة سماويين
تدفعها على مهل
وتجعلها ظلال مدينة أخرى،
فأنّى لي أن أعرّفها
أنا الرحّالة الأعمى؟
وهل لي أن أصدق ما تلامسه يداي
من الزخارف والنقوش المغربية؟،
قلت: لا جدوى إذن!
سأعود من حيث ابتدأتُ،
منقّباً فيما وراء الاسم
عن معنى يخضّ دمي
كعاصفة من الخشخاش،
عن أرض بلا متنزّهين
تدور بي كالبحر فوق سفينة المجهول،
حيث، كمن تضاء له المدينة
في المنام،
تقدّمت نحوي يد أنثى
وطافت بي ممالك
لا يرى منها المسافر
غير برق أحمر الأمواج
يعدو بي وأتبعه
ويعدو بي وأتبعه،
فراشات من العبق اللذيذ
تطير في صدغيّ
لا تلوي على شيء،
دموع كارتعاشات النجوم
تسيل من ماء الحياة العذب
ثم تذوب في الأطراف
كالخدر الشديد
وأعود مما كنت فيه
فلا أرى الأنثى
ولا أجد المدينة،
بل سراباً جامداً يمضي
ويومئ من بعيد
لا شيء
إلا ذلك الوجد الذي زرعتهُ
في الأحشاء وجدةُ
قبل أن تنجو
وتتركني وحيداً من جديد

 

شوقي بزيع

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات