ظواهر أدبية لمعت ثم اختفت

ظواهر أدبية لمعت ثم اختفت

ملامح من قرن مضى

هناك العديد من الظواهر الأدبية التي تنامت بشكل لفت إليها الأنظار في سنوات معينة من القرن العشرين، ثم بدأت في التلاشي تماما، وراح أصحابها يدخلون إلى دائرة الظل بعد ان كانوا ملء السمع والبصر.

الغريب أن الظواهر التي سنتوقف عندها هنا، ارتبط ظهورها، واختفاؤها، على المستوى العالمي، بالصراعات السياسية العظمى، خاصة بين الشرق والغرب، مما يقلل من قيمة الأدب، ويكشف حقيقة مهمة بالغة المرارة، أن الأدباء كانوا أبواق دعاية، وأدوات تستخدمها الأيديولوجيات العالمية لمصلحتـها بصرف النظر عن أهمية الكتابة، أو رداءة مفرداتها.

ونعني بذلك أن أغلب الظواهر التي سنتناولها هنا، قد ارتبط ظهورها، واختفاؤها بالسياسة، ولايعني ذلك الرواية السياسية بشكلها المعروف، وهي التي نشطت في أمريكا اللاتينية، وفي بعض الدول الديكتاتورية في أنظمتها السياسية والاجتماعية.

سنلاحظ أن هذا النوع من الظواهر الأدبية المولودة ميتة قد ظهر في الشرق، والغرب معا، وقد لمعت هذه الظواهر في كل من المعسكرين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وظهور معسكرين سياسيين كبيرين، راحا يتراشقان بالآداب بدلا من المدافع، والصواريخ.

وتجمد الجواسيس

أولى هذه الظواهر هي رواية الجاسوسية..

وهذا النوع من الأدب ينشط إبان الحروب العسكرية، وبعدها بفترة من الوقت، كما لمع في النصف الثاني من القرن العشرين مع بداية الحروب الباردة، والغريب أنه لم يكن بنفس القوة بعد الحرب العالمية الأولى، وذلك لعدم ظهور أيديولوجيات أو صراعات حادة بين الدول عقب نهاية الحرب العظمى، لكن ذلك حدث بشكل حاد في النصف الأخير من القرن.

ولم تكن روايات التجسس الأولى، سوى أعمال أقرب إلى القصص البوليسية، ونظر القراء إليها بمنزلة أعمال هامشية تافهة، لكن ما إن اشتدت الحروب الباردة، خاصة بعد بناء حائط برلين، حتى ظهر كتاب في الغرب يكتبون عن الجواسيس الذين تسللوا إلى أرض الخصم، فجلبوا المعلومات، ونفذوا العمليات وصار العميل جيمس بوند بطلا غربيا ذائع الانتشار في الروايات التي كتبها إيان فلمنج، والقصص المصورة، والأفلام التي قام ببطولتها شون كونري.

وصار كتاب رواية التجسس بمنزلة الجنود الحقيقيين الذين يتم تلميع أسمائهم لصناعة أبطال من العملاء السريين، وكان هذا النوع من الإبداع هو الأكثر مبيعا في الغرب ابتداء من منتصف الخمسينيات، وحتى اختفى تقريبا مع أوائل التسعينيات عقب ذوبان الاتحاد السوفييتي.

ومن أبرز هؤلاء الكتاب جون لوكاريه، وفردريك فورسايث، واريك آمبلر، وكين فوليت، ولو نظرنا إلى رحالة لوكاريه على سبيل المثال، فسوف نجد أن روايته "الجاسوس الذي أتى من الصقيع"، قد توجته على قمة كتاب هذا النوع، وهذه الرواية المكتوبة عام 1963 تدور حول هروب عميل انجليزي إلى برلين الغربية عبر السور الذي قسم المدينتين.

وتعتبر رحلة لوكاريه في الكتابة، تاريخا لظهور واختفاء هذه الظاهرة الأدبية، فأغلب روايات الكتاب عن الصراع بين جواسيس بريطانيين، وسوفييت، وعندما اشتدت الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين كتب رواية عن الموساد، وعقب ظهور جورباتشوف كتب رواية عن تصالح بين الأنظمة باسم "المنزل روسي"، ثم بدأ يتوقف تماما عن كتابة الإبداع، وكانت كتبه الأخيرة قليلة العدد، وفي هيئة سير ذاتية، يجتر فيها الماضي.

إذن.. فبعد البيروسترويكا، ثم سقوط الاتحاد السوفييتي لم تعد هناك حاجة الى وجود جواسيس بنفس الشكل الذي عرفناه فيما قبل، وفقد القراء شهيتهم، لأن خصم الأمس، فقد أظافره، ولم يعد مصدر خوف، لذا نحت الجاسوسية، فعلا وكتابة منحى آخر تماما، واختفى لوكاريه وكل زملائه في حنايا التاريخ.

وفي العالم العربي، التفتت أجهزة الاستخبارات، خاصة في مصر، إلى أهمية هذا النوع من الكتاب، فبدأت تفتح ملفاتها، لأدباء بعينهم، وعلى رأسهم صالح مرسي، الذي حقق من خلال ما كتبه في هذا النوع شهرة فاقت الكثير من أقرانه، خاصة بعد نجاح مسلسل "رأفت الهجان"، وقد توقف صالح مرسي عن كتابة هذا النوع من الروايات في السنوات الأخيرة من حياته، لأسباب خاصة، واتجه كتاب آخرون مثل إبراهيم مسعود إلى تحويل أعمالهم إلى سيناريوهات أفلام أخرى مثل "الكافير" باعتبار أنه لايزال هناك نوع ما من الصراع القائم بين العرب وإسرائيل.

المنشقون.. هل هم أبواق للغرب؟

أما الظاهرة الثانية التي اختفت فهي رواية الانشقاق. والمنشقون، هم مجموعة من الأدباء الذين ينتمون إلى المعسكر الشرقي سابقا، خاصة الاتحاد السوفيتي، حاولوا انتقاد السياسات في داخل بلادهم إبان ازدهار التجربة الشيوعية، فعانوا الكثير من الاضطهاد، وتم إيداع الكثير منهم معسكرات الاعتقال، وهرب بعضهم بأساليب متعددة إلى بلاد الغرب، وتم تلقفهم باعتبارهم سلعة ثمينة، فتم منحهم الجوائز الكبرى، ومنها جائزة نوبل، فضلا عن حفلات التكريم، وحياة اجتماعية أفضل، وصار الأدب المنشق بمثابة أداة جيدة التوصيل يستخدمها الغرب لإثبات أن تجربة المعسكر الشرقي بالغة السوء، وذلك بشهادة المبدعين من أبنائه، مثل ألكسندر سولجنتسين "نوبل 1970"، يوسف برودسكي "نوبل 1987"، وألكسندر زينوفيف، ويوري كويلانوفسكي وغيرهم.. هذا إذا لم نأخذ في الاعتبار تجربة السلطات مع بوريس باسترناك صاحب رواية "دكتور زيفاجو" الذي حاول انتقاد التجربة الشيوعية، والثورة البلشفية، فسرب روايته عام 1956 إلى إيطاليا، وكان عليه أن يرفض جائزة نوبل في الأدب التي منحت له عام 1958، وذلك بضغط شديد من السلطات في بلاده.

وقد تعرض هؤلاء الأدباء إلى محنة حقيقية، عقب ظهور البيروسترويكا، وانفصال الدول الشيوعية عن سيطرة الاتحاد السوفييتي، وممارسة هذه الدول للديمقراطية على طريقة الغرب. فما كانوا ينادون به في كتاباتهم صار أمرا واقعا، أي أنه لم يعد لديهم أي سبب للانشقاق. وكانت المحنة الحقيقية التي تعرضوا لها هي: هل يمكنهم العودة إلى الوطن الأم، أم عليهم البقاء في الغرب، وكان أكثر هولاء تصالحا مع نفسه هو سولجنتسين، الذي تأخر قليلا في اتخاذ القرار لكنه من أجل أن يبقى صادق الوجه، قرر العودة إلى روسيا، ويبدو أنه توقف عن الكتابة.

أما الآخرون فان اسماءهم اختفت، لأنهم لم يعودوا أبواقا دعائية، ولا يعرف أحد أين هم الآن، بالطبع أكثرهم يقيم في منزل فخم، يطل على بحيرة جميلة، وقد طوى النسيان صفحته على المكان الذي يعيش فيه، وصارت أعمالهم صفحات غير مرغوب في إعادة فتحها من التاريخ.

وهناك اختلاف واضح بين رواية التجسس، وكتابات المنشقين، فالأولى روايات بلا قيمة أدبية، أما المنشقون، فلاشك أن الكثيرين منهم مبدعون متميزون، يستحقون أن ينالوا الجوائز، لكن الآن صارت أعمالهم شهادة على مرحلة "مرت"، وقراءتها أشبه بمطالعة جريدة الأمس، ولعل سولجنتسين كان أيضا في هذا الأمر أكثر ذكاء، فأحداث روايات عديدة كتبها تدور قبل الثورة البلشفية، أي أنه لم يعاصرها، وبالتالي فهي تصلح لكل زمان.

أدباء البيروسترويكا.. عمرهم قصير

ولدت الظاهرة الثالثة عقب تولي جورباتشوف مقاليد الحكم في الاتحاد السوفييتي، وبدا أن على الكتاب الذين يناصرون الشيوعية أن يتواروا خلف جدران النسيان، وكان لابد من ظهور جيل جديد يناصر سياسة جورباتشوف، وفي تلك الآونة لم تكن هناك نية لعودة الكتاب المنشقين من الغرب، وسرعان ما ظهر أدباء وجدوا فيما يفعله جورباتشوف هوى لأفكارهم، فراحوا يناصرونه إبداعيا، وكتبوا القصيدة، والرواية، وسموا بأدباء البيروسترويكا. وكان من الغريب أن اغلب هؤلاء الكتاب من الشيوخ الذين عليهم مناصرة جورباتشوف، وبدا على النظام السياسي أنه من الأسهل إتاحة الفرصة للكتاب المعارضين الذين آثروا البقاء في البلاد والسماح بنشر أعمالهم الممنوعة.

وظهر أدباء البيروسترويكا ليسرقوا الأضواء في الغرب والشرق معا، من الأدباء المنشقين، ومن أشهر أدباء هذه الفترة القصيرة للغاية هناك أناتولي ريباكوف، وأندريه سيفافسكي، واندريه بيتوف.

وفي هذه الفترة، لم تقف حدود التغيير الذي شهده الأدب في الاتحاد السوفييتي "سابقا" عند كتابة ونشر روايات تدين القهر والعنف السياسي والديكتاتورية، والانظمة التي حكمت البلاد لأكثر من سبعين عاما، بل إن تغيرا واضحا قد ظهر في نوعيات الكتابة، وقد تحدث بيتوف أنه قد صدم في تجربة الحرية المفاجئة التي حدثت، وبعد البيروسترويكا نشر رواياته القديمة مثل "في منزل بوشكين"، لكن لم يستطع أن يبتدع شخصيات لها نفس الثراء مثلما حدث في رواياته التي كتبها في أثناء دكتاتورية الرقابة، وردد في أسى عام 1989: "لم أكتب حتى الآن شيئا حول ما يحدث الآن في بلادنا، وأتمنى أن أستطيع الكتابة عن فترة من شبابي".

ولأن عمر فترة البيروسترويكا كان قصيرا للغاية، فان هؤلاء الأدباء الذين عانوا من القهر، لم ينعموا بما جاءت به رياح التغيير، فسرعان ما تفكك الاتحاد السوفييتي، وظهر ما يسمى بأدب القوميات التي انشقت عن الاتحاد السوفييتي ولأن ما يحدث في روسيا يهم الغرب كثيرا على المستوى الأدبي، وصار الأدب الروسي محليا في المقام الأول، يعرفه من يعيش داخل البلاد، ولم يصل الينا اسم واحد بارز، كما لا نعرف أن المترجمين في الغرب قاموا بتقديم كاتب متميز في التسعينيات إلى لغاتهم، مثلما كانوا فيما قبل متحمسين لتقديم المنشقين، وأدباء البيروسترويكا.

صديقي الديكتاتور!!

حدث هذا بالنسبة للأدب الذي ارتبط بالصراع بين الشرق والغرب، فسرعان ما تفكك الاتحاد السوفييتي نفسه، ومن الواضح أن هذا هو حال الأدب المرتبط بالسياسة، إنه أشبه بلعبة القط والفأر، فالقط لا يشعر بمدى تأسده إلا إذا كان هناك فأر عليه مطاردته، وذلك مع الفارق، فأدباء أمريكا اللاتينية، أبدعوا أفضل ما لديهم وهم في ظل الديكتاتورية، حاولوا مواجهتها بالكلمة، والمنفى، والسجن ولمعت أسماؤهم في العالم ابتداء من اوسترياس وروايته "السيد الرئيس" إلى سائر الاسماء التي نعرفها مثل ماركيز، وايزابيل الليندي وارنستو ساباتو، وماريوفارجاس يوسا، وغيرهم.

والغريب أن هؤلاء كانوا في قمة تألقهم الأدبي إبان تألق الديكتاتورية، فلما تغلغلت الديمقراطية على الطريقة الغربية في بلادهم، بدوا كأنهم قد افتقدوا سبب التوهج، ولم يعد أمامهم سوى إعادة صياغة كتاباتهم بأشكال أخرى، فـ "يوسا" مثلا صار في ظل الديمقراطية مرشحا لمنصب رئيس الجمهورية، وتوقف عن الكتابة منذ قيامه بهذه التجربة، وراح ماركيز يعيد منذ ثلاث سنوات صياغة بعض قصصه القصيرة، وبدا كأنه لا يجد موضوعا ساخنا مثل روايته "خريف البطريرك" التي يدين فيها الديكتاتورية. وقد انعكس هذا على جيل بأكمله، بدا كأنه ليس في أحسن حالاته عندما تخلى الديكتاتوريون، مثل بينوشيه، عن مقاعد الحكم، لأن من اسباب تألق مثل هذه الأعمال الكتابة ضد نظام قائم، أكثر من الحديث عن ماض زالت أسبابه ودولته.

وفي القرن العشرين، خبت مدارس، واتجاهات أدبية عديدة، كانت لامعة في عصرها، واعتبرت ظواهر خالدة جاءت لتحطم كل ما هو تقليدي، وتضيف أشكالا وصياغات جديدة، وإذا كان البعض لايزال تلميذا في مدرسة تيار الوعي التي لمعت على ايدي جويس وبروست، وإذا كانت مدرسة الرواية الجديدة تجد لها المزيد من التابعين، وهي التي تصور البعض أن عمرها سيصير قصيرا، فان هناك اتجاهات ادبية قد اختفت تماما، في حياة أصحابها، وشاهدوا بأنفسهم كيف تحول العالم، والمريدون عن أفكارهم واتجاهاتهم.

ولأنه، ما أكثر هذه الأمثلة، فسوف نتوقف عند اتجاهين برزا في القرن العشرين، الأول هو الإبداع في ظل الوجودية كفلسفة، وظاهرة اجتماعية عامة، والثاني هو مسرح العبث، الذي ارتبط بكل من يوجين يونسكو، وصموئيل بيكيت، وأسماء أخرى منها آداموف، وارابال، وغيرهم.

وقد توقفنا عند هذين المثلين لأسباب عديدة على رأسها، ارتباط ظهورهما، وذيوعهما بوجود أسماء معينة، فترعرعت في حياتها، كما خفتت إشعاعاتهم في أواخر حيوات أصحابها، وشهدوا بأنفسهم وهم في سن الشيخوخة، أفول الأضواء عن ظواهر صنعوها، وكانت ذات يوم ملء السمع والبصر، لدرجة أن الكثير من أصحابها نالوا جوائز نوبل، وهي الجائزة الكلاسيكية التي تمنح للإبداع التقليدي، فبدت وكأنها تخلع عن نفسها ثوب الحشمة الأدبية، لتؤكد أن التجديد في الأدب قد صار تقليديا مع مرور الزمن.

وقبل جان بول سارتر، كانت الوجودية فلسفة انسانية موجودة فقط في كتب الفلسفة وقاعات الدراسة، ولعل جابرييل مارسيل هو أول من كتب ابداعا يعبر فيه عن فلسفته، وكان المسرح وسيلته المفضلة إلى أن جاء سارتر، وقرر أن يحول الوجودية إلى سلوك إنساني، نحسه في أبطال رواياته ومسرحياته، أو في تصرفات الوجوديين في الحياة، فصارت الفلسفة أسلـوب حياة، وانتشر في باريس، وفي أنحاء العالم توافد الفنانين، ورجل الشعب العادي إلى ما كان فيما قبل فلسـفة، وصار سارتر، وأقرانه ظاهرة اجتماعية، وأدبية، توجت برفضه جائزة نوبل عام 1964.

وكان وراء سارتر مُبدع متميز، بدت ملامحه في رواية "الغثيان"، وثلاثية "دروب الحرية"، ومسرحيات من طراز "الذباب"، و"سجناءالطونا"، ونظر الناس إلى حديث الأخت إلى أخيها في "الذباب" باعتباره نداء إلى أهل فرنسا أن ينفضوا الندم عن نفوسهم، وأن يقاوموا الاحتلال النازي.

وقد أقبل الناس على الوجودية، حتى وإن لم يقرأوها، باعتبارها تنادي بالحرية، واستخدم الكثيرون هذه الكلمة لتفسيرها على هواههم، فلما جاءت الستينيات صارت الحرية ظاهرة اجتماعية شبابية، ومع مهرجان "وودستك" و"ثورة مايو 1968" في أوروبا، كانت الحرية قد وصلت إلى أوجها اجتماعيا، وبدا كأن الوجودية، قد أدت مهمتها اجتماعيا وثقافيا.

وبعد هذا التاريخ، صار الناس يتحدثون عن الوجودية باعتبارها "فعلا ماضيا"، لأنهم تعاملوا معها كقشور، وصار سارتر وسيمون دي بوفوار، وهما على قيد الحياة، مناضلين سابقين في قضية الحرية، وعندما مات الأول في أوائل الثمانينيات، ولحقت به الثانية بعد أربع سنوات، نشرت الصحف عنهما باعتبارهما من شخصيات الماضي، رغم أن ما نادت به الوجودية صالح لأزمنة عديدة.

أما مسرح العبث، فقد فتح آفاق التجريب في العالم كله ـ خاصة في المسرح ـ وقد اندهش المتفرجون عام 1951 حين طلع عليهم يونسكو بمسرحيته الأولى والذين أصابتهم الدهشة، هم الذين أقبلوا على هذا المسرح، وبدا يونسكو متمتعا بروح فكاهية عالية، جعلت من لايفهم أو لايتعاطف يضحك، أما بيكيت، فقد نبه الناس إلى أهمية الزمن "في انتظار جودو"، وحصل مسرح العبث على تمجيد ملحوظ من المتحمسين له، ولانشك في أنه قد أعطى للمبدع مساحة كبيرة من الحرية في الخروج على جميع الأشكال التقليدية، ووجد هذا المسرح تلاميذ له في كل أنحاء العالم، واجتمع هؤلاء المريدون على أساس أن من حق الكاتب أو المخرج أن يتخيل ما يشاء، وكلما حطم قواعد أرسطو، كان أكثر حرية.

ورغم وجود المسرح التجريبي في العالم، حتى الآن، فشتان بين ما كتبه يونسكو، وبيكيت "نوبل 1968" وما كتبه الآخرون، لدرجة، كما أشرنا، أن هذا المسرح صار هو نفسه كلاسيكيا، له قواعده، وحدوده، وفي نهاية القرن العشرين، بدا كأنه أيضا عمل من الماضي.

ومع بداية القرن الجديد، ثم مع عقوده المتوالية، سوف يتحدد بشكل واضح مصير بقاء هذه الظواهر الأدبية التي لمعت كالشهاب، ثم اختفت فجأة، فترى أي من الآداب والإبداعات ستبقى من زمننا لدى ابناء نهاية القرن الجديد، ونحن لانزال نقرأ دون كيخوته، وموليير، وبلزاك، وهيجو، وزولا..؟

 

محمود قاسم

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




صالح مرسي





ايزابيل الليندي





كن فوليت





سيمون دي بوفوار





يوسف برودسكي





يوجين أونسكو





ماريو يوسا





سارتر





أندريه بيتوف





سولجنتسين





الكسندر زينوفيف





جورباتشوف